• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح60 سورة النساء .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح60 سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً{94}
نزلت الاية الكريمة استنكارا لتصرفات فردية من قبل بعض الصحابة , فمما يروى في سبب نزولها , انه مرّ جماعة من الصحابة قاصدين الجهاد برجل من بني سليم يسوق اغنامه , ألقى عليهم السلام , فظنوا انما القى عليهم السلام تقية او خوفا منهم  , فقتلوه واستاقوا اغنامه .   
تضمنت الاية الكريمة في خطابها المباشر جملة من الامور : 
1- (  إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ ) : ضرورة التأكد من صحة المعطيات او المعلومات . 
2- (  وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) : يحمل التعامل بين الناس على الظاهر , اما الباطن فله جل وعلا . 
3- (  فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) : الكنوز التي اعدها الله تعالى للمؤمنين كثيرة , لم تصفها الاية او تحدد نوعيتها ومقدارها , بل اكتفى النص المبارك بكلمة ( كثيرة ) , وللمتأمل ان يتأمل ! . 
4- (  كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ) : تذكير للمؤمنين بما كانوا عليه قبل الاسلام , للعبرة والعظة . 
5- (  فتَبَيَّنُواْ ) : كررت للتأكيد . 
6- (  إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) : تبيان لعامة الناس , والمؤمنين خاصة .                          
كل فقرة تتضمن موضوع واسع النطاق , اختصرناها لتتناسب مع دواعي التأمل . 
 
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً{95}
تضمنت الاية الكريمة مقارنتين : 
1- مقارنة بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد لغير سبب معتد به (  لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) . 
2- مقارنة بين المجاهدين والقاعدين لسبب معتد به , حيث استوت النوايا , ودلت عليها السرائر , غير ان المجاهدين زادوا على مجرد النية المباشرة ببذل الاموال والانفس في سبيل الله تعالى . (  فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) .         
يلاحظ ان ختام المقارنة الثانية كان (  وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) , اما ختام المقارنة الاولى فكان (  وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) . 
ما يلفت النظر ايضا سياق الاية الكريمة بهذه الكيفية الجميلة , حيث ابتدأت بمقارنة اولى , تلتها مقارنة ثانية , مع ختام للمقارنة الثانية , لتختتم الاية الكريمة بمجملها بختام للمقارنة الاولى ! . 
      
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{96}
تبين الاية الكريمة مزيدا من الاجر والثواب للمقارنة الاولى في سابقتها الكريمة , حيث اضافت : 
1- (  دَرَجَاتٍ مِّنْهُ ) : مستحقاتهم على قدر عزائمهم في الجنة . 
2- (  وَمَغْفِرَةً ) . 
3- (  وَرَحْمَةً ) .          
تجب ملاحظة ان القاعدين لغير عذر معتد به سيدخلون الجنة , لكن بمنازل اقل درجة من المجاهدين والقاعدين لعذر معتد به . 
 
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً{97}
يروى في سبب نزول الايات الكريمة ( 97 – 98 – 99 ) , عندما انذر رؤساء قريش جميع اهالي مكة الذين يستطيعون حمل السلاح , ان يتأهبوا لقتال المسلمين في واقعة بدر , اما من يخالف هذا الامر فسوف تهدم داره , وتصادر امواله , وكان في مكة حينئذ نفر مسلمون ظاهريا , رفضوا الهجرة  حبا منهم لوطنهم واموالهم , فحملوا السلاح مع الكفار . 
يستفاد من الاية الكريمة امرين : 
1- توبيخ لؤلئك الذين رفضوا الهجرة , والنجاة بدينهم , واثروا حبهم لاموالهم , واحتجوا بقولهم (  كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ ) . 
2- تحث الاية الكريمة المؤمنين كافة على هجرة البلاد التي لا تحفظ فيها  سلامة دينهم , ولا تصان فيها كرامتهم , فيهجروا تلك البلاد الى اخرى , تكون لهم ولدينهم العزة فيها .      
 
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً{98}
 
تضع الاية الكريمة حكما استثنائيا لما ورد في سابقتها الكريمة , حيث استثنت ثلاثة طبقات : 
1- (   الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ ) .
2- (   وَالنِّسَاء ) . 
3- (   وَالْوِلْدَانِ ) . 
ثم وضعت شرطين لهذا النوع من الاستضعاف : 
1- (  لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ) : لا يحتملون مشاق السفر , وليس لديهم نفقة له . 
2- (  وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) : لا يعرفون الطريق الى الهجرة .            
 
فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً{99}
تبين الاية الكريمة , ان الله عز وجل يعلم حال المستضعفين , ويعلم شرعية عذرهم في عدم الهجرة , فيترك لهم ابواب العفو والمغفرة مفتوحة . 
 
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{100}
توضح الاية الكريمة امرين من فوائد الهجرة : 
1- (  وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ) . 
2- (  وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ ) : كما حدث لجندع بن ضمرة الليثي , حيث توفاه الاجل في طريق الهجرة .    
 
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً{101}
غالبا ما كانت اسفار المسلمين في بدء الاسلام محفوفة بالمخاطر , فوضعت الاية الكريمة ترخيصا في قصر الصلاة عند السفر , فتكفي ركعتان بدل اربع ركعات للصلوات الرباعية , والرخصة بدلالة (  فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) .
كما ان قصر الصلاة هو رخصة عند السفر , في حال الامن او الخوف . 
تضمنت الاية الكريمة ايضا نوعا من انواع التحذير , ينبغي مراعاته (  إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً ) ! .   
 
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{102}
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , انه لما نزل النبي محمد (ص واله) في ارض الحديبية , سمعت قريش بذلك , فبعثت خالد بن الوليد على رأس زمرة من الكفار لاعتراض طريقهم ومنعهم من الوصول الى مكة , عند ذلك فكر خالد بن الوليد في الهجوم على المسلمين اثناء الصلاة , فأخبر الله تعالى نبيه الكريم (ص واله) . 
وضعت الاية الكريمة خطة دفاعية من غارات الاعداء المتربصين , فكان من شأنها انها صانتهم ومنعت العدو من ان ينال منهم . 
تضمنت الاية الكريمة عدة امور نذكر منها : 
1- خطة دفاعية محكمة . 
2- تحذير للمسلمين من خطر الكافرين . 
3- (  إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ) .       
 
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً{103}
تضمنت الاية عدة امور : 
1- (  فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ) : ينبغي المواظبة على ذكر الله تعالى في كل الاحوال , في القيام والقعود وحتى عند الاضطجاع , وينقسم ذكر الله تعالى الى ثلاث اقسام :
أ‌) ذكر اللسان . 
ب‌) ذكر القلب . 
ت‌) كلاهما معا : وهي الافضل :  
 
2- (  فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) : بعد زوال اسباب قصر الصلاة , يجب ان تؤدى كاملة . 
3- (  إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ) : حيث ان الصلاة فرض واجب في اوقاتها المعلومة . 
يروى في سبب نزولها , عندما شكا المسلمون جراحات واقعة احد للنبي (ص واله) , فبعث ( ص واله) مجموعة من المسلمين في طلب ابي سفيان . 
 
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً{104}
تتضمن الاية الكريمة عدة مواضيع , نذكر منها : 
1- (   وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ ) : نهي عن التكاسل , وفي نفس الوقت فيه شدا لعزائم المسلمين . 
2- (  إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ ) : يبين النص المبارك , ان المسلمين يألمون لما حلّ بهم في واقعة احد , وفي نفس الوقت يذكر المسلمين ان الكافرين يألمون ايضا , ويعانون من نفس الجراح . 
3- (  وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ) : من المؤكد ان المؤمن يرجو من الله تعالى الاجر والثواب , العفو والمغفرة وحلول الرحمة عليه , وهذا ما لا يرجوه الكافر .              
الملاحظ ان الاية الكريمة سلطت الضوء على حالة المسلمين في ذلك الوقت , وتبين انهم يعانون من جراح جسدية , اضعفت او كادت تضعف عزائمهم , مما اثر على احوالهم النفسية , فتكون الاية الكريمة في محل رفع الحالة المعنوية لهم 
 

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : حيدر الحدراوي ، في 2012/10/13 .

استاذنا الفاضل علي الخباز
يسعدنا مروركم الكريم وتعليقكم اللطيف .. سنتصل بكم عند الطبع او نزوركم في مكان عملكم انشاء الله قريبا

• (2) - كتب : علي حسين الخباز .. ، في 2012/10/13 .

وفقك الله يا صديقي حيدر



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23113
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18