حدثني
قل لي: ماذا يفعل هذا الصيفُ بهذا الشارعْ؟
ولماذا جاءت أشجارٌ أخرى من شرقِ الروح ِالى غربِ المنفى؟
حدثني
قل لي: هل ظلت خُطُواتُ طفولتِنا فوقَ الأسفلتِ هناكَ وهل ظلتْ آثارُ دماءٍ سقطت فوق الأحجارِ هناكْ؟
تعالَ .. أراكَ كنقشٍ أزرقَ في الروحِِ كما كان النقشُ الأزرقُ فوق إطارِ مرايا البيتِ هناكَ ، تعال .. تحَسّسْ وجهي المكروبَ ، وضع كفيكَ على رأسي.
باركني في تمتمةٍ ذات مساءٍ .
عُدْ بي للماضي. حَصّني من حسدِ الجيرانِ كما كانت تفعل امي.
عُدْ بي للشرقِ ، لشرقِ الروحِ ِ
،وناولني تمراً نقَّرهُ العصفورُ ، وماءً من بئر البيتِ ،
وحُفَّ الدارَ بأدعيةٍ تطرد وسواسي
حدثني
قل لي : هل تصغي لنشيدٍ سريٍّ مثلي يرقى لمعابدِ أورَ ،
وهل تصغي لنُواحِ (إنانا)؟
حدثني
قل لي: هل مازالت أبوابُ مدينتِا مغلقةً بتروسٍ ودروعٍ أسقطها القتلى عن طعناتٍ وجراحْ؟حدثني عن أشجارِ البيتِ ، وتنورٍ أصبح عشاً لحمامٍ بريٍّ ، مهجوراً لاخبزَ ولانارَ سوى صمت ٍ باردْ .
حدثني عن أملٍ يسقطُ مثل الأوراقِ على اسمنتِ الممشى في البيتِ ويعكس ظلاً فوق الحائطِ منعكساً فوق إطارٍخشبيٍّ ،
ياأبتي ،
حدثني قل لي: هل مرَّ صديقٌ آخرُ يسأل عني؟
حدثني : ماذا قالت أمي: هل طالت غيبتُهُ؟
أمسِ مضى قرنٌ آخرُ في عمر رحيلي وأنا أسحقُ أوراقَ خريفٍ يابسةً فوق بلاطِ ممرٍ في المنفى ، وأرى تيجاناً تسقطُ فوق هديلِ الروحِ،
لُمىً تُفتحُ في أعمدةِ الليلِ،
مرايا تلمعُ في أفنيةِ العمرِ،
شجىً فوق معاطفِنا ،
ونساءً يحملن بخوراً يتقدمن كطوافاتٍ في النهرِ وينشجنَ على إيقاع نشيدي.
أمسِ ،مضى قرنٌ آخرُ في عمر رحيلي, وأنا أسمعُ مزماراً يقطع صمتَ الروحٍ ، وأغنيةً تسقط من سقفِ الماضي ، وعيوناً تنشجُ أمطاراً مثل السندسِ والأستبرقِ ،
أسمع قافلةً تحدو وهي تعبرُ من جسدي متقدمةً نحو دمي.
أسمعُ في الصمتِ قبائلَ عادٍ وثمودٍ ،
أسمع أعمدةً تتهدم في إرم ٍ
حدثني هل كنتَ تظن بان الطفلَ سيغدو كهلاً ،
والأيامَ ستغدو إحجيةً ،
والليلَ يطولُ كأن دقائقَه صحراءٌ متراميةُ الأطرافِ ،
تعال ، وحدثني قل لي ياأبتي : ماذا أفعلْ ?
من خرّبَ ذاك الركنَ ، وألقى بالماضي لعراءٍ لا حدَّ له؟
قل لي:هل مازال الديكُ على عادتِه في الفجرِ، وهل غيرتِ الحربُ هديلَ حمامِ البيتِ ،
وأغلقت الشباكَ أمامَ فراشاتِ الدفءِ بآذارَ ونيسانَ ،
وهل غيّرتِ الحربُ سلامَ الجاراتِ وأطفأتِ النارَ لشاي العصرِ (لأم جعفرَ) ؟
واستبدلت الجاراتِ بأبوابٍ موصدةٍ
هل غيرت الحربُ الشايَ وحلوى الأطفالِ وتنورَ البيتِ وخصلة َ شعرٍ فوق جبيِن امرأةٍ ،
ياأبتي ماذا أفعلْ؟
الروحُ تواصلُ سلوتَها في الماضي
ويدي تكتب في لوح ِالحاضرِ
والأشباحُ تعلق أرديةً تلبسها في حفلِ تنكّرِها ، فوق المستقبلْ
قل لي ياأبتي : ماذا أفعلْ؟
افتحُ في وَجلٍ أيامي ،
فأرى قاعة َ مُلكي خاويةً وخزائَنها ملأى بقناديلَ تضم قناديلاً أخرى ، وسلاسلَ من ذهبٍ تربط سبعَ خيول ٍ من ياقوتٍ ، وحوافُرها تقدح ضوءً ذهبيا ، وامرأةً تجدل في النورِ الفيّاضِ ظفائرَها وترجّلُ خصلاتٍ فوق الكتفينِ العاريتينِ ،
وجدرانٍ من فيروزٍ وعقيقٍ ، وصحائفَ من بلورٍ تمحو الأسماءَ وتكتبُ أسماءً أخرى ،
وجواريَ أبكاراً يضربن الصناجات ِعلى إيقاعِ دفوفٍ ،
وسريراً من خشبِ الساجِ عليه غلالاتٌ من نورِ الكلماتِ ،
وأدخلُ وحدي هذا الكونَ الطقسيَّ السريَّ وحيداً ملفوفاً بوميضٍ مثل وميضِ الكوكبِ ،
او لمعانِ الماسِ ،
هناكَ ، هناكَ ، هناكْ
هل بقيتْ تلك الايامُ هناكْ
هل بقيتْ قاعةُ طقسي بين الايام ِهناكْ
هل مازلتُ هناكْ؟
وهنا لاشئَ سوى لمعانِ الايام ِ هناكْ
وهنا لاشئَ سوى لمعانِ الزمنِ العابر ِ
ووميضِ الزمنِ المتجمدِ مثل جسورٍ فوق النهرِ .. هناكْ |