• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في ظل زيارة المالكي الى روسيا .. اهداف السياسة الخارجية العراقية من منظور جيو سياسي .
                          • الكاتب : د . اياد الكناني .

في ظل زيارة المالكي الى روسيا .. اهداف السياسة الخارجية العراقية من منظور جيو سياسي

من المعروف انه لايمكن استكماله  بناء الدولة العراقية من دون ان يسعى العراق لبناء واعادة تشكيل علاقاته الدولية وتحديد سياسته الخارجية ، وفي هذا الاطار تاتي جهود الحكومة العراقية في رسم وصياغة سياسة  العراق الخارجية .

ومن غير المتوقع ان تثمر نتائج هذه الجهود من دون توحيد المواقف الداخلية والاتفاق على منظور واحد للمصلحة الوطنية ، ذلك ان تصور بناء سياسة خارجية تعيد للعراق مكانته بين الدول وتجعله لاعبا اقليميا متميزا ، يبدء من صياغة هذه السياسة والاتفاق على مضامينها و منظورها من الداخل ، فالسياسة الخارجية في النظم الديمقراطية تكون امتدادا للسياسة الخارجية  ويقرر علماء السياسة على ان السياسة الخارجية لدولة ما لاتنفصل عن سياستها الداخلية  فالسلوك الخارجي للدولة هو محصلة  لمجموعة عوامل مادية ونفسية تقبع داخل الدولة ، ومن هذه العوامل شكل وطبيعة النظام السياسي ، والذي يؤثر بصورة مباشرة على صياغة وطبيعة السياسة الخارجية .

وفي ظل نظام سياسي يرتكز على (  ديمقراطية توافقية )  تحكمها ديناميات متعددة  - وصفها (ارنت ليبهارت ) في كتابه الديمقراطية التوافقية في المجتمعات المتعددة -  غالبا ما تكون هذه السياسة الخارجية سببا للخلافات الداخلية بين الاطراف السياسية، بل ان الاصل في العراق   هو الخلاف حول تصور المصالح الوطنية في اطار البيئة السياسية الدولية .

لذا فان الحكومة العراقية وتحديدا رئيس الوزراء ، يجد صعوبة في عمله على  وضع العراق في اطار سياسة خارجية  ترتكز في اغلبها على مضامين المصلحة الوطنية المتفق عليها (او المتوافق عليها ) بين الاطراف السياسة .

 وفي تفكير اوسع لايمكن لصانع القرار السياسي والاستراتيجي في العراق اذا ما اراد  بناء الدولة  وتحقيق استقرارها واعادة هيبتها على الصعيد الاقليمي والدولي ، ان يظل رهنا لواقع السياسة الداخلية وخلافاتها وتداخلاتها وانما عليه القفز على الواقع الداخلي .

  فمثلما ان للسياسة الداخلية تأثير في السياسة الخارجية ، فانه يمكن التخطيط لمنهاج عمل في السلوك الخارجي يسهم في استقرار الوضع في العراق وبناءه واعماره ودعم المنظومة الامنية وتسليحها  والحد من العمليات الارهابية التي تاتي مدعومة من خارج العراق .

ان اتساع العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية للعراق في المنطقة ومع القوى الدولية المؤثرة من شأنه ان يسهم في توسيع قاعدته الجيوسياسية وتحقيق امنه القومي، فليس من الصحيح ابدا التفكير في تحقيق الاستقرار السياسي وضمان الامن الداخلي وردع العدوان الخارجي دون الاخذ بنظر الاعتبار بناء برامج وخطط للسلوك السياسي الخارجي ينطلق من قاعدة جيوسياسية .

وعلى ضوء ذلك ان تقييم التحرك السياسي العراقي الخارجي تجاه روسيا الاتحادية وفق الاهداف المعلنة من  زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى روسيا ، ينطلق من فهم ديناميات المنطقة وبنيتها الجيوسياسية وارتباطها بالمصالح .

ويمكن تحديد هذه الديناميات بما يلي :

1.     التوجه الاوراسي لروسيا

  واجهت روسيا بعد الانهيارالدراماتيكي للاتحاد السوفياتي عام 1991 معضلة تتعلق بصياغة سياسة خارجية جديدة في ظل التحديات الكبيرة التي وجهتها وفي بيئة دولية متحولة وهيمنة امريكية على النظام العالمي ، وسرعان ما ادرك الروس فشل التوجه السياسي الخارجي الذي اعتمده (يلسن) بالانضمام والاندماج مع العالم الاوروبي - الاطلنطي ، واعيد الى الاذهان شعار روسيا القيصرية المتمثل بنسر ذو رأسين احدهما ينظر الى الشرق (اسيا) والاخر ينظر الى الغرب (اوروبا ) ، واعتلت الصيحات بان نهج الاندماج بالعالم الاوروبي نهج مذل لمكانة روسيا العالمية وان ((روسيا لايمكن ان توضع بغرفة الانتظار )) وعلى ذلك بدءت ملامح التوجه السياسي الخارجي الاوراسي .

وبعد وصول (فلاديمير بوتين) إلى السلطة, و خاصةً بعد الحرب الأمريكية على العراق, اضحت الدبلوماسية الروسية تجاه الدول العربية و الشرق أوسطية أداة من الطراز الرفيع لضمان الأمن الروسي و تحقيق النمو الاقتصادي .كما أصبحت العلاقات مع سورية و باقي العالم العربي حكيمة و تنطوي ضمن سياسة الدفاع البراغماتي عن المصالح الروسية.

2.الازمة السورية بوابة الولوج الى الشرق الاوسط

تنظر روسيا الى الى الربيع العربي بأنها سياسة امريكية لاعادة ترتيب المنطقة  بما ينسجم مع مصالحها ، اذ ما زال (بوتين ) يرى بأن (الربيع العربي) هو نتاج ما يسمى (بالفيروس البرتقالي) ، في إشارة إلى ثورة جورجيا في عام  2003 وثورة أوكرانيا عام 2004.

 ويؤمن ( بوتين )عن قناعة تامة بأن تلك الأحداث أعدت لها القوى الغربية في الظلام بهدف ((إعادة تشكيل الساحة الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع الإضرار بروسيا)). وبالتالي فقد وضع استراتيجية لمواجهتها اضحت العنصر المهيمن في السياسة الداخلية والخارجية لروسيا.وتنطلق روسيا في موقفها من سوريا من منطلق الدفاع البراغماتي عن المصالح الروسية ، فروسيا تمتلك مصالح إستراتيجية خاصة في الشرق الأوسط تمر بمعظمها من البوابة السورية   من بينها ضرورة امتلاك خط استراتيجي للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ، إن مثل هذا المعبر سيوصلها إلى المحيط الهندي و يدعم أمن خاصرتها الجنوبي ، ولذا فان روسيا كثفت من فعلها الخارجي و حققت في سياستها ازاء الازمة السورية نقلة نوعية فرضت على الجميع دولياً وإقليمياً أخذ المواقف والمصالح والرؤى الروسية بالحسبان خلال صياغة القرارات في الشأن الدولي، الأمر الذي  يدفع إلى القول بأن الأزمة السورية شكلت بالنسبة للسياسة الروسية البوابة الأوسع التي ولجت من خلالها نحو إعادة بناء منظومة العلاقات الدولية ككل من جانب، ونحو تثبيت وتعزيز النفوذ الروسي في العالم العربي وفي البحث عن تسويات للنزاعات التي يشهدها من جانب آخر.

3. التوجه التركي صوب الشرق الاوسط 

تحكمت الرغبة التركية في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي في سياستها تجاه الشرق الاوسط لوقت طويل مما الزمها الحياد  ازاء قضاياه ، وتلعب تركيا اليوم دورا اقليميا واسعا من دون ان يعني ذلك تخليها عن السعي للانضمام للاتحاد الاوروبي بل على العكس فان تركيا تريد من هذه الجهود ان تجعل من تركيا شريكاً جذاباً للاتحاد الأوروبي. وتوصف تركيا بأنها (قوة وسطى)، أي دولة لا يمكنها تحديد التطورات السياسية أو تنظيمها لوحدها، إلا أن قوتها (الناعمة) مهمة لإحداث تأثير قوي، إما بالتعاون مع دول أخرى أو من خلال المؤسسات الدولية.

ولا شك بان الدور  المتنامي الذي تلعب تركيا في الشرق الاوسط بمباركة اميركية ، اذ يبدو ان الولايات المتحدة قد اختارت تركيا في هذه المرحلة لكي تقوم بدور رجل الشرطة الاقليمي الجديد بجانب اسرائيل ناهيك عما تسعى اليه واشنطن من مواجهة التطرف الارهابي بالاعتماد على ما يسمى بالنسخة (المعتدلة والعصرية للاسلام ) التي تقدمها تركيا.

وانخرطت تركيا بدور اقليمي كبير في القضية السورية اذ تعمل بؤازرة بعض الدول العربية وفي مقدمتها قطر والسعودية مما جعلها في مواجهة كل من إيران والعراق وروسيا والصين وغيرها من الدول، فهي لم تدرك أن سورية مع هذه الدول تشكل جيوسياسة واحدة في مواجهة ما يخطط لها .

الى جانب ذلك عملت تركيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي على اضعاف التأثير الروسي في أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، ولم يكن الاختراق التركي ليحصل لولا المساندة الأمريكية المشروطة بدور تركيا في إستراتيجيات الناتو ، لمحاصرة روسيا، واحتواء التحرك الإيراني تجاه آسيا الوسطى والقوقاز، الذي يتقاطع في منطلقاته مع التخوّف الروسي من الدور التركي، لاعتبارات تمس بوحدة إيران أرضاً وشعباً، من قبيل إحياء المطالب التاريخية بتوحيد الشعب الأذري، الذي يوجد منه ستة ملايين نسمة في إيران، بالإضافة إلى مليوني نسمة من التركمان، وهذا بدوره يمثل إشكالية لإيران في تعاملها مع الطموحات التركية، تدفعها للتقارب مع المواقف الروسية، وتنشيط تحركها، بدعم روسي، نحو طاجيكستان ذات الأغلبية الفارسية، لكبح الدعوات إلى إقامة طاجيكستان كبرى ، وبناء شبكة علاقات اقتصادية وثيقة مع دول القوقاز غير الإسلامية مثل أرمينيا وجورجيا لموازنة التأثير التركي، وتحجيم التطلعات الطورانية التركية العابرة للحدود. ولذا ترفض روسيا سياسة الضغوط الأمريكية ــ الأطلسية على إيران، وبالمقابل ترفض تمدد الدور التركي الى الدول العربية، باعتبار ذلك جزءاً من لعبة لاحتواء الثورات العربية وإعادة توجيه دفتها، واستغلال نتائجها لتوزيع القوى الجيوسياسي والإقليمي في صالح الولايات المتحدة وحلفائها.

ودخلت العلاقات التركية مع سوريا وايران والعراق مرحلة جديدة من السلبية والتوتر على شكل غياب كامل للثقة بعد أن اتجهت الدبلوماسية التركية إلى التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول ، اذ تخلت الدبلوماسية التركية عن ما سمي (بسياسة صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي) لصالح القيام بدور وظيفي في الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

ولمناغمة الواقع الطائفي المتصاعد في المنطقة بدء تركيا تتحدث عن بدء (أفول العهد الشيعي) وبدء (عهد الإحياء السني)  وباتت طموحاتها التاريخية المنبثقة من الواقع الجيو سياسية في المنطقة تصوف بالعثمانية الجديدة اي إعادة الأمجاد التاريخية بحوامل اقتصادية وثقافيةوسياسية جديدة.

وتصاعد حدة الخلاف التركي الايراني بعد ادراك ايران بان الدور التركي في المباحثات النووية يمثل رسائل امريكية لاغير لذا جاء نقل مكان المباحثات الى بغداد بمثابة طلاق للدور التركي في هذا الموضوع . الى جانب ذلك فان الانخراط التركي في تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد إيران بعد القرار الذي صدر بأمر من أردوغان مباشرة في تخفيض استيراد تركيا للغاز الإيراني بنسبة 20%، وهو ما قوبل بترحيب شديد من قبل واشنطن اثار انزعاج شديد لدى طهران، خصوصاً أن القرار التركي جاء بعد أيام قليلة من زيارة قام بها أردوغان إلى طهران.

كما ان موافقة  تركيا نصب منظومة رادار للدرع الصاروخي الأمريكي على اراضيها  شكل  تحديا وقلقا للامن القومي الروسي فضلا عن انه يمثل تطورا استراتيجيا خطير نظراً لأنه موجه ضد دول المنطقة ولاسيما إيران التي وصفته بالتهديد الخطير للتوازنات العسكرية والأمنية في المنطقة.في الوقت نفسه سعت واشنطن مع دول  خليجية في مقدمتها قطر لنصب منظومة الدرع الصاروخي على اراضيها وتعمل واشنطن على اقناعها لتحمل التكاليف المترتبة على ذلك. ويعد هذا التطور الاستراتيجي خطرا على ايران التي تواجه ضغوطا دولية هائلة بخصوص برنامجها النووي ، ولا يخلو نصب منظومة الدرع الصاروخي من ابعاد ترتبط باحتواء القوى الدولية الكبرى في مقدمتها روسيا والصين.

وفي اطار الواقع المعقد لديناميات وبنية المنطقة الجيوسياسية ، يتعين ان تتحرك الاهداف السياسية الخارجية العراقية مع روسيا .

وبهذا الصدد وضمن الاهداف المعلنة للزيارة  وضع رئيس الوزراء العراقي هدفا عريضا ومبدءا عاما للسياسة الخارجية تمثل بتصريحه (( ان سياسة الابواب المفتوحة مع كل دولة يمكن ان تكون مفيدة وقريبة من المصالح العراقية)) وبذلك فقد جعل رئيس الوزراء تعزيز المصالح العراقية  دالة لفتح السياسة الخارجية لابوابها مع الدول، اذ يمكن للعراق التحرك بمرونه عالية في بيئته الدولية دون قيود اوشروط من قوى دولية او اقليمية ، فالحاكم هو مصلحة العراق الوطنية  .

ان اهداف زيارة رئيس الوزراء الى روسيا التي اوجزها الامين العام لمجلس الوزراء          بـ (( تعزيز التعاون في مجالات التسليح والطاقة والاقتصاد )) يمكن تحديد ابعادها وتحليل مضامينها ضمن هذا الواقع وكما يلي : 

1. تسليح القوات العراقية

لاجدال بان القوة العسكرية احدى مصادر قوة الدولة الجيوسياسية  وان القدرة العراقية في هذا الجانب ماتزال ضعيفة الى ابعد الحدود وفي جميع اصناف القوة العسكرية ، واصغر دول المنطقة تملك من السلاح والمعدات ما يفوق القدرة العراقية ، وبالتالي فان العراق غير قادر عن الدفاع عن نفسه فضلا عن قدرته على فرض هيبته الدولية والحفاظ على مصالحه الخارجية وامنه القومي .

ويترقب ان تسفر الزيارة عن الانتهاء من الاتفاق على صفقة سلاح تضم صواريخ مضادة وطائرات هليكوبتر ، وطائرات ميغ 29 ، وتقضي الصفقة بتجهيز العراق بهذه الاسلحة باسرع وقت ، لتدارك التردد الامريكي بتنفيذ اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع العراق ، وتجهيز العراق بطائرات اف 16 عشر والتي من المفروض تسليمها الى العراق عام 2014 غير ان المؤشرات تشير الى عدم جدية الولايات المتحدة بتزويد العراق بهذه الطائرات فضلا عن ان صفقة السلاح مع روسيا ستعطي العراق هامشا من المناورة الخارجية بعدم الاعتماد على مصادر تسلح احادي الجانب ، وعدم خضوعه للشروط السياسية والضمانات التي يجب ان يعطيها العراق في حال تجهيزه باسلحة متطورة من امريكا .

ومع ان رئيس الوزراء قد وضع سقفا ينتهي في عام 2020، لامتلاك العراق القدرة العسكرية التي تمكنه من حماية سيادته واراضيه، فان امكانية تحقيق هذا الهدف مرهونه بحسم الخلافات والمخاوف الداخلية ، المرتبطة بقلق الاكراد من تسليح الجيش العراقي بأسلحة متطورة واثارة بعض الاطراف مخاوفهم من حصول الفساد في الصفقات العسكرية الكبيرة .

ان من شأن الخلافات الداخلية المعيقة لتسليح العراق ان تتسبب بضعف القوات العسكرية العراقية وبالتالي التاثير سلبا على الامن والاستقرار الداخلي بتصعيد التنظيمات الارهابية لعملياتها الارهابية بفعل الدعم المقدم لها من قوى دولية واقليمية ،وفي ظل احتمالية دخول المنطقة في فوضى صراعات وحروب محلية .

لذا فان توسعة خيارات تسليح القوات العراقية وتسريعها يعد مطلبا مهما لتحقيق الامن القومي العراقي ، ويعد الضغط على روسيا بسرعة تسليح القوات العراقية وتقديم تسهيلات فيما يتعلق بالاسعار وطرق الدفع ، فضلا عن تسهيلات متعلقة بالتدريب على هذه الاسلحة مطلبا يفترض ان يعمل صانع القرار على تحقيقه ،كما ان عليه ان يبدي للجانب الروسي بان العراق ليس زبونا عاديا وانما سوقا كبير وحيوي ، وان تسليح القوات العراقية يعطي السياسة العراقية الخارجية قوة اكبر في دعم مواقفها التي تلتقي مع المواقف الروسية ، كما ان استقرار العراق وامنه يصب بالمحصلة في استقرار المنطقة الجنوبية للامن الروسي . وقد تسهم هذه التسهيلات في الحد من الضغط  الداخلي الذي تواجهه الحكومة في موضوع تسليح الجيش العراقي .

 

 

 

2. الطاقة والاقتصاد

تتوخى الزيارة التنسيق مع الجانب الروسي بخصوص دعوة الشركات الروسية  للعمل في العراق في مجال النفط والغاز والكهرباء والاعمار ، ولاشك ان هذا الهدف يسهم في تعزيز الواقع الاقتصادي والتنموي ويصب في تحقيق المصلحة الوطنية العراقية وتحقيق امن واستقرار العراق.

  ان توظيف العامل الاقتصادي كاحد مقومات الفعل او السلوك السياسي الخارجي يعد من اهم الوسائل التي تستخدمها الدول في تحقيق اهدافها وضمان امنها ،   فابعاد القرار العراقي الخاص بدعوة الشركات الروسية للعمل والاستثمار في قطاعات مهمة كالنفط والغاز والكهرباء وبناء المشاريع الضخمة كالموانئ وغيرها ، يتسع لفهم مكانة وطبيعة الدور الروسي الجديد في المنطقة ، فلا يمكن النظر اليها من الجانب التجاري والاقتصادي والتقني مثلما ينظر الى كوريا الجنوبية مثلا ، كما ان الازمات في الاقتصاد الروسي يجعل من التعامل مع العراق في الجوانب التجارية والاقتصادية ذات اهمية كبيرة للاقتصاد الروسي .

 ان تقديم العراق امتيازات للشركات الروسية في الاستثمار والاعمار في العراق، سيتيح فرصا لاعادة بناء  وتفعيل علاقاته مع روسيا ،  واذا ما انتظمت هذه العلاقات وتوثقت بتفعيل الجوانب التجارية والاقتصادية ، سيعطي العراق بعدا جيوسياسيا مهما في المنطقة وسيوفر هامش  حركة اوسع لسياسته الخارجية وسيمتلك القدرةعلى المناورة في تفاعله مع السياسة الامريكية في المنطقة ،فضلا عن ذلك فان تعزيز العلاقات وبناءها على اسس التعاون التجاري والاقتصادي سيفتح نافذة من الالتزامات الروسية ازاء مصالح العراق الوطنية .

3. القضية السورية والامن القومي العراقي

وسيكون على قمة اولويات الزيارة مباحثات الازمة السورية باعتبارها قضية مهمة تنعكس اثارها بصورة مباشرة على المنطقة وعلى امن واستقرار العراق ، وبحسب تصريح رئيس الوزراء حول تأثير الازمة السورية على الوضع العراقي ((أننا البلد المتأثر الأول بالتداعيات السورية، وفعلاً بدأت عندنا أحداث في العراق على خلفية ما يجري في سورية)).

ويعد وقف تدفق السلاح الى الداخل السوري واعتماد مبادرة تقوم على الحل السلمي للازمة السورية الهدف المعلن الذي تتبناه الحكومة في مباحثاتها للموضوع مع الجانب الروسي .

فالتباحث مع الجانب الروسي حول القضية السورية يفترض وضعه ضمن واقعه الجيوسياسي    ،اذ انعكست التوترات في سوريا على امن المنطقة وخصوصا على امن العراق اذ تؤشر العمليات الارهابية تصاعدا منذو بدء الازمة السورية وقد يؤدي انهيار النظام السوري الى فوضى في المنطقة سيكون لها التأثير الاكبر على وضع العراق خاصة مع  وجود دعم تركي وخليجي لتخريب وزعزعة الاوضاع في العراق .

 ولاهمية وابعاد سوريا في المنطقة فقد اسهمت الازمة بخروج توجهات متعارضة ومواجهات جيوسياسية بين قوى المنطقة ، وتلعب تركيا دور الزعيم الاقليمي في دعم الجيش السوري الحر وتصطف الى جانبها كل من قطر والسعودية ودول اخرى ، في وقت تشهد تركيا توترات في علاقاتها  العراق بعد اتباعها لسياسة تدخل في الشؤون العراقية الداخلية والظهور بمظهر المدافع عن مكون عراقي في مواجهة مكون أخر وقد برز هذا الأمر بشكل واضح وتحديداً مع قضية طارق الهاشمي، وهو ما أدى إلى المزيد من الاصطفاف السياسي الطائفي ليس في العراق وحده بل في مجمل المنطقة كم امتدت سياسة تركيا هذه الى إذكاء الخلاف بين أربيل وبغداد ، فضلا عن توتر علاقاتها مع ايران ومع روسيا .

 ان الدلالة الجيو سياسية للتنسيق مع الجانب روسيا لغرض ايجاد حل للازمة السورية تنطلق   رؤية الطرفين بان امن المنطقة وامن العراق  يتطلب منع دخول سوريا في فوضى يخلفها الاطاحة بنظام الاسد او على الاقل تشكيل حكومة تمثل امتدادا للنهج والسياسة التي تتبناها تركيا وبعض الدول الخليجية بتمثيل المنظور الاستراتيجي الامريكي وتشكيل محاور طائفية ، الى جانب موقف الطرفان من السياسة التركية والرغبة بالحد من تأثيرهافي المنطقة، بعد ان بدءت تهدد امن العراق وتتدخل في شؤونه الداخلية .

ان من ينظر بان العراق في سياسته الخارجية تجاه روسيا قد دخل في دائرة السياسة الايرانية التي تهدف الى تقوية النفوذ الروسي في المنطقة من خلال محور (سورية – العراق - ايران) ، يتجاهل المعطيات الجيوسياسية التي تحتم على العراق العمل بسياسة خارجية تضمن امنه ومصالحه الوطنية ، حتى وان اتفق ذلك مع مصالح ايران طالما ان الدافع والمحرك لهذا للسلوك السياسي الخارجي هو امن ومصلحة العراق الوطنية ، فموقف العراق يتمثل بمواجهته حقائق تهديد انتشار الفوضى في المنطقة بانهيار النظام السوري ،وزيادة العمليات الارهابية بفعل التوترات والمحاور الطائفية في المنطقة ،مع ضعف كبير في قدرة العراق العسكرية في مواجه اي عدوان على اراضيه او اتساع العمليات الارهابية بفعل ضعف التسلح ، وعدم التزام امريكا بتسليح القوات العراقية ،كما ان السياسة الامريكية ومقدار التزامها بمصالح وامن العراق تواجه تناقضا مركبا فمهددات العراق تأتي من دول حليفة وصديقة لامريكا واسرائيل .

 ومثلما ان التعاون الاستراتيجي والتنسيق السياسي مع القوى الدولية مثل روسيا مهما لمصالح العرق ، الا انه ليس من الصحيح ان يضع صانع القرار السياسي العراق في مواجه دول المنطقة ، كما يفترض ان تكون في سياق عدم التجاهل للقوة والسياسة الامريكية في المنطقة .

 ان لعب دورا متوازنا في السياسة الخارجية  يضع العراق في مجاله الجيو سياسي لتحقيق مصالحه ، مع اخراجه من دائرة التكتلات والمواجهات في المنطقة مهمة صعبة يواجهها صانع القرار السياسي الخارجي في العراق ،مضافا اليها ما يواجهه من معوقات على الصعيد الداخلي.   




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22922
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19