• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فاطِمَة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) هِيَ البرزخُ بينَ النبوّة والإمامة .
                          • الكاتب : د . اكرم جلال .

فاطِمَة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) هِيَ البرزخُ بينَ النبوّة والإمامة

وجاء في معاني الأخبار للشيخ الصدوق، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ اَلطَّالَقَانِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلضَّبِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ - كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي اَلسَّمٰاءِ. `تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا قَالَ: " أَمَّا اَلشَّجَرَةُ فَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فَرْعُهَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ غُصْنُ اَلشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ ثَمَرُهَا أَوْلاَدُهَا عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَ وَرَقُهَا شِيعَتُنَا ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَيَسْقُطُ مِنَ اَلشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ وَ إِنَّ اَلْمَوْلُودَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيُولَدُ فَتُورِقُ اَلشَّجَرَةُ وَرَقَةً." 1.

إنَّ النبوّةَ الخاتمة هِيَ أصل الشَجرة والإمامة نماؤها، وأنَّ فاطمةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) هي المحور الرابط بين النبوّة والإمامة، وبذلك يتّضح حقيقة مقام الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، وكيف أنّها كانت نعمة الله تعالى وإمداده، وَأنَّها الغَيثُ السّماويّ والمَدد الإلهيّ إلى النبيّ الأكرم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وإلى دوام واستمرار الرسالة المُحمديّة، فَهيَ الخيرُ الكثير، وأنَّ مِنْ أحضانِها تَبزُغُ أنوار سادَة الأَسياد، وَحُجَجُ الله وأُمَناؤه في البلاد، والأدلاء على ربّ العباد. فالزَّهْراء البتول (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) هي غرس بيت النبوّة، التي أثمَرَت وأينَعَت حججًا لله تعالى في كلّ عَصرٍ وَ زَمان.

ولولا هذهِ النِعمة وهذهِ الهِبَة السماويّة لَما بَقِيَ لِمَشروع الله تعالى في الأرض من باقية، فالناس قَد انقَلَبوا على الأعقاب بَعد استشهاد النبيّ الأكرم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وأنّ المُخطط هو أنْ لا يُبقوا لأهلِ هذا البَيت مِن باقية، وأنْ لا يَبقى لدين الله الإسلام إسمٌ ولا رَسم، لكنّ الكوثر، تلك النِعمة الكُبرى، والهِبَة العُظمى، تلك الأغصان المُثمرة في الشجرة المورقة، المباركة، كانت سببًا من الله تعالى في بقاء دين الإسلام قويًّا شامخًا رغم كلّ ما جَرى مِن مُحاولات لِمَحوه وإزالته.

جاء في كتاب عُيُونُ اَلْمُعْجِزَاتِ للشيخ حسين عبد الوهاب، رُوِيَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ قُدَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمَّارٌ: وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَجَباً قُلْتُ حَدِّثْنِي يَا عَمَّارُ قَالَ نَعَمْ شَهِدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ وَلَجَ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَلَمَّا أَبْصَرَتْ بِهِ نَادَتْ اُدْنُ لِأُحَدِّثَكَ بِمَا كَانَ وَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَ بِمَا لَمْ يَكُنْ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ حِينَ تَقُومُ اَلسَّاعَةُ قَالَ عَمَّارٌ فَرَأَيْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَرْجِعُ اَلْقَهْقَرَى فَرَجَعْتُ بِرُجُوعِهِ إِذْ دَخَلَ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ اُدْنُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ فَدَنَا فَلَمَّا اِطْمَأَنَّ بِهِ اَلْمَجْلِسُ قَالَ لَهُ تُحَدِّثُنِي أَمْ أُحَدِّثُكَ قَالَ اَلْحَدِيثُ مِنْكَ أَحْسَنُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَالَ كَأَنِّي بِكَ وَ قَدْ دَخَلْتَ عَلَى فَاطِمَةَ وَ قَالَتْ لَكَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَرَجَعْتَ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نُورُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورِنَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ وَ لاَ تَعْلَمُ فَسَجَدَ عَلِيٌّ شُكْراً لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ عَمَّارٌ فَخَرَجَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ خَرَجْتُ بِخُرُوجِهِ فَوَلَجَ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَ وَلَجْتُ مَعَهُ فَقَالَتْ كَأَنَّكَ رَجَعْتَ إِلَى أَبِي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَأَخْبَرْتَهُ بِمَا قُلْتُهُ لَكَ قَالَ كَانَ كَذَلِكِ يَا فَاطِمَةُ فَقَالَتْ اِعْلَمْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ نُورِي وَ كَانَ يُسَبِّحُ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ اَلْجَنَّةِ فَأَضَاءَتْ فَلَمَّا دَخَلَ أَبِي اَلْجَنَّةَ أَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ إِلْهَاماً أَنِ اِقْتَطِفِ اَلثَّمَرَةَ مِنْ تِلْكَ اَلشَّجَرَةِ وَ أَدِرْهَا فِي لَهَوَاتِكَ فَفَعَلَ فَأَوْدَعَنِي اَللَّهُ سُبْحَانَهُ صُلْبَ أَبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ أَوْدَعَنِي خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ فَوَضَعَتْنِي وَ أَنَا مِنْ ذَلِكَ اَلنُّورِ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ وَ مَا لَمْ يَكُنْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ اَلْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ تَعَالَى."2.

لقد شاءت الإرادة الإلهيّة أن تكونَ ذريّة النبيّ الهادي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تخرج من منبع الطُهر والعَفاف، مِن بيتِ الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، وشاءت الحكمة الربّانيّة أنْ تَكونَ الزَّهْراء دون باقي النساء هي العَقب الطّاهر، وَهِيَ السَّنَدُ والامتداد للنبيّ الأكرم، فقد ورّثها النبيّ العلمَ والحِلمَ والسَمَاحَةَ والفَصَاحَةَ والشَّجاعَة، فَحَمَلَت ما أودعه الرسول في قلبها، وأدَّت ما أُلقي إليها من دور بأفضل أداء وأكمل صورة، وبأحسن وجه، فاسْتَأْهَلَت بجَدارة أَنْ تَكونَ سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (عَلَيْهَا السَّلاَمُ).

وأمّا عِلُمها بدين الله، فَقَد حَمَلَت فاطمةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) أفكار الإسلام ومنهجه وتعاليمه روحًا وفكرًا ومنهجًا وسلوكًا. عاشَت مع رسول الله في بيتٍ مِلؤه العِلمُ والفِكرُ والبَساطة والزُهد والتّواضع والقناعة، حتى رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَتْ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: " إِنِّي لَأَسْمَعُ مَنْ يُحَدِّثُنِي بِأَشْيَاءَ وَوَقَائِعَ تَكُونُ فِي ذُرِّيَّتِي. قَالَ: فَإِذَا سَمِعْتِيهِ فَأَمْلِيهِ عَلَيَّ. فَصَارَتْ تُمْلِيهِ وَ هُوَ يَكْتُبُهُ . فَرُوِيَ أَنَّهُ بِقَدْرِ اَلْقُرْآنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ اَلْقُرْآنِ ، فَلَمَّا كَمَّلَهُ سَمَّاهُ مُصْحَفَ فَاطِمَةَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحَدَّثَةً تُحَدِّثُهَا اَلْمَلاَئِكَةُ ."3.

وأمّا جهادها في سبيل الله تعالى فقد كانت في كُلّ الميادين رَمزًا للكفاح والتَضحية، وَنَموذجًا لا نَظَير له في الدفاع عن الإسلام والرسالة التي جاء بها أبوها المصطفى (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، سواءً في حياتِهِ أو بَعدَ استِشهادِهِ والتِحاقِهِ بالرّفيقِ الأَعلى، حتى بَلَغت مقام روح الرسالة المحمديّة، وأنَّ مَنْ عَرَفَها فَقد عَرَفَ دينَ الله، وَمَن جَهِلَها فَقَد جَهل دين الله تعالى.

تَجَرَّعَت الغُصَص وَصَبَرَت على المِحَن، وعاشت مع أبيها والثلّة المؤمنة محاصرين في شِعَب أبي طالب؛ كانت (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، ورُغم صِغَرِ سِنِّها، جَنبًا إلى جَنْبٍ مَعَ أبيها رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عونًا له لما تَحمِله مِن علوم ولما حَباها اللهُ تعالى بالعصمة الإلهيّة، وبالوعي والبصيرة الربانيّة، والعلم اللدنّيّ، حيث شارَكَت مَعَه في تَثبيت قواعد الإسلام. لقد أدَّت دورًا رساليًّا مميّزًا، فكانت بِحَق قدوة في تبليغ الرسالة؛ تَحمَّلت ما تَحَمَّلَت من آلام الهجرة من مكة إلى المدينة، فَبَعدَ أنْ هاجَرَ نبيّ الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إلى المدينة، بأمرٍ مِنَ الباري عزّ وجلّ، وَتَرَكَ بِضعَتَه، وروحه التي بين جنبيه في مكّة، أوصى أخيه ووصيّه وابنُ عَمّه عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالمبيت في فراشه لإيهام المشركين، وأَمَرَه كذلك بِرَدّ الأمانات التي كانت عند النبيّ، وأن يأتي بأهل بيته ويلتحق به إلى يثرب. فكان أن خَرَجَ أمير المؤمنين بالفواطم، وهنَّ: فاطمة الزَّهْراء بنت النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وفاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفاطمة بنت حمزة، ثُمَّ لَحِقَ بهم أيمن بن أُمّ أيمن مولى رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأبو واقد الليثي.

وَخَرَجَ عليٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالرّكب مِن مَكّة، وهو يسير أمام أعين الجميع كعادته في الشجاعة؛ خَرَجَ أمامَ مَرآى وَمَسمَع رجالات قُريش، مُستصغرًا شأنّهم، قد أثار حفيظتهم، وَخَدَشَ كبرياءهم الزائف، فبعثوا خلفَهُ ثمانية فرسان، يطلبونه، لكنّ عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وهو حيدرة الكرار، قد وقف أمامهم وقفه البطل المغوار، لم تُرعبه كَثرَتَهم ولم تثنيه وحدته، فلم يكن له ناصرًا في مواجهتهم، لكنّه وهو لمّا يبلغ العشرين بعد، كان كالأسد الصؤول، فقتل منهم جناح، وهو مولى لحرب بن أمية، فارتعَبَ وَفَرَّ الباقون.

الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) في عِلمِها وَصَبرِها وجهادها كانت مَدرَسَة مُتكاملة لطلّاب الحياة الكريمة والنَّعيم الأخروي؛ واجَهَت المشركين بكلّ جبروتهم وطغيانهم، ووقفت تدافع عن دين الله تعالى، وتساند أباها في جهاده وصبره، فَلَم تَكِلَّ، وَلَم تَجزَع، وَلَم تَتعَب، وَلَم تنثني أمام التهديد والوعيد، كانت كأبيها، جبل لا ينحني لريح الطغاة.

في واقِعَةِ أُحد، وفي ذلك اليوم الذي أنكشَفَت فيه الحَقائق، وبان المستور؛ في ذلك اليوم الذي وَلَّوا مَنْ يُسمّون أَنفُسَهم بالصّحابة مُنهَزمين، على وجوههم هاربين، وقد تَرَكوا رَسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وحيدًا في الميدان ومعه أمير المؤمنين عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يقاتل بين يديه، وممّن ثبتوا معهم وهما أبو دُجانة الأنصاري، ونسيبة بنت كعب، ثُّم بعد أن اشتدّ القتال استُشهد أبو دُجانة ( رحمه الله )، وَجُرحَت نسيبة، وأما الباقون فقد هَرَبوا، فَمِنهُم مَن تَسَلّق جبلَ أُحُد ، وَمِنهُم مَن تَوَجَّه سيرًا إلى المدينة. وقد استشهد سبعون من المسلمين، المؤمنين الخلّص، وفي طليعتهم سيّد الشُهداء حَمزة بن عبد المطلب (رضوان الله تعالى عليه).

ثُمَّ أنّ رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قد أثخَنَته الجِراح، وكانت الدماءُ تَسيل مِن جَبهته وفمه، وقد كُسِرَت رُباعيّته، والدماء على لحيته كالخضاب، وبَعدما أشاعَ المُشركون أنَّ رسولَ الله قد قُتل، ووصل الخبر إلى المدينة، سمعت الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) بالخبر، فخرجت ومعها الهاشميّات، فكانت مع عمّتها صفيّة بنت عبد المطلب (عمّة النبيّ) أول مَن وَصَلَ إلى أُحد، هذا وَقَد وَضَعت الحَرب أوزارها، وكان رسول الله يتفقّد القتلى والجرحى، وقد آلمه مشهد عمّه الحمزة وما صُنع فيه، مِن تَمثيل في جسده الشريف، يَعكس حجم الغلّ والحقد والكراهيّة في قلوبِ المُشركين، فَبَكاه رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، هذا والزَّهْراء (عَلَيْها السَّلاَمُ) وعمّته قد وصلتا الواقعة، فقد ورد فِي كِتَابِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ: أَنَّهُ لَمَّا اِنْتَهَتْ فَاطِمَةُ و صَفِيَّةُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ و آلِهِ و سلّم و نَظَرَتَا إِلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آلِهِ و سلّم لعليّ: « أمّا عَمَّتِي فَاحْبِسْهَا عَنِّي، و أَمَّا فَاطِمَةُ فَدَعْهَا ». فلمّا دَنَت فاطمة (عَلَيْها السَّلاَمُ) مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ و آلِهِ و سلّم و رَأَتْهُ قَدْ شُجَّ فِي وَجْهِهِ و ادمي فُوهُ إِدْمَاءً صَاحَتْ و جَعَلَتْ تَمْسَحُ اَلدَّمَ و تَقُولُ: « اِشْتَدَّ غَضَبُ اَللَّهِ عَلَى مَنْ أَدْمَى وَجْهَ رَسُولِ اَللَّهِ »4.

جَلَسَت الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) مع أبيها، وهي تارةً تُعينه في البُكاء على عَمّه الحمزة (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وعلى باقي الشهداء، وتارَةً تنظر إلى جراحاته والدماء الطاهرة التي تسيل من بدنه الشريف، فكانت تغسل الدماء وعليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يُعينها بِصَبّ الماء، وهي تقول: اشتدّ غضب اللّه على من أدمى وجه رسول اللّه، وقد أحرقت حصيرة وجعلت من رمادها ضمادًا لإيقاف الدماء التي تسيل من جبهته المباركة.

لَقَدْ أَشَارَت العديد من الروايات بِشَكلٍ واضح إِلَى مِحْوَرِيَّةِ الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) بَيْنَ النُّبُوَّةِ والإمَامَةِ، وَسَنُبَيّن في الفُصول القادمة دورها في الدفاع عن الولاية العلويّة، وما حديث الكساء، وهو حَدِيثٌ قُدْسِيٍّ، إلا دليل يَكشفُ عَن عَظَمَة الصديقة الطاهرة فاطمة الزَّهْراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، وبرزخيَّتها بين النبوّة والإمامة، فقد ورد في بعض فقراته، وفيه يجيب الله تعالى الأمين جبريل (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حينما سأل: (قَالَ الأَمِينُ جِبرَائِيلُ: يَا رَبِّ، وَمَنْ تَحْتَ الكِسَاءِ؟ فَقَالَ (عَزَّ وَجَلَّ): (هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنُ الرِّسَالَةِ، هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا، وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا) 5.

 

لَقَد ارتَبَط النّور الفاطميّ بالرسالة المُحمديّة وبالوصاية العلويّة فكانت سلام الله عليها هيّ البرزخ الواصلُ بينهما والمحور الجامع لهما، جاء في الأمالي للشيخ الطوسي، قال أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، عَنْ آبَائِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)، عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، قَالَ: كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً بِالرَّحَبَةِ وَاَلنَّاسُ حَوْلَهُ مُجْتَمِعُونَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ بِالْمَكَانِ اَلَّذِي أَنْزَلَكَ اَللَّهُ بِهِ، وَأَبُوكَ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ! فَقَالَ لَهُ: مَهْ فَضَّ اَللَّهُ فَاكَ، وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً، لَوْ شَفَعَ أَبِي فِي كُلِّ مُذْنِبٍ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ لَشَفَّعَهُ اَللَّهُ (تَعَالَى) فِيهِمْ، أَبِي يُعَذَّبُ بِالنَّارِ وَاِبْنُهُ قَسِيمُ اَلنَّارِ ! ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً، إِنَّ نُورَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ لَيُطْفِئُ أَنْوَارَ اَلْخَلْقِ إِلاَّ خَمْسَةَ أَنْوَارٍ: نُورَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ، وَ نُورِي، وَنُورَ فَاطِمَةَ، وَنُورَيِ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ وَمَنْ وَلَدَهُ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ، لِأَنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِنَا اَلَّذِي خَلَقَهُ اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. "6.

 

 

المصادر:

1. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج1، ص400. وتفسیر البرهان، ج3، ص297. وبحار الأنوار، ج65، ص26. وتفسير نور الثقلين، ج2، ص536. وتفسير كنز الدقائق، ج7، ص52.
2. عیون المعجزات، ج1، ص54. وبحار الأنوار، ج43، ص8. وعوالم العلوم، ج11، ص18.
3. المحتضر، ج1، ص233. وعوالم العلوم، ج11، ص843. وعوالم العلوم، ج11، ص860.
4. إعلام الوری، ج1، ص179. وبحار الأنوار، ج20، ص96.
5. عوالم العلوم، ج11، ص930. وغرر الأخبار، ج1، ص298.
6. الأمالي، الشيخ الطوسي، ج1، ص305. وبشارة المصطفی (ص)، ج1، ص202. وكشف الغمة، ج1، ص415. وتفسير الصافي، ج4، ص97. وتفسیر البرهان، ج4، ص192. وتفسير كنز الدقائق، ج9، ص517. وعوالم العلوم، ج11، ص28




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=198408
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5