يبدو أنّ التيار التغريبي في تونس قد تناسى، أنّ تاريخه في البلاد سيء إلى ابعد حدّ، ولا أقصد الذين خرجوا من لغتهم الأمّ العربية الفصحى، بعقلية أنّها لغة لا تواكب العصر، فهؤلاء قد يكونوا معذورين من جهة الإهمال المتعمّد الذي جرى على اللغة الأمّ، وتراجعها في مصطلحاتها المستحدثة حتى أن مجمع اللغة العربية في مصر، لم يكن في المستوى المأمول في النهوض بها - وما قدرته أمام أنظمة رضيت بأن تقتات من فتات الغرب - فذلك شأن اصطلاحي قد يكون مبررا لمن ابتعد عنها.
ما قصدته من خلال هذا المقال، هو ارتماء شقّ من هذا التيّار، في مسار فخّ التفسّخ من كل ما تعلّق بالعربية، من قيم ودين لم يأتي للعرب فقط، بل جاء للناس كافة، ليهديهم صراط الله المستقيم، الطريق الوحيد الموصل إلى مرضاته سبحانه، هؤلاء (الفرنكفونيين) قد انبروا في مناسبات عديدة، يعبّرون عن خلجات صدورهم من سوء، وما أخفوه من عزم على اتباع سبيل الغرب في نمط عيشه ومواقفه، ولا يخفى علينا ما عبّروا به على تحيّزهم وانتمائهم، كأنّما الوطنية عندهم تعبير عن ولاء كاذب لتونس واتباع أعمى للغرب.
بفكر وبلسان وسلوك غربي، يطلع علينا في كل مرّة ثقفوت تونسي، لا يتحرّج من تبعيّته المشبوهة للغرب، ويرى مواقفه أولى بأن يكون مثالا للاتباع، ف(محسن مرزوق) مثلا واحد من تبّع الغرب، لم يستسغ سياسة الرئيس قيس سعيد، فكتب رسالة مختصرة، وجّهها إليه عبر الصحافة، ناصحا له الإبتعاد عن التيار المقاوم الذي أسسته إيران، وتسعى جاهدة لتقويته من أجل بلوغ هدفه في تحرير فلسطين، محسن مرزوق لم يتجرّأ في رسالته، على دعوته الرئيس بصرف النظر عن قضية الشعب التونسي، وهي قضية فلسطين التي قدم لها ما أمكن لأحراره من دماء زكية، سالت على أرض فلسطين منذ سنة 1948، كما لم يجرؤ أيضا على التصريح برغبته في الإنضمام إلى الخطة الغربية بالتطبيع مع إسرائيل كما فعلت المغرب، فهو بحسب ما كتب لا يرى مانعا في ذلك، وهو يعرف جيّدا أنّ محاولته لن تمرّ بذلك المعنى المفضوح.
ولا يخفى ما لمحسن مرزوق من طموح في أن يدخل القصر الرئاسي بقرطاج - غير معتمد على شعبيته لأنّها في الحضيض – وليس له من سبيل إلى بلوغ غايته، سوى بالركون إلى فرنسا مستعمِرة بلادنا، والتي لا تزال تعتبرنا بعقلية المحتلين الوقحين من تابعة لها من بين الدول الفركفونية، والعالم اليوم يحكمه كثير من هؤلاء الذين باعوا أوطانهم لأجل مصالح الغرب، ولعل محسن مرزوق لم يستوعب بعد أنّ المتغيرات التي حصلت في مالي وبوركينا فاسو وغينيا التي أعلنت خروجها عن تبعية فرنسا، في مسعى من شرفاء وأحرار تلك البلدان للخروج من عباءة فرنسا.
محاولات شجاعة وطنية جديرة بالتنويه والمساندة، يجب أن تحصل في دولنا اليوم قبل الغد، تتعلّق بالاستقلال التام عن هذا الغرب، التي ما تزال محافظة على عقليتها العنصرية الاستعمارية، التي تدعم عدوّا صهيونيا كشف وجها وحشيا إرهابيا، لا يزال دوله تتجاهل ملامحه القبيحة البادية للعيان، ويعتبرها من قبيل الدفاع عن النفس، وفي المقابل يرى المدافعين عن أرضهم وقيمهم إرهابيين، يجب أن تسلط عليهم العقوبات من أجل أن يقهروا حتى يستسلموا، فرنسا وأمريكا وباقي المنظمة الغربية، لا تزال تجتهد جميعها في ابعادنا عن مجال نموّنا الفعلي، ومجال تأثيرها طال المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، وهنا مكمن الدّاء والعلّة الذي يريدنا محسن مرزوق البقاء فيه، وهو موقف كلّ ذليل خانع يكاد ينطق بلسانه أنّ ربّه هو هذا الغرب بمنظومته العنصرية .
لا أعتقد أنّ لإيران مصلحة عائدة إلى شعبها ونظامها، متعلّقة بمحور مقاومتها للعدوّ الصهيوني، فما دعا إليه قائدها الراحل الخميني، كان أوّلا تحسيسا بأهمّية فلسطين والقدس، دينيا وعقائديا وحتى جغرافيا، ونداءه ( يوم القدس العالمي) كان موجّها إلى جميع الشعوب الإسلامية، مؤمنا بأنّ في تعاونها الوثيق والصادق، يسهل على الجميع تحريرها، لكنّ تلك الدعوة وذلك النداء اصطدما بجملة من الحكام العملاء لأمريكا والغرب، الذين بذلوا في المقابل قصارى جهودهم من أجل الهاء شعوبهم وصرفهم عن القضية الفلسطينية بشتى وسائل اللهو، وثقافة الخنوع والسلبية، فلم يستجب لها سوى أحرارها، بينما بقيت الغالبية متعاطفة دون أن تحرك ساكنا، وهي التي تنتظر دائما تحريكا حكوميا، ليشحن مواقفها من جديد، وهو تحريك بقي مجمّدا بفعل الخوف من الغرب وسطوته.
فهل أدرك ثقفوت الغرب - ومنهم محسن مرزوق - أن الحرية والديمقراطية ليست في اتّباع الغرب، والإستجابة لرغباتهم على حساب مصالح وقضايا الشعوب، وهل فهموا أن الكرامة والعزّة لا تأتي أبدا من الغرب، وإنّما يصنعها رجال الأوطان بجهادهم وجهودهم وتضحياتهم، ولأنّها غالية الثمن فهؤلاء الذين فقدوا وطنيّتهم بعدما باعوها للغرب، لم يعد لهم سوى السّير على هواه وتلبية رغباته، حتى لو كانت على حساب المبادئ والقيم.
رئيس (حركة مشروع تونس)، غاب عن الساحة منذ 25 جويلية 2021، ثم عاد مجددا، ليطرح من جديد مشروعه المرتبط بالغرب، ليواصل ما بدأه بورقيبة وبن علي، من مسار تبعية تنكسر فيه آمال تونس، وتقف عند أعتاب الغرب مشاريعنا الوطنية، تنتظر من دوله الموافقة والدّعم، وقد غابت عنهم أو تناسوا، أنّ ما بلغه الغرب الإستعماري من غنى وثروات، مصدرها ما نهبته دوله من بلداننا. وما هكذا يتصرّف الوطنيون الأحرار يا مرزوق، وإيران في إطار مشروعها لتحرير فلسطين، ماضية قُدُما لا تلتفت إلى الوراء، معتمدة فيه على نفسها وقدراتها الذاتية، تسعى لأن يكون معها أحرار هذه الأمّة وشرفاؤها، فمن أعان على الخير والحق، لم يُكتب مع المتلوّنين مع الغرب ومشاريع هيمنته على بلداننا، وبمساعي عملائه من بني جلدتنا.
|