• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عليٌّ.. كَهفُ الزائرين! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

عليٌّ.. كَهفُ الزائرين!

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أسكنَ إبراهيمُ خليلُ الرحمان عليه السلام بعضاً مِن ذريَّته عند بيت الله الحرام، ثمَّ دعا ربَّه عزَّ وجل لبقيَّة هذه الذريَّة بقوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم37).

استجابَ الله تعالى دُعاءه عليه السلام، وكانت تلك البقيَّةُ آل محمد عليهم السلام، فقال الباقر عليه السلام: إِنَّ الله خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ، وَخَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ، فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خَلَقَنَا مِنْه (تفسير القمي ج2 ص411).

ولقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وآله مِن قبلُ أنّ القلوب التي تهوي إليهم هي قلوب شيعتهم (تفسير فرات ص224).
وعن الباقر عليه السلام في تفسير الآية: آل محمد آل محمد، ثم قال: إلينا إلينا (تفسير العياشي ج‏2 ص234).

وهكذا تكثَّرَت الروايات عن العترة الطاهرة، فدلَّت بما لا يقبل الشكَّ أنَّ الله تعالى هو الذي تَصرَّفَ بقلوب الشيعة، فَحَبَّبَ إليهم أئمتهم، ولَيَّنَ قلوبهم لهم، وعطَّفَها عليهم.

يُدركُ الزائرُ لأمير المؤمنين عليه السلام سريعاً أنَّ الله تعالى قد جعل الأفئدة تهوي إليهم أحياءً وأموات، ويقول في زيارته عليه السلام: صَلَوَاتُ الله عَلَيْكَ، وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْك (المزار ص46).

ثم يستذكرُ بعضاً من ثواب زيارته حياً وميتاً، ذاك قولُ النبي (ص) للحسن عليه السلام:
بُنَيَّ مَنْ زَارَنِي حَيّاً أَوْ مَيِّتاً، أَوْ زَارَ أَبَاكَ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَزُورَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأُخَلِّصَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ (كامل الزيارات ص39).

هو ثوابٌ عظيمٌ ينالُه الزائرُ للنبي (ص) أو لأمير المؤمنين عليه السلام، لكنَّ الزائر غالباً ما يزورُ غافلاً عن هذا الثواب، لا باعثَ له على الزيارة أعظم من حُبِّه لهم عليهم السلام، لذا يكرِّرُ في مرقد أمير المؤمنين عليه السلام وفي سائر مراقدهم قوله:

اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي أَوْلِيَائِكَ، وَحَبِّبْ إِلَيَّ مَشَاهِدَهُمْ، حَتَّى تُلْحِقَنِي بِهِم‏.

يزرع الله تعالى محبَّةً آل محمدٍ في قلب المؤمن، ولمّا يأتي لزيارتهم يدعو الله تعالى أن يزيد من حبِّهم، فيستجيبُ الله له ذلك، وقد قال الصادق عليه السلام عن زيارة أمير المؤمنين عليه السلام:

فَإِنَّ زَائِرَهُ تُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ عِنْدَ دَعْوَتِهِ، فَلَا تَكُنْ عَنِ الْخَيْرِ نَوَّاماً (كامل الزيارات ص39).
تلكَ بُقعة (مِنْ بِقَاعِ الْجَنَّةِ) يستجيبُ الله تعالى فيها دعاء المؤمن، فيجدُّ ويجتهد فيها قدرَ وسعه وطاقته.

يقول النبي صلى الله عليه وآله في وصف هؤلاء المؤمنين:
إِنَّ الله جَعَلَ قُلُوبَ نُجَبَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ تَحِنُّ إِلَيْكُمْ، وَتَحْتَمِلُ المَذَلَّةَ وَالْأَذَى فِيكُمْ، فَيَعْمُرُونَ قُبُورَكُمْ، وَيُكْثِرُونَ زِيَارَتَهَا تَقَرُّباً مِنْهُمْ إِلَى الله، مَوَدَّةً مِنْهُمْ لِرَسُولِهِ (تهذيب الأحكام ج‏6 ص22).

هكذا يفهم العاقلُ سِرَّ حبِّ المؤمنين لآل محمدٍ، فقلبُهُم قَد خُلِقَ مما خُلِقَ منه الأئمة تكريماً من الله تعالى لهم، لأنَّهم صفوةٌ بعد الصفوة، ومنتجبون بعد المنتجبين.

فكما أنَّ الله تعالى نظر إلى الأرض فاختار منها محمداً وآله عليهم السلام وفضَّلهم على سائر الخلق، لعلمه بأنهم أطوع الناس له، وأشدّهم امتثالاً لأمره، وانزجاراً عن نهيه.

كذلك اختارَ منها شيعتَهم لعلمه بأنَّهم يتلونهم في الفضل، ويُسارعون في طاعة الله تعالى، فخلق قلوبهم من طينة الأئمة الأطهار، وحنَّنَها عليهم وإليهم، فبلغوا ما بلغوا من المكانة بحبِّهم لآل محمد عليهم السلام، وطاعتهم لله تعالى.

ولما كان لصاحب المرقد عند الله شأناً لا تُدرَكُ عظمته، وكان الزائرُ له مُحبَّاً، وبأذياله متمسِّكاً، وبه إلى الله متوجهاً، أعطاه الله أماناً من النار.

قال الصادق عليه السلام:
والله يَا ابْنَ مَارِدٍ، مَا يُطْعِمُ الله النَّارَ قَدَماً اغْبَرَّتْ فِي زِيَارَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (ع) مَاشِياً كَانَ أَوْ رَاكِباً، يَا ابْنَ مَارِدٍ اكْتُبْ هَذَا الحَدِيثَ بِمَاءِ الذَّهَبِ (تهذيب الأحكام ج‏6 ص22).

ليس عليٌّ وحده هو الذي يطفئ نورُه لهب جهنم، إنَّ الغُبار الذي يلتصقُ بأقدام الزائرين يصيرُ جُنَّةً ووقايةً من النار!
تلك النار التي سجَّرَها الجبّارُ ليُعاقبَ بها العُصاة، يعصى عليها أن تطعم من تغبَّرَ في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام وَوُلدِه!

ثمَّ ينيل الله تعالى هؤلاء الزوار منزلةً عظيمة، يقول النبي (ص) عنهم:
أُولَئِكَ يَا عَلِيُّ:
1. المَخْصُوصُونَ بِشَفَاعَتِي
2. وَالْوَارِدُونَ حَوْضِي
3. وَهُمْ زُوَّارِي غَداً فِي الْجَنَّةِ..

فَأَبْشِرْ وَبَشِّرْ أَوْلِيَاءَكَ وَمُحِبِّيكَ مِنَ النَّعِيمِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر (تهذيب الأحكام ج‏6 ص22).
فمَن ذا الذي ينالُ أعظم من شفاعة النبي (ص)، ويَرِدُ حوضه؟

إنَّ صاحبَ الدرجة الرفيعة في الجنة يزورُ صاحب الدرجة الدانية دونَ العكس، لكنَّ الله تعالى يُكرمُ من يكثر زيارة آل محمد ويتعاهد قبورهم بأن يُبيحَ له زيارة النبيَّ (ص) في أعلى مراتب الجنة!

ثمَّ يُتحفُ الله المؤمن والزائر بـ (قُرَّةِ الْعَيْنِ).. ذاك ما لا يخطر على قلب الإنسان ولو كان مؤمناً، ولو كان مخلوقاً من فاضل طينة الأئمة، لأنَّ المنزلة منزلة كرامة الله تعالى لعباده المؤمنين، وهذه الكرامة لا تُناسب هذه الدنيا، هناك حيثُ الكرامةُ والرِّفعة والشرف والرضوان من الله تعالى.

السلام عليك يا أميرَ المؤمنين، يا أول مظلوم وأول من غصب حقه..

يَا مَوْلَايَ إِنَّ كُلَّ مَزُورٍ عَلَيْهِ حَقٌّ لِمَنْ زَارَهُ وَ قَصَدَهُ، وَأَنَا وَلِيُّكَ، وَقَدْ حَطَطْتُ رَحْلِي بِفِنَائِكَ، وَ ألجأت [لَجَأْتُ‏] إِلَى حَرَمِكَ، وَ لُذْتُ بِضَرِيحِكَ، لِعِلْمِي بِعَظِيمِ مَنْزِلَتِكَ وَ شَرَفِ حَضْرَتِكَ..

هو لسانُ حالِ كلِّ مؤمنٍ بالله تعالى ورسوله ووليِّه، ففناءُ عليٍّ مَحطُّ الرِّحال، وحرمُه ملجأ المؤمنين، وضريحُه ملاذ الموالين.

وَلَا أَجِدُ حِرْزاً وَلَا مَعْقِلًا، وَلَا كَهْفاً وَلَا لَجَأً أَلجَأُ إِلَيْهِ سِوَى تَوَسُّلِي بِكَ إِلَى خَالِقِي، وَاسْتِشْفَاعِي لَدَيْكَ، فَهَا أَنَا ذَا نَازِلٌ بِفِنَائِكَ، وَلَكَ عِنْدَ الله المَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ، وَالْوَسِيلَةُ الشَّرِيفَةُ (المزار الكبير ص260).

لقد أوى فتيةٌ يوماً إلى كهفٍ فهيَّأ الله لهم من أمرهم رَشَداً، وأوينا إليك يا أمير المؤمنين، وأنت يا مولاي الكهفُ الحصين، وغياث المضطرين، وعصمة المعتصمين.

اللهم اربط على قلوبنا كما ربطت على قلوب أصحاب الكهف، وانشر علينا من رحمتك كما نشرت عليهم، وزدنا من فضلك بما فضَّلت به علياً (ع) على من سواه، إنك سميعٌ مُجيب.

اللهم لا تُخلِنا من هذه المشاهد الشريفة، والمواقف الكريمة، بمحمد وآله عليهم السلام، وعجِّل فرجهم، وسهِّل مخرجهم.
والحمد لله رب العالمين

الخميس 16 ذو القعدة 1443 هـ الموافق 16 – 6 – 2022 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169671
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28