• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 40   .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 40  

 عندما يلجأ المفكر إلى تفسير نص المعصوم، يعد هذا الفعل الإبداعي من أولويات وجود الاهتمام بمكانة النص المنجز، كونه نص إمام معصوم. 
 سماحة السيد أحمد الصافي جعل منطقة اشتغاله الصحيفة السجادية وما فيها من قدسية العصمة، هناك لغة وهناك انعكاسات دلالية وتجليات المعنى والفهم والتفسير، بما يتواءم وفكر الإنسان المعاصر وقابليته ووعيه ليجسد لنا الرؤى ذات القيم الإرشادية القادرة على منح المتلقي صاحب الاختصاص الكثير من المفاهيم المعرفية التي هي من توجيهات الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد "عليه السلام"، فهو يحذرنا من الشيطان باعتباره العدو الأول، ولا بد أن نتسلح بمجوعة من الأمور. 
لنتأمل في مفردة (نتسلح) والتي تعني التحصين بقدرة الله سبحانه تعالى، وبما وهبنا من معرفة، وصبر وإيمان، وأن نحصن أنفسنا بالمنع كي لا نقع في مكائده، هناك سمات مرتبطة بالإنسان وفكره ووعيه وثقافته وإيمانه، وهذه السمات يرتكز عليها الخطاب في فهم دقائق التواصل مع القيم الإلهية. 
مفردتان  تأمل فيها سماحة السيد الصافي (اجعلنا ــ أعزلنا) وبينهما نجد مفردة (الموقف) نتابع مفهوم الموقف بين المفردتين، من أفعال الأمر خرجت إلى الدعاء، الجعل إرادة الله في جعلنا من أعداء الشيطان، وعدم قبوله بمعونة الله سبحانه تعالى، والعزل عن عداد الصحبة والولاء مع الشيطان، تبدأ قاعدة (الموقف) الذي استند عليه السيد الصافي كمفهوم يحتاج إلى أن تظهر إمارات هذا الموقف، وخصوصا إذا كانت القضية تتعلق بدنيا وآخرة، تتعلق بطريق العدو، أو بطريق يبعد الإنسان عن الله، والموقف فلسفة في دلالة التفسير، من حيث الوضوح بمعطيات الموقف، لا بد من اتخاذه هوية لإنسانيته وانتمائه، فهو أمام ثلاث خيارات كما حددها سماحة السيد الصافي 
أما أن يكون مع الموقف أو ضده أو الخيار الثالث هو الإشكال الحقيقي في عالم اليوم أو أن يكون مع كلى الموقفين فهو لا مع الحق ولا مع الباطل ولا يوجد مثل هذا الموقف، ويعد من التخاذل والهروب من ثقل الحق وإنما هو انجراف نحو الباطل، رسائل عاشوراء هي رسائل واضحة فيها عمق معنى الموقف. 
الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف الحسيني هو أمام جهة ناصرة وجهة معادية، أي جهة تقف في الجهة الثالثة ليس لديها سوى التخاذل، بعدد من التبريرات والذرائع الغير مستساغة، فهو تخاذل ونكوص. 
نجد أنفسنا أمام مصطلح جديد شخصه سماحة السيد الصافي تحت باب (مقاييس العداء للشيطان) هذه المقاييس معبرة عن أخلاقيات وأساليب الانتماء إلى الحق، إلى الرحمن في علاه، المقاييس هي المعيار الحقيق بين القول والفعل، من يقول أنا عدو الشيطان، المعيار هو العمل، المقياس في قضية الانتماء هو الموقف الذي يمكن أن يصحح نقائصنا، ونقائص المجتمع، الموقف الحسن يمنح الإنسان القدرة على تدارك الأخطاء، على العمل الذي يتحمل بوعيه، مسؤولية الحفاظ على المروءة وحرمة الناس، الادعاء يحتاج إلى موقف يزكيه 
هناك  قضية مهمة، هوية الموقف نفسه، بعضها ظاهرية، يدعو الله بالبراءة من الشيطان، وهو لا يعي حدود هذه البراءة فيكون للواقع العملي، هو المعيار الأسلم للانتماء إلى سبيل الله، وهناك مرتكز مهم من مرتكزات (الجعل) اللهم أجعلنا، الجعل ليس عملية مؤقتة مرتبطة لوضع خاص أو بحالة معينة وإنما (اجعلنا) دوام الحال إلى أن تكون طبيعة، هي بغض الشيطان وتكوينه وبغض عوالمه هذا (الجعل) الغير مرتبط بزمان يجعلنا نرفض الفعل الآني والدائمي، مهما كانت نتائجه دنيوية أم أخروية، تميز أسلوب الخطاب بمستوى تحليل الجملة، وإظهار قيمة معنى القاعدة الفكرية في مفهوم (العاقبة) عاقبة النكوص لمن يتبع الشيطان وعاقبة الفوز لمن يتبع طريق الحق 
نجد في عاقبة النكوص واقعا نتنًا، واقع نار وقبح وسراب وقطران وعذاب وإهانة، وعاقبة الفوز نجد الجنان ورضى الله تبارك وتعالى، وفيها ما لذ وطاب 
هناك تفسير علم النفس ينطوي على التفاعل الحاصل بين الطلب لمن يكون من نظم الأعداء والواقع بين الدعوى والوقائع الخارجية، المناعة التي يمتلكها الإنسان لحصانته من رفقة العدو واتباعه، رغم محاولات الاستدراج بمعنى هناك مقدرة نفسية أنشأها الإيمان بالله سبحانه لتحميه من غدر الشيطان، تتحدى الحوافز النفسية التي يزرعها الشيطان كمحاولة للإطاحة به، ويتحدى الحوافز الأخرى ليصون نفسه، نحن أمام عملية  تبسيط المحتوى وتوظيف الدلالة ومعطيات جديدة ملحقة بالجعل وهي مفردة (العزل) (واعزلنا عن عداء أوليائه) هذا العزل سيعرفنا قيمة الموقف، هو وضوح الموقف، مراجعة النص لمعرفة الجانب النفسي في عملية اتخاذ الموقف 
هل كان هناك وضوح في الصورة؟ هل هناك إيمان بقيمة الموقف؟ هل هناك حالة عداء موجودة، يرتكز سماحة السيد على قراءة
الواقع المعاش فهو يحمل الكثير من التجارب التي استوضحت المسألة لكنها فقدت الجرأة على معنى الوضوح على القدرة بالإيمان بالموقف ليكون المعنى مدى
الحياة 
لذلك نجدها أصيبت بالإحباط وبالجبن والخذلان، بأعذار واهية وغير حقيقية أمام قضية الخوف من البيت والأولاد أو الخوف من الخسارة، خسارة مركز أو خسارة وظيفة، وهذه الحالة تنسب إلى التهاون، لأن غياب الحق عن الإنسان يسبب في جعل الدعوة غريبة ويضرب لنا مثلا 
أن أحدى القرى التي مر بها ذو القرنين وجددهم يبنون القبور عند أبواب بيوتهم، فلن يذكر الإنسان حقيقية ما يصير في غده، حقيقة ذاته ليحصنها من الزلل، دفن الأموات قرب البيوت لتذكر الناس بعاقبة الأمر، والإنسان إذا غاب عن أمر تجاهله ينسى نفسه مع الشيطان فيأنس بالباطل ويعيش معه ليصبح هو الحقيقة في حياته، يعيش الربا ولا يعرف سواه ويلفظ الفحش والخنا، ويعيش حالة الخيانة، والسرقة والغش، يألف هذه الحياة  بحيث يستغرب لو سمع أو رأى خلاف ذلك، في دراسة الحالات النفسية  والتي تعبر عن كينونة الإنسان هذا الوتر النفسي الذي هو عبارة عن وتر الرغبة والهوى والدعة، الشيطان يحرك هذه الأوتار النفسية لما تمتلك من قدرة الجذب والاستجابة للنفس الإنسانية وميزة الإغراء التي يمتلكها الشيطان، وقد يبيع الإنسان نفسه ودينه من أجل حفنة مال، ويبدل الموقف  بحسب المنافع الشخصية، ولكي يفهم الموقف العاشورائي الفهم الصحيح. 
الحسين "عليه السلام" أراد أن يعلمنا الصبر على المواقف، ولا يقبل  بمصالحة الشيطان، الإمام "عليه السلام" لا يطلب تبديل الشيطان ولا أن يبدل الشيطان سلوكه هذا من المستحيلات، لكنه يريد منا أن نتخذ الموقف  الصحيح، أن لا نطيعه، والإنسان صاحب مبادئ فلا يستجيب إلى دعوة  الشيطان.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=198213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 11 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5