• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء "الأستاذ عبد الرزاق الحكيم" (زيد المجنون) .
                          • الكاتب : اسعد عبد الرزاق هاني .

مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء "الأستاذ عبد الرزاق الحكيم" (زيد المجنون)

 سالت الأستاذ عبد الرزاق الحكيم سؤالا فكرت فيه كثيرا ولم أصل إلى جواب، لماذا يقرن اسم زيد المجنون دائما بكربلاء؟
والذي أعرفه أن زيد المجنون هو أحد مجانين المنصورة في مصر، ويقال أنه كان حكيما، لكن السؤال الذي لا أعرف له إجابة ما علاقة زيد المجنون بكربلاء؟
يبدو أن السؤال أعجب الأستاذ فابتسم لي وراح يتأمل في الموضوع بذاكرته، وقال:
ـ ما أجمل محور اليوم، بقيت صامتا انتظر الإجابة، وبعد برهة صمت، قال:
ـ أنت تعرف أن المتوكل العباسي من خلفاء بني العباس، كان كثير الحقد والعداوة لأهل البيت عليهم السلام، قلت نعم كلنا نعرف ذلك، هو الذي عمل ليحرث قبر الحسين عليه السلام.
- قال دعني أحدثك لتعرف جوهر الحكاية وسبب ارتباط زيد المجنون المصري ابن المنصورة بكربلاء.
كان عهد المتوكل أكثر العهود الإرهابية التي مرت على الشيعة وأقسى العهود المظلمة التي مرت على القبر الشريف،
وعلى كربلاء، أمر هذا الطاغية بكرب قبر الحسين عليه السلام وطمس أثاره، ونشر المسالح على طول الطرق لمنع الزوار من زيارة قبر الحسين عليه السلام.
 بعث رجلا يهوديا اسمه إبراهيم الديزج إلى القبر وأمره بمحوه وتخريب كل ما حوله من بيوت وعمران وأجرى الماء عليه ويزدج اليهودي لم يكتف بهدم القبر وحده وإنما خرب مدينة كربلاء كلها وله أكثر من حملة تهديم، يذكر التاريخ أنه قاد أربع حملات، كان كلما يهدم القبر تسعى الناس بعد مدة لبناء كربلاء ثانية رغم تهديد المتوكل، تراهم يتهافتون على قبر الحسين عليه سلام الله، قلت أنا أنتظر دور زيد المجنون وعلاقته بحديثنا فهو يسكن في مصر المنصورة وكربلاء بعيدة عنه، قال:
ـ شاع الخبر في كل المدن حتى بلغ مصر وسمع به زيد المجنون وكان رجل عقل شديد، لكنه لقب بالمجنون لسعة حكمته التي تدهش الناس دائما، وله حكايات غريبة غير مألوفة، ويقال أنه ابن آخر ملوك المنصورة قبل دخول الإسكندر المقدوني لها، وله مواقف أدهشت الإسكندر، فقرر أن يمنحه دولة ليكون ملكا عليها، اشترط على الإسكندر ثلاثة شروط للموافقة، أن يمنحه حياة ثرية بلا فقر، مبهجة بلا حزن، دائمة بلا موت، قال الملك:
ـ أنا لا استطيع أن أحققها لنفسي كيف سأحققها لك؟ قال له
- هناك من منحني الثلاثة، سأله من؟ قال:
- الله سبحانه 
 قلت له:
ـ أنا مشكلتي أني أفقد صبري دائما وأتعجل الحكاية، هل هو كان من محبي أهل البيت عليهم السلام؟ قال:
ـ نعم احترق قلبه حين سمع بخراب قبر الحسين عليه السلام، فخرج من مصر ماشيا على قدميه هائما يريد قبر الحسين في كربلاء.
 قلت:
- حقا هذا مجنون... المسافة بعيدة
ـ المهم أنه خرج من مصر ماشيا إلى كربلاء حتى بلغ الكوفة، قلت:
ـ الكوفة أيضا محاصرة بجنود السلطة وعيونها.
ـ هو يعرف لمن يذهب
 صحت مستغربا لمن؟
قد ذهب إلى البهلول، وكان البهلول يومها في الكوفة، لقيه زيد المجنون وسلم عليه
ـ هو يعرفه من قبل؟
ابتسم لي الأستاذ وقال: ـ هو لا يعرفه ولهذا سأله البهلول:
ـ من أين لك معرفتي، وأنت لم ترني قط؟
أجابه زيد:
ـ اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر عنها اختلف، قال البهلول يسأل ما الذي أخرجك من بلادك يا زيد بغير دابة ولا مركوب، فقال زيد والله ما خرجت إلا من شدة وجدي وحزني، فبكى بهلول وقال له، قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى عليهم السلام.
قلت:
ـ سيكون الموقف عليه عسيرا حين يرى القبر مهدما؟
 قال الأستاذ عبد الرزاق الحكيم:
ـ هذه كربلاء ليست كغيرها، وصل القبر وإذا به على حاله لم يتغير منه شيء
قلت وأنا بحماس غريب والعمران الذي تهدم؟  والماء الذي أجروه على القبر؟ والأرض التي حرثوها والمحاريث؟ قال
- هنا الحكمة كل ما أجروا عليه الماء حار واستدار بقدرة الله سبحانه، ولم يصل القبر ولا قطرة ماء واحدة، فكان القبر الشريف إذا جاءه الماء ترتفع أرضه، سألته وبعدها أين ذهب زيد؟
ـ انطلق زيد المجنون بعد الزيارة إلى بغداد لكن علاقته بكربلاء لم تنته بعد، رأى في بغداد جنازة تمشي خلفها كبار أهل السلطة فتوقع أن يكون المتوكل قد مات، سأل وإذا بها جنازة جارية من جواري المتوكل ورجال الدولة بكاملهم حضروا دفنها، بكى حينها وكتب على ورقة:
- ماذا كتب فيها؟
أ يحرث بالطف قبر الحسين    ويعمر قبر بني الزانية
لعل الزمان بهم قد يعود         ويأتي بدولتهم ثانية
ألا لعن الله أهل الفساد           ومن يأمن الدنية الفانية
 سلم الورقة لأحد حجاب المتوكل، قرأها واشتد غضبه فأمر بحبسه فحبسوه، وإذا بي أبكي لزيد المجنون، وأقول سيقتلونه، والله هذا فعلا مجنون، هل هناك من يعترض المتوكل.
لكن الذي حدث في الليل، إنه رأي المتوكل رؤيا مخيفة أوحشته أسرع وأفرج عن زيد، ولم يقبل زيد الإفراج، بقى في السجن ولم يخرج إلا بشروط، قال له المتوكل اشترط، اشترط عمارة قبر الحسين في كربلاء، وألا يعترض أحد زوار الحسين عليه السلام، وقبل المتوكل رغما عنه، فخرج زيد المجنون من السجن يدور في البلدان وينادي من أراد زيارة مولاي الحسين عليه السلام فله الأمان طول الأزمان
قلت: إنها حكاية عجيبة من قلب كربلاء.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=200470
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 28