التصريحات التي يدلي بها حيدر الملة عضو مجلس النواب العراقي كثيرة ، منها نارية ترفع من درجة حرارة المستمع ، ومنها يمر عليها المستمع مرور الكرام ولا يلتفت اليها ، خاصة في الفترة الاخيرة عندما تحركت بعض الاطراف السياسية لسحب الثقة عن المالكي ، بعد ان حقق المالكي نجاحات كثيرة في القضاء على الارهاب ، وفي كشف اسماء المتورطين بالارهاب من المسؤولين في الدولة ، والذين دخلوا باسم الشراكة في الحكم مثل طارق الهاشمي ، وفي تقديري ان خلق ازمة سحب الثقة جاءت انتصارا للهاشمي ، سواء رضي البعض بهذا الرأي او لم يرضَ ، لكن هذا هو الواقع .
حيدر الملة يصرح ويصفه الاعلام بالناطق باسم القائمة العراقية ، ولو سألت أي عراقي بسيط عن القائمة العراقية وعن الدول التي تدعمها ، فسيأتيك الجواب ، ان السعودية وقطر وتركيا ، من اكثر الدول دعما للقائمة العراقية ، وهذه الدول محسوبة على المحور الامريكي ، ولا احد يشك في ذلك ، فدول المحور الامريكي هي من يدعم القائمة العراقية ، وموقف الامريكان معروف من القائمة العراقية ، خاصة في الدورة الانتخابية الاخيرة وعملية فرض فوزهم في هذه الانتخابات .
اخر تصريح لحيدر الملة في موضوع سحب الثقة ، هو ان الضغط الامريكي والايراني يحاولان منع سحب الثقة عن المالكي !
هذه الشهادة من حيدر الملة مقبولة ! لأنها تحتسب الى المالكي وليست عليه ، بدلالة ما يأتي :
الشعب العراقي ، وكذلك اهل الخبرة في السياسة ، والمراقبون ، اعتبروا تصريح الملة هذا لصالح المالكي ، ودليل على استقلالية نهجه ، وعلى وطنية هذا النهج ، وتصريح حيدر الملة هو شهادة لصالح نهج المالكي الوطني ، البعيد عن المحاور ، من حيث يدري او لا يدري .
طبعا الكل يعرف ان مصلحة امريكا هي غير مصلحة ايران ، ويعرفون موقف امريكا من ايران ، وموقف ايران من امريكا ، فلا يمكن ان تتفق مصلحتهما على امر واحد ، فأتفاق الدولتين على عدم تأييد سحب الثقة ، حسب رواية حيدر الملة ، يؤشر عند ذوي النظر السليم ، واصحاب العقول الراجحة ، وذوي الخبرة ، وعند ابناء الشعب العراقي صاحب المصلحة الحقيقية في موضوع سحب الثقة عن المالكي او عدمها ، على ان المالكي غير خاضع للمحور الايراني ، وكذلك غير خاضع للمحور الامريكي ، والّا من غير المعقول ان تؤيد ايران عدم سحب الثقة عن المالكي ، وهي تعرف ان المالكي خاضع او واقع تحت تأثير النفوذ الامريكي ، وكذلك امريكا لو كانت تعرف ان المالكي واقع تحت تأثير النفوذ الايراني لما اعترضت على موضوع سحب الثقة عن المالكي ، موقف الدولتين الموحد من موضوع سحب الثقة على رواية حيدر الملة ، يدلل على استقلالية ووطنية نهج المالكي ، وعدم خضوعه لصراعات المحاور الدولية ، هذا الاستنتاج نستفيده من مفهوم كلام حيدر الملة .
انا شخصيا قراءتي انْ صح انّ ايران تعترض على موضوع سحب الثقة عن المالكي موقفها هذا متأتي من قناعتها بعدم وقوع المالكي تحت المظلة الامريكية ، وبقناعتها بخطه الوطني الذي يمثل جميع العراقيين دون تفريق بسبب الدين او المذهب او القومية ، واني اقرأ ايضا ان موقف امريكا ان صح انها تنصح بعدم سحب الثقة عن المالكي ، وتحث جميع الاطراف على الحوار لحل المشاكل بينهم ، متأتي من قناعتها بعدم خضوع المالكي للنفوذ الايراني ، سياسة التوازن هذه ، والخط الوطني الذي ينتهجه المالكي ، هي من تدفع ايران وامريكا بعدم تأييد سحب الثقة .
المعارضون للمالكي والمدفوعون بدوافع شتى ، عليهم توحيد صفوفهم كي يسلكوا الطرق الدستورية والقانونية في موضوع سحب الثقة ، وان كانوا عاجزين عن ذلك ، عليهم ان يتركوا الهرج الاعلامي ، ويثبتوا وطنيهم للشعب العراقي ، ويلتفتوا بدل التهريج والتشويش في الاعلام ، الى تقديم الخدمات للشعب ، وتشريع القوانين التي فيها فائدة للناس الذين تعبوا وملّوا من تصريحات بعض السياسين النارية والرنانة وغير الواقعية التي تلهب المشاعر ، وربما تخلق الفتنة بين ابناء الدين والشعب الواحد ، سيما ونحن نرى الارهاب اليوم ، لا يمّيز بين ابناء الشعب العراقي فمرة يضرب في كربلاء وبابل وبغداد واخرى في هيت والفلوجة والانبار والموصل او كركوك او السليمانية ، لا يفرق بين عراقي واخر بسبب دينه او مذهبه او قوميته ، وفي هذا رسالة لكل السياسيين غير المرتبطين بأجندة خارجية ، ان يتركوا المماحكات السياسية ويجلسوا على مائدة واحدة للحوار وحل المشاكل ، اما المرتبطون بالاجندات الخارجية فمثل هؤلاء السياسيين امرهم ليس بايديهم ، بل بيد من وظّفهم لعرقلة المسيرة السياسية في العراق ، في المقابل على السياسيين الوطنيين ان يتركوا مثل هؤلاء الذين يعملون بوحي من الخارج ، ومهمتهم باتت معروفة للشعب العراقي اذ يريدون قلب المعادلة السياسية في العراق ، او على الاقل تعويق عملها ، مثل هؤلاء يجب ان يتركوا كي يميزهم الشعب ويتخذ ازاءهم الموقف المناسب .
وعند كتابتي لهذه السطور في 18 حزيران سمعت بتفجيرات الانبار وهيت والفلوجة وصلاح الدين ، اذ سقط عدد من الشهداء والجرحى ، دعوتنا للشهداء بالرحمة والرضوان ، ولذويهم الصبر والسلوان ، وللجرحى الشفاء العاجل ، وهذا الفعل الارهابي الجبان الذي يستهدف المدنيين الابرياء بغض النظر عن القومية او الدين او المذهب ، انما هو دليل اخر على ان الارهاب لا دين له ، ولا وطن ، انما الغاية خلق الفتنة بين ابناء الدين والشعب الواحد ، لكن الشعب العراقي بكل الوانه واع لهذه اللعبة القذرة ، وسيفشلها ، كما افشل الكثير من الاعيب اعداء العراق . |