• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : نحن بخير .
                          • الكاتب : منتظر العلي .

نحن بخير

العودة إلى الحياة  من جديد  تحتاج إلى حظ وافر ونصيب كبير ،  وقصتي مع النجاة تشكل في راسي حدثا لا يمكن ان أنساه ، كيف حدث ذلك ،؟ أعتقد انه الحدث هو من صنع الله تعالى  ،  والنجاة على يد إنسان  ، يجازف بحياته وحياة من معه من أجل  أن ينقذ أنسانا لا  يعرفه  ولم يره من قبل هو رزق من الله ،  هذا الموقف صار عمري كله لا أتذكر حياة ما قبله ولا أجد شيئا مهما لما بعده ، يحتل ذاكرتي ويعيش معي بكل ما يمتلك  الموقف من عنف  ويأس وموت ، علمني الموقف أشياء جميلة ومنها  ـ أن ليس كل موت  ينهي حياة الإنسان  هناك ميتات عديدة تميتك ثم تعيدك  للحياة  كي تميتك ثانية  ، في كل  يوم أضع راسي على وسادتي   تلتف ذاكرتي  نحو الموقف ، يصيبني  الأرق  المزمن  الذي ينتاب حياتي ، العمر  جعلني بمعزل  عن القتال ، لا أملك إلا هذا  الجسد الذاوي  الذي لا يستطيع  الوقوف على حيله ، مشاعر شتى  تتنازعني  وسط مشاهد الموت والدمار ، الدواعش يعشقون  القتل ويكرهون أي شيء  أسمه الأمل  وأنا لم يكن نصيبي منهم الا الخوف ،، تعلمت من الموقف أن الكبار صغار  أمام الموت ،  كنت اشعر لحظتها  ،مهما فقد المقاتل من إنسانيته  تبقى فيه  الرحمة  لابد تستوقفه حالتي رجل كبيرالسن  مقعد على كرسي العوق او منظر طفل صغير يتنفس الحياة بصعوبة ،  احمد الله ان عائلتي نزحت إلى بغداد تحصينا لحياتها ولعلاج أمهم المريضة وبقيت وحيدا ، جالت الفكرة براسي هل ابقى في بيتي منتظرا موتي أم اخرج بعيدا فخرجت باتجاه  لم اعرف مبتغاه ، دخول الحشد الشعبي  افقد الدواعش صوابهم فصاروا يقتلون كل من يجدوه في طريقهم رجل أمرآة أو طفل ، لا فرق المهم هم يريدون قتل جميع أهل  المالحة  انتقاما ،  ليوهموا العالم  ان الحشد الشعبي هو الذي قتلهم ، كان الدواعش قد أعدوا العدة لهروبهم  ، قبل  بدأ المواجهة ، فخخوا  البيوت والشوارع  والطرقات  وابقوا ما يؤمن هربهم بسلامة ، ثم وزعوا القناصين  فوق ذروات عالية  ليصطادوا رجال الحشد أو من يقع تحت نيرانهم المرعبة ، يقتلون  من يتنفس الحياة ،  يبدو أحد  القناصين  أكتشف وجودي  وربما اعتقد  اني مقاتل وعربة عوقي  قاذفة ،  كان على ما يبدو يتسلى بي يرمي قريبا مني  إلى أن أصابني في ذراعي  ، فسقطت أرضا ، ولم اعد استطيع النهوض وأنا بين الموت والحياة واكتشفت أخيرا  ربما هو يحسب ان يجعلني مصيدة لمن يساعدني أو ينقذني  ،  تعلمت من هذه التجربة ، المواقف  الكبيرة  تمنح الإنسان الشجاعة  والرصانة والهيبة والتماسك ، رغم أني أحب أن يأتي  الآن من ينقذني  ،  لكني كنت أخاف  عليه ، أتمنى لو كنت  امتلك سلاحا  لكنت أطلق الرصاص بدل الآهات ، تلمست جرحي  يا الهي سيخلص دمي  وأشعر ان جرحي صار أكبر ، وبدل ان أرضخ للموت صرت ازحف لأصل الى الشارع العام ،لأكون أمام واقع مفترض ، يراني الدواعش فيقتلوني  وينتهي هذا البؤس أو يأتي   الحشد الشعبي فينقذني ،من أساي  وجراحي ، وحين وصلت إلى الشارع العام اكتشفت  مشكلة أخرى ،أصبحت أمام مرمى  القناص  تماما ، صرت تحت مرمى النار كرهت ساعتها الحياة ، تمنيت  الموت بدل  ان أكون  سببا لموت  إنسان آخر ، حاولت ان أرجع  إلى مكاني  ، انسحب  أكثر  لأختفي  عن مرمى القناص   وعن المنقذ أيضا لا أريد أن يقتل احد بسبي ، زحفت إلى الخلف  ، الهي خذ أمانتك لأرتاح ، وإذا بمدرعة  قادمة أمامي ، ازدادت دقات القلب والقلق والخوف  ، أتمنى يراني لينقذني واتمنى لا يراني كي لايقتل بسببي  ، توقفت المدرعة ونزل منها الشباب نحوي يركضون لإنقاذي  ناديتهم توقفوا  هناك قناص  ينتظر من ينقذني  رجعوا الى المدرعة ، سكت الموقف  ، هل سيتخلون عني ؟ اعتقد غيرتهم لاتسمح لهم  ، اتجهت المدرعة نحوي  لتكون سدا يقيني من الرصاص  وبرشاقة المقاتلين حملوني  وحين أدركوا عوقي سألوني عن عربتي قلت لهم هي مرمى القنص اتركوها، قرر السائق أن لا يتركها أبدا تحديا لهذا القناص الاهوج الذي ارتضى لنفسه ان يتحدى عوقي ، زحف نحو العربة واتى بها ملطخة بالدم  ،  وقاد المدرعة إلى المستشفى رغم  جراحه ،  وفي المستشفى صرت اسأل عنه  قال لي أحدهم  انه بخير  خرج من المشفى قبلك ، أتى لزيارك  قبل ان تسترد وعيك  قبلك من جبينك ورحل  ، صرت اتحسس  مكانها  ، شعرت انها القبلة عراقية تمتلك اليقين  باننا على قلب واحد  رغم انف الدواعش  نحن بخير،




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179926
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19