• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (الدكتور يوسف الرضوي وتقنية الرد) المسند الاقناعي .
                          • الكاتب : طارق الغانمي .

(الدكتور يوسف الرضوي وتقنية الرد) المسند الاقناعي

تعتمد تقنية الرد عند الدكتور يوسف الرضوي على الجانب الإقناعي، وعملية الغوص في عمق المعنى يولد لنا قوة تأثيرية عالية، ووسيلة قادرة على جعل المتلقي يتقبل الآراء والتوجيهات،
ليشكل ظاهرة لها فرادتها في عالم الرد بما يمتلك من تقنية تثري لنا الوعي الذي يرفض الخنوع لتراث مزور، ويمتلك معرفة عالية في انسجام الخطاب مع التحليل.
عمل د. الرضوي على عناصر البلاغة، وفك أحجية التزوير، والتزييف يدخل إلى المثال الشائع الذي يتمثل به بعضهم حين يكون فعل صعب يجبر بالإقدام عليه، فيقدم بشيء من التهور وفيه مخاطرة.
وحقيقة فعله تعود إلى أنه لا خيار أمامه سوى ذلك، يعمل الرد الرضوي على تناول النص من جميع الجوانب، الاهتمام باللغة وبالدلالة والمضمون باعتبار الرد حلقة تعبير كل الاختصاصات، وقد يكون توجهًا لفظيًا حسب زوايا التناول، ويركز على النص ليكشف لنا أن هذا المثال لا يخلو من كونه خلافا للقواعد العامة للإعراب وفيه خطا، والصحيح هو «مكره أخوك لا بطل»
وهذا التوضيح يشكل بنية نصية والتركيز على الجانب اللغوي يبدا السؤال بحثا عن الحجة اللغوية أو النحوية التي جعلت البعض يقول بصحته الإعرابية، يظهر مدى التمكن والخبرة التي تدخل بمجال التعبير عن التجارب، المدرسة البصرية ترى صحة إعرابه حين قال 
(مكره) مبتدأ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على أخره 
(أخاك) خبر مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف
(لا) حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(بطل) معطوف على مكره والمعطوف على المعطوف مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
لو نبحث عن الغاية من تلك الردود لوجدنا أدلة تثبت لنا أن الدكتور الرضوي ليس من ذوي الاستعراضات، فهو لا يحتاج إلى أي استعراض وغرضه من الرد ليس دنيويا، وإنما سعي تلك الردود شيء أخروي يريد أن يثبت الحقيقة التي تعرضت إلى دس وتحريف، ومن هذا الدس ما يجيد صناعة التأثير العام رغم أنه يحمل التمويه المنمق لكسب عقلية متلقيه، عمل الدكتور الرضوي أن يعيد التوازن في المنطقة التأثيرية للمتلقي وهذا يحتاج إلى كد واعٍ ومثابر وخاصة عندما ترسل عند من ترسخ ذهنه على المعلومة الزيف، لهذا يكتب الرضوي ناقدا المعلومة موضحا ل لمتلقيه التصحيح أن الاستثناء راح مثلا يحتفى به و يسند إليه في اللغة وحاولوا أن يرسخوه قاعدة يستأنسوا بها
تأخذ الردود مسارها في الوجود النصي النقيض والفكر النقيض ومن ثم وجود مساحة الخطاب من أجل تصحيح الرسائل كي لا تؤثر في السلوك الإنساني، لهذا لا بد من رأي العالم والتوضيح، لان مثل هذه الرسائل تكون مفتوحة لا يحددها زمن الإرسال بل هي تصل إلى الأزمنة القادمة، الدكتور رضوي يرى أن تعقيد القواعد لدى المتأخرين من النحاة على التمثيل لها بصيغ مصنوعة وأبيات وشواهد منحولة أو موضوعة أي إقصاء الأذواق في تكوينها وحديثها في الاستعمال العربي، السبيل الذي أقنع به المتلقي وتواصل معه على أسس توضيحية مهمة لأن الشواهد التي عنده مصنوعة، ولهذا ستكون هناك أخطاء في استنباط القواعد لأن الشواهد الواردة من ذلك أكثرها موضوعة.
شكلت الردود استراتيجية خطاب تصحيحي يرد على خطاب زيف تمرس بالإثارة وصار يعامل كحقيقة تاريخية ومقامات الزيف ومقاصدها، وتعمل على إزالة القوى التأثيرية التي تكونت عبر تداولها ثم تخلق منطقة تأثير بديلة حقيقية.
نعود لجوهر المثال وأغراض استعماله وتعيين منطقة التجاوز، مفاهيم معنى تعبوية تحشد مهامها لتمركز الزيف التاريخي.
قالوا أن أصل المثال جاء من حادثة تاريخية مشهورة، معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص حين واجها أمير المؤمنين علي عليه السلام في معركه صفين
أدرجوا لنا هذا الحدث التاريخي ليصبغ كل الأشياء بصبغة التاريخ ويقدم لنا الرموز بكل المواقف ويضيف منهم رموز حياتيه قريبة على الناس، حين علم الإمام علي عليه السلام أن معاوية بن أبي سفيان حضر صفين فبرز عليه السلام الذي هو أشهر ما فيه شجاعته ونادى من يبارز، قال المسلمون لمعاوية بارز يا معاوية  قال  أنا والله لا أقدر عليه، ثم ردها على عمر بن العاص فقال يا عمر بن العاص بارزه أنت، رفض ابن العاص و حاول أن يظهر عجزه، نحن أمام قضية تاريخية حقيقية، أمام مواجهة قادة الحرب يتبارزون في معركة فيها معاوية، القضية التاريخية إن أمير المؤمنين كتب إلى معاوية يوم صفين مالك تقتتل الناس بيننا، ابرز إلي فإن قتلتني استرحت مني وإن قتلتك استرحت منك.
يمتلك الحدث أهمية معرفية تاريخية قادرة على كشف ثقافة أمير المؤمنين وهو يتفوق على خصمه بالنضج والمعرفة والشجاعة وضبط النفس والثقة بالنفس العالية، ما هي طموحات قاده الجيش وأبعاد مفهوم الحرب عند الاثنين وكيف يكون الحدث فكرة تؤدي إلى فوز أخروي بمعنى أقرب قراءة الموت في نظر الطرفين المتنازعين.
وتظهر وعورة الفكرة عند قائد جاء ليثبت الدين بينما الخصم جاء يثبت الدولة والحكم، هذه هي عمليات الرد المنطقي وأنت تخاطب الملكات الفكرية للنص أو الرد عند الدكتور الرضوي، يسير عبر مسارات مهمة منها النقد الأدبي وإغناء فكري كونه يمتلك الركائز الأساسية للخطاب، وهذا الموضوع له خصوصيته يميل إلى قراءة المثل أو المثال وحسنته إنه يبعد التهميش والسطحية عن المثل الذي طواه الكساد ليبقى منزويا يعامل حسب نوايا كل بحث.
 قال عمر بن العاص أنصفك الرجل حين برز إليك، هذا الجملة لها عدة قراءات، معاوية بن أبي سفيان قرأها بمنظوره، إن قول عمرو بن العاص له غرضية شخصية عالية يريد بها استغلال الموقع لصالحه الشخصي، قال ما عليك، ألا يا عمر أردت أن أبرز إليه وأنت تعرف النتيجة مسبقا، يقتلني حينها تعيش أنت على الخلافة بعدي، قد علمت قريش ابن أبي طالب أشدها وأسدها، وتقول رواية تاريخية انشد معاوية:
يا عمرو قد أسررت تهمة غادر
                        برضاك لي تحت العجاج برازي
ما للملوك وللبراز وإنما.
                        حتف المبارز خطفة من بازي
إن الذي سولت نفسك طالبا
                     قتلي جزاك بما نويت الجازي
فلقد كشفت قناعها مدمومة 
          ولقد لبست لها ثياب الحازي

فاجابه عمروبقوله:
معاوي إنني لم أجن ذنبا
                   وما أنا بالذي يدعى بحازي
هما ذنبي بأن نادى علي
                     وكبش القوم يدعى للبرازي
فيلم بارزته ولقيت قرنا 
                        حديد الناب سهما ذا اعتزاز
أجبنا في العشيرة يا بن هند
                        وعند الباه كتيس الحجازي

من أوليات الرد عند الدكتور يوسف الرضا واعتماده الأدلة ليدخل معهم إلى قلب الموضوع، ثم يقرأ لنا اشتغالهم ومقاصد عمليات الترهيم عندهم، ثم إن معاوية اقسم على عمر بمبارز علي عليه السلام فبرزه فلما التقيا سل علي سيفه فكشف عمرو ثوبه عن عورته وقال مكرها أخاك لا بطل.
يخلق في ردوده شكل من أشكال المناظرة التدوينية والإقناع للحق، وكشف ما عنده من مغالطات عن الواقع.
جاء عمر بن العاص إلى معاوية فقال له: إن عمار بن ياسر قد قتل قال معاوية: ـ فماذا؟
قال عمور سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له تقتلك الفئة الباغية.
قضية واضحة حديث معلوم ومعروف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعلم الناس في كل جيل إن من يقتل عمار هو من الفئة  الباغية، أصبح الاتهام على معاوية وقيادته للفئة الباغية ولم يبق أمامها سوء المغالطة وتزييف، التأويل على حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال معاوية لعمر (أنحن قتلناه إنما قتله الذي أخرجه) خلق أساسا جديدا لمبنى الحديث وتأويله ليضمن سلامة موقف المسلمين من حربه، حرب صفين حاول إقناع الجمهور، لا معاوية ولا عمرو يحتاجان إلى إقناع النفس فهم مقتنعان بأنهما على باطل، جل همهم إقناع الجمهور بخلق تفاعل مع القضية، تغيير اتجاه الدليل لينقلب الموضوع على مسؤولية أمير المؤمنين علي عليه السلام.
فأجابهم أمير المؤمنين سلام الله عليه إذا ما قتل حمزة إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي أخرجه.
يظهر من خلال تعبير معاوية أنه يرى نفسه السلطان الأوحد، لا يحترم عقول الناس، ولا يلتفت للجمهور، بينما الإمام علي عليه السلام احترم عقلية الجمهور، وخاطبهم خطابا معرفيا ليظهر الحجة، وإذا كان المثال وضع لغاية تواصلية تؤهله لأن يكون وسيلة تبريرية لاستكشاف المعطيات والتقنيات التبرير، لاتصاله فكرا، وتحقيق الأهداف الاجتماعية والإنسانية والمقاصد الحوارية ليضمن الإثارة والاهتمام، والبحث في أعماق النص ومقاصده ليكشف الكثير من الأمور المهمة.
 يصل الدكتور يوسف الرضوي أن الذي ماثل عمرو بن العاص مع مفهوم المثال هو التعصب الأعمى والحقد البغيض وقد وضعوا التبريرات لهذا المثال لمعالجة الخطأ اللغوي من الناحية اللغوية والعقائدية، قالوا قائل المثل هو الصحابي حسب تعبيرهم عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وهذا المثل خالف القياس اللغوي فاعتبر خطأ والصحيح (مكره أخوك لا بطل) وأن صح القول فتعذر حسب رأيهم لقائله بسبب الظروف الصعبة التي قال فيها المثل، ومدى الضعف والضجر الذي حل بقائله، فهم يوظفون التبرير وفق رؤية مموهة، ومهما كانت حالة التمويه فهي ضعيفة، ويا قبح ما أتى عليه القوم، يريدون أن يبرروا الخطأ بخطأ أكبر منه قالوا أن المثال صحيح وأن خالف اللغة ولم يلتفتوا إلى أن القائل قد فعل الشنيع من الأفعال بخروجه على إمام زمانه ولكشفه عن عورته حتى استحق قول الإمام علي عليه السلام (قبحت) وهذا يدل على قباحة وشناعة ما أتى عليه من فعل لينجو بنفسه من الموت.
أين هو المنفذ القصدي من العملية؟ ما الذي يريدونه من موضوع بشع وتصرفه مخزي؟
 فهم قالوا (اكره الشخص على الأمر، اجبره عليه ارغمه وقهره كالاعتراف تحت الإكراه والمثل يضرب لمن يكره على القيام بعمل ليس من شانه، والإكراه هو العنوة.
صحيح أن عمر بن العاص خرج لمبارزة أمير المؤمنين عليه السلام مكرها من قبل معاوية بن أبي سفيان لكن ذاك لا ينفي أنه من الجبناء، وإلا لما كان أقدم على الكشف عن عورته.
 معاوية وعمر قاتلا الإمام علي عليه السلام وهما يعلمان أنهما ضالين مضلين، وهذا لا يخرج عما كانا عليه في الجاهلية فالقتال لغرض دنيوي وهو تحصيل المحمدة والثناء من الناس بالشجاعة، والمعتقدان مختلفان، بهذه الوسيلة حقق الدكتور يوسف الرضوي تواصلا متفاعلا، إن كان نصا أدبيا أم فكريا أم على غير صورة، المهم ناتج الخطاب إعطاء تصور قادر على التفاعل والتأثير، وكل خطاب يشغل حيز الحقل التواصلي يكون قصده التأثير غاية.
هذه الردود تصحيح الأخطاء القصدية الملغومة في جسد التاريخ بأي صورة، فهي عاطلة على التواصل مع الحقيقة، قتال سافر، واعتداء إثم، وغير لذلك هم لا يستطيعون أن يقاتلوا قتال الشجعان، كيف يكون شجاعا من يكشف عن عورته بهدف الفرار من المعركة، والنجاة من الموت المحتم، لو أنه برز لأمير المؤمنين عليه السلام يبدأ البحث الاستفهامي لتعميق الصورة للحصول على عمق المأساة، من هذه الأسئلة الاستفهامية
(س) هل كانوا يقاتلون حمية عن نسائهم وأطفالهم، أم أنهم خرجوا على إمام زمانهم الذي دعاهم لكل خير، ولم يتقبلوه حتى استحقوا اللعنة والدعاء عليهم من أمير المؤمنين عليه السلام.
فمن أراد طلب الدنيا وحارب من أجلها أئمة الهدى وأهل الدين كان مستحقا للعنة بعد أن تقام الحجة، لذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام يلعن في قنوته أشخاصا سماهم بأسمائهم.
 لو تأملنا في آليات هذا التأثير الذي يعمل عليه خطاب الرد للسيد الرضوي سنجد أنه استخدم الأبعاد الإقناعية ليبدا ضربته القاضية بعدما سعي للتواصل الإقناع.
انفصل عن الموضوع ليمنحنا التباين والاختلاف مع القيمة   الأساس في الخيال للمثال (أصل المثال عند العرب) وهذه فرصة لكشف اللثام عن تزوير الحقائق، المثال عند العرب يتجه إلى جهة أخرى لا علاقه لها بما يدعون في خطابهم.
المثال تعود شرعيته إلى شاعر جاهل يقال له (بيهس بن هلال الفزاري) كان يلقب بالنعامة لطول رجله، وكان شاعرا مجيدا، هذا الرجل الشاعر هو قائل للمثل ولان بني أشجع قتلوا أخوته الستة وتركوه لضعفه فقال (مكره أخوك لا بطل) فصارت مثلا.
وهذه الردود من الدكتور يوسف الرضوي يكشف للعالم أن هناك تدليس حصل في التاريخ، ومرد ذلك للأحقاد والتعصب حيث يعطي الجبان والمعتدي مبررات، وينسب إليه الأمثال، من أجل تبييض صفحته وأن يقال عنه شجاع ليس بجبان وهو مدافع لا معتدي، ولكن (مكره أخاك لا بطل) وهذا التزوير والتزييف يحتاج لوضع الأمور في ميزانها، وعرضها كما هي، وأن تمادى البعض في سياسة التزوير والتزييف والكذب على الحق يدفع المرء لكشف التزوير وإبطال التزييف، لأن مهما طال الزمن فأن حبل الكذب قصير.
وأرى أن تصدي مثل هذه السياسات المغرضة يكون من بعض مكرها أخاك لا بطل




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=200143
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 02 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23