الكتابة عن سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يحتاج إلى عمق معنوي للبحث عن المتعلقات الاجتماعية والسياسية عند كل سفير، ولتنوع المصادر أصبحت القضبة المهدوية قضية سياسية تعاملت السلطات الحكومية معها بحذر شديد، وكل مصدر يتبع لمنهله الفكري.
في دراسة مهمة للدكتور جواد علي عرَّفنا على الواقع السياسي في فترة الغيبة الصغرى وما يسبقها من صراعات، ولم يكن الصراع القائم بين مذاهب الجمهور له علاقة بالمذهب الشيعي، وإنما كان الصراع منحصرا بين مذاهب الجمهور أنفسهم، منذ مرحلة سقوط الدولة الأموية سعى العباسيون إلى مزج سياستهم بالدين وتقريب المصلحة السياسية بارتكازها على الأمور المعنوية للرسالة السماوية، بطريقة تضمن لهم الشرعية الدينية، فابتدعوا طريقة جديدة، حيث قاموا بتزوير أحاديث نبوية ملفقة، وهذه الأحاديث الملفقة تتحدث عن حق العباسيين في الخلافة، فعاثت الصراعات المذهبية بين طوائف الجمهور.
مثلا حين تولى أبو يوسف قاضي القضاء عند هارون العباسي، ومن يومها أصبح منصب القضاء يختص باتباع أبي حنيفة فقط وتلاميذه، صار المنصب امتياز الحنفية وحدهم وهذا الأمر أكيد سيخلف تناحرات كبيرة بين المذاهب السنية، وصلت الحالة إلى ذروتها حين عين الخليفة القادر شافعيا بوصفه قاضي القضاء، ثار سكان بغداد في الحين، وقام الأهالي بانتفاضة وتمرد السلطة، ولم يبق أمام الخليفة سوى الاستجابة لمطالب أتباع الحنفية، فرضخ لرغبتهم وترك المنصب للحنفية.
وفي مرحلة من مراحل السياسة العباسية حاول الخليفة المأمون أن ينشر رأي المعتزلة في القران الكريم بين العامة وبجميع الوسائل، فطاردوا كل معارض للمعتزلة حتى أنهم عاقبوا أحمد بن حنبل لاعتراضه على سياسة الخليفة.
شهد ذلك التاريخ انفجارات مذهبية كبيرة بين مذاهب الجمهور، لذلك هدموا مساجد الله بوصفها بؤر للثورة، وحذر الخليفة الراضي الحنابلة لآخر مرة من التمادي في استعمال مثل هذه الوسائل الدعائية، يظهر للباحث أن هذه الصراعات الكبيرة كانت بسبب ضعف الخلفاء العباسيين بإدارة الأمور الفكرية، فسبب هذا التفاضل بين الأحزاب الدينية الشعور بالتفرقة بين المذاهب، لهذا رفضوا الاستجابة لسلطة الدولة، ولما لم يستجيبوا له أمر بهدم مسجد اجتماعهم ومع هذه الحملة التي شملت الشيعة أيضا، هدموا مسجد براثا عدة مرات مره في زمن المقتدر لأن الشيعة استعملوه مكانا لمجالسهم الوعظية والفكرية، لهذا حسبت هذه المجالس أيضا تستخدم حسب رأي الدولة للدعاية والتحشيد ضد الحكومة العباسية.
كثير من الأمور لا تعطينا المجال لتكوين صور واضحة عن عمل السفراء في تلك الفترة مثلا، لا نعرف علاقه السفير الثاني بازدهار أسره الفرات في أيامه، كان السفير الثاني يؤدي مهمته بنشاط ويراسل وكلائه بجهد واجتهاد يوجه اليهم توقيعات في إسناد الإمام بواسطه رسل من الشيعة.
وجاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي 234 يقول فيه نود أن نسجل هنا أن من بين الوسائل العديدة التي استعملها الشيعة وغيرهم من المنظمات السرية، كان الحمام الزاجل الذي يعود الفضل إليه في معرفة رؤساء المنظمات بأحداث المناطق البعيدة، حتى أن الكثير من الناس اعتقدوا أن هناك معجزة تجعله هؤلاء السفراء يعلمون بالأخبار وكان رسل الشيعة يأتون من بعيد إلى السفير يحملون ما جمعوه من خراج ويوجهون مطالبهم إلى الإمام وقد اكتسب السفير خلصاء في الأقسام المختلفة من بغداد، وضع السفير الثاني نظاما معقدا للوساطة بينه وبين نوابه ليكون بمنجاة من مطاردات الشرطة والمخبرين ودوائر الأمن، وكان الخراج يأتي من المناطق المختلفة من بلخ وبخارى وديناور ومن العراق وقم واليمن وغيرها،
كان السفير لديه مجموعة موظفين متخصصين في الشؤون الأمنية ومتابعة أخبار الدولة، وكانوا ملمين بالوضع الأمني في البلاد أكثر من إلمام الخليفة نفسه.
كانت سلطه السفير الثاني أكبر من سلطة الأغنياء من ملاك الدور والأراضي وكان إلى جانبه عشرة مستشارين شرفيين من قادة الشيعة.
السفير الأول لم يذكر اسم أو مكان معين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، والسفير الثاني كان يذكر رواية جديدة لقد رأى الإمام عليه السلام، وهو يتواجد في بيت الله ليؤدي كل حجة ويتعرف على شؤون الشيعة، فقد كان موجودا في كل حجه الى مكة، وبهذا الاعتبار الروحي وتجنب الجواب عن أي سؤال يتصل باسم الإمام من الممنوع ذكر اسمه لان الظرف الأمني صعب ونشر اسم الإمام سيقرب المسافة للرقابة الأمنية
أصبحت فكرة الغيبة لها عظمتها وشهرتها، وأصبح التواصل الروحي مع الإمام ممكنا فهو يتواجد مع الناس في مواسم الحج من غير أن يعرف، وأخبر السفير الثاني الناس بأشياء غيبية لا يستطيع الحمام الزاجل معرفتها فهو أخبر الناس بيوم موته، بل في ساعة الرحيل وحفر قبره بنفسه، وجعل الناس يترقبون ساعة الموت.
تذكر الناس أنه لم يعين لهم السفير البديل، حتى ما قبل موته بقليل وطرح أسم الحسين بن روح النوبختي، فقد كان السفير الثاني قد كلف حسين بن روح باستلام الأموال نيابة عنه لمدة سنتين أو ثلاث سنين، وكان قد أخبر الناس بأنه خليفته، وأخبر زاروه في مرضه حين سألوه عن السفير، أخبرهم هو ابن روح السفير الثالث.
|