عندما كنّا يافعين هرعنا لمشاهدة فيلم القرصان الأحمر بل تزاحمنا على باب صالة السينما من أجل الحصول على بطاقة الدخول ، وبعد سنين طوال ظهر قرصان من نوع آخر وهو القرصان الأسود ، يتعامل هذا القرصان لا مع الطغاة والمتجبرين لصالح الفقراء والكادحين بل مع المواقع التي لا تروق لفكره ومنها مواقع ثقافية غير مسيسة فما هي غايته إذا ً ، لو كانت شخصية لما تعرض أكثر من موقع . المسألة واضحة الغاية منها تكميم الأفواه لا سيما إذا كانت تقول : لا ، فوهمهم كان في بدايته مجابهة الرأي بالرأي والحجة بالحجة ، ولكن حين لم يسمعوا قول : نعم ، لطروحاتهم الفجة والعقيمة أسقط في يدهم وخابوا فكانت القرصنة السبيل الأفضل لغلق فاه من يقول : لا .
ظاهرة القرصنة وسيلة شوفينية وغير شريفة بتة ولا يعمد إليه سوى من سقط في بئرالخذلان .
لا .. ولا .. ولا سيظل تتردد على الألسن .
يخبرنا العلم أن العقل البشري عقل سلبي فهو قد يقبل ( لا ) ولا يقبل ( نعم ) ويجوز العكس فهو ليس كشريط التسجيل يقبل كل كلام كان جميلا ً أوقبيحا ًإذ يستجيب
دون تفكير وتحليل .
ويخبرنا التاريخ أن قولة لا قد قيلت حتى للأنبياء والرسل رغم أنهم يحملون رسالات سماوية وما زالوا لغاية اللحظة ولولا وجود لا ونعم لكان الفكر البشري قد جمد .
لست هنا بصدد الحكم بصواب أو ضلال الرأي والفكر فهذا شأن صاحبه ، ولا أسفه رأيا ً ولا أحتقره ، ولا أجبر كائنا ً من كان على أخذ رأيي لا بالقوة ولا بتوسل وسائل غير شريفة .
إن القرصنة الفكرية دليل فشل القرصان وتخاذله ، ودليل أن البشر لا يتفقون مع طروحاته وأفكاره .
دليل على ضعفه وقوة المقابل وإلآ لماذا الخشية والخوف من كلام لو لم يكن كلامه غير مؤثر ولا سامع له .
دليل على قوة المقابل الذي يستطيع اقناع الناس . إن أفضل طريقة لإلجام العوام عن الكلام هو غلق الأفواه فيبقى لوحده متسيدا ًكقبرة معمروتصفّر كما تشاء .
|