• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نُجومُ السَّماء.. هَوَت في كربلاء ! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

نُجومُ السَّماء.. هَوَت في كربلاء !

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
تحملُ الزَّهراءُ سيِّدة النِّساء حُسَيناً عليه السلام، فيأخذُهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله مِن يدها، ثم يدعو على قاتليه ومَن أعان عليه، ثم يقول لها:
 
يَا بِنْتَاهْ، ذَكَرْتُ مَا يُصِيبُهُ بَعْدِي وَبَعْدَكِ مِنَ الأَذَى وَالظُّلْمِ وَالغَدْرِ وَالبَغْيِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي عُصْبَةٍ كَأَنَّهُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ، يَتَهَادَوْنَ إِلَى القَتْلِ (كامل الزيارات ص69).
 
يرُيد النبيُّ صلى الله عليه وآله الثناء على أصحاب الحسين عليه السلام، فيُشَبِّهُهُم بنجوم السَّماء..
 
فما وجهُ الفَضلِ والكمالِ في ذلك؟
وهل لنا مِن ثَمَرَةٍ تنفعُنا لو كانوا كنجوم السماء ؟
أم أن هذا يكشفُ عن منزلةٍ خاصةٍ بهم لا شأنَ للمؤمنين بها ؟
 
نجوم الهداية
 
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها في‏ ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام97).
 
لقد أرادَ الله الهدايةَ لعباده، وسخَّرَ لهم سُبُلَها، ونَصَبَ لهم أنواراً يُهتدى بها، ثم قال تعالى: ?مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ المُهْتَدي?، وكان أنبياءُ الله ورسلُه وأولياؤه من أهل العصمة أنواراً لله تعالى تُنيرُ كلّ ظلمةٍ، وترفعُ كلَّ غشاوةٍ، على تقلُّب الأحوال وتبدُّلها، في بَرٍّ كان ذلك أم في بَحر.
 
ثمَّ أعطى الله تعالى بعضَ خلقه المخلصين الصادقين كرامةً رفيعة، ومنزلةً سامية، لا تداني منزلة المعصومين، لكنَّها عظيمةٌ عند الله تعالى، نالَها بَعضُ أصحاب المعصومين عليهم السلام، كأصحاب الحسين عليه السلام، فصاروا نجومٌ يُهتدى بهم في الظُّلمات.
 
ولكن.. إلى أيِّ شيءٍ يهدي هؤلاء ؟ وبماذا صاروا نجوماً للهداية ؟ وما هي مرتبتهم عند الله تعالى ؟
 
لقد اتَّصَفَ خيرُ أصحابٍ بأنّهم:
 
1. الذابون عن توحيد الله
 
فقد ورد في زيارة الشُّهداء عبارةٌ عجيبة: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الذَّابُّونَ عَنْ تَوْحِيدِ الله‏ (المزار الكبير ص425).
 
فما معنى ذلك ؟! وكيف يصيرُ الشُّهداء في مقام الذَّبِ عن التوحيد ؟ وأعداؤهم من أهل التوحيد والإسلام!
 
إنّ لهذه العبارة تفسيران:
 
التفسير الأوّل: أنَّ أعداءهم وإن كانوا على ظاهر الإسلام، إلا أنّهم سلكوا سبيل نقض عرى الإسلام والوحدانية، لولا أن افتضح أمرهم بفعل الإمام الشهيد وأصحابه عليهم السلام، وهو العالِمُ بمآل الأمور حينَ قال: وَعَلَى الإِسْلَامِ السَّلَامُ إِذْ قَدْ بُلِيَتِ الأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلِ يَزِيدَ (اللّهوف ص24).
 
وقَد صدَّقَ يزيدُ قولَ الإمام بعد قتله سلام الله عليه، فقال لعنه الله:
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْكِ فَلَا  * * * خَبَرٌ جَاءَ وَلَا وَحْيٌ نَزَلَ
فصار الشهداء بهذا المعنى من المنافحين عن توحيد الله تعالى، قبل أن تُنقضَ عُراه في أمّة الإسلام.
 
التفسير الثاني: أنَّ الدِّفاع عن التوحيد هو الدِّفاع عن الإمام، فإنَّ معرفة الله تعالى لا تتم وتكتمل إلا بمعرفة الإمام، كما ورد عنهم عليهم السلام: إِنَّمَا يَعْرِفُ الله عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ الله وَعَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ (الكافي ج1 ص181).
 
ولما كانوا أبواب الله التي منها يؤتى، وكانوا الأدلاء عليه، فَهِمنَا لماذا: لَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ الله عَزَّ وجَلَّ (الكافي ج1 ص193).
 
وصار جلياً كيف صار هؤلاء الشهداء ذابُّون عن توحيد الله، فهم الموالون لأولياء الله، المعادون لأعداء الله تعالى، استكملوا بذلك حقيقة الإيمان، ودافعوا عن الله تعالى ودينه بدفاعهم عن إمامهم المعصوم.
 
2. العارفون بحجة الله
 
ولمّا صارت معرفة الإمام معياراً لمعرفة الله تعالى، كشفَ عظيمُ شأن الأصحاب عن عظيمِ معرفةٍ بالإمام عليه السلام، وقد ظهر ذلك في كلماتهم قبل أن يظهر في تضحياتهم..
 
ومِن بليغ كلماتهم في ذلك قول مسلم بن عوسجة للحسين عليه السلام: أَ نُخَلِّي عَنْكَ وَلمَّا نُعْذرْ إِلَى الله سُبْحَانَهُ فِي أَدَاءِ حَقِّكَ.. وَالله لَا نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ الله أَنْ قَدْ حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِ الله (ص) فِيكَ (الإرشاد ج‏2 ص92).
 
كلمةُ رجلٍ يعلم أنَّ للحسين حقاً في رقبة كلِّ مؤمن، لا يُعذَرُ بالتقصير في أدائه، ويعلم أنَّ حقَّهُ من حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنَّ رسول الله يُحفظ في آله الأطهار.
 
وكلَّما تأمَّلَ متأمِّلُ في كلمات هلال بن نافع للحسين عليه السلام ازداد عجباً بقدر معرفته وصحبه به عليه السلام، حين قال له (ع):
فَسِرْ بِنَا رَاشِداً مُعَافًى، مُشَرِّقاً إِنْ شِئْتَ وَإِنْ‏ شِئْتَ مُغَرِّباً، فَوَ الله مَا أَشْفَقْنَا مِنْ قَدَرِ الله، وَلَا كَرِهْنَا لِقَاءَ رَبِّنَا، وَإِنَّا عَلَى نِيَّاتِنَا وَبَصَائِرِنَا، نُوَالِي مَنْ وَالاكَ وَنُعَادِي مَنْ عَادَاكَ (بحار الأنوار ج‏44 ص383).
 
فقد كشفت عن عظيمِ إدراكٍ لمكانَة الإمامة والإمام، فهو كسائر الأصحاب يعلمُ أنَّ الهدى والرَّشاد منحصرٌ في اتّباع الحسين عليه السلام، وأنَّ الحقَّ يدور معه كيفما دار كأبيه عليّ عليه السلام، وأنَّه إمامٌ قام أو قعد، وأنَّ المؤمن مكلَّفٌ باتّباعه مهما فعل، سواءٌ علمَ وجه الحكمة في فِعاله أم لم يعلم، لأنَّه الإمام المعصوم المطهَّر عن العيوب.
 
وهذا القَدرُ من التسليم لا يكون إلا للمعصوم عليه السلام، فمَن نزَّلَ غيرَ المعصوم منزلة المعصوم في ذلك كان جاهلاً بمقام الإمامة، وهذا بابٌ آخر من أبواب الابتلاء والامتحان لنا في أيامنا هذه وفي كلّ يوم.
 
ثم يكشفُ كلامه عن تسليمٍ عظيمٍ لأمر الله تعالى، ومعرفةٍ عميقة بمعاني القضاء والقدر، وإيمانٍ رفيعٍ تُنيرُ دربَهُ البصيرةُ، حينما يصيرُ المعصومُ معيارَ الحقّ المطلق، فيُستَكمَل الإيمان بموالاته ومعاداة أعدائه.
هكذا يظهر لنا شيءٌ يسيرٌ من عظمة هؤلاء الأصحاب..
 
3. الناصرون لكلمة الله
 
لقد أخذت المعرفةُ العظيمةُ بالإمام أصحابَهُ إلى أسمى المراتب، فما ضعفوا وما استكانوا في نصرة إمامهم.
 
ههنا يصفُ الصادق عليه السلام هؤلاء الأصحاب بأوصافٍ عجيبة، يقول فيها:
وَمَا ضَعُفْتُمْ، وَمَا اسْتَكَنْتُمْ، حَتَّى لَقِيتُمُ الله عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ، وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الله التَّامَّةِ.. أَشْهَدُ أَنَّكُمْ قَدْ جَاهَدْتُمْ فِي سَبِيلِ الله، وَقُتِلْتُمْ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ الله (ص) وَابْنِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ (الكافي ج4 ص574).
 
أوصافٌ شريفةٌ تكشفُ كلُّ واحدةٍ منها عن منزلةٍ عظيمة، لكنّ أغرب ما فيها هي أنّهم استشهدوا وقد نصروا (كَلِمَة الله التَّامَّة) !
لقد عَلِمَ هؤلاء عظمة الحسين عليه السلام فنصروه تلك النُّصرة.
 
ولئن كان الله تعالى قد ألقى (كلمته) في مريم عليها السلام فقال تعالى: ?إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ القاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ? (النساء 171).
 
فصارَ لعيسى عظيم المنزلة عند الله، فإنّه تعالى قد جعل (كلمته التامة) مع الحسين عليه السلام، وأين مقامُ (الكلمة) من (الكلمة التامة) ؟
ففي حديث اللوح عن الباري عزَّ وجل:
وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي.. جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ، وَحُجَّتِيَ البَالِغَةَ عِنْدَهُ (الكافي ج‏1 ص528).
 
استشهد إذاً أصحاب الإمام على سبيل الحقّ، ونصرة كلمة الله التامة، فأيُّ مديحٍ يستحقُّ هؤلاء ؟
 
لقد ذكر الله تعالى الحواريين لما نصروا (كلمته) عيسى، وضرَبَ بهم مثلاً حين قال: ?يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ الله كَما قالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصاري إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ الله? (الصف14).
 
لكنَّ نصرة الحواريين لعيسى لم تكن أعظم من نصرة أصحاب الحسين له عليه السلام.
 
فأصحابُ الحسين تميّزوا بأمور منها:
 
الأمر الأول: أن الحواريين نصروا كلمة الله، وأنصار الحسين نصروا كلمة الله (التامة)، فالحسين أعظم من المسيح، ومَن نَصَرَهُ كان أعظم ممّن نَصَرَ المسيح.
 
الأمر الثاني: أنّهم كانوا أطوَعَ للحسين من الحواريين لعيسى، وقدَّموا أعظم مما قدّموا، فهم من أعلى مراتب الشيعة الذين قارن الإمام بينهم وبين الحواريين فقال:
 
وَمَا كَانَ حَوَارِيُّ عِيسَى بِأَطْوَعَ لَهُ مِنْ حَوَارِيِّنَا لَنَا.. فَلَا وَاللَّهِ مَا نَصَرُوهُ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَا قَاتَلُوهُمْ دُونَهُ، وَشِيعَتُنَا والله لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ قَبَضَ الله عَزَّ ذِكْرُهُ رَسُولَهُ (ص) يَنْصُرُونَّا، وَيُقَاتِلُونَ دُونَنَا، وَيُحْرَقُونَ وَيُعَذَّبُونَ وَيُشَرَّدُونَ فِي الْبُلْدَانِ (الكافي ج‏8 ص268).
 
فصار أصحاب الحسين أرفَعَ نموذجٍ لمن ينصر الله ورسوله، ويقاتل دون الطيبين من آل محمد (ص).
 
أما نقل الإمام السجاد عليه السلام قولهم جميعاً ليلة عاشوراء، حينما أحلَّهم الإمام الحسين وأخبرهم أنهم إن بقوا سيقتلون فقالوا: لَا نَخْذُلُكَ وَلَا نَخْتَارُ العَيْشَ بَعْدَكَ، فَقَالَ (ع): إِنَّكُمْ تُقْتَلُونَ كُلُّكُمْ حَتَّى لَا يُفْلِتَ مِنْكُمْ وَاحِدٌ، فَكَانَ كَمَا قَالَ (ع) (الخرائج والجرائح ج‏1 ص254).
 
أما رفضوا تركه وقالوا: لِمَ نَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ لِنَبْقَى بَعْدَكَ ؟ لَا أَرَانَا الله ذَلِكَ أَبَداً.
أما كان فعلهم مُصَدِّقَاً لقولهم لمّا قالوا: تفديك [نَفْدِيكَ‏] أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَأهلونا.. فَقَبَّحَ الله العَيْشَ بَعْدَكَ (الإرشاد ج‏2 ص92).
 
لقد فتح هؤلاء الأصحاب باباً لم يعهده الخلق، حينَ تمنّوا صادقين أن يكون لديهم ما هو أعزَّ عليهم من أنفسهم ليدفعوا به القتل عن إمامهم.. ولكن هيهات هيهات.. جرى القضاء.. وما وجدَ أحدُهُم شيئاً أعزّ من نفسه وأمواله وأهله يدفع بهم عن ابن بنت رسول الله.
 
لقد قال قائلهم: لو قدرتُ على أن أدفع عنك الضّيم أو القتل بشي‏ءٍ أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت، السلام عليك يا أبا عبد الله، أشهد أنّي على هُداك وهدى أبيك‏ (تسلية المجالس ج2 ص298)‏.
 
هؤلاء هُم نجوم السماء، نجومٌ في الهداية، اقتبسوها من هُدى عليٍّ والحسين وآله الأطهار، وكانوا خيرَ أنموذجٍ لأوفى أصحاب.. ولا يزال هؤلاء الأنصار قدوةً للمؤمنين على مرّ الأيام، ونجوماً تُنير الدرب مهما أظلم.
 
4. مِن سادة الشهداء
 
لهذا ولغيره، صار أصحاب الحسين مِن سادة الشُّهداء يوم الحساب، فعن النبيِّ (ص) لما تذكَّرَ ما يصنع بالحسين عليه السلام وهو في مسجده في المدينة قال: فَيَرْتَحِلُ عَنْهَا إِلَى أَرْضِ مَقْتَلِهِ، وَمَوْضِعِ مَصْرَعِهِ، أَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ وَقَتْلٍ وَفَنَاءٍ، تَنْصُرُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، أُولَئِكَ مِنْ سَادَةِ شُهَدَاءِ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَة (الأمالي للصدوق ص115).
 
وفي زيارتهم عن الصادق عليه السلام: أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَنْصَارُ الله، وَسَادَةُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة (الكافي ج4 ص574).
 
لقد جمَعَ هؤلاء شهادات العَظَمَة والمجد التي صدرت من المعصومين لسان وحي الله، وهذا الإمام الهادي عليه السلام يقول فيهم:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا خَيْرَ أَنْصَارٍ.. أَشْهَدُ لَقَدْ كُشِفَ لَكُمُ الغِطَاءُ، وَمُهِّدَ لَكُمُ الوِطَاءُ، وَأُجْزِلَ لَكُمُ العَطَاءُ، وَكُنْتُمْ عَنِ الحَقِّ غَيْرَ بِطَاءٍ (المزار الكبير ص495).
 
هكذا أيضاً يُفهم قول الرسول بحقهم (يَتَهَادَوْنَ إِلَى القَتْلِ)، أي يتسابقون علىه، كيف لا وقد كشف لهم الغطاء، فرأوا ما لا يرى الناس.
 
5. وعمَّت مصيبتُهم كل مؤمن
 
لقد عرفَ الشُّهداء حجَّةَ الله تعالى، وناصَروه بلسانهم وسيفهم وأنفسهم ودمائهم، فامتزجت دماؤهم بدمائه، فرفعَ الله شأنَهُم، وحَفِظَ ذِكرَهم، وعظَّمَ أمرَهُم، وجَعَلَ مُصيبَتَهُم مصيبةً لكلٍّ مؤمن موالٍ محبٍّ لآل محمد (ص).
 
وهذه منزلةٌ جليلةٌ عظيمةٌ لا يؤتاها إلا الأوحديُّ من الخلق، فإنّ المؤمن إذا مات كانت مصيبته مخصوصةً بأهله وأقربائه وأحبائه، لكنَّ الشُّهداء في يوم عاشوراء قد عمَّت مصيبَتُهم عالَمَ الإيمان، فصارت مصيبةً لكلِّ مؤمنٍ يبكي على الحسين عليه السلام إلى قيام الساعة!
 
وهذا نصٌّ من الصادق عليه السلام يشير فيه إلى هذا المعنى الجليل حين يقول:
لَهْفِي عَلَيْكُمْ، أَيُّ مُصِيبَةٍ أَصَابَتْ كُلَّ مَوْلًى لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، لَقَدْ عَظُمَتْ وَخُصَّتْ وَجَلَّتْ وَعَمَّتْ مُصِيبَتُكُمْ، أَنَا بِكُمْ لَجَزِعٌ، وَأَنَا بِكُمْ لَمُوجَعٌ مَحْزُونٌ، وَأَنَا بِكُمْ لَمُصَابٌ مَلْهُوفٌ.. !
 
لَقَدْ بَكَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، وَحَفَّتْكُمْ، وَسَكَنَتْ مُعَسْكَرَكُمْ، وَحَلَّتْ مَصَارِعَكُمْ، وَقَدَّسَتْ وَصَفَّتْ بِأَجْنِحَتِهَا عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لَهَا عَنْكُمْ فِرَاقٌ إِلَى يَوْمِ التَّلَاقِ، وَيَوْمِ المَحْشَرِ، وَيَوْمِ المَنْشَرِ (كامل الزيارات ص243).
 
أمام هذه الكلمات ينكسِرُ القَلَم!
 
فأيُّ مكانةٍ ومنزلةٍ بلغها هؤلاء ؟! وأيُّ إخلاصٍ كان عندهم حتى وصفوا بذلك؟! وماذا قدَّموا حتى نالوا ما لا تُدرَكُ عظمته ؟!
 
نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لنعرف مكانتهم عنده، ونسلِّط الضوء على بعض ذلك، وأن يرحمنا لِجَزَعِنا عليهم، كما رحمنا لجزعنا على سيد الشهداء  الحسين المظلوم..
 
وإنا لله وإنا إليه راجعون

الشيخ محمد مصطفى محمد مصري العاملي 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=171370
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28