• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : الجواد عليه السلام.. الإمام المعجزة   من جلسات سماحة آية الله الشيخ مصطفى الهرندي حفظه الله .

الجواد عليه السلام.. الإمام المعجزة   من جلسات سماحة آية الله الشيخ مصطفى الهرندي حفظه الله

 لطالما استوقفتني قضية الإمام الجواد عليه السلام، وما فيها من إشكاليات متعددة..
 
فقد ولد الإمام سنة 195 للهجرة كما ينقل.. ورغم أن تواريخ ولادات الأئمة ووفياتهم ليست منقولة بشكل دقيق حيث أن فيها آراء متنوعة.. لأن التاريخ الشيعي هو تاريخ مغبون.. هو تاريخ المعارضة التي لا توافق عليه السلطة الحاكمة بعد ان حاولت ان تُحنيه وتطوّعه..
 
المعروف انه ولد في سنة 195 وبقي مع أبيه الى سنة 200 عندما سافر والده الى مرو وتوفي في سنة 203 هـ ، ويقال بأن الإمام الرضا عليه السلام لم يخلّف إلا طفلاً واحدا وهو سيدنا الجواد عليه السلام، وهناك كلام أنه خلّف ولداً وبنتاً اسمها فاطمة وتروي عنه رواية واحدة.. هذه نقولات..
واتعجب كثيراً كيف ينقل العقل الشيعي كثيراً من الأمور حول الامام مع الاعتقاد بعصمته.. ولا مجال لذكرها ههنا..
 
وكل الزمان الذي عاشه الإمام مع والده لا يتعدى خمس سنوات، وعاش بعد سفر والده ثلاث سنوات أخرى في المدينة..
 
كلها ثمان سنوات ثم صار إماماً.. خليفة الله في أرضه في الثامنة من عمره.. واستشهد الامام عليه السلام سنة 220 كما يقال.. فكان كل عمره 25 سنة..
من حين ولادته الى حين سفره لم تنقل عنه الا أشياء يسيرة.. ثم تمر مرحلة غير مذكورة (مؤرخة) الى ان يحضر عند أبيه صلوات الله عليه في مرو ويجهزه.. لأن الإمام لا يجهزه ويغسله إلا إمام كما هو معروف (نذكر فلسفتها في وقت مناسب إن شاء الله).. ثم اختفى ذكر الامام الى ان دعاه المأمون الى بغداد بعد وفاة والده الإمام الرضا عليه السلام وذلك في سنة 205 .. وحصلت المواجهة بينه وبين علماء السنة وأثبت إمامته عليه السلام عملياً، وتزوج بأم الفضل..
 
بعد ذلك أيضا رجع الى المدينة، وعندما جاء المعتصم الى الحكم طلبه الى بغداد ثانية وسمته أم الفضل لعنها الله.
هذا ما يذكر عن حياة الإمام عليه السلام.
 
وفي حياته ميزة أن الخطورة التي كانت تشعر بها الخلافة العباسية من الامام كانت اكثر مما شعرت به من الامام الرضا عليه السلام، لانه صار صهر الخليفة، وبحسب التحليل السياسي فإنه اصبح الشخص الثاني في العائلة الحاكمة، وقد كان المعتصم انساناً جاهلاً وان اتصف بالشجاعة، والفاصل بينه وبين المأمون كبير، فكان الإمام الجواد الرجل المرشح للخلافة..
 
ومما ينقل عن خوف بني العباس ما ينقله المجلسي عن الاحتجاج: عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملّكَنَاه الله عز و جل وينزع منا عزا قد ألبسناه الله..‏(بحار الانوار ج50 ص74)
 
كان هناك خوف ان يستلم الخلافة، إذ لا يقاس به المعتصم ولا أي عباسي آخر.. ما استوجب محاصرة الإمام.. فهو صهر المأمون والرجل المرشح للخلافة.. فمنعوا من مداولة حياة الجواد ومن انتشار سيرته.. فبقيت حياة غامضة..
 
لم اشعر ببصمات ابهامه في التاريخ الا عند مجيئه الى الرضا في المشهد الشريف ثم دعوة المأمون له..
ولحد الآن لم اعثر على نصوص تاريخية حول كيفية مجيء الامام وهو طفل الى بغداد والفاصلة طويلة.. لا بد انه كان هناك حرس وما شابه..
 
ثم كانت الجلسة العلمية الكبيرة.. الجلسات العلمية متعددة.. ويُقال أنه سُئِل في بعضها ثلاثين الف مسألة وأجاب عليها.. ويتوقف بعضهم أنه كيف يمكن ذلك في مجلس واحد ؟ وهو مقدار لا يقل عن خمسة اضعاف القرآن الكريم..
 
والحل أنه قد سئل عن قواعد كلية تتضمن ثلاثين ألف مسألة..
يقولون أنه يمكن استخراج ستماءة الف مادة قانونية من قواعد العلامة الحلي..
 
هذا التفسير الذي نقدمه هو خطاب اجتماعي لان الخطاب ليس لخصوص طائفة من العلماء أو الفلاسفة أو المفسرين.. هذا ما اظنه قد سئل.. والا فحتى صاحب البحار يتوقف فيها.. ولو كانت قضية غيبية وتمكن الامام من التصرف بالزمان فان المخاطب لا يتمكن من ذلك..
 
ما اعتقده أن الإمام يولد اماماً معصوماً خالصاً يتصف بكل صفات الكمال، غاية الامر ان الامامة تبقى على مستوى الشأنية حال وجود إمام آخر..
أما أسرار الإمامة فهي معه منذ ولادته.. وإلا لو كان الانتقال بعد وفاة الإمام السابق فهذا يعني أن الإمام الذي استلم الامامة في ثمان سنوات افضل من الامام الذي استلمها بسن الأربعين مثلاً..
 
وقد قلنا ان أصول الدين تؤخذ من العقل، او من المزج بينه وبين الشرع..
قال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾ [مريم : 12]
وقال تعالى: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً﴾ [مريم : 29-30]
 
وما حصل مع الأنبياء كيحيى وعيسى هو تمهيد في الأديان السماوية لما حصل مع الإمام الجواد عليه السلام..
هناك خصائص في هذه الاسرة النورانية المباركة منذ خُلق الانسان الى ظهور الامام..
 
انا لا اناقش في قضية الامام انما اعطيها بعداً عقلياً بعيداً عن التعبديات.. إنها محاولة لتكوين نظرية عقلية لاقناع عامة الناس، حيث لم ينزل الخطاب الإسلامي لجماعةِ قرويين متعبدين فقط.. إذ فيه خطاب لكل الفئات..
 
فخصائص الامامة موجودة في الإمام من حين انتقال السر اليه أي انتقال القيادة الفعلية اليه، ولا يعني ذلك انتقال اسرار الولاية كالعلم والعصمة وما الى ذلك حينها فهي ملازمة له من حين ولادته.. والا يكون هذا القول كقول المخالفين. لا شك انه امام من حين ولادته..
 
كانت الزهراء عليها السلام تكلم أمها في بطنها، وهذه ليست خصيصة خاصة بها فكل الأئمة هكذا وان لم ينقل كل ذلك..
نفس الجينة التي جعلتها تكلم أمها هي الجينة التي تجعلهم هكذا..
 
ذكرتُ مراراً ان استشهاد المحسن عليه السلام كان باختياره وقراره.. لقد استشهد مختاراً مريداً وهو في بطن امه..
 
كما كان خروج الزهراء للدفاع عن إمام زمانها.. لأنها أعرف الناس بحق الإمام.. الزهراء المعصومة السيدة الكاملة التي لم يسجل تاريخ البشرية لها نظيراً.. رأت السيدة أن إمام زمانها قد تعرض للخطر فعلى كل واحد ان يدافع عنه، فانبرت للدفاع عنه وكانت منه كما كان هو من رسول الله ص مدافعاً عنه ص في المعارك كلما وقع في الخطر..
 
نحتاج الى إعادة النظر في بعض الأمور.
الطرق الى الامام كالتوحيد بعدد انفاس الخلائق، العقل يحكم بذلك..
 
وربط أصول الدين بالعقل يعطيها مناعة، أما ربطها بالنص فإنه يجعل النص هو المثبت لشخصية الإمام وهذا ما لا يمكن الاحتجاج به على غير المسلمين.. فالعقل هو عنصر مشترك بين عامة البشر، ولذا خاطب الله العقل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب(الفقيه ج4 ص369)‏..
 
فلا فرق بين الإمام الجواد والامام العسكري وامير المؤمنين عليهم السلام في ذلك.. أما مسألة الأفضلية فتحتاج الى قراءة جديدة ليس هذا مورد الدخول فيها..
 
ومما لا شك فيه ان لا فرق بين من استلم الخلافة في السابعة وبين من استلمها في الأربعين من الأئمة فكلهم حصّلوها بجدارة واستحقاق، فللسنّ فرق بين الناس العاديين لا المتفوقين الذين يدركون ما لا يدركه الناس طيلة أعمارهم ..
 
هذه خلاصة البحث عن الجواد، فهو كسائر الائمة عليهم السلام امام له كل شؤون الإمامة وكل خصائص الائمة وامتاز عن بقية الائمة باستلامه لمسؤولية الامامة قبل البلوغ..
 
وكما مهّد له الأنبياء مهّد هو ومن بعده من الأئمة لصاحب العصر والزمان..
 
عودٌ على بدء..
 
إن الإمامة العامة تثبت بالدليل العقلي، والإمامة الخاصة يقال أنها تثبت بالكرامة، وهذا اصطلاح فلسفي، ويقال بأن ما تثبت به نبوة النبي المعجزة وإمامة الإمام الكرامة، فما الفرق بينهما ؟ كلاهما معجزة.
 
إن الامام الجواد بنفسه معجزة .. فمن أين تعلم ؟
 
إنه معجزة من أكبر المعاجز في تاريخ البشرية، فلو قرأت تاريخ البشرية والنوابغ لا تعثر على شخصية مثله، وقد اتُفِقَ عليه بين السنة والشيعة، وأثبت تفوقه على كل علماء العامة في مجلس المأمون.. فلا يحتاج الى نص ولا معجزة ولا كرامة فهو بنفسه نص ومعجزة وكرامة كالسيدة الزهراء التي اثبتت عصمتها من حياتها لا من طريق النصوص، فنفس حياتها والمحطات الكبيرة الموجودة في حياتها تثبت أنها معجزة الله..
 
من أين تعلمت ؟
 
تسع سنوات في بيت النبي لم تلاق رجلاً والنبي مشغول مع المجتمع، وتسع سنوات في بيت علي والامام مشغول بالمشاكل والحروب، فمن اين تعلمت ؟
إنها معجزة لا تحتاج الى نص، فهي بنفسها معجزة بكل ما للكلمة من معنى..
 
وكذا الامام الجواد، فقد منعت السلطة العباسية من انتشار نصوص الامام لانه كان الشخصية الثانية، الامام كان متفوقا والمعتصم كان جاهلا فحاولوا طمس الامام حتى أُجبروا على شهادته لانه صار مانعاً أمامهم..
 
والا فمن يقدم على الاعتداء على شاب عمره خمس وعشرون سنة؟
 
حياته معجزة، فلا يحتاج الى نص. حياته تثبت أنه الامام والمعصوم وانه أولى الناس بخلافة الله تبارك وتعالى.. هذا لا يحتاج الى نص..
 
القوم لم يتركوا النصوص ولم يسمحوا بانتقالها، انها نصوص ممنوعة لا يمكن ان تنقل للرقابة والامن والاستخبارات..
 
انا اعتقد ان الامن الذي شكله العباسيون كان اشد من الذي وجد في زمن غيرهم، ومن ذلك الحراسة على قبر الحسين والضريبة وقطع اليد وو...
 
حياته تدل على امامته وخلافته.. وكلما تمكنا من عقلنة قضايا الامامة والنبوة كلما كان ذلك أدعى لإثباتها.
 
والحمد لله رب العالمين
 
الاثنين في الثالث من ذي القعدة 1434 للهجرة.. 9-9-2013م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170039
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28