• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : حكاية من النجف للروائي حمودي عبد محسن .
                          • الكاتب : حميد الحريزي .

حكاية من النجف للروائي حمودي عبد محسن

الهروب من الجنة يعكس عذابات السياسة

واية بث الأشجان في مدينة الثورة والأيمان بواسطة لغة شعرية رائعة يدور بنا الروائي الجميل حمودي عبد محسن في درابين النجف وسراديبها وازقتها المختلفة ، عبر سرد بانورامي متحرك على شاشة الزمن الماضي والحاضر والقادم ، وهو يحمل على كتفه لوحته التي اجاد رسم خطوطها المتداخلة باجيالها وسنينها وشهورها وايامها ، بين برودة سراديب العمارة والحويش والبراق والمشراق وبين لهيب رياح حفر الباطن ومآسي الحروب الصدامية القذرة واسياده الامريكان الغزاة ، الذين نهبوا البلاد وقتلوا وسبوا العباد … الشخصية الرئيسية هنا هو (سلام)(( ذو البشرة السمراء ، المتوسط القامة ، النحيف الشاحب الوجه بعينيه الصغيرتين …)) وهو القائل مؤكدا كلام والده ((هنا نعيش ونموت وندفن)) ص7.

 معارك الديكتاتورية المهزومة ومطحنة الموت

دخل سلام المدينة وهو يحمل بندقتيه واحدا من جيش مهزوم من حرب جهنمية حيث حالف الحظ ان يبقى حيا في حين لاتفارقه صور احبته ورفاقه من العسكريين حيث(الجرافات تدفن الجنود وهم أحياء))ص8.

فيتعاون الدكتاتور وقوات الاحتلال على قتل وافناء حياة البشر ((في بلدة كل شيء فن لاسيما فن الاعدام الديكتاتور يأمر ورجاله يعدمون البشر ويدفنونهم أحياء)) ص9 وقد سبق الجميع قرون من حكم الاباطرة و((الخلفا)) و((الامراء)) حيث ذهب مئات الالاف من البشر تحت ستار الدين والقومانية ((كضحايا لاباطرة خالدين جثموا على صدور الجواري وااغرقهم التعفن في المتع والملذات )) رص.18.

موضحا التاريخ الموغل في القدم في ظلم وقهر العراقيين في مختلف احقب التاريخية ، وكان ابرز من تعرض للقتل والتعذيب والتشريد والسبي هم آل الرسول من بني فاطمة وعلى بن أبي طالب عليهم السلام لا لشيء الا لأنتصارهم للحق والعدل والسلام فهذا هو دين جدهم محمد كدين للحب والسلام ونشر العدل ، وليس قناع يتقنع به سفاكي الدماء والمستأثرين بالجاه والثروة وكتم أنفاس الرعية وحظر كل معارضة ،ومن أهم هذه ولا نقول هي الوحيدة هي مصيبة كربلاء وقتل الأمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وصحبه وحرق خيام العيال من قبل بني أمية زمن حكم الطاغية الداعر يزيد بن معاوية ، فتحول الحسين عليه السلام أسطورة النضال والكفاح ضد الظلم والتعسف والقهر ، مثال للثورة ضد السلطان الجائر ، مثال للشجاعة والتضحية والفداء والثبات على القيم والمباديء…فكانت أيام عاشوراء وأربعينية الأمام الحسين من أكبر وأضخم التظاهرات والمسيرات والمراسيم التي يحيها الشيعة في العراق في كل عام في كربلاءوالنجف وبقية المحافظات ذات الأغلبية الشيعية حتى تحولت الى مراسيم وطنية يشارك فيها أغلب المواطنين العراقيين من السنة والمسيح والصابئة وغيرهم وكل القوميات من عرب وتركمان وأكراد وغيرهم ، مما أثار حفيظة الأنظمة الديكتاتورية وعلى وجه الخصوص ديكتاتورية صدام حسين وحكم البعث ، فأخذ يعمل وبأساليب مختلفة للحد من هذه المراسيم الحسينية عبر الترغيب والترهيب حد القتل وهذا ماحدث في عام 1977 وماسمي باتفاضة صفر حينما تحدى أهل النجف وبقية المحافظات السلطة وقرروا المشي على الأقدام كالعادة في كل عام لأحياء ذكرى الأربعينية الخالدة فتصدى لهم النظام بواسطة أجهزته الحزبية والأمنية حد انزال الدبابات واستخدام الطائرات لأيقاف مد الأنتفاضة وأيقاف زحف الجماهير صوب كربلاء التضحية والفداء وعلى الرغم من جبروته هذا عجز عن ايقاف المسيرة ، فكشر أنيابه بعد أنتهاء المراسيم وقام بأعدام العشرات ممن أمسك بهم من المشاركين في التحدي …فكلما زاد القمع والأستبداد تمسكت الجماهير بشعائرها وطقوسها السنوية لأستذكار ملحمة الطف كمسمار كلما ازداد الطرق على رأسه ازداد ثباتا ورسوخاً في حائط الزمن . فأنَّ أحياء مراسم عاشوراء هي وسيلة الجماهير المقهورة لأثبات الذات وتحدي السلطات ، وعلى وجه الخصوص عندما تمارس مع الجماعة فالفرد يكون قويا مع الجمع متغلبا على ضعفه بالعكس يكون ضعيفاعندما يكون منفردا وهذا أمر معروف يقره أغلب علماء السايكلوجيا وعلم النفس والأجتماع ومثاله جحافل التطبير وضرب الزنجيل و((ركضة طويريج )) وكذلك صور وسلوك الأبطال على رأس الــتظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية حيث يتحدى البطل الأطلاقات النارية مع الجمع بينما قد ينهار أمام ((صوندات))وكرابيج الجلاد في السجن كفرد منعزل .

توثيق الحدث وتسجيل الظاهرة

يصف لنا الراوي مراسيم المواكب الحسينية الرجالية من ((المشق والتطبير والمشاعل )) حيث تضج المدينة والصحن الحيدري بهذه المواكب بالأضافة الى الرواديد التي تصدح أصواتهم ورداتهم وقصائدهم من على منابرهم داخل الحضرة العلوية أو في المشراق حيث الرادود الشهير والجريء فاضل الرادود والبراق حيث الرادود الكبير عبد الرضا ومسجد السقاية حيث الرادود وطن رحمهم الله وووو هناك الكثير ، بالأضافة الى ((التشابيه))حيث تمثل الشخصيات البارزة من معسكر الأمام الحسين كالعباس والقاسم ابن الحسن وليلة زفافه والسجاد العليل والطفل الرضيع وحتى صور وتشابيه أعدائهم كحرملة والشمر وابن زياد وزمرهم …الخ. وأصوات الخطباء الروزخونية وخطبهم و((نواعيهم)) الحزينة ، وهناك القرايات للنساء في البيوت حيث الملالي وقصائدهن ومحافل اللطم على الصدور والخدود ونثر الشعور وغيرها من الطقوس العاشورائية المعبرة عن الحزن وعن حب الحسين وأهل بيته الى حد جلد الذات وعتاب أهل الكوفة لأنهم قصروا وتخلفوا عن مناصرته بعد ما بايعوه ودعوه ليقدم الى الكوفة لتسلم مقاليد الحكم …

ناهيك عن مراسيم وطقوص الطبخ خلال هذه الفترة حتى أربعينية الأمام الحسين من التمن والقيمة والزردة والآش والهريسة أكلات برع فيها اهل النجف على وجه الخصوص وقد لايعرفها غيرهم.

هذه الطقوس والشعائر وانهماك الجمهور الهائل في ممارستها تكون مخيفة ومرعبة ومقلقة للحاكم حينما لايكون هناك تحالف بين الحاكم ورجل الدين ، أما حينما يتحالف ويتخادم الحاكم ورجل الدين وحينما يحكم المتدين المسيس يسعى كلاهما الى سرقة مظاهر ووعي التثوير للجماهير وتحويله الى حالة من الأستلاب والتضليل والتخدير ، وهذا مايحدث في زمننا الحاضر وبذلك يفرغون ملحمة الطف من صفتها الثورية الساعية للتغيّير الى شعائرية فارغة تسعى الى التخدير لأدامة الكرسي للسياسي ولرجل الدين…كما هوالحال في الوقت الحاضر في ظل حكم الأسلام السياسي

وبذلك فالروائي يوثق لهذه المراسيم والشعائر لتكون خالدة في حاضر ومستقبل الأجيال كرموز للتمرد على السلطان الجائر وسجل للقيم والمباديء النبيلة الخالدة التي تحلى بها الأمام الحسين وأهل بيته وأنصاره وتطوير وعي الجمهور لكي لايقع في فخ تحالف الحاكم والأسلاموي المسيس فتتحول العمامة من طبقات للمعرفة والعدل وصيانة لكرامة الأنسان على الارض قبل السماء لتتحول الى متاهات والتواءات تزيف الحقائق …وهذه أحدى مهام الرواية والروائي كما يقول محمد برادة ((الروائي يستطيع أن يلتقط بالمعاينة والتأمل والحدس، ظاهرات لها صفة الشمولية التي تجعل منها معرفة تضيء السلوك البشري))ص70 د.محمد برادة الرواية ورهان التجديد 2011ط1

الحبكة وأسلوب السرد

أسلوب السرد الرائي تراوح بين السرد التقليدي الواقعي وبين الواقعية السحرية والعجائبية والغرائبية بضمير الغائب الراوي العليم وأحينا قليلة بضمير المتكلم الراوي كلي العلم التي تشد القاريء لمتابعة الحدث والخروج عن الرتابة وتنشيط المخيلة والخيال المبدع كما هي مشاهدات (سلام) وعثوره على الكف الذهبي المبهر وذو المفعول السحري في مقتل الشياطين والجبابرة والأشباح والأبالسة، وحياة السراديب وظهور القطط السوداء والنساء بلا (سرة ) ملائكة وحواري ، وأستحضار شخوص الأولياء ورؤية الأحلام الموحية والمعبرة والمحذرة عن واقع قائم أو مستقبل قادم …

الهروب من الجنة

أستوحش البطل العيش في جنة السماء وسأم رفقة الحوريات وصمت حياة القصور الفارهة وحالة الكسل الخانق نظراً لتوفر كل متطلبات الحياة من دون عناء حيث انهار اللبن والخمر وثمار دانية قطوفها وجنس تحت اليد ، مما سمح ليده لتمتد الى الثمرة المحرمة مستعيداً تجربة جده آدم أبو البشرية حيث فتحت له كل ينابيع اللذة والمتعة ، بدءا بلذة الجنس وذائقة الطعام والكساء وانتهاءاً بلذة العمل والكدح وعرق الجهد الشاق ، وهذا يذكرني بقصة قصيرة جدا كتبها احدهم فحينما أدخل البطل الجنة طلب من الملائكة والأدلاء أنْ يتجول في الجنة فشاهد القصور والأنهار والولدان المخلدين والحواري المبهرة ووو ولكنه لم يجد ضالته كما أدعى وحينما سئل ماهي ضالته قال لم اجد في الجنة مكتبة ، فاعيدوني الى الارض فلايمكنني العيش في مكان ليس فيه كتاب ومكتبة !!!

توصيف وتعريف الواقع النجفي لغير النجفي

 الرواية ستكون توصيفا وتعريفا بحياة وواقع مدينة النجف وحاراتها وطقوسها وتقاليد أهلها ومعاناتها بالنسبة للأنسان والقاريء غير العراقي عموما وغير النجفي على وجه الخصوص لأن العراقي والنجفي يعيش هذه الأحداث والمشاهد والممارسات منذ نعومة أظفاره وحتى مماته ، وقد يكون قد حفظ الواقعة بكل تفاصيلها لكثرة تكرار سماعها خلال أشهر السنة ،يسمعها حتى وأن لم يعتنيها فهي تقتحم أسماعه وهو في داره من خلال مكبرات الصوت في المساجد والجوامع والدور المجاورة وحتى في الساحات والشوارع ،فأن لم تعتن الرواية بالتنوير والتثوير وتمزيق عصائب التعمية والتجهيل والتضليل تفقد أهميتها ، فتكون خطاب منبري معاد ومكرر .، وبذلك يمكن تنوير الأنسان لبناء جنة الأرض المبنية على العمل الواعي المنتج يكون الأنسان هو القطب الفاعل المبدع وليس الكسول المتنبل شبيها بتنبل ((ابورطبة )) كما في المسرحية العراقية الشعبية المعروفة …




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=174381
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 10 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29