• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تواقيع .
                          • الكاتب : حمودي الكناني .

تواقيع

تلك الشوارعُ  التهمتْ الزحامَ الذي اعتاد أن يشقَّه بصعوبةٍ كلما قصدَ الحيَّ ألقديم أرصفتُها  أضاعتْ أثرَ أقدامِ المارةِ منذ أمدٍ بعيد... الصمتُ المشوبُ بتطاير مخلفاتِ الحرائقِ  أحتفل بأخر دوي ِّانفجارٍ أودى بحياةِ البنايات القديمة في ذلك الحي  والغبار المتراكم الذي أثارته تلك العاصفة الترابية الهوجاء كان دثار أشجار اليوكالبتوس و الدفلى التي أخذت تشكوا لبعضها البعض  اصفرار أوراقها و يبس أغصانها  , تلك الأشجار أبّنها ذلك المكان على فقد العزيز الغالي, ذلك النهر, لم تعد  مياهه تلامس جذورها ...هو الآخر اضر به الجفاف وجعله قاعاً تكاثرت فيه الشقوق المتقاطعة.لاشيء حافظ على نضارتِه وبهاء رونقِه. كلما التفتَ إلى ورائه يرى ما يتركه طبعُ  حذائِه من اثر. البيوتُ والمحالُ كلها مقفلة . على احد الحيطان المتبقية هناك ترك احدُهم هلوساتٍ أنستْه باقي تفاصيل ما جرى في ذلك الحي الذي غادرهُ قبلَ الحربِ :
( هيا يا أنا أعودُ إلى عرشي  لئلا يسلبه احدُهم  واخسر مملكتي .  هاهاهاهاهاها   .... يحسدونني على ملكي الممتد من أول نقطة تبزغ منها الشمس حتى أخر نقطة تتلاشى عندها وتغيب .إذاً  أنا أقوى وأجمل وأعدلَ إنسانٍ في العالم  ... وهذا العرشُ المصنوعُ من عذاباتِ هؤلاء يليقُ فقط بأمثالي من الخلق , لكن بالتأكيد  لا احدَ بينهم يشبهُني في عدلي وقوتي وشدةِ بطشي إلاّ من بلغ  ما سموتُ وشرفتُ به . بالتأكيد كل الملوك الضعفاء  يعتقدون بأنّ شعوبَهم تفقدُ الأملَ بالخلاصِ عندما يستبدُّ بها القهرُ والظلمُ وأنهم لم يحلموا  بولادةِ ملوك آخرين ينصفونَهم . لا أدري  ربما نحن البشر خلقنا  هكذا    .   ولكن (...............) ؟
ليس بعيدا عن هذا المكان وجد كتابة أخرى كُتبتْ بخطٍ جميل :
 بعدما تيقنَ أنّ كلَّ شيءٍ   لم يعدْ يهمه لا من بعيدٍ ولا من قريب فقد الأملَ أن يحملَ له الغدُ أطعمَ من المرارةِ التي لازمتْه طيلةَ عمرهِ المسروق .... في كلِّ مرةٍ يخرجُ فيها من دارهِ يمشي على مهلٍ وبحذر , يحسبُ كلَّ من يراه ينادي عليه ويشيرُ إليه  بسوء, لم يقترفْ جرماً  يوماً ٍوليس له علاقاتٌ متعددة  , لم يخالطْ الآخرين لتوجسِه بعدمِ صدقِهم فيما يقولون و يفعلون تجاهه . أحياناً يشك في نفسِه بأنه لا يمت لهذه الجماعةِ بصلةٍ  وقد شغلتْه فكرةُ عدمِ الانتماء هذِهِ مما ولدتْ عنده انكساراً حاداً مزمناً جعلَه يتلمس كلّ جزءٍ في جسِده الخائرِ بين الحين والحين ليتأكدَ أنَّ جسَده ينتمي إليه.
سار كعادته وفجأة تلمس  ياقة قميصه وأمسك بها بقوة ثم صرخ بأعلى صوته :
 ـــ تعال أيها الوغد . تعال لأُريك  ما سيحل بك من بطشي !
 اليوم سأقطِّعُك بأصابعي الملوثةِ بقذارةِ زمنِك الآسن  والغارق بوحل تجنيكم أنتم المهووسون بتفكركم الخائب .
 لا تتملص  مثلَ كلِّ مرة وتمرق  كالشيطان كلما دعوتُك أن تريني قليلاً من دماثةِ الخلق...                                                                                      أها ! أراك معانداً...
 تفو.............   أنت واحدٌ منهم. لا تختلف عنهم في شيء  كلكم سواء , مجرد أوعيةٍ لحملِ بضاعةِ الخائبين الآخرين  أمثالك مجرد أن تلمسها الأصابعُ تنبجسُ ويسقطُ منها ما تحمله  من ترهات مزاعمكم التي ما عادت تنطلي على احد   .   لربما (  ..............  )!    
مشى قليلا فطالعته كتابةٌ أخرى :
 لا تدَّعوا ما ليس لكم ؟ من يشهد على أنكم حكماء عاقلون ؟  أفعالكُم هذه تنبئ  أنكم ما زلتم بحاجةٍ إلى إعادةِ نظرٍ بمدى أهليتِكم وسلامةِ فكركم لتنفردوا بالساحة.    أنت تزعم أنك واحدٌ من حكماء القومِ وعقلائِهم ؟  إذاً ما هذا  الذي على رأسك ؟  
 لا تقل لي  كوفية  أو عقال  أو طربوش أو حتى  خوذة  حرب . أنت  واحد منهم  لا حول ولا قوة لك , لا ترى الأشياء بحقيقتها كما ينبغي لأنك غير متأكد ماذا يوجد فوق رأسك   !
 إذن لا تهرب ,  كن شجاعا كما تزعم و تعال اقترب مني و أرني درجةَ عقلك  حتى أتبين أني على ضلال .  لا تمضِ كالأبله  تعال و ناظرني لنرى من منا على صواب . 
 أوووووووو  أنت لا تختلف عنهم في شيء . لا فائدة ارجوها منك .   حتما  (................... )  ؟؟
قبل أن يعود من حيث أتى  قرأ ما كتب أحدهم على باب داره :
  لما أحس بإعياءٍ شديد توسد حجراً ملقىً على الرصيف وغط في نوم عميق . 
 
بعضُ المارة  رثى لحالِه , وبعضُهم اشمأزَّ من أسمالِه الوسخة وشعره الأشعث  وأقدامه التي لم يصافحْها الماء من عهدٍ بعيد . لكن إحداهن دارت حوله ثم جلست عند رأسه , مسحت التراب من على جبهته  وضعت يدها على قلبه  ثم بدأت تئنُّ:
لك ما شئتَ من نومٍ على قارعةِ الطريق , ولي ما شئتُ من ذرف الدموع . 
 ليكن(...............................)  ؟؟!!
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=17695
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28