• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هكذا أدب جعفر شيعته .
                          • الكاتب : زينب العارضي .

هكذا أدب جعفر شيعته

في الخامسِ والعشرينَ من شهرِ شوال، نقفُ في كلِ عام  لنعيشَ مصيبةَ استشهاد صادقِ الآل، ونحارَ من أين نبدأُ في ذكرِ إمامٍ قد اختارَه اللهُ تعالى لإحياءِ الشريعة،  ومجابهةِ الباطلِ وأتباعِه وحيلِهم الوضيعة، والتصدي لأهلِ البدعِ والتضليلِ وأكاذيبِهم الشنيعة، بعد أن أرسى جدُه المصطفى (صلى الله عليه وآله) دعائمَ الإسلامِ وثبتَ أُسسَ العقيدةِ الإسلاميةِ الحقةِ ومبادئَها الرفيعة. 
إمامُنا الصادقُ عليه السلام نجمٌ أنارَ سماءَ الإنسانيةِ وأضاءَ مدلهماتها، وأشرقت بفضلِ نهضتِه وبركةِ علومِه أنوارُ الهدايةِ فأزاحت عن كاهلِ البشريةِ بؤسَها وشقاءَها. 
حفِظَ الإسلامَ بيراعِ حكمتِه وعلمِه وسدادِه، وصان في سني حياتِه المباركةِ بكلِ إخلاصٍ رسالةَ أجدادِه، حتى علت على يديه صروحُ الإيمان، وانتشرَ صيتُه في جميعِ البلدان، وسارت باسمهِ الركبان، فهرعَت إليه الأنفسُ التواقةُ للعروجِ وقصدته القلوبُ الظامئةُ للمعرفةِ من كلِ مكان؛ لترتشفَ من نميرِ علمِه ما يضيءُ حياةَ الإنسان، ويعلمُه السبيلَ إلى السموِ والتألقِ في كلِ ميدان. 
ولكن.. آه... آه... من حقدِ الشيطان على بني الإنسان، يالبشاعةَ الحقدِ حينما يستوطنُ قلبَ الحاكم الظالم، فيحركُه لإخمادِ نورِ الحقِ وصوتِه المنبعثِ من قلبِ الإمامِ العالم، الذي بات ضياؤُه في كلِ يومٍ يتعاظم، حتى ملأ العالم، فيزدادُ على إثر ذلك الحقد والبغضُ في قلب الحاكم المتجبرِ ويتفاقم. 
آه له وهو يرى أنيابَ أعدائِه المسمومة، وهي تروم الانقضاض على بيتِ الهدى وعلومِه.
آه له وهو يرى اشتباكَ خيوطِ الغدرِ السوداء، التي تريدُ اغتيالَ الضياء، وإعادة الظلامِ بدلَ السناء؛ لتعودَ الجاهليةُ الجهلاء، ويعُم الأجواءَ الشقاء. 
آه وألف آه، لامتدادِ يدِ الجهلِ والظلم، وجرأتِها على إطفاءِ نورِ الحقيقةِ والعلم، بدس السمِ للإمامِ الذي كان به وعلى يديه رسم الطريقِ إلى الحياةِ الطيبة التي يسخر فيها الإنسانُ طاقاتِه في سبيلِ البناءِ لا الهدم. 
وقعَ الإمامُ (عليه السلام) طريحَ الفراشِ جرّاءَ السم، فبكت القلوب المؤمنة، وذرفتْ من كلِ عينٍ قطراتُ الدموع، فإمام المذهبِ على فراشِه يصارعُ الموتَ وتوشك شمسه على الأفول بعد الطلوع..
وفي غمرات الألمِ والمعاناة، وبينما هو يصارعُ ما خلفه السمُ يفتحُ عينيه ليوصيَ بالصلاة: ( إن شفاعتَنا لا تنالُ مستخفا بالصلاة)؛ ليعلمَنا دروسا عدة من أبرزِها :
1. أن على الإنسانِ أن يستثمرَ كلَ لحظاتِ عمرِه، ويُضَمِنَها أفضلَ ما يستطيعُ فعلَه، فما دامتِ الأنفاسُ وما بقيت شعلةُ الحياة في داخلِه، لابد أن يعملَ ويُنتِج ويُبدِع في أداءِ تكليفِه والاستزادة من الخيرِ قبلَ الرحيل. 
2. أهميةُ الصلاةِ بحيث كانت آخرَ وصاياه، ولعمري أَنها مما ينبغي التأملُ فيها، والسعي لسبر أغوارِها، والاستفادةُ من عظيمِ أسرارِها. 
3. كأنه فدته النفوسُ أراد القولَ: أن من ينتسبُ إلى مدرستِهم لابد أن يكونَ من أهلِ العملِ لا القول، وأن يأخذَ بأسبابِ النجاةِ ولا يتكلَ على الشفاعةِ فيجعلَها مبررا لتقصيرِه في أداءِ التكاليفِ الشرعية، أو منطلقا للتفلتِ من الالتزامِ بالأحكامِ الإلهية. 
كانت هذه وصيتُه الأخيرةُ قبيلَ الرحيل، لم يلبثْ بعدها إلا قليلا ليُغمِضَ عينيه، وتمتماتُ الدعاء تنسابُ من بينِ شفتيه، فانبعثت الأنات، وتعالتِ الزفرات، وارتفعت الأصواتُ بالبكاءِ والشهقات. 
لقد رحلَ الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) فادلهمتِ الآفاق، وتراكمتْ غيومُ الأحزان فغمرت الظلمةُ الموحشةُ كلَ بيتٍ وزقاق.
رحل إمامُنا الصادقُ (عليه السلام) وآخرُ كلماتِه الدعاءُ بأن يعلو صرحُ الإيمان، ويقوى المذهبُ الجعفري ليعمَ سناه كلَ زمانٍ ومكان، رحل عنا وبقي عطاؤُه يتجددُ في كلِ آن؛ ليخاطبَ الإنسان، ويرشدَه ويعلمَه كيف يثبتُ أقدامَه على دربِ الهدى والتقى حتى موعدِ اللقاءِ مع الملكِ الديان، فما أجملَ أن نقرأ سيرتَه، ونتبعَ نهجَه وطريقتَه، ونجسد في أخلاقِنا وحياتنِا مرادَه وغايتَه، فنكونَ له زينا ونَسُرَ قلبَه حين يقولُ الآخرون: هكذا أدبَ جعفر شيعتَه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179257
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28