• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : خُبز السيّد .
                          • الكاتب : سماهر الخزرجي .

خُبز السيّد

 كنا ننتظره بلهفةٍ وبشوقٍ كلما اقتربت الساعةُ من الثالثةِ مساءً، نصطف عند الباب كالزنابق، تشبح أنظارنا نحو ذلك الطريق، نعدُ تلك العجلات الرائحة والغادية_ واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة_ وتعلو ضحكاتنا وتتقافز الأرقام من أفواهنا متسلسلة.

تلوح عجلته من بعيد، من بين زحام العجلات، تنحدرُ نحونا لتنزل من ذلك التل، كتعرجات الطريق وتمايله تتمايل قلوبنا، فتعلو صيحاتنا وقفزاتنا، نحوم حوله كالفراش المنبثق نحو مصدر الضوء، يحملنا واحداً تلو الآخر مع ما ألمّ به من تعب، ذرى روحه من أجلنا، رائحة عرقه كرائحة المسك، أرجةٌ، لا أدري لِمَ تختلف عن رائحة بني البشر!
ينبري له أخي الأصغر ليسأله:
(اشجبت إلنه)؟
ويجيب بابتسامته المعهودة:
خُبز السيّد.
نهتف بصوت واحد(هي هي خُبز السيد)
تلك الفرحة التي كانت تجتاحنا_ وامي تقسّم الخبز بيننا بالسوية _ لم تبرح ذاكرتي، حتى إني لم أتذوّق مثلها فرحة حتى الآن! ما أسرع رواح الفرح، فما حلَّ حتى ارتحل!
نلتهم الخُبز بشوقٍ وحرصٍ على أن لا ننتهي منه بسرعة.
ونشعر أن البركة تدبّ فينا وتعطينا قوة وحصانة ضد الأمراض الروحية والمعنوية، كيف لا وهو قرص خُبز عُجن بيد السيد وتناولته يده المباركة.
مر نيف من الزمن حتى عرفنا أن (خبز السيد) هي تلك الخبزة التي تعدّها أمي بيديها المجعدتين ليتناوله في وجبة غدائه _ خُبزه كفاف يومه _ حينما كنا نتناول كسرة الخبز بفرح تأوّله نظرات عيوننا، كان أبي ينزوي في مكان راحته لتغزو عيونه الدموع لما قصرت يداه من أجلنا، لقد كان يطعمنا حبات قلبه. 
رحل أبي وترك بقايا روحه متناثرة في روحي، رحل ولم أعرف حتى الآن من هو السيّد وهل كان حقيقة أم نسج خيال ليسد به رمق صبية لا تهفوا أنفسهم لأكثر من الخُبز.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170417
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 6