أعلنت إسلامها وأخلصت لدينها وانتمت للجوهر فحاربتها زوايا السلفية وتعرضت لعدة محاولات كانت تختبئ بزي رجل سني محمود السعدي
في مساء 21 تشرين الأول عام 1904 م هبت عاصفة رعدية سوداء على منطقة العين الصفراء في الجزائر، وتقطعت قرب السماء على الأرض ثم جرت الوديان، تهدم سقف منزلها وجرفتها فيضانات الأمطار
لأيام ظل الناس يبحثون عنها تحت الأطمار والركام، وجدوا جثتها بعد ستة أيام مقمطة بالتراب وتمسك حقيبة يدوية تخبئ فيها كتاباتها، فتح الجنرال الفرنسي (ليوطي) الحقيبة ليقرأ عنوان مخطوطها (في ظل الإسلام الدافئ) واستمر الجنرال بالبحث عن الأوراق يقرأ (ما أسهل أن يموت البشر) أبرق الجنرال إلى القيادة الفرنسية / اليوم الخميس 27 تشرين الأول عثرنا على جثة سي محمود السعدي أو بالأحرى المراسلة الحربية (أيزابيل ابير هارت) ويقرأ المعلومات الواردة عنها ولدت في جنيف عام 1877م من أم روسية المانية اسمها نتالي دومر دير والدها روسي مسلم لا يعرف له مصير تزوجت أمها من راهب اعتنى بتربية أولادها
صقل شخصية ايزابيل فعلمها الفرنسية، الالمانية / اللاتينية / اليونانية / الروسية / الايطالية / العربية، قرأت لكبار الكتاب فيكتور هيجو / بود لير/ دويستوفسكي / نيتشة
تأثرت بمعلومات شقيقها (لوتستين) الذي كان مولعا بصحراء الجزائر، رحلت مع والدتها إلى الجزائر مدينة (عنابة) أول جملة قالتها على رصيف الميناء، هذا الشعب هو شعبي، وحياتي معقودة في هذا البلد، سأل أحد الضباط الفرنسيين:
ـ ما علاقة سي محمود السعدي بإيزابيل، ضحك حينها الجنرال وقال تخفت ايزابيل بزي رجل واطلقت على نفسها اسم السي محمود السعدي، أما أمها اعتنقت الإسلام وأطلقت على نفسها أسم (فاطمة النوبية) ودفنت في مقبرة المسلمين، حملت ورقة من ورقات التحقيق عنوانا من عناوينها (ليس لي وطن) وتحدث التقرير عن جولاتها بين مدن الخروب وباتنة وعسكرة وذهبت إلى وادي سوف مدينة الألف قبة، وقرأ في مذكراتها جملة هزت كياناتهم (سأحتمي بصمت الصحراء وأنا معتنقة دين الإسلام، واشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، الحمد لله ساعدني الإسلام بالعثور على السلام الحقيقي وأخرجني من ظلمات الجاهلية والكفر، سخرت مقالاتها المنشورة في جريدة الأخبار لصاحبها فيكتور بربكو هموم الناس ونددت علنا بالتعسف الذي تمارسه الإدارة الاستعمارية الفرنسية، عبر استغلالهم البشع، أو بتجريدهم من الأراضي وتسليمها للأوربيين، بالمقابل شن مكتب العرب الفرنسيين الحرب السرية ضد إيزابيل السي محمود السعدي، بقيادة ضابطين هما كوين ودورون، بتهمة تحريض الشعب ضد السلطة وانتصارها للسكان الجزائريين، كونها أعلنت إسلامها وغيرت ملابسها وثقافتها ودينها واعتنقت الصوفية، والبلاد مشتعلة عارمة يقودها رجل دين يدعى (بوعمامة) سنة 1881 م، صدر أمر رسمي بمواجهتها بالحديد والنار، تزوجت من شاب مسلم يعمل فارسا في فرقة الصبايحية بمكتب العرب فصدر أمر رسمي بنقل زوجها إلى مدينة باتنة التي تبعد 360 كم إلى الشمال، واصلت إيزابيل حياتها لتعالج الأطفال والنساء في عام الرمد، طافت القرى مسعفة الجميع من العمي بخبرتها وبأدوية مهربة من مشافي الفرنسيين، القضية التي تحتاج إلى تأمل في عمق انتماءها الإسلامي الذي أغضب زوايا الصوفيين فشنت الهجوم عليها من قبل رجل دين متصوف، لماذا تهاجمها الزاوية التيجانية؟
ما الذي فعلته من جناية لتسلط تلك الزوايا الصوفية الشيخ (عبد الله الاخضر) اليهودي عليها بالسيف فيصيبها في يدها، الأعذار لا توائم وعمق الجريمة
قال عنها القاتل أنها شيطانة وهي التي اشتهرت بمعالجة المرضى وخاصة عند تفشي الأمراض وقال أنها جاسوسة والزوايا الصوفية تعرف أنها مرصودة من قبل مكتب العرب الفرنسيين، وتهمة أخرى بانها مسترجلة وتسيء للإسلام، إلى أي جهة إسلامية كانت تنتمي لتغيض الزوايا السلفية عليها
ربما لا أذهب بعيدا إذا خلتها قد انتمت لموالاة أهل البيت عليهم السلام، صدر الحكم على الشيخ الاخضر بالسجن المؤبد، ثم أصدرت الحامية الفرنسية أمر إبعادها من الجزائر، تم انتدابها إلى الجزائر ثانية لتغطية مقاومة الشيخ بو عمامة للمستعمرة، فكر الجنرال استغلال معرفتها بالسكان، وجندها لصالحه لكنها أصرت على عمل التقارير لتكشف للعالم عمق مأساة الجزائريين وتعرف حقيقة الجيش الفرنسي والذي كانت أغلبيته من المرتزقة وهم من جنسيات عدة ويموتون في حرب لا تعنيهم
وكتبت عن مجزرة الصفيصيفة التي وقعت بحق الأهالي
الرقابة العسكرية رصدت جميع رسائلها وتحقيقاتها، وصار مقص الرقيب يشتغل عليها وغير الجنرالات أسم بو عمامة الذي صار اسطورة للمقاومة العربية، يقال أنها طلبت مقابلة الشيخ بو عمامة فكتب
لها أهلا بك يا محمودة، تركت بعد رحيلها ما يقارب الفي ورقة لينشرها مدير تحرير جريدة الأخبار، بعد مرور مائة عام على موتها
طالب المثقفون الجزائريون جعل بيتها متحفا يمثل إنسانية الثورة التحررية لكن الذي حصل أن الدار هدمت بعد أن تماثلت للسقوط
السؤال الذي كبر عندي هل تهمت بالتشيع كي تحارب حتى بعد قرن من الموت؟
احتفاء جزائريا لمناسبة مئوية رحيلها جوبهت بعدم الاهتمام وأهملت ومن ثم الغيت
الفرنسيون يعتبرونها خائنة والزوايا المتصوفة تعتبرها خرجت عن الإسلام بل شوهت سمعته، بعد الذي تبين لي أدعوها لزيارة كربلاء مدينة الثائرين
|