• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من وحي أرض الطفوف / 4 .
                          • الكاتب : عبود مزهر الكرخي .

من وحي أرض الطفوف / 4

ولو أكملنا ما أشرنا إليه في جزئنا الثالث وما ذكره الكاتبين المصريين طه حسين وعباس محمود العقاد ، وهم من متبني أن واقعة الطف كانت بتخطيط بشري وهناك الكثيرين الذين لا يخرجون عن هذا الاتجاه والرأي ومنهم الكاتب مأمون غريب وغيرهم الكثيرين.
وهذا الرأي يفسر بأن الأمام الحسين كان أنسان بشري وله انفعالات بشرية وخصوصاً أنه يحمل انفعالات الحياة البدوية في الجزيرة العربية ، ونتيجة هذه الانفعالات والغضب الذي لدى الإمام الحسين(عليه السلام)في رفضه جلوس يزيد على الخلافة وهو سكير وصاحب مجون ولا يصلح للخلافة ، ولهذا ثار الحسين على يزيد ورأى الحسين في محاولة معاوية توريث الحكم من بعده لابنه يزيد مخالفة واضحة لمنهج الإسلام في الحكم، ومع ذلك فإنه لم يهتم بالخروج على معاوية؛ نظراً لمبايعته له بالخلافة، فظل على عهده والتزامه. ولكن بعد وفاة معاوية تغير الموقف، فالحسين لم يعد في عنقه بيعة توجب عليه السمع والطاعة، ويدل على ذلك محاولة والي المدينة الوليد بن عتبة أخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وخروجهما بعد ذلك إلى مكة دون أن يأخذ بيعتهما. إن موقف الحسين وفتواه ضد الحكم الأموي مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى : والتي أشرنا في جزئنا السابق الى مرحلة عدم البيعة ليزيد، وذهابه إلى مكة، وهذه المرحلة أسس فيها الحسين موقفه السياسي من حكم يزيد، بناء على نظرته الشرعية لحكم بني أمية .....ولهذا أكد يزيد وبنو أمية على أخذ البيعة من الجميع وخصوصاً من الإمام الحسين(عليه السلام) ، ومن عبد الله بن الزبير ، وهذا ما كتب يزيد إلى واليه في المدينة بأخذ البيعة منهم والشدة في أخذها ، ولهذا فان عدم إعطاء البيعة هو يسهل الى الحسين حرية العمل السياسي ، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب لمقاومة الحكم الأموي.
المرحلة الثانية : والتي هي وطرح نفسه بديلاً للسلطة الأموية في دمشق، وهو ما يعبر عنها الفقهاء بالخروج على الإمام، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحسين قد مكث في مكة بضعة أشهر قبل خروجه إلى العراق، فقد قدم إلى مكة في الثالث من شعبان سنة: 60هـ للهجرة، وخرج إلى العراق في الثامن من ذي الحجة من نفس السنة، وفي هذه الفترة كان – رضي الله عنه – يراسل أهل العراق، وتقدم إليه الوفود، حتى رأى أنه لا بد من مقاومة الظلم وإزالة المنكر وأن هذا أمر واجب عليه، وكانت شيعته بالعراق على اتصال به وتمت بينهم مراسلات.
وأنه بديل وتسلسل منطقي الى الخلافة الراشدة والتي لا يكون احق وأهلاً لها غيره في الخلافة على المسلمين أي الحسين(رض).
ويستدلون بما أشار عليه ابن عمه أبن عباس وكذلك أخوه محمد بن الحنفية ، وكذلك أبن عمر بعدم الخروج والذهاب إلى العراق
وهو يصور ان ما حدث في كربلاء وواقعة الطف هو بإيحاءات مبطنة ان كل ذلك جرى هو صراع على الحكم بين حاكم ظالم وطاغية وبين الإمام الحسين(عليه السلام)والذي ثار على هذا النظام لأنه أحق بالخلافة وانه أحق بالحكم من يزيد الفاجر السكير ، لاعب القرود والذي لا يشير التاريخ أنه لا يملك اي منقبة أو فضيلة من الفضائل ، وان هذا الصراع بالتالي هو صراع بين بنو أمية وبنو هاشم ، وهو صراع تأريخي ممتد منذ الأجداد ومنذ قصي وحرب ، ليصل هذا الصراع ويكتسب هذه الدموية من القتل والعنف في عهد الحسي، رضوان الله عليه) ويزيد.
وهذه هي أم المصائب وقمة التحريف في تحليل نهضة الإمام الحسين وما جرى في ملحمة الطف الخالدة ، لتأتي مقولات الكتاب من طه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم مكملة لهذا التحليل الغريب والمستهجن والذي لا يشير إلى الحقيقة بأي شكل من الأشكال.
والآن بعد استضفنا من تحليل الاتجاهات التي تشير الى أن نهضة الحسين هي عبارة عن تخطيط بشري.
لنأتي الى فريق آخر يرى ان التخطيط لواقعة كربلاء كان تخطيطاً الهياً بمعنى ان الحق تبارك وتعالى هو الذي خطط لهذه الواقعة
وعهد الى نبيه الاكرم (صلى الله عليه واله) بتبليغ هذا الامر الى الامام الحسين (ع)لما يتمتع به (ع) من مؤهلات ذاتية
وقابليات شخصية ، أهلته للقيام بهذه المهمة ولوجود مصلحة عظمى تستحق تضحية الامام بنفسه الشريفة، وهذا ما كان ، فقد تحقق التخطيط الالهي ،وانتهت المعركة بانتصار الامام الحسين (ع)، وكان عاقبتها الفتح المبين وهذا ما ذهب اليه اصحاب التخطيط الهي للواقعة.
وليس هو الفوز العسكري والمناجزة التي حدثت بين معسكر الحسين(عليه السلام) والذي هو معسكر فيه القلة من الثلة المباركة من أهل بيته وبنو هاشم وأنصاره المنتجبون ، وبين جيش يزيد وعبيد الله بن زياد وعمرة بن سعد(عليهم لعائن الله) وهو جيش يقدر بالآلاف المؤلفة من أصحاب دنيا وطلابها لا يبغون ألا المال والفوز بالغنائم وهم عبيد الدنيا ، والذين وصفهم الإمام الحسين أبلغ وصف عندما قال ( النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون ) (1).
وقد كانت تلك المقدمة توضيحاً من السؤال المتقدم ، عن أن ملحمة الطف الخالدة هي جرت بتخطيط إلهي ، لنوضح وبالدليل والحجة أن كل ما جرى في واقعة كربلاء هو تخطيط إلهي وليس بشري؟!!! .
والذي سنوضح في اجزائنا القادمة إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 382 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية . تحف العقول: ٢٤٥. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ٩٠٧. منشورات المكتبة الشيعية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=172485
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 09 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29