• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فيلم براءة المسلمين والثورة المضادة! .
                          • الكاتب : عماد رسن .

فيلم براءة المسلمين والثورة المضادة!

 تغص شوارع الكثير من عواصم الدول العربية بالمتظاهرين مرة أخرى, ليس من أجل إسقاط نظام للحكم أو من أجل المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة, بل إحتجاجا ً على فيلم يسيئ لنبي الإسلام محمد. لقد أتخذت بعض هذه المظاهرات منحى يتجه نحو العنف بحرق سفارات أو إقتحام راح ضحيته الكثيرون. لقد شاهدت أكثر من عشر دقائق من الفيلم ويبدو لي أنه ليس فيلما ً على الإطلاق, فهو لاينتمي للدراما ولا من الأفلام الوثائقية ولا حتى أنه من أفلام الكارتون المتحركة. إذا ً, لماذا كل هذا الصدى والإحتجاج والعنفوان, هل هو فعلا ً من أجل نبي الإسلام أم أن هناك أسباب أخرى دعت لذلك, آخذين بنظر الإعتبار بأن عددا ً كبيرا ً من المحتجين لم يشاهد الفيلم فعلا ً إذا علمنا أن نسبة مستخدمي الإنترنت في العالم العربي ضئيلة جدا ً.
يبدو أن الذي صنع الفيلم يعرف مايفعل حينما ضرب أكثر من مئة عصفور بحجر واحد, والحق يقال إنها ضربة معلم. فقصد من أنتج هذا الفيلم الرخيص هو ليس الإساءة للرسول محمد بل هو من أجل إثارة مشاعر المسلمين ليخرجوا للتظاهر بهذا الشكل وقد وصل إلى مبتغاه. من الواضح بأن المسلمين ليسوا أبرياء فقط بل ربما أكثر من ذلك حينما يقعون ضحية خداع من يضمر لهم شرا.
لماذا ظهر الفيلم بهذا التوقيت تحديدا ً, أي في ذكرى الحادي عشر من سبتمر؟ لماذا في المرحلة التي تسبق الإنتخابات الأمريكية وسعي الرئيس أوباما بالتجديد لولاية جديدة؟ من جهة أخرى, هل فعلا ً من قتل السفير الأمريكي هم المتظاهرون أم أن هناك عمل مدبر لأجل الإنتقام لقتل القيادي في تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي؟ لماذا يرفع علم تنظيم القاعدة على السفارة الألمانية في الخرطوم ويحمل من قبل المتظاهرين في تونس؟ لماذا مرة أخرى السفارة الألمانية والبريطانية مع أن الدولتين ليس لهما ناقة ولاجمل في الذي يحصل؟  
أسئلة كثيرة لها جواب واحد وصريح! هناك قوى تريد تعطيل عملية التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي من خلال خلق ثورة مضادة لثورات الربيع العربي بأسم ثورة رد الكرامة. فمنتج الفيلم أطلقه في هذا التوقيت من أجل أثارة الرأي العام الأمريكي ودفعه نحو عدم التجديد للرئيس أوباما مقابل الجمهوريين ومن ورائهم المحافظين والليبراليون الجدد. أن صعود الجمهوريين ومن خلفهم اليمين المتطرف يعيد إلى الأذهان سياسة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش وذكرى غزو افغانستان والعراق. أضف إلى ذلك أن هذا الفيلم سيحرج الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة في مصر وتونس بشكل كبير, أي سيضعهم في موقف بين الإنتصار لكرامة الرسول المهدورة وبين الحفاظ على العلاقات الدبلماسية من دول الغرب. هذا من جهة, ومن جهة أخرى, تستغل التيارات السلفية, ومنها القاعدة طبعا ً, هذه التظاهرات لتقديم نفسها وكأنها المدافع الأوحد عن الرسول وعن كرامة الأمة الإسلامية مستغلة ً العواطف الجياشة التي يحملها المسلمون لنبيهم.
لقد خيرت الأنظمة الدكتاتورية سابقا ً شعوبها بين العيش بأمان أو الظفر بالحرية, وبالتالي لم تنال الشعوب طوال عقود لا الأمن والأمان ولا الحرية. أما إسلاميو اليوم فهم يعيدون الكرة ولكن هذه المرة يخيرون الشعوب بين الكرامة والحرية, فالحفاظ على كرامة الأمة بالدفاع عن رسولها يكلف تلك الشعوب ثمنا ً باهضا ً ألا وهو الحرية. فعلى الشعوب أن تتنازل عن الدعوة من أجل قيم الحرية والمساواة والديمقراطية مقابل الحفاظ على كرامتها. فالهجوم على سفارات لدول ليس لها علاقة بالفيلم, ومن ضمنها أمريكا, دليل على الرفض الكامل للقيم الليبرالية, ومنها طبعا ً الحرية والديمقراطية والمساواة, أي تلك القيم التي جاء بها الربيع العربي. فالدفاع عن الديمقراطية سيكون جريمة لأن الديمقراطية قيمة غربية وبالتالي على الشعوب القبول بالإسلاميين ومشروعهم كبديل للديمقراطية.
لقد تخلف الإسلاميون كثيرا ً في الحظور في مشهد الربيع العربي ومن ثم قطف بعضهم ثماره, أما الآن, فهم بحاجة لتحشيد الجماهير ليكملوا مشوارهم بطرد الحركات المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة من الشارع والسيطرة ليس على السلطة فحسب, بل على الشارع أيضا ً. إنهم ينتجون ثورة مضادة كتعويض عن تخلفهم في الربيع العربي ويرسلون رسالة إلى الشعوب بأن كرامتهم مرهونة برفض قيم الربيع العربي التي ضحى من أجلها الكثيرون. هي عملية مزدوجة مرسومة بإحكام لتعطيل حركة التطور نحو الظفر بنظام ديمقراطي يحترم الإنسان وكرامته وذلك بحشد الشارع الإسلامي عاطفيا ً ضد قيم الحرية حيث يقال, لانريد حرية وديمقراطية يهان بها رسولنا الكريم, أو هل هذه ديمقراطيتكم التي جلبتموها لنا والتي تتعدى على مقدساتنا؟ والنتيجة واضحة هي رفض تلك الديمقراطية بحجة إنها قيمة غربية والقبول بالعبودية مقابل الحفاظ على الكرامة. إنهم بالفعل يضعون الحرية والديمقراطية مقابل الكرامة!
بأس الرسالة التي يريد بها المتطرفون من الجانبين إيصالها, فلاتنطوي خدعتهم بفيلم بائس يريدون به إسكات الأصوات التي تطالب بتحرير شعوبها من الدكتاتوريات الحزبية والدينية. وهل ديننا ورسولنا بهذا الضعف الذي يخلخل قواعده فيلم أنتجه رجل أخرق جعلنا ندا ً لرسول جاء من السماء. أن معادلة الكرامة والحرية معادلة زائفة, إذ لاتوجد هناك كرامة مقابل التخلي عن الحرية والقبول بالعبودية؟ فالحرية والكرامة من جنس واحد, فلا كرامة بلا حرية ولا حرية بلا كرامة, وستكشف الشعوب تلك المعادلة الزائفة, كما كشفت من قبل معادلة الأمن مقابل قمع الحريات, لتثور مرة أخرى وتقلع صانعي الفتنة كما قلعت الدكتاتوريات التي تربعت على عروشها سنين طويلة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=21968
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19