• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ابن العرندس// تراث أدبي ولائي باق لا يموت (1) .
                          • الكاتب : وفاء الطويل .

ابن العرندس// تراث أدبي ولائي باق لا يموت (1)

 الفكر الذي تبثه النهضة الحسينية في وجدان الإنسانية خالد بخلوده (سلام الله عليه)، ويحمل قيمًا وأبعادًا عقائدية تتمثل بالإيمان العميق بأهل البيت (عليهم السلام)، ومكانتهم عند الله (سبحانه وتعالى) وعند المؤمنين.

بلا شك إن واقعة الطف هي من أعظم المصائب الملهمة التي أثرت في وجدان البشرية عامة والشعراء خاصة.
ومن فحول شعراء الحسين (عليه السلام) الشيخ الكبير الفذ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي، الشهير بابن العرندس، أحد أعلام الشيعة، ومن مؤلفي علمائها في الفقه والأصول، توفي حدود 840 بالحلة الفيحاء، ودفن فيها، وله قبر يزار.
نتناول بهذا العدد مقتطفات من رائيته البديعة التي ذكرها الأميني في السابع من غديره.
عدد أبيات القصيدة مائة وثلاثة أبيات من بحر الطويل
قافية متواترة، حرف الروي الراء
تميزت القصيدة بروعة الأسلوب وجودة النظم والسرد، والإبداع بالمعاني وقوة المباني مما يدل على مهارة الشاعر في الأدب العربي وتمكنه من اللغة والصرف والنحو وعلوم البلاغة، كما تميزت القصيدة ببراعة الاستهلال وحسن التخلص
طَوايا نِظامي في الزَّمانِ لها نَشرُ *** يُعطِّرُها مِنْ طيبِ ذِكراكُمُ نَشرُ
قصائدُ ما خابَتْ لهُنَّ مقاصِدٌ *** بواطِنُها حَمدٌ ظواهِرُها شُكرُ
مطالعُها تَحكي النُّجومَ طوالِعًا *** فأخلاقُها زَهرٌ وأنوارُها زُهرُ
جاء المطلع مصرعًا، في قالب رقيق مفعم بالمشاعر، متألقًا بمفردات عذبة وسلسة، نظمًا وسبكًا، واضح المعنى وخالٍ من الحشو، بعيدًا عن التكلف الركاكة والتعقيد.
بدأ ابن العرندس قصيدته بمقدمة شعرية فنية يمتدح فيها شعره، ويصف مزاجه أثناء كتابة النص، ويعبر عن حبه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام).
ومن ثم دخل في الغرض الأساسي للقصيدة وهو رثاء الإمام الحسين (عليه السلام).
فيا ساكني أرضَ الطُّفوفِ عليكُمُ *** سلامُ مُحِبٍ ما لَهُ عنكُمُ صَبرُ
فخالطَ شِعري فيكُمُ دمعَ ناظري *** فمُبيضُ ذا نظمٌ ومُحمرُ ذا نثرُ
فلا تتهِموني بالسُّلوِّ فإنَّما *** مواعيدُ سُلواني وحقِّكُمُ الحشرُ
وقفتُ على الدّارِ التي كُنتُمُ بها *** فمغْناكُمُ مِن بعدِ معناكُمُ قَفرُ
وقد دُرِسَتْ منها العلوم وطالما *** بها دُرِّسَ العِلمُ الإلهِيُّ والذِّكرُ
وسالتْ عليها مِن دُموعي سحائِبٌ *** إلى أنْ تَرَوّى البانُ بالدمعِ والسِّدرُ
كما نجده في بعض الأبيات استعمل الصور التقريرية الواقعية في، فهي لا تحتاج إلى التصوير فنراه يعبر بقوله:
إمامُ الهُدى سِبطُ النُّبوةِ والدُ الـ *** أئمةِ ربُّ النُّهى مولىً لهُ الأمرُ
إمامٌ أبوهُ المُرتضى عَلَمُ الهُدى *** وصيُّ رسولِ اللهِ والصِّنوُ والصِّهرُ
وفي موقع آخر نرى صورة تقريرية مختلفة مزجها بصور مجازية، مستفيدًا من الجرس الموسيقي للألفاظ، والتكثيف الصوتي فيقول:
فقامَ الفتى لمّا تشاجرتِ القنا *** وصالَ وقد أودى بمهجِتهِ الحرُّ
وجالَ بطرفٍ في المجالِ كأنّه *** دجى الليلِ في لألاءِ غُرَّتِهِ الفجرُ
لهُ أربعٌ للريحِ فيهنَّ أربعٌ *** لقد زانَه كرٌّ ما شأنَه الفرُّ
وتطرق ابن العرندس لفداحة ملحمة الطف الأليمة وما حل بسيد الشهداء (عليه السلام) وأنصاره الخلص
أيُقتَلُ ظمآنًا حسينٌ بكربلا *** وفي كلِّ عُضوٍ مِن أناملِهِ بحرُ
وندد بأبشع الجرائم التي ارتكبها جيش يزيد حيث رض الجسد الطاهر المقدس بالخيول الأعوجية
وموقف الأصحاب واستشهادهم وأشار إلى الحر الرياحي وانتصاره علی الشيطان، كما أشار للأحداث الإعجازية التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) 
إلى أن يصل لذكر الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) 
 مشيرًا إلى أن كسر الدين لا يجبر إلا بظهوره المبارك
فليس لأخذ الثار إلا خليفة *** يكون لكسر الدين من عدله جبر
تحف به الأملاك من كل جانب *** ويقدمه الإقبال والعز والنصر
ويختم النص بأسلوب جميل يتميز بتوقيعه 
عرائسُ فكرِ الصالحِ ابنِ عرندسٍ *** قبولكمُ يا آلَ طه لها مَهرُ
نص زاخر بالجمال، تنوعت فيه الأساليب الأدبية، مكتظ بالبديع
التصريع، الجناس، الاقتباس، الطباق، التضاد
إمامٌ بكتْهُ الإنسُ والجِنُّ والسَّما *** ووحشُ الفَلا والطيرُ والبَرُّ والبحرُ
الإنس/ الجن.. طباق إيجابي - البر / البحر.
لهُ القُبةُ البيضاءُ بالطَّفِّ لم تزلْ *** تطوفُ بها طوعًا ملائكةٌ غُرُّ
الطف/ تطوف.. جناس ناقص
وفيهِ رسولُ اللهِ قالَ وقولُهُ *** صريحٌ صحيحٌ، ليس في ذلكُمْ نُكرُ
صريح/ صحيح.. جناس ناقص
حُبِي بثَلاثٍ ما أحاطَ بمِثلِها *** وَلِيٌّ فمَنْ زيدٌ سِواهُ ومَنْ عَمرو؟
والنص غني بأساليب التناص القرآني والحديث النبوي ويتجلى ذلك في الكثير من أبيات القصيدة
على سبيل المثال:
ونُوحٌ بهِمْ في الفُلكِ لما دعا نجا *** وغِيضَ بِهِمْ طُوفانُهُ وقَضى الأمرُ
توظيف للقصص القرآنية ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
له تربةٌ فيها الشِّفاءُ، وقُبَّةٌ *** يُجابُ بها الداعي إذا مَسَّهُ الضُّرُ
هنا إشارة لقوله صلى الله عليه وآله: «إن الله تعالى عوض الحسين (عليه السلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبته» 
قصيدة مفعمة بالمشاعر غنية بالمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية تسرد القصيدة الأحداث المؤلمة التي وقعت في الطف الجريح
 ويقال أنها ما قرئت بمحفل إلا وحضره الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) وبكى مع الباكين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=200241
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23