• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حقيقة بكاء الإمام الحسين على أعدائه؟ .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

حقيقة بكاء الإمام الحسين على أعدائه؟

من الأمور التي لها بعض الشياع، والتي تُسمَع كثيراً هي مسألة بكاء الإمام الحسين على أعدائه لأنهم يدخلون النار بسببه!

وهذا كلام لا يُعلَم له مصدر، فهذه أقدم المصادر التاريخية التي ذكرت وقائع وأحداث معركة الطف بين أيدينا، لم تذكر هذه المسألة قط، بل ذكرت الضد لها وهو كثرة دعاء الإمام على أعدائه وبأقسى العبارات، وهذا هو الأمر الطبيعي اتجاه المعاندين الظالمين أعداء الله والدين.

وهذا الأمر الطبيعي قد ذكر القرآن له مصاديق من أدعية الأنبياء:

فعلى لسان نوح عليه السلام:  “وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا” (نوح 26).

وعلى لسان موسى عليه السلام: “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” (يونس 88).

وعلى لسان داوود وعيسى عليهما السلام: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” (المائدة 78).

وأما أدعية الإمام على أعدائه فقد ذكرتها المصادر الأولى لتدوين أحداث كربلاء، أمثال: مقتل الحسين للخوارزمي، وكتاب الفتوح لابن أعثم.

وكذلك ذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد، والعلامة المجلسي في البحار، وغيرها من كتب الفريقين وهذه بعض النماذج من دعائه عليه السلام:

اللهم فامنعهم بركات الأرض، وإن متعتهم ففرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا.
يا أمة السوء فبئس ما أخلفتم محمدا في أمته وعترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
اللهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأسا مصبرّة، ولا يدع فيهم أحدا إلاّ قتله، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أَنبنا وإليك المصير.
ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء عندك فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين.
ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته، فنزعه وسالت الدماء على وجهه، فقال الإمام: “اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا “.
لا مجال لتصديق بكاء الإمام الحسين على أعدائه
بعد هذه النصوص المثبتة تاريخياً، والتي لسانها الدعاء العام على كل أعدائه، فضلاً عن أدعية خاصة كثيرة دعا بها الإمام على أفراد بعينهم في المعركة كدعائه على عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وعبدالله بن حصين، ومالك بن حوزة، ومحمد بن الاشعث، وغيرهم كثير.

فلا يبقى مجال لتصديق قصة بكاء الإمام الحسين على أعدائه خصوصا أنها بلا مصدر ولا أساس أصلاً.

ولو تنزلنا وأردنا احتمال صحة رواية البكاء بالكاد فان الاحتمال فيها أن يكون قبل المعركة عندما كان هناك احتمال لتوبة القوم ورجوعهم، وقبل أن يقع بينهم السيف.

فعندما وقع السيف فلا مجال للبكاء بعد ذلك على أعداء الله فكانت نصوص دعاء الإمام السابقة هي الموقف النهائي منه عليه السلام اتجاههم، فيكون لسان حاله على نهج القرآن كموقف نبي الله شعيب (عليه السلام) كما في اﻵية:

“فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ” الاعراف 93.

أعظم الله تعالى أجوركم بمصاب سيد الشهداء ورزقنا وإياكم زيارته وشفاعته.

والسلام عليه يوم ولد ويوم أستُشهِد ويوم يُبعَث حيّا، وعلى جميع المستشهدين معه ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=171344
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20