• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : خديجة.. الأمُّ المحسودة ! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

خديجة.. الأمُّ المحسودة !

بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (ص)، وَخَدِيجَةَ، وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ (نهج البلاغة ص301).
 
كانوا ثلاثة..
محمدٌ وعليٌّ وخديجة..
فجَعَلَهُمُ الله تعالى في آياته: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة10-11).
 
فكان: الْمُقَرَّبُونَ آلُ مُحَمَّدٍ (ص).
 
ومِصداق هذه الآية: رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَخَدِيجَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَذُرِّيَّاتُهُمْ تَلْحَقُ بِهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ (تفسير القمي ج‏2 ص412 عن الإمام الصادق عليه السلام).
 
1. محمدٌ، نورُ الله تعالى، وأفضل خلقه وأحبّهم إليه، مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
2. وعليٌّ، وليُّ الله، ونَفسُ محمد، وصنوُه وأفضل الخلق بعده.
3. وخديجة، ثالِثَةُ هذين العظيمين !
 
فمَن تكون هذه السيّدة الجليلة؟ حتى رُزِقَت هذه الكرامة، وكانت أوّل من أسلَمَ مع أعظم مخلوقات الله؟!
 
ومَن تكون حتى نزلت فيها آية (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)؟! حيثُ لا قُربَ فوق قربهم، ولا يدانيهم أحد؟!
 
ثُمَّ ما مقدار عظمتها وقد جعل الله تعالى قرّة عينٍ الرسول مِنها ؟!
 
قال تعالى:
(وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقينَ إِماماً) (الفرقان74).
 
فطلبَ النبي صلى الله عليه وآله من الله تعالى أمرين:
 
أوّلهما أن يهبه قرّة أعين، فكان: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ.
وثانيهما: أن يهبه الإمامة، فكان: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع‏).
 
ولكنّ النبيّ أرادَ قرَّةَ عينٍ من سبيلٍ خاص حين قال: (مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا)
فكانت (مِنْ أَزْواجِنا): خَدِيجَةُ.
وكانت (وَذُرِّيَّاتِنا): فَاطِمَةُ، كما فسّرها النبي (ص) نفسه (تفسير فرات الكوفي ص295).
 
وكانت هذه الآية في آل محمد أيضاً، كما عن الصادق عليه السلام: نَحْنُ هُمْ أَهْلَ الْبَيْت‏ (تفسير القمي ج2 ص117).
 
كانت خديجة السبّاقة في الإسلام، فجعلها الله من المقرّبين، وبارك بها فجعل ذريّة النبي (ص) وقرّة عينه منها لا من سواها، وأيُّ ذريّة تلك..
قال عنها النبي صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَارَكَ فِي الْوَلُودِ الْوَدُودِ (الخصال ج‏2 ص405).
 
وكان (ص) يغضبُ كلَّما ذُكرَت بسوء، سيّما إذا ما انتَقَصَت منها الحُمَيراء، ويكثر من الثناء عليها أمامها فيقول:
 
مَا أَبْدَلَنِيَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا:
 
1. صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِيَ النَّاسُ.
2. وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِيَ النَّاسُ.
3. وَرَزَقَنِيَ اللَّهُ الْوَلَدَ مِنْهَا وَلَمْ يَرْزُقْنِي مِنْ غَيْرِهَا (الإفصاح في الإمامة ص217).
 
فَبَلَغَت بها طهارتها وأفعالها أن صارت واحدةً من أفضل نساء الجنة الأربعة، كما عن رسول الله (ص): أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ (الخصال ج‏1 ص206).
 
ثمّ أودَعَ الله تعالى فيها نور سيدة النساء فاطمة، وجَعَلَ أفضل نساء الدُّنيا أنيسةً لها حتى قالت: إنّ الجنين الذي في بطني يكلمني وأكلمه، ولي به أنسٌ في حال وحدتي (عيون المعجزات ص59).
 
وكلّما تَغتَمُّ إذا خرج رسول الله، وتحزن وتحذر عليه (ص): كَانَتْ فَاطِمَةُ تُحَدِّثُهَا مِنْ بَطْنِهَا، وَتُصَبِّرُهَا (دلائل الإمامة ص77).
 
هي منزلةٌ رفيعةٌ تعجزُ كلُّ نساء الدُّنيا عن بلوغ شأنها، بل عن إدراك فضلها.. وكذا الرِّجال.. فقد تفوّقت بإيمانها وعملها ونصرتها للنبي (ص) وإخلاصها على أعظم رجال التاريخ ونسائه، وتَسَامَت في علياء المجد، وبلغت من المعالي أكملها، ومن الكمال أشرفه.
 
ولكن..
للكمال والرِّفعةِ ثَمَنُه، وكلّما حازَ المؤمن مزيدَ فضلٍ وعظيم منزلةٍ تكاثَرَ عليه الحُسّاد..
 
وكان مِن أكثر الناس حسداً لخديجة امرأةٌ لَم تُدركها !
 
إنّها عائشة!
 
يروي مسلم في صحيحه عن عائشة أنها قالت:
ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ، وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا ! (صحيح مسلم ج7 ص134).
 
لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله يكثر من ذكر خديجة عليها السلام ومن الثناء عليها، فكانت عائشة تتألم من ذلك وتغير منها وتحسدها، حتى أنّها كانت تتعمّد إغضاب رسول الله صلى الله عليه وآله بذكر خديجة والانتقاص منها، فتكمل قولها في صحيح مسلم:
 
فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا (صحيح مسلم ج7 ص134).
 
فكان حُبُّ النبيّ لخديجة رزقاً من الله تعالى ساقَهُ إليه، فأشعَلَ في قلب هذه المرأة غيظاً وحنقاً وحسداً وبُغضاً وكراهية، ظهرت في حياته أولاً بالانتقاص منها أمامه (ص) وإغضابه لذلك، فكانت تقول له (ص): كأن ليس في الأرض امرأةٌ إلا خديجة ! (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام ج‏3 ص18).
 
ثم صارت تُغضِبُ الزهراء عليه السلام بقولها لها: واللَّهِ يَا بِنْتَ خَدِيجَةَ! مَا تَرَيْنَ إِلَّا أَنَّ لِأُمِّكِ عَلَيْنَا فَضْلًا! وَأَيُّ فَضْلٍ كَانَ لَهَا عَلَيْنَا؟ مَا هِيَ إِلَّا كَبَعْضِنَا! (الخصال ج2 ص405).
 
مع معرفتها بمنزلتها عند النبي (ص) وفضلها وكرامتها عند الله، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
 
كَانَتْ عَائِشَةُ تَمْقُتُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَتَشْنَؤُهَا شَنَآنَ الضَّرَائِرِ، وَكَانَتْ تَعْرِفُ مَكَانَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَيَثْقُلُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَتَعَدَّى مَقْتُهَا إِلَى ابْنَتِهَا فَاطِمَةَ فَتَمْقُتُنِي وَتَمْقُتُ فَاطِمَةَ وَخَدِيجَة (الجمل للمفيد ص411).
 
قال ذلك عندما سئل عن سبب مظاهرة عائشة عليه وخروجها لحربه، فذكر أسباباً (لحقدها عليه) و(حسدها إياه) وكان منها مَقتُها لخديجة !
 
كان هذا أوّل ما ظَهَرَ من الحسد والغيرة، إغضاب النبي (ص) والبضعة (ع)، ثم بَلَغ حرب الوصي (ع) !
 
فصارت المصداق الأتم للحديثين الشريفين:
 
1. غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْر ! كما في النهج الشريف
2. الْحَسَدُ هُوَ أَصْلُ الْكُفْرِ ! كما عن الباقر عليه السلام (الكافي ج‏5 ص505).
 
فاجتمع فيها الغيرة والحسد لأفضل مخلوقات الله معاً، فأيُّ امرأةٍ يؤدي بها حسدُها لخديجة إلى إغضاب رسول الله ؟! فأغضبت الله تعالى، ثم أغضبت البضعة، ثم حاربت الوصي، ومقتتهم جميعاً، واشتركت معها ببعض ذلك صاحبتها حفصة.
 
بينما كان أبواهما يؤسِّسان أساس الظُّلم والجور على آل محمد، وقد أوجب الله تعالى برّهم.
 
وجَعَلَ الله خديجة أمّاً للمؤمنين وأوجب على الناس برّها، لكنّ الأمة عقّت أمّها خديجة !
 
وكان أصعَبُ هذا العقوق بعد وفاتها، عندما عقّتها الأمّة في أولادها.. بظلم الزهراء وسمّ الحسن وقتل الحسين !
 
عن الإمام الصادق عليه السلام:
 
إِنَّ الْكَبَائِرَ سَبْعٌ، فِينَا أُنْزِلَتْ، وَمِنَّا اسْتُحِلَّتْ..
 
وَأَمَّا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)
 
1. فَعَقُّوا رَسُولَ اللَّهِ (ص) فِي ذُرِّيَّتِهِ.
2. وَعَقُّوا أُمَّهُمْ خَدِيجَةَ فِي ذُرِّيَّتِهَا! (من لا يحضره الفقيه ج‏3 ص562).
 
ليس العقوق للرسول فقط، بل عقوقٌ لسيّدةٍ في منتهى الكرامة والمنزلة الشريفة.
 
المرء يُحفظ في ولده، لكنّ هذه الأمّة المنكوسة ما حفظت وُلد الرسول ولا ولد خديجة! فظلموا البضعة الزهراء وهي ذرية خديجة والرسول، ثم تعاقبوا على ظلم أولادها عليها السلام.. فكان العقوقُ مضاعفاً.
 
ولو لم تكن خديجة على تلك المثابة من العَظَمَة، ما كان الحسين عليه السلام يقول يوم عاشوراء:
أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَدَّتِي خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أَوَّلُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِسْلَاما (الأمالي للصدوق ص159).
 
يريدُ القوم قتلَه فيحجُّهم بما أوجب الله تعالى من حفظ مقام خديجة عليها السلام، وأنّ ظُلمَهُ عقوقٌ لها، والله تعالى قد أوجب برَّها بحفظ أولادها !
 
أما علموا ذلك يا أبا عبد الله؟!
بل علموا ذلك وأرادوا قتلك لأنك من نسل محمد وخديجة، وعلي وفاطمة ! ولأنك وليُّ الله وخليفته.
 
عرفوك يا أبا عبد الله، وعرفوا أمك وأباك، وجدك وجدتك وأخاك..
 
لكنكم القوم المحسودون..
وحاسدكم شرُّ خلق الله..
 
ونِعمَ الصابرون أنتم.. ثبّتنا الله على ولايتكم، وألهمنا صبراً على ما جرى عليكم، وعجّل في فرج وليكم.
 
وعظّم أجورنا بكم.
والحمد لله رب العالمين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=180288
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19