• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فرطنا و فرطا و مفرطون في القرآن الكريم (ح 2) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

فرطنا و فرطا و مفرطون في القرآن الكريم (ح 2)


تكملة للحلقة السابقة قال الله سبحانه وتعالى عن فرط ومشتقاتها "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" ﴿الأنعام 38﴾ فَرطنا: أغفلنا، تركنا، ضيعنا، ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة، فيحاسب الله كلا بما عمل، و "وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ" ﴿الأنعام 61﴾ يُفَرِّطُونَ: يُفَرِّطُ فعل، ونَ ضمير، لا يُفرطون: لا يقصَّرون ولا يغفلون، والله تعالى هو القاهر فوق عباده، فوقية مطلقة من كل وجه، تليق بجلاله سبحانه وتعالى. كل شيء خاضع لجلاله وعظمته، ويرسل على عباده ملائكة، يحفظون أعمالهم ويُحْصونها، حتى إذا نزل الموت بأحدهم قبض روحَه مَلكُ الموت وأعوانه، وهم لا يضيعون ما أُمروا به، و "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" ﴿يوسف 80﴾ فرطتم: قصرتم، فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس، وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، قال كبيرهم في السن: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم العهد المؤكد لتردُّنَّ أخاكم إلا أن تُغلبوا، ومن قبل هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم به، لذلك لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لي أبي في مفارقتها، أو يقضي لي ربي بالخروج منها، وأتمكن مِن أَخْذِ أخي، والله خيرُ مَن حَكَمَ، وأعدل مَن فَصَلَ بين الناس، و "قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ" ﴿طه 45﴾ يفرُط علينا: يعجل علينا بالعقوبة، يفرط: يتجاوز أو يقَدَّم، أو يَعجل إلى عقوبتنا، و الفارط: المتقدم إلى الماء لإصلاح الدلاء و الحبال و الحياض قبل وصول القوم، قال موسى وهارون: ربنا إننا نخاف أن يعاجلنا بالعقوبة، أو أن يتمرد على الحق فلا يقبله، و "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ" ﴿الزمر 56﴾ فَرَّطتُ: فَرَّط فعل، تُ ضمير، فَرَّطْتُ: قصرت، وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به، و "وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ" ﴿النحل 62﴾ مُفرطون: منسيون و متروكون في النار، أو مُبعَدون، أو مُعَجَّلون، أو مُعجَلون إلى النار، ومن قبائحهم: أنهم يجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وتقول ألسنتهم كذبًا: إن لهم حسن العاقبة، حقًا أن لهم النار، وأنهم فيها مَتْروكون مَنْسيون.
وردت كلمة فرط ومشتقاتها: فَرَّطْنَا، يُفَرِّطُونَ، فَرَّطتُمْ، مُفْرَطُونَ، فُرُطًا، يَفْرُطَ، فَرَّطتُ. جاء في معاني القرآن الكريم: فرط: إذا تقدم تقدما بالقصد يفرط، ومنه: الفارط إلى الماء، أي: المتقدم لإصلاح الدلو، يقال: فارط وفرط، ومنه قوله عليه السلام: (أنا فرطكم على الحوض). عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا). وقيل: في الولد الصغير إذا مات: (اللهم اجعله لنا فرطا). وقوله تعالى: "أن يفرط علينا" (طه 45) أي: يتقدم، وفرس فرط: يسبق الخيل، والإفراط: أن يسرف في التقدم، والتفريط: أن يقصر في الفرط، يقال: ما فرطت في كذا أي: ما قصرت. قال تعالى: "ما فرطنا في الكتاب" (الانعام 38)، "ما فرطت في جنب الله" (الزمر 56)، "ما فرطتم في يوسف" (يوسف 80). وأفرطت القربة: ملأتها "وكان أمره فرطا" (الكهف 28) أي: إسرافا وتضييعا.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "وَ يَجْعَلُونَ لِلََّهِ مََا يَكْرَهُونَ" (النحل 62) لأنفسهم من البنات و الشركاء في السيادة و الرياسة "وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ اَلْكَذِبَ" (النحل 62) و منه ادعاؤهم "أَنَّ لَهُمُ اَلْحُسْنى‌ََ" (النحل 62) العاقبة الحسنة، فرد سبحانه هذا الادعاء الباطل بقوله: "لاََ جَرَمَ لا شك في أَنَّ لَهُمُ اَلنََّارَ" (النحل 62) و بئس القرار "وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ" (النحل 62) بفتح الراء مع تخفيفها من الفرط بمعنى السبق لا من الافراط. بمعنى التجاوز، و المعنى أنهم السابقون إلى النار. وقوله سبحانه "وَ لاََ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنََا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنََا" (الكهف 28) آثر دنياه على آخرته، و هواه على طاعة اللّه "وَ اِتَّبَعَ هَوََاهُ وَ كََانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" (الكهف 28) من الإفراط و تجاوز الحد في الأقوال و الأفعال.
عن تفسير الميزان للعلامة السيدالطباطبائي: إذا قامت القيامة ورأى المجرمون أن اليوم يوم الجزاء بالأعمال وقد فرطوا فيها وفاتهم وقتها تحسروا على ما فرطوا ونادوا بالحسرة على تفريطهم "يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ" (الزمر 56) قال تعالى "حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها " (الانعام 31). وفي المجمع، عن الأعمش عن أبي صالح عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: في قوله تعالى "يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها" (الانعام 31) قال: يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا. قوله عز من قائل "وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (الانعام 38). وأما تفصيل حالها بعد الحشر وما يئول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام : "أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ" (الانعام 38) وقوله :"ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ" (الانعام 38) بعض ما يتضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبر، وربما قيل: إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها. نص القرآن الشريف على كثير من السلطات الغيبية في الملائكة كما قال "حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ" (الانعام 61). هذه الامة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كل من طرفي الافراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الاطراف والنبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم وهو المثال الاكمل من هذه الامة هو شهيد على نفس الامة فهو صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ميزان يوزن به حال الآحاد من الامة، والامة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الافراط والتفريط، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الامة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان، وميزانا يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين، أو يشاهد الطرفين، فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر، على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الامة إذ لا يترتب شهادة الرسول على الامة على جعل الامة وسطا، كما يترتب الغاية على المغيى والغرض على ذيه.
أنّ عليّا عليه السّلام حينما وصل إلى جبانة الكوفة عند عودته من حرب صفين، توجّه إلى القبور و نادى الأموات قائلا: (يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة و القبور المظلمة يا أهل التربة يا أهل القربة يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة أنتم لنا فرط سابق و نحن لكم تبع لا حق أمّا الدور فقد سكنت، و أمّا الأزواج فقد نكحت، و أمّا الأموال فقد قسّمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179537
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19