لزيارة الأربعين وهج منير يخطف القلوب قبل ومضّ الاعلام الخافتِ. سر هذا الوهج أنّه لا يتوقف يمشي حيث اللانهاية متصلٌ ببحورِ التوحيد والشرع الرساليّةِ العريقةِ .مبدأُ الأربعين مبدأ إعلاء كلمةُ الله ومبدأ نصر المظلوم على الظالم وهو يوم الحسين حيث إليه منتهى قوافل العشاق والمحبين وإليه ترسو ببابه .لا يتوقّع من الاعلام المسمَّم بدنسِ الأهواءِ الانصاف، ولا من الفكر المشبع بظلم التحيز والطائفية الانصاف والموضوعية في مثل هذه القضايا الرسالية الكبرى، وهل يتوقع من القاتل الرحمة والشفقة على قتلاه؟! وهل يتوقع من وقع الداء استشفاء الدواء؟! وهل يتوقع من القلب المشحون بالبغضاء والكراهية باقات الحب ونقاوات الوداد؟!
لقد كانت زيارة الأربعين ولا زالت مصدراً للعطاء ولكل معانٍ التضحيةُ والاخاء، وأنّها الداعم الملهم لكل القضايا الروحية النبيلة، والجدار الماسك للروابط الانسانية المشتركة، والبساط الممتد الذي تجلّى بأروع صور الجمال والبهاء والتراحم والتعاون الآخذ بأعلى حدود الاخلاص والتفاني.
آن الأوان أن يفهم العالم جاذبية الحسين (عليه السلام) فهو الطاقة التي تهب للحياة النورانية والكرامة والأمل .تنطوي زيارة الأربعين على ابعاد عقائدية ذات جذور تاريخية لا يمكن أن يختزل تعريفها بالممارسات والطقوس الشعبية، وأن كانت مهمة لا يمكن الاستغناء عنها إلا أنها تتضمن مضامين أصولية شعائرية مشرِّعة سواء لعموم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أو المشي لقبره أو لعنوان زيارة الأربعين تحديداً . ولئن قيل أن روايات زيارة الأربعين بالخصوص تواجه مشاكل سندية، فإن ذلك لا يعدو سوى تصحيح لدليلية العنوان وهو يمكن معالجته بمتن روايات الطوائف الثلاث - روايات أصل الزيارة - روايات المشي لقبر الحسين عليه السلام- روايات زيارة الأربعين وأن كانت قليلة في المقام - لست في وارد هذا الملف أصلاً بقدر الاشارة لأهمية وميدانية زيارة سيد الشهداء عليه السلام .
١- ورد في كامل الزيارات عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا حسين: إنّه من خرج من منزلة يريد زيارة قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) إن كان ماشياً كتب له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، فإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة وحط بها عنه سيئة حتى إذا صار في الحاير كتبه الله من المفلحين المنجحين حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام: ويقول لك استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى» [ ص٢٥٣- وأيضاً في ثواب الأعمال للصدوق ص٩١]
٢- ورد عن أبي سعيد القاضي قال دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في غرفةٍ له فسمعته يقول :« من أتى قبر الحسين ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل» [ تفصيل وسائل الشيعة ج١٤- ص٤٤١]
وقد حدث الامام الصادق عليه السلام كرام بن عمرو قائلاً له يا كرام :( إذا أردت أنت قبر الحسين (عليه السلام) فزره، وأنت كئيب حزين شعث مغبر، فإنّ الحسين قُتل وهو كئيب حزين، شعث مغبر جائع عطشان)
ومن هذا المنطلق حرصت المرجعية الدينية على ترشيد زيارة الأربعين بتوجيهات ونصائح دينية قويمة تهدف لسلامتها وسلامة الزائرين الكرام من كل مظاهر الانحراف والتشويه .زيارة الأربعين في رؤية المرجعية العليا كمناسبة دينية عامة فهي محط استذكار لتضحيات الامام الحسين (عليه السلام) المقدامة في سبيل الله، وعليه يجب أن لا تبتعد عن مراعاة تعاليم الدين الحنيف من حيث الإلتزام بالصلاة والحجاب والستر والإصلاح والعفو والاخلاص والآداب والتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تهذب النفس وتزكيها من سفائف الأخلاق، فالزيارات بمثابة مجالس تعليمية بين يدي الامام (عليه السلام) وبهذا تؤكد المرجعية الرشيدة قائلة : "إنّنا وإن لم ندرك محضر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) لنتعلّم منهم ونتربّى على أيديهم إلّا أنّ الله تعالى حفظ لنا تعاليمهم ومواقفهم ورغّبنا إلى زيارة مشاهدهم ليكونوا أمثالاً شاخصة لنا واختبر بذلك مدى صدقنا فيما نرجوه من الحضور معهم والاستجابة لتعاليمهم ومواعظهم، كما اختبر الذين عاشوا معهم وحضروا عندهم ، فلنحذر عن أن يكون رجاؤنا أمنية غير صادقة في حقيقتها.."
واستجابة لذلك فقد حظيت زيارة الأربعين المليونية بإهتمام بليغ ومكثف من الحوزات العلمية والعلماء ومراجع الدين الكبار سجل ذلك بنشر المبلغين وطلّاب العلوم الدينية وتواجدهم بمختلف الأماكن والطرق الممتدة لكربلاء؛ وجهودهم التبليغية على أنحاء شتى منها إجابة الاستفتاءات والأسئلة الشرعية للزائرين؛ فالحضور المرجعي لم يغب لحظة عن طريق المشاية والزائرين فضلاً عن مشاركاته الخدمة مع عموم المؤمنين الذين بذلوا أقصى ما عندهم من جهود وطاقات في خدمة زوار أبي عبد الله (عليه السلام)؛ وحقاً قد ضربوا أروع وأرفع الصور الأخلاقية الجليلة في الايثار والخدمة والكرم والتواضع والمحبة المخلصة لأهل بيت النبوة - فلله درهم وعليه أجرهم وشكر الله سعيهم وتقبّل أعمالهم بأحسن قبول .
|