• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : الى روحِ الشهيدِ السعيدِ (حسن فخر الدين حميد مهدي زيني) أو لستَ.. ما زلتَ حياً في القلوب .
                          • الكاتب : حيدر عاشور .

الى روحِ الشهيدِ السعيدِ (حسن فخر الدين حميد مهدي زيني) أو لستَ.. ما زلتَ حياً في القلوب

لمْ يشأْ حسن زيني ان يناقش أحدا في الحصول على اسمه الجديد، ولم يكن يرى شيئاً يمنعه عن فرصته للفوز به. وما من أحدٍ استطاع ان يثنيه وهو يتهيأ لرحلة نيل الاسم برغبةٍ وتوق.. بجرأة رجلٍ، وَرِقّة شاب انتزع الخوف من قلبه انتزاعاً، فبدأ طريقه مضاءً بالفتوى المقدسة. في ضريح الامام راح يحدّق في شباك الجدث يستنطقه عله يبوح له بشيء، بتضرع، بتوسل، او يسمع همس. فله مع الضريح وكربلاء ذاكرة شبابية متقدة، ذاكرة حزن وجزع ولوعة. كانت تضرعاته تندفع حادة، قاسية متوترة في أعماقه وهو يعاهد سيده وجده، ان يحرر أنفسنا من همجية التكفيريين الجدد.

غرق في دموعه تحت قبة سيده، وغمر ضياء رضا النفس؛ هي تلك قدرات الضريح المقدس في اعانة النفس ومساعدتها على بلوغ نقطة الضوء التي تريح العقل والفكر ليصل الانسان لراحة وهدوء البال، وروحه مزهرة في نيل مبتغاها عبر فتوى الجهاد، متذوقاً ابديته لبرهة من الوقت. خطى عتيدة يخطوها عند عتبة باب الرأس الشريف، يتكاثف الضوء فوق رأسه في زفاف المواجهة، حيث يمر عابراً للشهادة من تحت أعظم كتاب منزل من السماء، لينطلق مع لواء علي الاكبر كقائد ومساعد لآمر فوج حبيب بن مظاهر الاسدي. اخذ مكانه قابعا بشهامة خلف سواتر الصد، فحجم بندقيته فئران التكفير ومرتزقة القتل، وطهّر مع مجاهدي فوجه كل ارض مغتصبة وحرّر ما يمكنك من تحريرهم من الاهالي والاسر المنكوبة والمغلوبة على أمرها. شجاعة تفوق التصوّر قدّمها بكل طيبة خاطر، كأن الموت هو الاسم الجديد الذي يبحث عنه في كل منازلة حامية الوطيس. فمعارك جرف الصخر كان لها طابعها الخاص لفتى كربلائي من نسل آل محمد، سجّل فيها بسالة شهد لها العدو قبل الصديق، فهو جدير بذلك. والحق أنه يملك قدرة قتالية وروحا شبابية، وقلبا رحوماً مؤمناً غيوراً على-عراقيته وكربلائيته- بصرف النظر عن جهاده وعن القتال الذي كان عليه ان يقتل فيه كل غراب اسود من (داعش)، كما لو أن عقله وبندقيته كنا يعرفان العدو؛ ففي شدة القتال تطرق برأسه افكار عديدة وخطط آنية ويغذي المعركة بعناد نحو تحقيق النصر وسحق العدو. فتارة يفكر في القوة الداعشية المحيطة بهم، وتارة يشحذ الهمم ويستصغر في عيون المجاهدين القوة الارهابية التي لا تعرف سوى الذبح على الطريقة اليزيدية، او أكل الاكباد على الطريقة -هند- ولكن في طريقة اشد بشاعة من ماضيهم الدموي. وكان نادراً ما يبقى في ساتر واحد، بل يتنقل بين سواتر الصد كالأسد، يراقب همة المقاتلين ويزيد من قوتهم محبة وبروح الدعابة يذّكرهم انهم رجال الامام الحسين(عليه السلام)، بمعنى رجال الله على أرضه. فقد كان يمدّ بصره الى جهة معسكرات (داعش) ويقرّر خطة للهجوم فيقول لمن حوله: من يريد الشهادة فينطلق معي ليربح الشهادة. فرسم حدود الهجوم بعد استمكان من المنطقة ومعرفة عدة وعدد(داعش) والمرتزقة من حولهم ومن يمدّهم بالذخيرة والسلاح. وقد عرف ان هؤلاء الفئران يحدّون انيابهم لهجوم كبير قد يؤثّر على قواطع الحشد الشعبي بالمنطقة باسرها. فشد ازره وازر من معه وتسللوا بعد صلاة العشاءين الى ذلك التجمع الارهابي الذي يضم تحت جناح كل اصناف الجنسيات العالمية ما بين خائن وصدامي وناصبي وداعشي منصّب من القوى العالمية للقضاء على كل ما هو- شيعي إمامي-. كان لليل صهيل خاص في ذهنه وهو يترجم اصوات العدو الذي هو في فوضى استلام الذخيرة من العدو الممول لقتل العراقيين. هنا كانت مفاجأة زيني والمجاهدين حيث صبوا غضبهم الشيعي الحسيني دون رحمة ولا توقف لم يستطع العدو صد الهجوم. فقد قام المجاهدون بتفجير الذخيرة وكان الانفجار رهيبا صاعقاً جعل المكان مقبرتهم. وما ان بزغت الشمس كان المكان ركاما ممتلئا بالجثث الداعشية العفنة.

وخيّل اليه، في صباح يوم الانتصار وتطهير المنطقة من أنه قادر بقوة خططه وافكاره النادرة عن خوض المعارك، والمشاعر التي احس بها ازاء هذا النصر الذي لم يألف حلاوته، وازاء الوان الفجر والغسق الدامي اللذين يمران عليه كل يوم، وازاء سرمدية هذه المعارك المخيفة، كانت كلها تنهض شيئا فشيئا في رأسه فلم يبق منها سوى كلمة شهيد وهي أجمل صوت ينهض في رأسه دائما ويتحسّسه قلبه الغضّ. وهو هذه النشوة كان العدو يعدّ للانتقام منه فقد ذاع صيته في كل ارجاء العالم: أنه قائد كربلائي ومهندس فريد من نوعه، ينازل الاقوياء بلا خوف او تردد.

ولكن لم تكن تلك التهديدات التي يسمعها، انهم يخططون لقتله تهمّه او يفكر بها، بل كان يردّ عليهم بقسوة في كل مواجهة، فهو رجل لا يسبغ المأساة على المواقف، بل يحوّلها الى صالحه. فقد عرف ببصيرته كمهندس اكاديمي، فرغ كل جهده الهندسي في ميادين المنازلة، وهو يتقدم المجاهدين بصدر نسر يحلّق متى شاء فوق (داعش) ليمزقهم اربا..

كانت (داعش) تستريح منه اذا رجع الى كربلاء ليزور أهله ويقبّل ابنته الوحيدة (بنين) ويطمئن على ابنه الساكن بهدوء في رحم زوجته. ويجلس في حضن أمه الحنون التي دفنت أخاه (أحمد زيني) وهي تهلهل ابني ذهب الى جده ليسقيه من ماء الجنة ويكون شفيعا لنا نحن في هذه الحياة التي زادتنا كل يوم ألما وجزعا وذنوبا.. كان يسمع أمه بنغم خاص وهي تدعوه ان يكون الى جوارها، وتمنعه بحب شفيف ان يستثني روحه من الموت، فيبتسم ويقبلها، ويقول: أمي الغالية خففي من خوفك، أخي فقد ذهب فداءً للإمام الحسين(عليه السلام) وكل من يحب الامام الحسين سيكون بهذا الطريق والا لم يكن من اصحاب ومناصري وزوار الامام. أما أنا اذا نلت الشهادة، ستكون هي اسمي الجديد الذي تفتخرين به، وسأكون شفيعا لك ولسبعين ممن احبهم. فأرجوك يا أمي لا تتحدثي حول بقائي متخلّفا عن الجهاد.. فالجهاد يا أمي أهم بكثير من البقاء بحضنك وقرب الغالية (بنين).

في لحظات خروجه من الدار وزوجته الحامل بأبنه (ترش) خلفه (طاسة) ماء، كانت الدنيا تزهو له رجل صائم رمضان يخرج الى الجهاد، يودع كل أحبائه وداعه الاخير فقد قبل (خدود) وجبين ابنته بحرارة لان يعرف انه السفر البعيد الذي لا رجعة منه.. اختفى من باب داره متوجها الى سيده وجده ليزوره ويوّدعه في اعظم يوم من ايام الاسبوع- الجمعة- ليجلس في مقدمة المصلين ويستمع لخُطبة الجمعة- 15/ رمضان/ 1436هـ -المصادف3/ 7 / 2015م.. مع شلة من رفاق الجهاد. وقد لاحظ من قبل المصلين في ضريح الامام أمراً غريباً في توديعه وتقبيله: أنه بقدر ما كان مستعدا للذهاب الى الجهاد كان يشعر بالقوة في وجوده بين المصلين.. قوة عظيمة من التماسك والاصرار الى أنه سيذهب ويرجع الى الضريح بروحه.. شعور لازمه وهو متجه نحو منطقة بيجي مع ثلة من قادة اللواء المستشار العسكري للواء علي الاكبر (عبد الكريم الحسناوي)، وآمر فوج حبيب بن مظاهر الاسدي (فارس عبد الزهرة).. واستمر ايمانه الذي احس به في حديثه الاخير مع أمه وابنته، يزداد قوة ويقينا، وقلبه فرحا لا يضطرب لحظة. وفي ساعة التهاويل، وساعة الاجل المحتوم، في طريق الجهاد وعلى مقربة من دخول منطقة مسك الارض في – بيجي- عند انحناء خط الضوء نحو خط الشهادة، جاءت قذيفة الموت المقدّر من الله(تعالى)المرسوم غدرا بيد أحقر خلق الله (داعش)، مخلفاً الالم والحزن. تحطمت السيارة بضربة موجعة تناثرت في الارجاء وعلت الاجساد بأرواحها نحو السماء. هلّ الحزن على أرض كربلاء جزعاً، واحمرت عيون الزائرين والمشيعين صارخين : نموت ويحيا الحسين.. نموت ويحيا السيد السيستاني.. نموت ويحيا الحشد الشعبي ..نموت ويحيا الوطن.

استشهد (حسن فخر الدين حميد مهدي زيني) وهو سيد من ابناء كربلاء شجاع يأمل في مدينته خياله الهندسي، وينحت من مقدساتها جمالا، ومن ارضها يصنع الخلد للشهداء.. ويطير في سماء المدينة وفي جناحيه شعاع آل محمد. فهو الغالب ايها الباحثون عن شجاعة سيد. ها هو يبحر نحو الشهادة حاملا سارية الامام مجدولة من ضياء ومن دم. أنه بطل عصرٍ ذهبيِّ، هو شاب مهندس في عينيه آفاق وأحلام.. تركها ليكون من فرسان العقيدة والمذهب، وهو الآن من فرسان كربلاء العبرات. هو ما زال حياً في القلوب.. حسن: أو لستَ.. ما زلتَ حياً في القلوب.ح.ع.

 

· كان يذّكرهم انهم رجال الحسين بمعنى رجال الله على أرضه فمن يريد الشهادة فينطلق معي ليربح الشهادة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=177014
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 01 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28