• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإمام الصادق.. وارثُ الأنبياء .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

الإمام الصادق.. وارثُ الأنبياء

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
لقد ألبَسَ الله تعالى الإمامَ من آل محمدٍ تاجاً لا نظير له، يقول عنه الصادق عليه السلام:
 
أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَاجَ الْوَقَارِ ! وَغَشَّاهُ مِنْ نُورِ الْجَبَّار ! (بصائر الدرجات ج‏1 ص413).
 
السَّكينة والحِلم، والرزانة والعَظَمة، كلُّها من معاني الوَقار، الذي جعله الله تعالى تاجاً ألبَسَهُ الإمام !
فحين يتنافس الملوك والرؤساء وسائر الخلق على تاج المُلك، يكونُ الإمام مشغولاً عنهم بالله تعالى، وكيف لا يكون كذلك وقد أعطاه الله ما لا تُقارَنُ به كلّ تيجان الأرض ؟! فما أعظمها من منزلةٍ وعطيّةٍ إلهية.
 
الله تعالى يُغَشِّي الإمام من نوره، ولكنّ المنصور يريد أن يُحرِقَ على هذا الإمام دارَه !
لَكُمُ الله يا آل محمد..
سلام الله عليكم يا أبناء محمدٍ وعليّ..
 
تُحرَقُ دارُ أمِّكم فاطمة.. ثم تُحرَقُ خيامُكم في الطف..
ثم يوجِّهُ المنصورُ واليه على الحرمين: أَنْ أَحْرِقْ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ دَارَهُ !
 
يقول المفضّل بن عمر: فَأَلْقَى النَّارَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ الله، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِي الْبَابِ وَالدِّهْلِيزِ !
 
لقد روي أن الإمام تأوّه مرتين فقال (آهِ آهِ)، عندما سمع اسم (فاطمة) مِن رَجُلٍ أسمى ابنته باسمها.
لكنّه في تلك السّاعة ما سَمِعَ اسم (فاطمة) بل رأى (باباً تُحرِقُه النيران كباب فاطمة)، فكانت ظلامات يتبعُ بعضُها بعضاً.
 
يقول المفضّل: فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَتَخَطَّى النَّارَ وَيَمْشِي فِيهَا !
 
أحرقت النّارُ الباب والدِّهليز، لكنّ الإمام مشى فيها ولم تُحرقه، أمَا قال الله تعالى: (قُلْنا يا نارُ كُوني‏ بَرْداً وَسَلاماً عَلى‏ إِبْراهيمَ) (الأنبياء69)
 
وصارت هذه النّارُ كتلك النّار، بَرداً وسلاماً على جعفر بن محمد، ولقد كان عليه السلام: يَمْشِي فِيهَا وَيَقُولُ: أَنَا ابْنُ أَعْرَاقِ الثَّرَى، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ (ع) ( الكافي ج‏1 ص473).
 
فهو من ذريّة الأنبياء أعراق الثرى وأصول الأرض، ومن ذريّة إسماعيل حامل اللقب، وإبراهيم الذي مَنَعَ الله النار أن تؤثر فيه، هو ابن هذه الثلَّة العظيمة، ووارث الأنبياء، فقد وَرِثَ من إبراهيم ما يمنع النار من إحراقه، ومِنه ومن سائر الأنبياء علومهم وخصالَهم وكمالاتهم ومعاجزهم وكراماتهم، وقد ظهر أثر ذلك في جهاتٍ منها:
 
1. إحياء الطير !
 
لقد أحيا الله تعالى طيوراً أربعةً لإبراهيم كما في قوله تعالى له: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى‏ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتينَكَ سَعْيا)، ولقد تكرَّرت الواقعة مع صادق آل محمد، حين أَمَرَ طاووساً وغراباً وبازيّاً وحمامةً فحضرت بين يديه:
ثُمَّ أَمَرَ بِذَبْحِهَا كُلِّهَا وَتَقْطِيعِهَا وَنَتْفِ رِيشِهَا، وَأَنْ يُخْلَطَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
 
ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ الطَّاوُسِ فَقَالَ: يَا طَاوُسُ، فَرَأَيْنَا لَحْمَهُ وَعِظَامَهُ وَرِيشَهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى الْتَزَقَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِرَأْسِهِ !
وَقَامَ الطَّاوُسُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيّاً !
ثُمَّ صَاحَ بِالْغُرَابِ كَذَلِكَ، وَبِالْبَازِيِّ وَالْحَمَامَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَتْ كُلُّهَا أَحْيَاءً بَيْنَ يَدَيْهِ (الخرائج والجرائح ج‏1 ص297).
 
لقد استجابت الطيور لنداء الصادق عليه السلام كما استجابت لنداء إبراهيم، لكنّها أكثرُ طاعةً وامتثالاً لأمر الصادق ومعرفةً به عليه السلام، ففي الخبر عنه عليه السلام أن طائراً يقول لطيرته: ما خلق اللّه خلقاً أحبّ إليّ منكِ إلّا مولاي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السّلام (اثبات الوصية ص189).
 
في عالَم الطيور حُبٌّ من نوعٍ خاصٍ، لكن فوق كلِّ حُبٍّ حُبُّ الطير لإمامه !
فأين هذا الخلق المتعوس عن إمامٍ يعرفُ شيئاً مِن قدرِهِ طَيرٌ يحطُّ في داره عليه السلام.
 
أما وَرَدَ عنهم أنّ الله تعالى عرض ولايتهم على الطيور وبقاع الأرض فما قَبِلَها صار مباركاً أو طيِّباً وحلواً وعذباً ؟!
 
فسلام الله عليكم يا آل محمد، ما أشدّ جهلَ الناس بكم، وما أعظم حقّكم عليهم.
 
2. إحياء الموتى !
 
لقد أحيا عيسى عليه السلام الموتى بإذن الله، وورثَ الصّادق عليه السلام هذه الخصلة منه، وتكرَّرَ الأمرُ في حياته، فتارة أحيا رجلاً يروي أخوه الواقعة فيقول: وَدَنَا مِنَ الْقَبْرِ وَدَعَا، قَالَ: فَانْشَقَّ عَنْهُ قَبْرُهُ وَخَرَجَ إِلَيَّ وَاللَّهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَخِي اتَّبِعْهُ وَلَا تُفَارِقْهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى قَبْرِهِ (الخرائج والجرائح ج‏2 ص743).
 
وتارة أخرى أمَرَ ملك الموت بأن يؤخر الموت (عِشْرِينَ سَنَةً) عن امرأة تجود بنفسها قد حانت منيّتها، فقال ملك الموت: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ (الخرائج والجرائح ج‏1 ص295).
 
وثالثةً (تُوُفِّيَتْ) امرأةٌ وشكا زوجُها للإمام وحدته، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ فَإِنَّكَ سَتَرْجِعُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَهِيَ تَأْكُلُ شَيْئاً، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنْ حَجَّتِي وَدَخَلْتُ مَنْزِلِي رَأَيْتُهَا قَاعِدَةً وَهِيَ تَأْكُلُ ! (بصائر الدرجات ج‏1 ص274).
 
ما كانت واقعةً واحدة، أحيا فيها الإمام الموتى بإذن الله، وأبرأ المرضى، وظهرت على يديه خوارق العادات والكرامات الباهرات.. فأطاعه الخلق حتى الجمادات، فحين كان يقول للنخلة: يَا نَخْلَةُ أَطْعِمِينَا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِيكِ مِنْ رِزْقِ عِبَادِهِ ! .. تَمَايَلَتْ نَحْوَ الصَّادِقِ (ع) وَعَلَيْهَا أَعْذَاقُهَا وَفِيهَا الرُّطَبُ !
 
ولكنّ أعراب ذاك اليوم نَسَبُوا فعلَه هذا إلى السحر، وأعرابُ اليوم ينسبون شيعته للغلو !
 
قال حينها عليه السلام: نَحْنُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ !
 
لَيْسَ فِينَا سَاحِرٌ وَلَا كَاهِنٌ، بَلْ نَدْعُو اللَّهَ فَيُجِيبُ.
وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أَدْعُوَ اللَّهَ فَيَمْسَخَكَ كَلْباً تَهْتَدِي إِلَى مَنْزِلِكَ ! (الخرائج والجرائح ج‏1 ص296).
 
الصادق عليه السلام إمامٌ مِن قومٍ ورثوا الأنبياء، فَعِندَهم كلّ علومهم وكراماتهم ومعاجزهم، ولديهم ما زاد على ذلك مما خصّهم الله به دون سائر الخلق.
 
لقد قالوا: إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ دَعَا اللَّهَ لَنَا أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏)، فَإِيَّانَا عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ خَاصَّةً (كتاب سليم بن قيس ج‏2 ص885).
 
فصاروا مَهوى الأفئدة، وقِبلَة قلوب عباد الله المؤمنين.
 
لقد جهلَ الناسُ قدركم ومقدار صبركم وعظمة شأنكم يا آل محمد.. وما عَرَف بعضَ ذلك إلا شيعتكم..  وأيقنوا أن حياة قلوبهم بكم يا آل محمد.
فسلامُ الله عليكم، وعليك سيدي ومولاي وإمامي يا جعفر بن محمد الصادق، جعلنا الله من شيعتك وأوليائك قولاً وفعلاً، وحشرنا معك وفي زمرتك إنه سميع مجيب.
 
وعظم الله أجورنا وأجوركم
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=182044
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28