• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دعاءٌ فوق الغمام  .
                          • الكاتب : عبير المنظور .

دعاءٌ فوق الغمام 

    هو دعاء ليس ككل الدعوات، دعاءٌ مستجاب لعدالة السماء في الارض وإنْ تأخرت الاستجابة. 
دعاء المظلوم وهو كحد السيف على الظالم، ووُصِفَ في العديد من روايات المعصومين عليهم السلام بأوصاف شتى ونتيجة واحدة مفادها انه مجاب حتما ولو بعد حين. 
ومن هذه الروايات ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله : "إياكم ودعوة المظلوم ، فإنها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله إليها فيقول : ارفعوها حتى أستجيب له"(١) 
وكذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله قال: دعوة المظلوم مستجابة وإن كانت من فاجر محوب على نفسه (2) 
وعن الإمام علي (عليه السلام): "أنفذ السهام دعوة المظلوم. 
وعنه (عليه السلام) - لما سئل كم بين الأرض والسماء -: بين السماء والأرض مد البصر ودعوة المظلوم."(٣) 
ولو نظرنا الى كمّ الروايات عن المعصومين عليهم السلام في دعاء المظلوم ومطالعة مفرداتها التي تصفه والتأمل في بعض الدعوات لوجدنا اغلب  روايات دعاء المظلوم عبارة عن تحذير من دعاء المظلوم، اي بكلمة اخرى تجنب الظلم لانه كما وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة"(٤) 
وسنستعرض عينة من روايات التحذير من دعوة المظلوم 
عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال في رسالته إلى أصحابه: "وإياكم ان تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعو الله عليكم، فيستجاب له فيكم، فان أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يقول: ان دعوة [المسلم] المظلوم مستجابة... الخبر"(٥) 
وعن "رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتقوا دعوة المظلوم، فإنما يسأل الله تعالى حقه، وإن الله تعالى لم يمنع ذا حق حقه . 
الإمام علي (عليه السلام): اتقوا دعوة المظلوم، فإنه يسأل الله حقه، والله سبحانه أكرم من أن يسأل حقا إلا أجاب . 
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين . 
وعنه (صلى الله عليه وآله): اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة . 
وايضا عنه (صلى الله عليه وآله): اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونه حجاب" (6) 
وفي ظل العديد من الروايات التي تشرح لنا اهمية دعاء المظلوم وحتمية اجابته والتحذير من دعاء المظلوم تُرسم لنا ملامح المجتمع العادل الذي لا جور فيه، المجتمع الذي يرفض الظلم والاستكبار هو مجتمع يركز على مبادئ العدالة بالتأكيد ويعمل على تطبيقها كفكر وسلوك مترسخ ومتجذر في المجتمع، فالذي يتقي دعوة الظلم بالتأكيد هو من يترفع عن ظلم الناس، خطوة تعقبها خطوة في سبيل تحقيق العدل يتربى افراد المجتمع على عدم الظلم والالتزام بالعدالة في الحقوق والواجبات سواء بين افراد المجتمع بين بعضهم او بين افراد المجتمع والدولة. 
ولهذا ورد في تراث اهل البيت دعوات كثيرة للمظلوم  لهلاك الظالم منها دعاء الامام زين العابدين عليه السلام ودعاء الامام الهادي عليه السلام ودعوات اخرى كثيرة عن المعصومين عليهم السلام لا يسع المقام لذكرها وهي مذكورة في كتب الحديث والدعوات . 
وقد يتبادر الى الاذهان سؤال: هل يعتبر دعاء المظلوم على الظالم في تراث اهل البيت ظلما للظالم -على شناعة جرمه- وان التسامح هو الحل الامثل واقرب الى الشريعة الاسلامية السمحاء التي تدعو الى المحبة والسلام والصفح والعفو عند المقدرة؟ 
والاجابة على هذا السؤال يتخذ اتجاهات ووجوه كثيرة منها: 
- ان التسامح والمحبة من الاخلاق الحميدة بلا شك ولكن لمن يستحقه من المؤمنين، فالفرد منا غير معصوم والاخطاء والذنوب واردة الصدور من المؤمنين ولكل جواد كبوة كما يقال هنا يستحب الصفح والمسامحة والعفو لان حسنات الشخص وايمانه واخلاقه الحميدة يشفعون له، اضافة الى القلوب العامرة بالايمان عندما تظلم فانها تكفّر عن ذنبها وتحاول اصلاح اخطائها قدر الامكان  اضافة الى طلب السماح من المظلوم. 
- دعاء المظلوم المستجاب بحق الظالم الذي يتعمد الظلم وينشر الظلم والفساد في الارض، واغلبهم ممن لا تقوى لهم ولا ورع ممن يسعون في الارض ظلما وتقتيلا واستضعافا لمن هم اقل منهم شأنا وفي حقيقة الامر فانه ينطبق على الحاكم  الظالم واذنابه وعلى كل من يستغل سلطته في ظلم الاخرين وهضم حقوقهم وطمس حرياتهم ، هنا يكون الظلم مرا على المظلوم فيلجأ الى الدعاء بهلاك الظالم، لان هلاك الظالم هنا رحمة للعالمين واحقاقا للحق ونشر العدل في مجتمع ساده الظلم والجور. 
- العفو عند المقدرة لا يتوافق مع المظلوم الذي لجأ الى الدعاء على الظالم، فلو كان المظلوم قادرا على عدوه لما التجأ الى سلاح المؤمن المستجاب حتما لأخذ حقه، ولو تنازل عن حقه وعفا عن الظالم فانه سيفسح الطريق للظالم المعتدي على ظلم الاخرين بأشكال واساليب اخرى بلا رادع قوي، وان اراد العفو عند المقدرة لاحقا فهو شأن المظلوم ولا بد ان يكون له اسبابه التي لا يعلمها غيره.
- المسألة المهمة والفاصلة في دعاء المظلوم على الظالم هو ان يتناسب الدعاء مع كمية الظلم الواقع على المظلوم وقصدية الظالم وتعمده ظلم واذى الاخرين، فعندما يكون دعاء المظلوم اكبر من الظلم الواقع عليه سيكون المظلوم في هذه الحالة ظالما  !! 
  وقد وضح هذه النقطة العلامة المجلسي بالتفصيل في تعقيبه على حديث (عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:" إن العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو حتى يكون ظالما" 
بيان: " فما يزال يدعو " أقول: يحتمل وجوها: 
الأول: أنه يفرط في الدعاء على الظالم حتى يصير ظالما بسبب هذا الدعاء كأن ظلمه بظلم يسير كشتم أو أخذ دراهم يسيرة، فيدعو عليه بالموت والقتل والفناء أو العمى أو الزمن، وأمثال ذلك، أو يتجاوز في الدعاء إلى من لم يظلمه كانقطاع نسله أو موت أولاده وأحبائه أو استيصال عشيرته، وأمثال ذلك، فيصير في هذا الدعاء ظالما. 
الثاني: أن يكون المعنى أنه يدعو كثيرا على العدو المؤمن ولا يكتفي بالدعاء لدفع ضرره، بل يدعو بابتلائه، وهذا مما لا يرضى الله به، فيكون في ذلك ظالما على نفسه، بل على أخيه أيضا، إذ مقتضى الاخوة الايمانية أن يدعو له بصلاحه، وكف ضرره عنه، كما ذكره سيد الساجدين عليه السلام في دعاء دفع العدو وما ورد ومن الدعاء بالقتل والموت والاستيصال فالظاهر أنه كان للدعاء على المخالفين وأعداء الدين، بقرينة أن أعداءهم كانوا كفارا لا محالة كما يومئ إليه قوله تعالى:" ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم "  
  الثالث: ما قيل: إنه يدعو كثيرا ولا يعلم الله صلاحه في إجابته، فيؤخرها فييئس من روح الله، فيصير ظالما على نفسه، وهو بعيد. 
الرابع: أن يكون المعنى أنه يلح في الدعاء حتى يستجاب له فيسلط على خصمه فيظلمه فينعكس الامر، وكانت حالته الأولى أحسن له من تلك الحالة. 
الخامس: أن يكون المراد به لا تدعوا كثيرا على الظلمة فإنه ربما صرتم ظلمة فيستجيب فيكم ما دعوتم على غير كم. 
السادس: ما قيل: كأن المراد من يدعو للظالم يكون ظالما لأنه رضي بظلمه كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله : من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه.)(٧) 
 
ومن هنا يتبين لنا ان دعاء المظلوم الذي يخترق السماوات السبع ليصل الى الخالق جل وعلا ليستجيب له ولينصرن من دعاه من المظلومين ولو بعد حين ليس دعاء عاديا بلقلقة لسان من انسان مظلوم بل هو دعاء بشرطه وشروطه فرديا واجتماعيا من حيث كمية الظلم الواقع على المظلوم، وشخص الظالم نفسه من المؤمنين ام من الكافرين، قاصدا للظلم ام غير متعمد، نادما ام غير نادم ، وكذلك ردة فعل المظلوم ودعائه هل يتناسب مع مقدار الظلم الذي وقع عليه ام يتجاوز ذلك الى الدعاء على اشخاص ابرياء غير الظالم؟ 
ولو تأملنا قليلا في مسألة تحول المظلوم الى ظالم نجد انها بفعل ظروف وضغوطات الظلم الواقع عليه ورغبته في الانتقام من الظالم قد تجره الى تحطيم الظالم بظلم اشخاص ابرياء مقربين له ، هنا يبرز سببا رئيسيا هو ضعف شخصية المظلوم وعدم ضبط بوصلة انفعالاته وعدم عدالته في اخذ حقه فاصبح ظالما كالشخص الذي ظلمه تماما بلا فرق. 
فالمؤمن الحقيقي لا يلجأ الى ظلم الابرياء عند اخذ حقه ويكتفي بأخذ حقه من الظالم بلا زيادة او نقصان، فحتى النقصان في اخذ الحق ظلم للنفس، وهنا يبرز دور الايمان والعقل في موازنة الامور اللازمة لأخذ الحق، ومن لم يستطع اخذ حقه لظلم كبير من الظالم يلجأ الى السلاح الفعال في هلاك الظالمين واستئصال شوكتهم وهو الدعاء المخترق للحجب، انفذ السهام نحو السماء لتحقيق عدالتها على الارض تمهيدا لذلك المجتمع الموعود مع قائده العظيم الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. 
 
 
 
الهوامش: 
(١)وسائل الشيعة، الحر العاملي  ج٧، ص١٢٨. 
(٢)بحارالانوار، المجلسي، ج٩٠، ص٣٥٦. 
(٣)ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٢، ص١٧٨١. 
(٤) الكافي، الكليني، ج٢ ، ص ٣٣٢، ح ١٠. 
(٥)مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج٥، ص ٢٥٧. 
(٦) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٢، ص١٧٨١. 
(٧)بحار الانوار،المجلسي، ج٧٢، ص ٣٣٣-، ٣٣٤، بتصرف يسير.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179700
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28