يتنوع الأسلوب القرآني في الحدث الواحد بين آية وآية حسب السياق الذي يدور داخل الحدث ، وهذا من أسرار القرآن الكريم التي لا تنفد ، ومن هذا التنوع إرسال الرياح فتجد أنّ الله سبحانه وتعالى يستخدم صيغة المضارع في قوله :{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [ الأعراف ] ؛ لوجود ما قبلها الدعوة لأجل الخوف والطمع كما جاء في الآية الكريمة :{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) } ، أما في سورة الفرقان فيستخدم الله تعالى صيغة الماضي كما جاء في قوله :{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) } [الفرقان] ، لوجود ما قبلها قوله تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)} ، ولقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ، فجاء بما يليق بما قبله من لفظ الماضي(ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل1/409) .
زيادة عن ذلك كله تجد صيغة ضمير المتكلم الخاصة بالله تعالى في قوله :{ وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) }[ الحجر ] ؛ لوجود فأنزلنا ، وكذلك تجد في سورة النمل صيغة الاستفهام ؛ لإقرار الملك لله سبحانه وتعالى في قوله تعالى :{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) } ، ولوجود ما قبلها {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ} ، أما في سورة فاطر فتجد في قوله تعالى :{ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) } أنَّ الله تعالى جاء بالمضارع (فتثير) بعد الماضي (أرسل) ؛ استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ؛لأنّ ذلك أدخل في اعتبار المعتبرين ( فتح البيان في مقاصد القرآن 11/225).
هذا هو الأسلوب القرآني الذي لا تنفد عجائبه ؛ إذ قال الله سبحانه وتعالى : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) } الكهف .
|