• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الرؤية الانسانية للشعراء المسيحيين تجاه أهل البيت (عليهم السلام) .
                          • الكاتب : د . زيد العكايشي .

الرؤية الانسانية للشعراء المسيحيين تجاه أهل البيت (عليهم السلام)

حاز أهل البيت مقاماً رفيعاً عند المسلمين باختلاف مذاهبهم وطوائفهم لما لهم من قيم إسلامية أصيلة امتدت جذورها الراسخة من القرآن الكريم والنبي العظيم فهم أهل بيته الذين مثـــلوا خلقه الكريم وجعلوه أنموذجاً يحتذى به.
ولكننا وجدنا أن هذا الأمر لا يقتصر على المسلمين وحدهم وإنما شمل الإنسانية جمعاء بما فيها من تنوع واختلاف وتباين في الرؤية والمعتقد, لذا وقفنا عند الشعراء المسيحيين في العصر الحديث الذين وقفوا منبهرين أمام القيم الخلقية الرفيعة التي قدمت مظهراً إنسانياً متميزاً لأهل البيت قدمه الشعر المسيحي المعاصر. وظهرت هذه القيمة الخلقية في عناوين رئيسة كالشجاعة، ورفض الظلم، والعدل، والغوث وإعانة الضعيف المحتاج وغيرها من القيم النبيلة التي تكوّن بمجموعها رصيداً مثالياً تنهل منه الإنسانية في مختلف عصورها.

إنَّ اتجاه الشعراء المسيحيين نحو الاغتراف من هذه القيم ونشرها يعني اعتزاز هؤلاء بأهل البيت وتقديمهم على سواهم أو الميل نحوهم حبّاً بهم أو تقديراً لمقامهم، واعترافاً بشأنهم، فقد وجدوا فيهم خير ممثلٍ لطموح الإنسان وميله نحو الكمال والرقي. ومن جانب آخر نجد أن هذا الشعر نفسه قد اغتنى بهذه القيم، وارتفع شأنه، وزادت قيمته حين عثر على هذا الكنز الثقافي الثمين المتمثل بخلق أهل البيت الأصيل, إذ وجد الشاعر اللبناني المسيحي نفسه أمام منطلق ثقافي فسيح يتيح له التعبير عن قضايا عصره المضطرب بالأطماع والتعدي والظلم، وتسلط القوي على الضعيف، فكان تراث أهل البيت في فكرهم ومواقفهم خير مصدر يرتوي منه الشعراء للرد على خصومهم، فهو يقدم الحجة الواثقة التي لا يرقى إليها الشك، ولا يحوم حولها البطلان، ولذلك اندمج هؤلاء الشعراء في تلك القيم النبيلة التي حملتها تلك الشخصيات التي قدمت أرواحها فداء للمبادئ التي آمنت بها خدمة للأجيال القادمة.

الشجاعة.
لم ينفصل الشاعر في القرن العشرين عن قيمه، وإنما صارع لإحلال الموروث القيمي الإنساني ((ونشر المبادئ السامية والمثل العليا بين الناس ومحاربة النظم التي تباعد بين الإنسان وأخيه الإنسان والعمل على خلق مجتمع إنساني يسوده العدل والرحمة والمحبة وعلى تخفيف الشقاء الإنساني وتصوير الحياة بصورة محبَّــبةٌ إلى النفوس)),(1)وهذه القيم العصرية التي نادى بها الشعراء المعاصرون قد تختلف في نوعيتها عما نلحظه في العصور السابقة، وقد يعود لمتطلبات كل حقبة زمنية دون سواها فضلاً عن الاختلاف الفكري والمتغير الحضاري مما أدى إلى حضور قيم جديدة لمعاناة مستحدثة, ولكن لا تخرج عن أصولها القديمة.(2)
والشجاعة من الصفات الإنسانية إذا لم يُنظَر إليها كسبيل للبطشِ والقهر حتى قيل إنها ((جزء من الفضائل الإنسانية التي إذا اجتمعت مع العقل والعدل والعفة يكّون منها خلق الإنسان وما يميزه من سائر الحيوانات)),(3) فلو اقترن بها شخص دون محدّدات لانحدر نحو الحيوانية، والأمر عينه دعانا لوضع الشجاعة نموذجاً إنسانياً حين تعامل الشاعر المسيحي اللبناني مع شجاعة أهل البيت , اذ صبّ توجهه نحو هجرة النبي محمد المباركة من مكة إلى يثرب وعدّها صورة من شجاعته لإبادتها الشرك وأهله، وحسبنا في ذلك قول الشاعر (خليل مطران) إذ يقول: (بحر البسيط)
عانى «محمد « ما عانى بهجرته لمأرب في سبيل الله محمود
وكم غزاة وكم حرب تجشّمها حتى يعود بتمكين وتأييد
وكذا الحياة جهاد والجهاد على قدر الحياة ومن فادى بها فودي

والمعاناة والجهاد قد اختلط بالحلم والثقة والعزم فيقول:
(بحر البسيط)
بأيِّ حلم مبيد الجهل عن ثقة وأيّ عزم مُذلِّ القادة الصّيد
أعاد ذاك الفتى الأميُّ أمتّه شملاً جميعا من الغُرِّ الأماجيد

ويقترب الشاعر (خليل فرحات) من المعنى ذاته عندما تناول شجاعة الإمام علي إذ يقول:
(بحر الطويل)
وقالوك في الهيجاءِ أوزانَ فارسٍ تُداري الأُلى فرُّوا وتأنفُ من فرِّ
وعندكَ كانَ القتلُ خلواً من الأنا فسيفُكَ قوّامٌ على الخيرِ والشرِّ

فلم يرَ الشاعر القتل عند ممدوحه لأحقاد ذاتية وإنما صرف هذا الاعتقاد بإثبات أدلة تنافي حب القتل لذاته، فالأنا قضية نفسية لا يتجرد منها إلا بمجاهدة النفس وكبح جماحها.
أما شجاعة الإمام الحسين فوصفها الشاعر المسيحي بطعم خاص وبطريقة قد تخالف الوصفية، التي عهدها المتلقي في الأدب العربي، لذا انتج الشاعر مشهداً لحب المنية والتضحية لتبرز شجاعة ممدوحه أو مرثيه طالما هو سائر على درب تحقيق مبادئه، نحو قول
الشاعر(حبيب غطاس) إذ يقول:
(بحر البسيط)
يا كربلاء سقتك المزن هاطلة على رفاة حسين فهو مغوار
يلقى المنية عطشاناً ومبتسماً إن المنية في عينيه أقدار
صلى عليه إله العرش ما بزغت شمس وما طلعت بالليل أقمار

فالشجاعة الحسينية روَّضت المنية وما يضُّمها من مخاوف حتى أصبحت قبلةً له يتلقاها، وزاد الشاعر المشهد قوة بغية إظهار عنوان الشجاعة بحال الإمام الحسين  «مبتسماً» دون تلكؤ أو ضجر، مع علم الشاعر أنَّ الامام لم يلق المنية على حال اعتيادية بل عطشاناً.
رفض الظلم.
وجد الباحث أنَّ الثورة على الظلم والطغيان وروح التمرد وإيقاظ الأمة من السبات لكي تصحو وتعود إلى ماضي عهدها الزاهر نزعة إنسانية يخلد اليها الإنسان، وقد جسّد الشاعر(جورج سلستي) هذا المعنى بقوله: ( بحر البسيط)
أقبلت كالفجر وضّاح الأسارير يفيض وجهك بالنعماء والنور
على جبينك فجر الحق منبلج وفي يديك مقاليد المقادير
فرحت والليل ، ليل الكفر معتكر تفري بهديك أسداف الدياجير
وتمطر البيد آلاء وتمرعها يمنا يدوم إلى دهر الدهارير

ويصوب الشاعر نظره إلى ظهور النبي في صحراء قاحلة وأعراف يأكل فيها القوي الضعيف ما خلا بعض الأخلاق العربية المتوارثة، ومع مجتمع يقبع تحت سلطة الجهل والضلالة.
وسار في الفلك نفسه (يوسف أبو رزق) الذي توجه بخطابه للإمام الحسين مستوحياً منه دروس التضحية لنيل الكرامة إذ يقول: (بحر الوافر)
فيا سبط الرسول أنر دجانا وأشرق في الليالي الحالكاتِ
فأنت وآلك الأبرار صرتم قرابين العلى والمحرقاتِ
أطل من الخلود على ثرانا وعلمنا دروس التضحيات
وحقق وحدة الوطن المفدى وجنّبه شرور الحادثاتِ

وقد لمح الشاعر الإمام الحسين رمزاً لثورة ضد السلطات الجائرة لما أودعه من صرخات مدوية للآن ننهل من عطائها، ولعلَّه أراد إنبات قدوة حسنة في نفوس متلقيه سواءٌ أكانوا مسلمين أم مسيحين تمتلك حضوراً جماهيرياً تعمل أثرا في نفوسهم بجمعها بين العقل والعاطفة.
سمة العدل.
توجه الشاعر المسيحي الى العدل وما يلفه من معانٍ إنسانية, ولاحظ اقترانها بأهل البيت , فلم يبتعد عن تسجيلها لهم بوصفهم ذوات عالمة تبث منهاج القرآن الكريم وأوامر السماء العادلة, وهي مما استقاها المسيحيون من سيرة النبي  وأهل بيته  نحو ما أشاد به (مارون عبود) بقوله:
(بحر الكامل)
طبعتك كفّ الله سيف أمان كمن الردى في حدّه للجاني
العدل قائمه وفي أفرنده سور الهدى نزلن بسحر بيان
وعليك أملى الله من آياته شهبا هتكن مدارع البهتان

وحدد الشاعر انطلاقة الدعوة المحمدية من العدل كدستور في التعامل مع الآخرين سواء أكانوا أنصاره أم أعداءه وبمنزلة مقيد لدور السيف ومساره فضلاً عن تأطيره بصفات الهدى.
أما العدالة عند الإمام علي  فاتجه الشاعر المسيحي لقضائه بين الرعية الذي ينم عن عقل وعلم واسع و ((ليس غريباً أن يكون عليٌ أعدل الناس، بل الغريب أن لا يكونه، وأخبار علي في عدله تراث يشرّف المكانة الإنسانية والروح الإنساني))(4) مما حدا بالشاعر ( خليل فرحات) أن يجعل كل الكائنات تحنُّ للإمام علي  بقوله:
خُذِ البحرَ في مدِّ المياهِ وجزرِها فقولك حالاه ُ لدى المدِّ والجزرِ
خُذِ الصمتَّ في الصحراءِ هَوّم خاشعاً يُصيخُ إلى النجوى وأنتَ به تُسري
فحتَّى الصحارَى تشتهيكَ وقد ومتْ يخجِّلُها التصريحُ خُذني بلا مهر
وإنْ تُسألِ الجوزاءُ من باتَ ربَّها أشارتْ إلى علي اكَب الأنملِ العشر
أسرتَ نهى الأشياءِ إذ نلت كُنههَا ونامتْ على النعماءِ في ذلكَ الأسر

والشاعر لم يصب جهده لنقل الوقائع التي أفصحت عن عدل الإمام علي ، خشية تعريف المعهود عن ممدوحه، وربَّما مال إلى ذكر نتائج المشروع العادل الذي غرسه الإمام  في أرض ومجتمع جديد العهد بها، فالبحر في مدّه وجزره والأرض بصحرائها والنجوم كلها تؤيده وتصر على انتمائه له بوساطة الإشارة بالأصابع العشر.
—————–
الهوامش:
1- الأدب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره : 226-228.
2- ظ/ أقنعة هرمس للتأويل الأسطوري في الشعر/ د. عبد الهادي أحمد الفرطوسي/ وزارة الثقافة/ العراق – بغداد/ ط2، 2013م: 231.
3- قراءات في الأدب والنقد: 24.
4- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية / جورج جرداق/ دار مكتبة الحياة / لبنان – بيروت/د.ط، 1970م: 1/87.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=175239
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 11 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28