أن (مفتاح الكرامة) كتاب فقهي استدلالي لمؤلفه الفذ العلامة السيد محمد جواد العاملي المتوفى سنة "1226هــ" يتميز بعدّة خصائص منها أنّه موسوم بكثرة التتبع للأقوال والاجماعات والشهرات ويُقال أن تأليفه كان بأمر أستاذه السيد محمد مهدي بحر العلوم الذي كان من الطبقة الأولى للوحيد البهبهاني في حين أن السيد محمد جواد العاملي كان من الطبقة الثانية في عداد تلامذته، ومن خلال ملاحظة بعض الكتب الدرسية كالمكاسب وغيرها تؤكد أن السيد العاملي كان من ذوي الدقة والمداقة في التتبع للأقوال والأبواب الفقهية، كما أن هذه المهارة التتبعية أيضاً موجودة عند الفاضل الهندي المتوفى"1137هــ" صاحب كتاب (كشف اللثام) في شرح القواعد للعلامة الحلي، والفاضل الهندي يعد من الفقهاء الكبار في العهد الصفوي الأخير، كتب وصية في غاية الأهمية لأهل العلم طرحها في خاتمة كتابه الجزء الحادي عشر يكشف بها عن ضرورة الدقة والفحص لنسخ المرويات والأخبار، ومراهنة الدقة كذلك في نسبة الأقوال لأصحابها ثم عاب جماعة بمشكلة التساهل بهذا المجال :
قال: « ووصيتي إلى علماء الدين وإخواني المجتهدين أن لا ينطقوا في الفقه ومسائله ولا يتعرضوا لدقائقه وجلائله إلا بعد إتقان العربية بأقسامها واستقراء فنون ما تنطق به العرب أو تكتبه بأقلامها، وتتبع بليغ في كل مسألة لأقوال الأصحاب ومداركها، وما أدتهم إليه آراؤهم في معاركها من مسالكها، ولا ينسبوا إلى أحد منهم قولاً إلا بعد وجدانه في كتابه أو سماع منه شفاهاً في خطابه، ولا يتكلوا على نقل النقلة بلا كل تعويلاً عليه وإن كانوا كملة، فالسهو والغفلة والخطأ لوازم عادية للناس، واختلاف النسخ واضح ليس به التباس، ولا يعتمدوا في الأخبار إلا أخذها من الأصول، ولا يعولوا ما استطاعوا على ما عنها من النقول حتى إذا وجدوا في التهذيب عن محمد بن يعقوب مثلا خبراً فلا يقتصروا عليه بل ليجيلوا له في الكافي نظراً، فربما طغى فيه القلم أو زل فعن خلاف في المتن أو السند جل أو قل، ولقد رأيت جماعة من الأصحاب أخلدوا إلى أخبار وجدوها فيه أو في غيره كما وجدوها وأسندوا إليها آراءهم من غير أن ينتقدوها، ويظهر عند الرجوع إلى الكافي أو غيره، أن الأقلام أسقطت منها ألفاظاً أو صحفتها وأزالت كلمة أو كلما عن مواضعها وحرفتها، وما هو إلّا تقصير بالغ وزيغ عن الحق غير سائغ، ولا يستندوا في تصحيح الطرق والتضعيف والترجيح لبعضها على بعض والتطفيف إلى ما يوجد في بعض كتب الفروع من غير سبر السند برجاله والبحث عن كل رجل وحقيقة حاله، فإنّه إهمال وعن الحق إغفال، وربما انكشف عن الكذب حال، فانكشف البال وانقطع المقال، ولا يقتصروا في اللغات على كتاب أو كتابين، بل ليجافوا عن المضاجع الجنبين حتى ترتفع الشبهة من البين، وليبذلوا فيها مجهودهم ثم لينفقوا موجودهم، فالمساهلة فيها اجتراء عظيم على الله في أحكامه ومعاني كلامه وسنة نبيه وأقوامه - شملوا بصلوات الله وسلامه - ثم إذا ثنيت لهم الوسائد واستميحت منهم الفوائد واستفتحت بهم الشدائد واستشفيت بهم الأدواء وتصدروا للإفتاء بعد ما أحسنوا الانتقاد وبالغوا في الاجتهاد لم يقطعوا في الخلافيات بجواب وإن ظنوه الصواب وضموا عليه الإهاب، كدأب قوم لبهم في الجهل عريق، وقلبهم في الحمق غريق، نراهم يحتمون على الله في أحكامه ويقطعون في الشرع بما لم ينقطع عن إبهامه، ولا انسلخ عن ظلامه، فنحن في زمن الحيرة وأيام النظرة، وأحكام الشرع إنما يستيقنها أهله وقوامه وعندهم الحق وبهم قوامه، وليس لنا إلا الاحتياط في الدين ومجانبة المجازفة والتخمين فهذه وصيتي إلى المفتين» [كشف اللثام عن قواعد الاحكام ج11-ص541-542]
والإنصاف أن كل سطر من سطور الفاضل الهندي يتضمن فوائد ووقفات هادفة ومثمرة ويبدو أن جملة من الأمور كشفها بشكل ملموس من خلال متابعته في بحثه لآراء العلماء وأثناء مقارنة التوثيق والتدقيق للروايات والآراء المنسوبة، ولا يخفى أن الخطورة الجامعة لذلك هي الإخبار بغير علم عن شرع الله وأي خطورة ومسؤولية في هذا؟!
أردت التعرض أيضاً لصاحب المدارك ولكن لا يسع المجال بهذه السطور العاجلة فإن سيرة هولاء الأعلام بنفسها مفاتيح داعمة للعلم حفظ الله الأحياء ورحم الله الماضين منهم بواسع مغفرته وإحسانه .
|