• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : طـُرف ٌبسبب الألفاظ والمعاني .
                          • الكاتب : سردار محمد سعيد .

طـُرف ٌبسبب الألفاظ والمعاني

 جل من كتب في اللغة من كبارعلمائها والمعنيين بفقهها ودقائقها تطرق إلى مسألة الألفاظ والمعاني والعلاقة بينهما ، وفيها أن ألفاظا ًمختلفة متفقة المعنى،وثمة معاني مختلفة بلفظ واحد ، وأخرى تقال على سبيل المجاز ، ورأوا بعدم فهمها قد يساء استعمالها أو ينقلب القصد والمراد ، وقد يؤدي ذلك للتندر والطرفة ، فجمعت بعضها ليتمتع القراء بها فضلا ًعن التذكيرأومعرفتها لمن فاته ذلك ، وأنا متأكد من أن القراء الكرام ولاسيما الأدباء يعرفون غيرها أو أكثر منها ، وبعض مما سأسرده مستل ٌ من بطون الكتب المعروفة ، وبعضٌ مما عايشته أو سمعته ، ولتكن على شكل حكايات ومداخلات  :
الحكاية الأولى : 
حين زرت إحدى مديرات المدارس عندما كنت مشرفا ً إختصاصيا ً عام 1993مباركا ًحجتها ذلك العام ،قالت في أثناء حواري معها :
 لا أعلم لماذا خص تعالى الرجال دون النساء بسورة الحج ، والحج مفروض عليهن ؟ فقلت :  أي آية تلك؟ فقالت : 
( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) الحج 27  . 
 قلت : سيدتي معنى يأتوك رجالا ً بمعنى مشاة فيسعون على أرجلهم غير راكببين ومنهم من يسعى راكبا ً وليس المقصود ( رجالا ً) الذكوركما فهمت ِ.
( مداخلة خارجة عن السياق :كان لي قريب عنيف الطبع يعيش الإجرام في دمه ، ولا يجد هناءة إلآ برؤيته الدم ، ويقال أنه قتل تسعة رجال لأسباب تافهة وفي آخر عمره تاب وقررالحج ، ورغم صعوبة الطريق في الأيام السالفة وانعدام وسائل المواصلات إذ كانوا يستقلون الحيوانات ركوبا ً، فإنه قطع أكثر الطريق بين العراق والحجاز ماشيا ًحافيا ً ، لأنه سمع أن الأجر سيكون أكبرللمشاة منه للركبان )
الحكاية الثانية :
يقال أن الجاحظ الموسوعي الكبير وصاحب المؤلفات الغزيرة علما ً وبلاغة نزل ضيفا ًعند أحدهم ،وانقضت مدة لم يقدم له اللحم مع الطعام ، فعرّض الجاحظ له ، فقال الرجل : كرهت اللحم عندما سمعت الحديث :
إن الله يكره البيت اللحِم .
فقال له الجاحظ : معناه من يأكل لحم أخيه بالغيبة ، ففهم الرجل معنى الحديث فترك عادته القائمة على سوء فهم لغوي وبدأ يقدم له الطعام مع اللحم .
( مداخلة خارجة عن السياق : يفخر بعض الناس أنهم من قراء القرآن الكريم ،ولا أعلم ما الفائدة من ذلك إذا لم يتدبروه ولهم المقدرة على ذلك لو أرادوا ، فلابد أنه مرّت على ذلك الرجل الآية 12من سورة الحجرات   فلم يتدبرها ويعمل بها :
( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميْتا ً فكرهتموه ) . )
الحكاية الثالثة :
في كتاب أشعار النساء للمرزباني أن ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن حِمير دخلت على الحجاج وأنشدته بعض شعرها ،فقال الحجاج لحاجبه : إذهب بها اقطع عني لسانها ، فدعا الحاجب الحجّام ليقطع لسانها ، فقالت: ويلك ،إنما قال لك الأمير إقطع لساني بالعطاء والصلة ،فارجع إليه فاسأله ،فرجع إليه مستفهما ً فاستشاط الحجاج وكاد يقطع لسانه .
(مداخلة خارجة عن السياق : في هذه الحكاية القابعة في زاوية من زوايا الكتب دليل مهم على جبروت الولاة وطغيانهم حتى أن حاشيتهم لا يتبادر إلى ذهنها غير سفك الدم والقتل واستعباد الخلق .)
في القرأن الكريم وردت لفظة ( بـِقـِطـْع ٍ)في آيتي هود81 والحجر 65  
( فأسرِ بأهلك بقطع من الليل ...) فمعنى قطع من الليل هو مضي صدره أوهزيعه أو نصفه مأخوذ من قطعه نصفين كقول الشاعر :
ونائحة تنوح بقطع ليل   على رجل بقارعة الصعيد . / راجع تفسيرالقرطبي .
وورد في سورة الرعد الآية 4 :
( وفي الأرض قطع متجاورات ....) أي مناطق وبقع .
 وجاءت على المعنى الشائع وهو الفصل والتفريق والمباعدة والخدش 
أيضا ً،فوردت في سورة يوسف الآية 31:
( وقطـّعْن أيديهّن ..) .
وفي الأعراف 160 يقول عز من قائل :
( وقطعناهم إثنتي عشرة أسباطا ً .. ) 
وفي الأعراف 168 :
( وقطعناهم في الأرض أمما ً ..) .بمعنى فرقناهم 
 ويقال : أقطعَ فلان فلانا ً بمعنى جعل له إقطاعا ً يتملكه ويستبد به على حد قول (ابن الأثير ) ومنها جاءت كلمة إقطاعي المعروفة  .
الحكاية الرابعة :
حدثتني شاعرة مرموقة أنها عندما كانت طفلة بعمر ست أوسبع سنوات اصطحبوها  إلى جلسة خاصة ، وخطب فيهم خطيب ، وفي نهايةخطبته قال :
شكرا ً لكم أيها الزملاء . فصفق له الجميع استحسانا ً، فسألت الطفلة من يجلس بجوارها : ( عمو أشو يكللم زمايل وأنتم تصفقون له ؟ ) ،فقد ظنت الطفلة ببراءة أن لفظة الزملاء الفصيحة هي نفسها لفظة لفظة ( زمايل ) العاميّة .
( مداخلة خارجة عن السياق : الخطأ الناتج هنا عن البراءة وقلـّة الخبرة بسبب العمر توضح من جانب آخر الفطنة والذكاء ، وقد يعمد الكبار إلى تأنيبهم أو ضربهم على وفق تقديرهم التربوي غير السليم دون تفكير وتقدير لعواقب ذلك أو التفاتهم إلى الجانب المضيء من انتباهات الأطفال .)
الحكاية الخامسة :
مع الإعتذار لكل من اسمه سلام 
قال لي صديق ماركسي اسمه ( سلام ) عام 1965 ، أتعرف تركيب لفظة سلام ؟
فقلت : أعرف أنها اسم من الأسماء الحسنى : 
فقد ورد تعبير الأسماء الحسنى في الأعراف180 وفي الإسراء 110 وفي طه8 وفي الحشر 24 ، وأعرف أن تحية أهل الجنة هي (سلام ) كما في نص الآية  :
(وتحيتهم فيها سلام ) بمعنى سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار(يونس 10 ).
ووردت اللفظة في مواضع كثيرة كالأنعام 54 و الأعراف46 ويونس 10 ووهود 69 والرعد24 وإبراهيم 23 و والنحل 32 ومريم 47 والقصص55 والأحزاب44 .
 وأعرف أنه في الكتاب المقدس وردت مئات المرّات ، وأحلاها وأكثرها وقعا ً في نفسي وروحي  :
( المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة ) .
وعامة السلام هو ضد الحرب ،فقال أسألك عن تركيبها وليس معناها أوأين وردت وكيف وظفت ؟ فقلت : لا أعرف 
فقال :
السين يعني ستالين ، واللام تعني لينين ،  والألف يعني  انجلز ، والميم تعني ماركس .
( مداخلة خارجة عن السياق : يمكن لمن يريد تجزئة الكلمات على هواه أن يجد في ذلك متسع ، وأحكي لكم حكاية حقيقية : قالت فتاة لزميلها باللهجة العامية ( انطيني دنبوس من فضلك ) فقال : يمكنني أن أحتفظ بـ ( دن ) وأعطيك الباقي ، فما هو رأيك ؟ )
 الحكاية السادسة :
ورد في كتاب ثمرات الأوراق للحموي في الواثق الخليفة أنه تحدث مع مازني وكان بعض الموازن يقلبون الباء ميما ً والميم باء ًوكان اسم المازني بكر ، فاحتال عليه الواثق وكلمه بلغته قائلا : با اسمك ؟ وليس ما اسمك ، ففطن الرجل لأن الواثق أراده أن يجيب : مكرٌ ، بدل بكر فقال ، الرجل : بكرٌ يامولاي فعرف الواثق أن الرجل قد فطن له فأكرمه .
( مداخلة : تدل هذه الحكاية على تنوع اللهجات في اللغة الواحدة ، فكيف الحال بوجود لغات متعددة مما لايجعلني أميل إلى نظرية أن اللغة موقوفة ) .
الحكاية السابعة :
يقال أن رجلا ً كان يلفظ الراء غينا لعلـّة في لسانه فقيل له قل ْ:
أمر أمير الأمراء أن يحفر بئر في الصحراء ،
 فانتبه الرجل لبغيتهم  ، وقال : 
حكم حكيم الحكماء أن ينبش جب في البيداء .
(مداخلتان خارجتان عن السياق ، الأولى : شعراء العمود هم أحوج الناس إلى وجود خزين ثر من المفردات وثروة من الألفاظ بحيث لا يعييهم اختيار اللفظ المناسب للوزن الذي تسير عليه قصائدهم ، ولقد تذرع كتاب قصيدة النثر بقلة وصغرمساحة الحرية في اختيار الألفاظ التي يراد بها التعبير ضمن أغلال الوزن ، فجابههم شعراء العمود : بأن ذلك بسبب نقص في خزينهم وثروتهم اللغوية .
الثانية : وجدت خلال زياراتي الكثيرة لفرنسا بأن أهل العاصمة باريس يتباهون بلفظ الراء غينا ً ، فيقولون ( باغي ) يقصدون باريس / بثلاث نقاط أسفل الباء غير موجودة بجهازي / ، ومن هذا فإن مايعد خللا ً في لغة يعد حسنا ً وجمالا ً في لغة ولهجة أخرى .) .
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20867
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28