• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ألأساسات ألأثني عشر لنظرية ألمعرفة - ألأساس ألأول .
                          • الكاتب : عزيز الخزرجي .

ألأساسات ألأثني عشر لنظرية ألمعرفة - ألأساس ألأول

 مقدمة:

نظريّة ألمعرفة ألّتي سَنُعرضها تتضمّن ألمفهوم ألفلسفي للعالم كأساس و منطلق لسائر ألأبحاث ألعلميّة و آلفلسفيّة ألأخرى, فبدونه لا يُعرف فساد أو صلاح أي فكر أو كيان أو قضية أو قانون, و هو آلمنطلق ألصّحيح لبناء منظومة فلسفيّة علميّة متكاملة عن حقيقة ألحياة و آلكون و آلأنسان و آلقيم لضمان نجاح ألخطط ألخمسيّة و آلعشرينيّة و حتى ألقرنيّة لسلامة ألمجتمع و تطوّره و رقيّه, و تتكامل نظريّة المعرفة عبر تفعيل ألعقل ألظاهر و آلباطن ألذي علينا معرفتهما و آلكشف عن قُدراتهما .. لكونهما من آلمؤشرات ألأهم ألتي تُميّز وجود آلأنسان ألعارف عن غيره, و مصاديقها ألعملية تبرز من خلال مدى آلعطاء ألذي يُقدّمه للمجتمع.

و آلعطاء لا يأتي إلّا من أصحاب ألفكر وأهل آلمعرفة, و  من هنا جاء تأكيدنا وإصرارنا على تأصيل نظرية المعرفة في المجتمع كونها تمثل قمّة الثقافة و خلاصة الفكر ألأنساني و آلنهج ألأمثل لبناء ألحياة و إسعاد البشرية, و في ذلك فليتنافس ألمتنافسون .. كما حثّ على ذلك آلقرآن ألكريم! لكون ألأنسان و بآلتّالي ألمجتمع لا يتطوّر تطوّراً حقيقيّاً بتفكيرٍ سقيمٍ أو ناقصٍ أو أنصاف حلول و ثرثرات أو فرضيات و آمالٍ مبعثرة أو نظريّات قوميّة أو عنصريّة أو طائفيّة أو حزبيّة أو ثقافات إلتقاطية غير متجانسة.

إنّ التطور ألحقيقي و  آلنهضة ألشّاملة تتحقّق .. حين يستند ألمجتمع و آلهيئات ألمشرفة فيه إلى نظريّة معرفيّة متكاملة ألأبعاد ضمن خططٍ ستراتيجيّة ترتبط بآلسّماوات العُلى من فوق و بآلأنسان من تحت و بآلطبيعة من كلّ الجوانب لِتُؤمّن إنتاج ألوعي ألمعرفي و آلتنمية ألعلميّة على جميع الأصعدة ليبدأ السير و البناء بحزمٍ و أطمئنان و حكمةٍ و على أسس ثابتة و قواعد صائبةٍ نحو أهدافٍ و  غاياتٍ شريفةٍ كبرى للتخلص من آلأستغلال و هيمنة ألحكومات و ظلم ألمستكبرين لتحقيق ألسّعادة و آلرّفاه في كلّ ميادين ألمجتمع.

و لأنّ نظريّة ألمعرفة تهدف ضمنياً تحقيق ألكمال ألأنساني و آلسّلامة ألعامّة في شخصيّة ألفرد و آلرّوابط ألأجتماعيّة ككل, لكون إصالة و سلامة ألفرد و آلمجتمع على حدٍّ سواء تتصدّر "ألنّظريّة" كغاية و تتقدّم على كلّ ألأوليات ألأخرى لتأمين و ضبط ألمسيرة ألأنسانية إلى آلحقّ خلال عمليّة ألبناء و آلكدح بإطارٍ يكتنفه آلمحبة و آلعشق و آلأنسجام و التواضع, مع نبذ و محو ألتكبر و آلعلوّ و آلجدل و آلفساد و آلفرقة و آلخصام و آلحرب.

إن الوصول إلى الكمال و تحقيق "الآدمية" في وجود البشر هو نفس مفهوم "خليفة الله" في الأرض, لأنّ الخلافة الألهيّة لا تتسنّى إلّا في الأنسان ألكامل, و المعرفة الكاملة لا تتجسد إلّا في وجود الأنسان ألحكيم, و هي الحالة التي يكون فيه آلآدمي مرتبطاً بمنبع الفيض الألهي, فيكون رأيه هو الأمثل, لأنه لا يكون إلّا عن دراية و حكمة و علم, فمن أخلص لله أربعين صباحاً جرت الحكمة من قلبه على لسانه, بل تتمثل صفات الله تعالى - سوى الذاتية -  في وجوده بكل تفصيل .

و سنشير في هذا آلأساس .. بعد بيان التعريفات و المقدمات اللازمة؛ إلى دور نظريّة ألمعرفة في تطوّر ألمجتمع و سلامته من الأمراض و آلعاهات و ترشيد ألقوانين و آلأقتصاد و آلتنمية و إنتخاب ألأفاضل بدل آلأراذل في آلحكم و مستقبل ألبشريّة على ضوء نظرية المعرفة.

ألفرق بين آلعلم و آلمعرفة و آلفلسفة:
يتداخل معنى و مفهوم ألمعرفة و العلم و الفلسفة فيما بينها, فجميعها مرادفة لحقيقة واحدة  و معنى مشترك يُعَبّر عنه بآلثقافة أو ألفكر أو ألآيدلوجية التي عادةً ما يؤمن بها الأنسان في وجوده و تعامله مع الناس, فبدون آلفكر لا يبقى من الأنسان سوى كومة من آللحم و آلعظم و آلعروق!

هناك تمايزٌ من بعض الوجوه بين العلم و المعرفة و الفلسفة, لذلك سنُبين بعض التفاصيل كي يكون القا رئ على بينة من الموضوع كمقدمة للدخول في تفاصيل النظرية المعرفية التي أساسها هو الأنتاج العلمي – ألمعرفي – ألفلسفي.

فمعنى آلعلم هو: من عَلِمَ ألشيئ, بمعنى عرفه, و قد عرّفه "التهتاوي" في كشافة ألعلم بآلقول؛ إنّهُ – أيّ ألعلم - معنىً من معاني ألمعرفة, فقال:
[و منها أيّ"ألمعرفة" ألعلم مُطلقاً, تصوراً كان أو تصديقاً].

و من هنا يستعمل ألمتكلمون في تعريف "ألعلم" كلمة ألمعرفة فيقول "ألباقلاني" في تعريف المعرفة:
[معرفة المعلوم على ما هو به].

و "للجويني" تعريف آخر يقول فيه:

[ألعلم عقدٌ يتعلّق بآلمعتقد على ما هو به].

أما "إبن منظور" فيعرّفه في لسان ألعرب بآلقول:
[ألعلم هو العرفان].

أما آلدكتور"صليبا" فقد قال بآلعموم و آلخصوص و آلأحاطة في الأدراك و عدمه و قد قدّم آلتعريف التالي:
[ألمعرفة؛ إدراك الجزئي, و  العلم إدراك الكلي, و أن المعرفة تستعمل في التصورات و العلم في آلتصديقات, و لذلك تقول؛ عرفتُ الله دون علمته, لأن من  شرط العلم أن يكون مُحيطاً بأحوال ألمعلوم إحاطة تامة, و من أجل ذلك وصف الله بآلعلم لا بآلمعرفة, فآلمعرفة أقلّ من العلم, لأنّ للعلم شروطاً لا تتوافر في كل معرفة, فكلّ علمٍ معرفة, و ليستْ كل معرفة علماً].

و يمكننا القول بأن آلعلم عبارة عن مجموعة معارف, و المعرفة جزء من العلم.

أمّا آلمعرفة فأنّ ألعلماء و آلمحدّثين قد جعلوا له أربعة معانٍ:
ألأول: ألفعل الذي به يتم حصول صورة الشيئ في الذهن سواءاً كان حصولها مصحوباً بآلأنفعال أو  غير مصحوباً به.
ألثاني: ألفعل العقلي ألذي يتمّ به النفوذ إلى جوهر الموضوع لتفهم الحقيقة.
ألثالث: مضمون ألمعرفة بآلمعنى ألأول.
ألرابع: مضمون المعرفة بآلمعنى ألثاني.

و يعتقد ألبعض بأنّ نظريّة ألمعرفة؛ هي آلتي تعني بطبيعة ألمعرفة و ماهيّتها و مصادرها و موانعها و شرائطها و قيمتها و وسائلها, و يذهب البعض إلى أنّها قسم من علم آلنفس ألنظري ألذي يصعب فيه الأستغناء عن علم ما بعد الطبيعة(ألميتافيزيقيا), لأن غرضه آلبحث عن المبادئ ألتي يفترضها الفكر متقدمة على الفكر نفسه, و معنى ذلك:
(أنّ نظرية المعرفة هي البحث في المشكلات الفلسفية الناشئة عن العلاقة بين الذات المدركة و الموضوع ألمدرك, أو بين العرف و المعروف).

أمّا وجه التباين بين ألفلسفة و آلمعرفة, فهناك أيضاً تداخل بينهما .. و آلسّؤآل ألذي يطرح نفسه هنا هو؛

هلْ أنّ ألفلسفة تتقدّم على نظريّة المعرفة أم إنها تأتي بعدها, أم تسيران بمستوى واحد, لكون البعض عرّفها "  بـ :"ألتّفكير في آلتّفكير", أي آلتّفكير في طبيعة ألتفكير و التأمل و التدبّر, و هي عموماً محاولات للأجابة على الأسئلة الأساسية ألمصيرية ألتي يطرحها آلأنسان عن آلوجود و الكون و آلأنسان نفسه!

فآلفلسفة؛ في أصلها كلمة يونانيّة مركبة من جزأين"فيلو" بمعنى حُبّ و "سوفيا" بمعنى"حكمة"(1) و تعني في الأصل اليوناني"حُبّ الحكمة", و ليس إمتلاكها, و يعتبر ألفيلسوف اليوناني"فيثاغورس" أول من إستخدم لفظ "فلسفة" و حدّد معناه, و في العصر الحديث يستخدم كلمة الفلسفة للأشارة إلى السعي وراء تحصيل المعرفة بخصوص مسائل جوهرية و عقدية في حياة الأنسان؛ كآلموت و الحياة و الواقع و المعاني و الحقيقة و أصل الوجود و سبب خلق الأنسان, كما تشير بداهة إلى ما أنتجه كبار الفلاسفة في التأريخ.

إنّ آلفلسفة هي ركن أساسيّ من حضارة كلّ أمة, و لهذا لا يُمكن تنسيبها لزمانٍ أو مكانٍ معينٍ, و آلسؤآل؛ "ما آلفلسفة؟"

لا يقبل إجابة واحدة, كما أنّ في فترة من فترات التأريخ إتخذت الفلسفة شكلاً و منحىً معيناً متأثرة بعوامل عديدة في مقدمتها مسألة الوحي و الرسالات السماوية و نتاج العقل الأنساني على مختلف الاصعدة.

و يمكننا تلخيص مباحث ألفلسفة بآلشكل التالي:
أصل الكون و جوهره,
ألخالق (الصانع) و التساؤل عن وجوده و علاقته بآلمخلوق,
صفات ألخالق (ألصّانع), و هل هي صفات أزليّة أم حادثة؟

لماذا خلق الله الكون و آلأنسان؟
و كيف أتى هذا الأنسان؟

و من أين؟

و مع من أتي؟

و إلى أين يعود؟

ألعقل و أسس ألتفكير ألسّليم,

ألأرادة الحرة و وجودها,
و أخيراً ألهدف من الحياة و منهج ألعيش السليم لتحقيق الخلافة الألهية في الأرض في حال إيماننا بوجود الخالق المطلق.

و قد إختلفت الأجابات عن تلك الأسئلة الكبيرة بإختلاف المدارس الفلسفية ألعديدة التي ظهرت عبر التأريخ كآلفلسفة ألسفسطائئية و المدرسة المادية ألديالكتيكية و الفلسفة اللاهوتية و الفلسفة الوجودية و الفلسفة الأسلامية و  غيرها, أما المدرسة الرأسمالية فلا يمكننا إعتبارها من المدارس الفلسفية لعدم وجود رؤية فلسفية واضحة لها قبال مسائل الوجود.

إن ما يهمنا هنا في آلفلسفة و ما يرتبط بموضوعنا"نظرية المعرفة" هو دور الفلسفة في تجديد الفكر الأسلامي و إحيائه, و هل يمكن للفكر الأسلامي أن يرتقي ليكون فكراً عالمياً – كونياً -  ليتم الأفادة منه و التفاعل بين المحلي و الكوني!
أن ما يُحقّق ألعالمية ألأسلامية هو إعادة قراءة تأريخ الفلسفة قراءة تعيد إلى مختلف ألحضارات و مختلف الفترات ألتأريخية ألمنسية قدرها من الاسهام في هذا التأريخ.

كما لا يمكننا إعتبار منجزات ألتأريخ المعاصر ملكاً خاصاً بآلغرب أو الشرق, فعلى رغم العداء التقليدي ألتأريخي ألذي تحكمت فيه ظروف و مصالح معينة؛ فأنّ معركتنا مع الغرب لا ينبغي أن تجعلنا نتغاضى عن أهمية المشروع ألحضاري في كلا الجانبين و شموليته, و بآلتالي عدم خسارتنا للمكاسب التأريخية على جميع المستويات, و هو الأمر الذي سيتيح لنا إنخراطاً أفضل في العالم و في التأريخ و بآلتالي تحقيق خطوات إيجابية بإتجاه تزاوج الحضارات و توحيدها بدلاً من تنافرها و إقتتالها, و هذا ما شرّعه و أكدّه قادة الثورة الأسلامية المعاصرة بقيادة الأمام الخميني(قدس).

من هنا فمشروع الفلسفة هو جزء من المشروع الحضاري ألذي يتوخى بدرجات متفاوتة رفع رهان الحداثة و الخروج من التقوقع و المصالح الطبقاتية و توسيع مجال السؤآل الفلسفي ألمنفتح و آلمتجدد, كما أنّ نظريّة ألمعرفة تسعى إلى قراءة شاملة و تجديديّة للتراث ألأسلاميّ و إقحامه في آلحياة الأجتماعيّة عبر نظام ألحكم, و آلتأقلم مع عصر ألعقل و آلتكنولوجيا, و من أقوى رهانات الفلسفة الأسلامية أليوم – خصوصاً – بعد إنتصار الثورة الأسلامية و وقوفها أمام المستكبرين؛ هو محاولة تحديد ألبنى ألفكريّة من أدوات و أجهزة نظريّة و أقلمتها مع الواقع الأجتماعي بحيث يتحقق ألتوصل إلى علاقة إرتباطية بين الأبحاث العلمية و أهدافها ألتي يُمكن أن تتحول إلى مشاريع تؤدي إلى تغيير معالم المجتمع الأنساني المكبل بأنواع البلايا و المحن, إننا بحاجة آليوم إلى ترشيد التدبير و عقلنة المؤسسات و ترسيخ قيم إجتماعية في مختلف القطاعات و تنمية العنصر البشري كي يكون قادراً على تحدي رهانات الحداثة و التخطيط لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع في عصرنا هذا و في المستقبل, و هذا آلأمر هو من صلب عمل المفكر ألذي أزال عن عقله قشرة الأفكار ألهشة و التقليد الأعمى ليحل محله ألبنى آلأساسية المعرفية بشكل كامل و واضح من خلال إيمانه بنسق معين من المفاهيم و الأفكار ألتي يعتقد أنها ستدفع المجتمع إلى الأمام و ستسهم في تطوير الحياة و تخفف معاناة الأنسان و تلغي إستغلاله و إضطهاده و تدفع عجلة التنمية على جميع الأصعدة و تضيف خطوات جديدة في رحلة أنسنة الأنسان عبر التأريخ.

إنه بإمكان الأنسان المفكر أن يتحصّل على مفاهيم و معارف و وجهات نظر جيّدةٍ و مفيدةٍ للمجتمع؛ لكنّه قد يؤثر ألدّعة و آلرّاحة و لزوم ألبيت و آلأهتمام بشؤونه ألخاصّة خوفاً من الأصطدام بسلطة ألمجتمع و آلدولة .. فهذا مفكرٌ يحمل رسالة لنفسه تماماً كما كان بعض الأنبياء ألمرسلين ألّذين حملوا شرائع لأنفسهم و لم يؤمروا بتبليغها للناس.

 

أمّا المفكر الهادف ألذي يجد لزاماً عليه أن يبلغ ما يعلم و يقدم آلنقد العلمي للأوضاع ألأجتماعية و السياسية و الأقتصادية و الآيدلوجية ألسائدة في المجتمع مع البديل الأمثل لها, و قد يُقدم نفسه قرباناً كي يقنع الناس بصحة فكره و نظريته, و في التأريخ أمثلة كثيرة نذكر منها ألأمام الحسين بن علي(ع) و كذا آلحسين بن منصر الحلاج و غاليلو ألذي خالف الكنيسة و تبنى نظرية علمية حول دوران الأرض حول الشمس و ان الأرض ليست مركز الكون, و كان بآلأمكان أن يجلس في منزله مرتاحاً و يتطلع إلى رجال الدين و إحتكارهم للمعرفة و قيادة الناس و توجيههم و إستغلالهم .. لكن إنسانيته ألمرهفة و فكره ألناضج أبى عليه إلا أن يُبين الحقيقة و يدفع حياته ثمناً لها فكان شهيد العلم في عصره!
و كذلك الأمام الفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس) لم يكتفي بتقديم اطروحاته الفلسفية القيمة, بل قدّم نفسه قرباناً ليثبت للعالم صحّة عقيدته و تفانيه و صدقه لمبادئه السّماوية العليا.

لقد شهدت الفلسفة  تطورات عديدة و مهمة, فمن الأغريق الذين أسسوا قواعد الفلسفة ألأساسية كعلم يحاول بناء نظرة شمولية للكون ضمن إطار النظرة الواقعية؛ ثمّ إلى الفلاسفة المسلمين ألذين تفاعلوا مع الأرث اليوناني و أدمجوه مع التجربة آلأسلامية لتتحول تلك الفلسفة من الواقعية إلى فلسفة إسميّة ثم إلى فلسفة العلم و التجربة في عصر النهضة ثمّ الفلسفة الوجودية و آلأنسانية, ثمّ مذهب الفلسفة الحداثي فنظرية المعرفة ثمّ أخيراً فلسفة ما بعد الحداثة و العدمية.


و خلاصة القول فيما يتعلق بآلمعرفة و الفلسفة هو أن المعرفة تتقدّم على الفلسفة من حيث ألأحاطة و الشمولية, فآلمعرفة حين تتأطر ضمن نظريّة متكاملة في الوجود تشمل بشكل طبيعي مجموعة من التعاريف و الموضوعات التي تخص آلحياة و الوجود, من هنا سوف نعرف نظرية المعرفة و أبعادها.


تعريف نظريّة ألمعرفة:

كلمة مؤلفة من جمع كلمتين يونانيتين؛   Epistemology نظرية المعرفة(ألأيبستمولوجي)

  بمعنى حديث, نقد, دراسة.Logosلوكُو

 بمعنى علم.Epistemeإيبستمي

فهي إذن دراسة العلوم ألنقدية, فآلمعرفة هي؛ فلسفة العلوم, و تختلف عن علم مناهج العلوم(ألميثولوجيا), لأن ألأيبيتمولوجيا تدرس بشكل نقدي مبادئ كافة أنواع العلوم و فروضها و نتائجها لتحديد أصلها المنطقي و بيان قيمتها, كما أن نظرية المعرفة تدرس وسائل إنتاج ألمعرفة, كما تهتم بآلشكوك حول إدّعاآت المعرفة ألمختلفة مثل:

 

و هل لمعرفتنا حدود؟
ماهية المعرفة؟

و كيفة الحصول عليها؟

و آلياتها؟

و ما يمكن معرفته؟
و غيرها.

 

و ينقسم الأيبستمولوجي إلى:
 و هي فلسفة تعتمد على الأرقام لأن الأرقام لا تكذب بنظرهم.Positivismألفلسفة الوضعية؛

 و هي فلسفة تعتمد على الشرح.Phenomenology أو ألفينومولوجيا Interpretivismألفلسفة التفسيرية؛

 و هي فلسفة تقع بين الفلسفة الوضعية و التفسيرية.Realismألفلسفة الواقعية؛

و من أشهر فلاسفة العلم؛ غاستون باشلر, كارل بوير, ألكسندر كواري, بول فيرابند., و فوكوياما و غيرهم.

أما التفسير ألأصطلاحي للمعرفة؛ فأنّ مصدرها (عرف يعرف) و هي عكس الجهل, و تطلق على كل معلوم أو تصور وصل إلى إدراك الأنسان كآلمشاعر أو الحقائق أو آلأوهام أو الأفكار ألتي قد تُساهم في معرفة المحيط من حوله و كيفية التعامل معها.

و المعرفة؛ من عرف الشيئ؛ أدركه بآلحواس أو بغيرها, و المعرفة إدراك ألأشياء و تصورها, و لها عند القدماء عدّة معان منها؛

إدراك آلشيئ بإحدى الحواس.

أو بآلعلم مطلقاً, تصوراً كان أو تصديقاً.

أو إدراك الجزئي, سواءاً كان مفهوماً جزئياً أو حكماً جزئياً, و منها إدراك ألجزئي عن دليل, و منها ألأدراك الذي هو بعد الجهل.
كما يُمكن تعريفها بأنها مجموعة من المعاني و آلمفاهيم و المعتقدات و الأحكام و آلتصورات الفكرية ألتي تتكون لدى آلأنسان نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر و الأشياء ألمحيطة, و يطلق لفظ "ألمعرفة" عند المحدثين على أربع معان:
ألأول: ألفعل العقلي ألذي يتم به حصول صورة الشيئ في الذهن.

 هي أحد فروع ألفلسفة ألتي تبحث في أصل و بنية و مناهج ألمعرفة. (Epistemiligy)نظريّة ألمعرفة(ألأيبستمولوجي)

و آلتي تضمّ نتاج ألنظريات الفلسفيّة في إطار نظريّة معرفيّة متكاملة, و من هنا يأتي تداخل ألفلسفة مع نظريّة ألمعرفة

و آلذي يظهر من موضوعاتها:

 كيف نعرف؟

و ماذا علينا أن نعرف؟

و ما درجة موثوقية المعرفة؟

و ما هي آليات المعرفة؟

ثم ما أهميّة و دور نظرية المعرفة في تطور المجتمع و سعادته؟
حيث تحتاج ألأجابات إلى إثباتات فلسفية تتداخل في إطار النظرية المعرفية.

يرى "كولبة" بأنّ مصطلح نظرية ألمعرفة يطلق و يراد منه أحد معنيين؛
معنى عاماً؛ و يراد به العلم ألذي يبحث في مادة العلم الأنساني و مبادئه الصورية.
معنى خاصاً؛ و يراد به العلم الذي يبحث في المعــرفة من حيث مبادئــــها المادية.

و عليه فآلمعنى آلواسع لهذا المصطلح يشمل كلّ البحوث الفلسفية ألهامة ألتي تتعلق بظاهرة المعرفة مثل المنطق و علم النفس و علم وظائف ألأعضاء و علم الأجتماع و التأريخ و ميتافيزيقيا المعرفة, أما المعنى ألضّيق فَيُراد به ألعلم الذي يبحث في ماهيّة ألمعرفة و مبادئها و مصدرها و منابعها و شروطها و نطاقها و حدودها.

ألكثير من الأكاديميين يُوعزون أصل نظريّة ألمعرفة  و بداياتها إلى "ديكارت"(1595-1650), و آخرون يَرون "جون لوك"(1632-1704م) هو آلمُؤسس لمبادئ نظريّة المعرفة, تلك المبادئ ألتي ما زالت فاعلة حتى في العصر ألحديث, أمّا البعض الآخر فيقولون بأنّ الميلاد الرسمي لأسس نظريّة ألمعرفة كان مع ظهور المشروع "ألكانتي" نسبة إلى آلفيلسوف "كانت"(1724-1804م) لنقد العقل, إلّا أنّه هناك إجماع بأنّ نظرية المعرفة ظهرتْ في الفلسفة الحديثة, و أنّ تحليل المعرفة ألأنسانية في شتّى نواحيها يوشك أن يكون هو الشغل الشاغل للفلسفة منذ بدايات القرن السابع عشر أي منذ بدايات النهضة الأوربية.

على أي حال فأنّ مصطلح "نظريّة ألمعرفة" لم يُعرف إلّا في وقتٍ مُتأخرٍ عليه في عام 1862م عند "تسلر" و ذلك في كتابه(أهمية نظريّة ألمعرفة و وظيفتها), و بعض ألباحثين يرى أنّ هذا المصطلح ظهر على يد "رينهد" عام 1832م في كتابه؛ (نظريّة ملكة ألمعرفة ألأنسانية و آلميتافيزيقيا).

أمّا في الجانب الأسلاميّ في الشرق؛ فبآلرعم من آلأشارات القرآنية الواضحة لمسألة المعرفة إلّا أنّ العلماء لم ينتبهوا للأمر إلا خلال القرن الماضي بسبب تخلف المناهج الحوزوية و النهج التقليدي في التعاطي مع أصول الدين و فروعه خصوصاً في آلمدرسة ألنجفيّة .. فكان آلشيخ جعفر سبحاني و الشهيد مرتضى مطهري و الشهيد محمد باقر الصدر و الدكتور علي شريعتي و آلأمام الخميني(قدس) و  الشيخ محمّد تقي ألجعفري و جواد الآملي هم أوّل من نظّروا لوضع أساسات آلنظرية المعرفية الأسلاميّة بما يتناسب مع تطلعات الأنسان في عصرنا هذا, و قد سبقهم الأمام الخميني بتطبيقه لتلك النظرية على أرض الواقع من خلال نظام ألجمهورية الاسلامية, و كان آلأمام الفيلسوف الصدر ألأكثر ألقرين ألذي بيّن بقلمه العملاق أسس و شكل الحكومة في تلك الجمهورية كنظام إسلامي عصري, و قال قولته المشهور؛ [لقد حقّق الأمام الخميني حلم جميع الأنبياء].

لقد صنّف الفيلسوف الصدر(قدس) نظرية المعرفة إلى ثلاثة مدارس:

ألأول: ألمذهب التجريبي؛ أو "ألواقعي" و هو المذهب الذي يُرجعْ ألمعارف جميعها إلى التجربة أو الواقع, و ينظر إلى العقل على أنه مرآة تعكس الحقائق ألخارجية عن طريق الحواس.

ألثاني: ألمذهب العقلي؛ و هو آلذي يُرجع المعارف كلّها إلى العقل بإعتباره ألأداة لكل معرفة.

ألثالث: ألمذهب ألنقدي؛ و هو مذهب توفيقي بين المذهبين السابقين, و يرى أن العقل يشارك الحس و مدركاته ألحسية في الحصول على المعرفة.

و يُمكننا إضافة ألمذهب الأسلامي كمذهب ثالث بجانب ذلك, حيث يعتمد على عامل الغيب(ألوحي) و آلألهام(ألأشراق) بجانب العوامل الآنفة ألذكر.

و قد طرح الأمام الصدر (قدس) رؤيته الجديدة من خلال مباحثه القيمة حين عرض ألمذاهب الفلسفية و موقفها من المعرفة تمهيداً لطرح رؤيته الجديدة ألمتميزة في موضوع المعرفة و يقينيتها, بعد آلتأكيد على أهمية نظرية المعرفة و الأهتمام بها في أكثر من مصدر علمي و أطروحة, بحيث شكلت مرتكزاً في الفكر الجديد ألذي طرحه حول معرفة الكون و كل ما يتعلق به خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

يقول ألأمام الفيلسوف الصدر(قدس)؛ [ تدور حول المعرفة الأنسانية مناقشات فلسفية حادة تحتل مركزاً رئيسياً في الفلسفة و خاصة ألفلسفة الحديثة, فهي نقطة الأنطلاق الفلسفي لأقامة فلسفة متماسكة عن الكون و العالم, و ما لم يُحدد مصادر الفكر البشري و مقايسه و قيمه لا يُمكن ألقيام بأية دراسة مهما كان لونها].

و في نصّ آخر له (قدس) يقول؛ [مفاهيم كل مبدأ عن آلحياة و الكون تُشكل ألبُنية الأساسية لكيان ذلك المبدأ, و الميزان الأول لأمتحان ألمبادئ هو إختيار قواعدها الفكرية ألأساسية ألتي يتوقف على مدى أحكامها و صحتها إحكامم ألبناآت ألفوقية و نجاحها].

 و نفهم من هذين النّصين .. أنّ آلأيمان بآلمعرفة و آلثقة فيها كأساس و خارطة طريق للعلم ألأساسي أو البنية الأولى – بحسب تقرير الأمام الصدر -  ضرورة مُلزمة لأيّ كيانٍ فكريّ يتوخى إقامة نظام إجتماعيّ ضمن فلسفة آلكون و آلأنسان و خالقهما, خصوصاً و أنّ الحاجة لتلك الدراسة ظهرتْ أشدّ ما يكون بعد أنْ ظهرتْ ألنزعات ألماديّة في آلفلسفة الأوربيّة ألحديثة ألتي أنكر كثيرٌ من أصحابها ما وراء المادة, و إتّخذوا من آلشك منهجاً و طريقاً للتعامل مع المبادئ الغيبية بعد أن شاعت تلك الأفكار في الثقافة و الفنون و آلآداب, بل و في الدين أيضاً, بآلرغم من أن الأنسان بعقله ألسليم و فطرته الصحيحة لا يحتاج إلى عميق إستدلال ليؤمن بآلله و بوجوده و وحدانيته في صنعه و خلقه, يقول الفيلسوف الصدر(قدس):


[ألفكر الحديث منذ قرنين من الزمن لم تترك هذا الوجدان طليقاً و صافياً, و من هنا إحتاج الأستدلال بآلنسبة إلى من كان مُلمّاً بآلفكر ألحديث و مناهجه في البحث .. إلى تعميق و ملء ألفرآغات ألتي كان ألأستدلال الأبسط و آلأبده يترك ملأها للوجدان الطليق].

فآلحاجة لذلك ماسّة لصياغة دليل يبنى على منهج قريب من الحياة اليومية للفرد – تلك الحياة الزاخرة بآلاستدلالات الكثيرة لأثبات العديد من الحقائق, و يرى الصدر(قدس) إن المنهج المستخدم لأثبات حقائق الحياة اليومية هو المنهج الذي يتلقى معه منهج الأستدلال المقترح على الصانع ألحكيم, لأن منهج الأستدلال على وجود الصانع الحكيم هو نفسه المنهج ألذي نستخدمه عادةً لأثبات حقائق الحياة اليومية, و الحقائق العلمية و الكونية, فما دمنا نثق به لأثبات هذه الحقائق ؛ فمن الضروري أن نثق به بصورة  مماثلة لأثبات الصانع ألحكيم ألذي هو أسّ ألأساسات في نظرية المعرفة الأسلامية و آلذي تدور حوله جميع تلك الحقائق.

من المنطلقات ألأساسية أعلاه جاءتْ عناية الشهيد الصدر(قدس) بنظريّة ألمعرفة أو آلمفهوم ألفلسفيّ للعالم(2).


نظريّة ألمعرفة(ألأيبستمولوجي)(3) عند كلّ إنسانٍ ينطلق من معتقداته الأصلية و آلمرجعيّة الفكريّة خصوصاً ألدينية و المذهبية ألتي يؤمن بها, فلو كان مفكراً ماديّاً لا يؤمن بغير ألطبيعة؛ فأنّ المعرفة الحسّية عنده هي المصدر الوحيد لمعارفه, أما لو كان مفكراً ربّانيّاً و يؤمن بآلله كأصل في هذا الوجود فأنّ آراءه و قوانينه تستند على المعرفة الغيبية من خلال النصوص المقدسة بجانب آلعلل و المعلولات التي منشأ قوانينها هي الاخرى من الله تعالى و هكذا يختلف آلأمر مع آلفلاسفة و العرفاء و غيرهم كما يختلف آلأمر فيما بين المتعصبين المذهبيين و المقلدين ألطوباويين بحسب معتقداتهم و مشاربهم.
إذاً صاحب النظرية المعرفية هو العارف ألمثقف بفروع معرفية و مجالات فكرية متعددة تشترك في جوانب معينة, و تضم القوانين الكمية و آلأستدلالات العلمية, و يتم إكتساب تلك المعرفة عن طريق ألملاحظة و آلتجربة و تُبوّب و تُوضّح على شكل قواعد و قوانين و مبادئ و نظريات و فروض.


و تعريف ألثقافة عند آلمفكريين هو؛ [ما يبقى في آلذّهن بعد أن ننسى كلّ شيئ] , بحسب تعريف "إدوارد هريو", أي ما يبقى في اللاوعي, يوجه ألعقل في نشاطه إن إكتساباً أو إنتاجاً و يحدد للأنسان سلوكه فعلاً كان أو إنفعالاً, لذلك فآلذي يتثقّف على نظريّة معرفيّة يتأصل بداخله جذور تلك النظريّة, و من  الصعب جدّاً تغيير قناعاته, لذلك نوصي الذين يتباحثون مع أهل العرفان والفلسفة أنْ يأخذوا بنظر الأعتبار ألجذور ألفكرية التي آمن و إحتكم إليها المُحاور في البحث كمرجعيّة فكريّة له, و بآلمقابل عرض وجهة نظرنا بسهولة و يسر و من دون تجريح, مع أعلان إحترامنا لآراء المقابل كي نترك في وجوده أثراً طيّباً.

أمّا ألمباحث ألرّئيسية لنظريّة ألمعرفة فهي معرفة ألأنسان .. ثم خالق ألأنسان .. ثم آلوجود.

Part 2 of 2 –  القسم ألثاني من الأساس الأول  

 

معالم نظريّة  ألمعرفة في آلفكر ألأسلاميّ:
لأجل التعرف على تفاصيل نظرية المعرفة الأسلامية لا بُدّ من تناولها في القرآن و في كتب الفلاسفة و المتكلمين و الأصوليين على حدٍّ سواء, فآلفلاسفة المسلمون بحثوها متأثرين بفلاسفة اليونان – ضمن مباحثهم في النفس و آلميتافيزيقيا و آلمنطق, أما المتكلمين و من ثم الأصوليين فقد أفردوا لها مباحث مستقلة تبوّأتْ مكان ألصدارة في كتبهم منذ كتاب التمهيد للباقلاني(ت403هـ), كما أن رسالة ألحارث بن أسد المحاسبي(ت256هـ) في العقل هي أقدم تأريخاً من رسالتي ألكندي(ت252-256هـ) أللتين خصّصتا لشرح آراء أرسطو في العقل, علماً أن الفكر الفلسفي الأسلامي تداخلت فيه و إمتزجت عناصر علم الكلام و آلفلسفة منذ آلبواكير الأولى للفلسفة مشخّصةً في الفيلسوف ألمسلم ألكندي و علاقته بآلمعتزلة صلةً و تفلسفاً(4).

أسس نظريّة ألمعرفة ألأسلامية تبدأ بـ:
ألأدراك؛ و هو على قسمين:
ألأول: ألتصور؛
ألثاني: ألتّصديق؛
ألتصور؛  هو وجود الشيئ في مداركنا ألعقلية و هو لا يُبرهن – إذا جُرّد عن كلّ إضافة – على وجود الشيئ موضوعياً خارج الأدراك, و إنّما آلذي يملك خاصيّة ألكشف ألذاتي عن ألواقع ألموضوعي؛ هو التصديق أو ألمعرفة التصديقية حسب قول أستاذنا ألشهيد ألفيلسوف ألصدر(قدس), أما التصديق فمردّها إلى معارف أساسية ضرورية, لا يُمكن إثبات ضرورتها بدليل البرهنة على صحتها و أنّما يشعر العقل بضرورة التسليم و آلأعتقاد بصحتها كمبدأ ألعلية أو ألمبادئ ألرياضية ألأولية .. و هي الأضواء العقلية الأولى, و على هداها تُقام سائر المعارف و آلتصديقات و كلّما كان الفكر أدقّ في تطبيق تلك الأضواء و تسليطها كان أبعد عن آلخطأ, فقيمة ألمعرفة تتبع مقدار إرتكازها على  تلك الأسس, لذلك يُمكننا إستحصال معارف صحيحة في كل من الميتافيزيقيا و الرياضيات و آلطبيعيات على ضوء تلك الأسس, و العلوم ألطبيعية تحتاج إلى التجربة, أمّا ألميتافيزيقيا فلا تحتاج إلى التجربة الخارجية, بل نتائج ألأتجاهين قطعية في الغالب.

أنّ مردّ ألمعارف ألتصديقية جميعاً إلى معارف أساسية ضرورية, لا يُمكن إثبات ضرورتها بدليل, أو البرهنة على صحتها, و إنّما يشعر العقل بضرورة التسليم و آلأعتقاد بصحتها, و قد أشار الباري تعالى إلى ضرورة الأحتكام إلى العقل حيث أورد القرآن الكريم أكثر من خمسين آية تحث الناس على آلتعقل و أستخدام العقل كميزان في المعرفة و آلكشف عن الحقائق و المجاهيل, لقد توّج القرآن الكريم ألمعرفة ألتامّة بـ "عين اليقين" ثم "علم اليقين" ثمّ "حقّ اليقين" على التوالي.

ألمتأمل لآيات القرآن الكريم يُلاحظ بأن الباري تعالى يُؤكد دائماً على ضرورة التعمق و الرجوع إلى الأصول و الجذور لفهم الظواهر و الأحداث لإدراكها بشكل أفضل بعد تحليل عناصرها و أسبابها, للوقوف على ألموضوع بإقتدار و شمولية, كي نكون في النهاية عند إتخاذنا لقرار معين بشأن ألوقائع و الأحداث و آلشخصيات قد أصبنا كبد الحقيقة.

إنّ ألتأمل و آلأدراك العميقيق لا يتحقّقان إلاّ بتفعيل ألعقل ألظاهر و آلعقل ألباطن(5) أو ما يُعبّر عنه بآلضمير ألباطن معاً, و لهذا أشار آلباري في عشرات ألآيات إلى وجوب الأحتكام إلى العقل و البصيرة بشكل أخصّ لمن يريد معرفة الحقيقة و نظرة أوسع و أشمل للوجود و الأنسان ليعيش سعيداً مُعزّزاً مُكرّما غنيّاً في كلّ شيئ, بل تفرّد الباري في آية رائعة حين أبرز أهمية التعقل بآلقلب بالقول: [فإنّها لا تُعمي الأبصار و لكن تُعمي القلوب التي في الصدرو](6).

إنّ تفعيل العقل الباطن يجعل الأنسان ذو بصيرة, بمعنى أنّه لا يكتفى بظواهر الموجودات .. بل يسعى دائماً للتعمق في الأسباب و الجذور و آلعلل و آلبحث في البواطن, و هذا آلأساس من شأنه جعل ألبصير ألكادح نحو الله تعالى يسير على أسس سليمة قوياً و منسجماً و مفيداً و عصيّاً على آلهدم و الفناء من قبل الطواغيب و أولياء الشيطان, و من الآيات التي أشارت لأهمية تحقق البصيرة في وجود الأنسان هي:
[يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الأبصار](7).
[يكاد سنا برقه يذهب بآلأبصار](8).
[يقلب الله ا لليل و النهار إنّ في ذلك لعبرةٌ يا أولي الألبابُ](9).
[و إذ زاغت الأبصار و بلغتْ القلوب ألحناجر](10).
[...أولي آلأيدي و آلأبصار](11).

[فأعتبروا يا أولي الأبصار](12).

نستنبط من مجمل الآيات الآنفة بأنّ الدّروس الألهية – و التي وحدها هي المُنجية – لا يتعلمها و لا يدركها على حقيقتها سوى أصحاب البصيرة, و لا يتحقّق هذه المرتبة إلّا عند المتقين ألذين يتعلمون من الله, فطوبى للذي كان تلميذاً مهذباً عند خالقة حيث يقول الباري:
[و إتّقوا الله و يعلمكم الله].

دور نظريّة ألمعرفة في ترشيد ألقوانين:
من آلأمور ألهامّة جدّاً و التي تلعب فيها نظرية ألمعرفة دوراً حساساً و مصيرياً هي ترشيد و تصويب ألقوانيين ألمدنية و غيرها و التي بموجبها يتمّ تقنينها من قبل المعنيين سواءاً عبر الهيئات ألتشريعية في المجالس ألنيابية أو القضائية ألمختصة .. من حيث أن نظرية المعرفة تُسلّط ألضوء على معظم ألجوانب الأنسانية و آلحياتية ألتي تخص ألأنسان و قضايا ألمجتمع بما يضمن تحقيق أهدافه و سعادته, و هنا تلعب نظرية المعرفة دوراً أساسياً و مباشراً في تعبئة ألقوانين و صياغتها بإتجاه خدمة المجتمع و رقيه فيما لو كان الحاكمون إنسانيون و مؤمنين بآلغيب, و إنّ ألمجالس و الهيئات ألتي لا تستند إلى نظرية المعرفة في وجودهها قد تُسنّ ألقوانين بشكلٍ يتعارض مع تطلعات الفرد و بآلتالي المجتمع .. ربما تصب معظم فوائدها لصالح الطبقة المسيطرة على الحكم أو آلأقتصاد لفقدانها إلى الرؤية ألمعرفية حول هدفية القانون بإتجاه الصالح العام أمّأ جهلاً أو تجاهلاً!

من هنا لا بُد و أن يكون ألعضو في المجالس النيابية أو المحلية أو القضائية مُلمّاً بنظرية المعرفة إلى حدٍّ معين, كي يكون مؤهلاً لتحمل مسؤولية المشاركة في تصويب و ترشيد القوانين للمجتمع بشكلٍ يضمن معها تطور المجتمع و رقيه و سلامته.

دور نظريّة ألمعرفة في سلامة ألمُجتمع:
دلّت دراسة حديثة أجرتها إحدى الجامعات الأمريكية على أن المجتمع ألذي تسوده العلاقات الأجتماعية ألحميمية و الروابط الأخلاقية ألحسنة يقلّ فيه نسبة الاصابة بآلأمراض و العوارض النفسية, و إن متوسط آلأعمار فيها ترتفع إلى نسبة عالية بآلقياس مع المجتمعات التي لا تسودها روابط إجتماعية حميمية, و هذا لعمري يُثبت لنا صحة و فاعلية الأحكام الأسلامية في هذا المجال .. حيث تأمرنا النظرية الأسلامية بوجوب التواصل مع صلة الرحم مهما كانت الظروف, و عدم قطع العلاقة مع آلأرحام لأي سبب كان, كل ذلك لاهمية و دور تلك العلاقة في سلامتهم و صحة أبدانهم و أرواحهم.

لهذا يأتي تأكيدنا على ضرورة ألوقوف و التعرف على أهميّة و دور  و مضمون نظريّة المعرفة في آلحياة ألفردية و الأجتماعية على حدٍّ سواء, و النظام الحاكم له دور رئيسي في مدى سلامة المجتمع و أمنه و تطوره, و أستطيع ألقول بأنّ آلجيلين أللذين عاشا تحت سلطة حزب البعث في العراق ما بين عام(1986 – 2003م) قد إحترقا تماماً, فنادراً ما تجد عراقياً أو كل من عاش في العراق .. أليوم سليماً من آلعاهات ألجسميّة و الرّوحيّة و آلنفسيّة بسبب كثرة ألضغوط و آلفساد و الظلامات التي  صبّها النظام الجاهلي الطاغوتي على آلشعب.

دور نظريّة ألمعرفة في إنتخاب ألنّظام ألحاكم:
إنّ ألمواطن المسلح بنظريّة المعرفة لا تهجم عليه اللوابس, و لا يتسلط عليه من ليس بأهله خصوصاً في النظام السياسي - ألأجتماعي, لأنّه لا ينتخب عضو البرلمان أو رئيس الحكومة أو  المجلس النيابي أو رئاسة الجمهورية إلا بعد  دراية كاملة و تشخيص سليم و دقيق للشخص أو الجهة المُرشحة و آلداعمة له للحصول على تلك المواقع التي تعتبر من أخطر الأمور في تقويم و ترشيد المجتمع بإتجاه الخير أو الشر!


 كما أن المواطن المسلح بنظرية المعرفة لا يكتفي بآلأشارة إلى مواطن الخطأ و السلب فقط كما هو حال ألمتطفلين على الفكر و  الثقافة, بل المصلحون عادة ما يفعلون الخير بحسب آلحكمة البوذية التي تقول: [بَدَلَ أنْ تلعن الظلام .. إشْعل شمعة], فآلأخطاء و الأنحرافات – خصوصاً حين تتحول إلى ظاهرة – تُعد  أموراً يشهدها كل آلمواطنين خصوصاً لو كان يتواجد فيهم مفكرٌ قدير لكون آلمفكر الحقيقي يُعادل بثقل فكره أمّة كاملة, و هو يسعى لبث روح المعرفة و الهداية في الأمة نحو الكمال الحقيقي, متجاوزاً  الأطر التقليدية التي و للأسف تربّى عليه من يدّعون المرجعيات التقليدية و الفكرية للأديان السماوية, بينما حقيقتهم لا تتعدى سوى كونهم طفليون و عالة على الدين و المجتمع, و لكونهم لا يفهون أبعاد نظريّة المعرفة و أسرارها لذلك نراهم كانوا على الدّوام عقبة كأداء أمام نهضة الشعوب و ثورة المفكرين و عامل تخلف و هدم في المسيرة الأنسانية, و ما جرى من أحداث خلال القرن الماضي في العراق و إيران خصوصاً في موقف المرجعية الدينية في النجف و منذ ثورة المشروطة و ثورة العشرين و حتى  نجاح الثورة الأسلامية في إيران خير دليل على ما أشرنا إليه.

إن العامل ضمن إطار نظرية المعرفة لا تهجم عليه اللوابس, و لا يستطيع أحداً من إستغلاله و آلتلاعب بحقوقه, و يتحقق ذلك في أبرز مصاديقه ألعمليّة في مجتمع معيّن من خلال مدى نزاهة و إستقامة آلشخصيات ألمرشحة  للرئاسة و آلمؤيدة من قبل ألأولياء ألصّالحين في آلأمة, و بآلمقابل مدى أنسجام أصوات الناخبين و إتفاقهم على المُرشّح ألشّرعي ألأفضل لاستلام زمام ألرئاسة و الأمور في آلحكومة, و هذا آلأصل يرتبط بشكل مباشر بآلقائد المتصدي لأمور ألمجتمع, و هو ما أشار له الأمام الصادق(ع) في حديث متواتر بآلقول: [بني الأسلام على خمس؛ على الصوم و الصلاة و الحج والزكاة و آلولاية, و ما نودي بشيئ مثلما الولاية].

أنّ ما حلّت بآلبشرية من مآسي و ظلامات و سرقات و إستغلال لحقوقهم  ما كانت لتكون إلّا بسبب ألأنتخاب الخاطئ للمسؤولين, و  المؤمن بنظريّة المعرفة هو الوحيد الذي بإمكانه إنتخاب المرشح ألأتقى و الأعرف و الأرحم على مصالح الناس و مستقبلهم, لأنّه العارف ألذي لا تهجم عليه اللوابس حتى و إنْ إتّخذ قراراً بشأن أبسط الأمور ما لم يدرس جميع جوانبه و أحتمالاته .. فكيف لو كان الأمر يتعلق بحكم آلناس و سياستهم و بآلتالي مستقبلهم و آخرتهم.

أنّ نظريّة ألمعرفة لما  تحويه من أسسٍ رصينة و تطلعات أنسانيّة تجعل ألمؤمن به قادراً على قراءة الأمور ألمستقبلية بشفافيّة عالية و بدقة متناهية و كأنه يعيشه و يراه, من هنا يكون رأيه و قراراته و إنتخابه هو آلأصح و آلأقرب إلى الحقّ و بآلتّالي قلّة ألأخطاء و تجاوز آلخسائر المادية و آلمحن ألكبيرة على آلأقل.

أما المعايير التي تؤكدها نظرية المعرفة في المُرشح الذي سيكون حاكماً في الأمة فهي:
أولاً: أن يكون المرشح طيّب المولد و المنشأ.
ثانياً: أن يكون مؤمناً بنظرية آلمعرفة في الحياة.
ثالثاً: أن يُشاع عنه الصلاح و الخير و العدل.
رابعاً: أن يكون متواضعاً مع الناس و يخاف الله تعالى.

خامساً: أن يكون الأعلم من بين أقرانه, و إلّا فمقولة الأمام علي ستنطبق علينا, حيث يقول:
[يستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول و آلتّمسك بالغرور و تقديم ألأراذل و تأخير ألأفاضل].

سادساً: أن يكون مواسياً و مشاركاً لهموم الناس من ناحية  المأكل و الملبس و الأمكانات ألأخرى.
لأن الناحية الأقتصادية و الجانب المادي هي من أهم الأمور التي من خلالها يُعرف نوايا آلحاكم, فلو إستغل منصبه من أجل ترقية نفسه و ذويه و  حزبه فأن ذلك الحاكم يكون فاسداً و  غير صالحاً للحكم, لهذا فأنّ الأقتصاد له دورُ مباشر في رسم توجهات و سياسة الأشخاص و هي المحك لمعرفة مدى أخلاصهم و صدقهم في مدّعاهم.


و آلأهم في آلرئيس أو آلمسؤول ألمؤمن ألمُسلّح بنظرية المعرفة هو أنّهُ ينتهج مخططات ستراتيجية خمسية أو عشرية أو حتى خمسينية, للقيام بآلبناء و آلأعمار و الأصلاحات, و يعتبر اليابان من الدول التي وضعتْ خطّة  خمسينية, بمعنى؛ أن المسؤوليين في اليابان يعرفون اليوم ما سيتحقق في بلدهم بعد خمسين عاماً من الآن, بينما في دولنا و للأسف فأن المسؤوليين ليس فقط لا يعرف ما سيحصل غداً؛ ألمهم عنده هو كيف يرصد آلتحركات المعارضة, و كيف يبتكر الخطط للحفاظ على المنصب, بمعنى أن الحكم هو من أجل المنافع و المناصب و التسلط و ليس من أجل خطط ستراتيجية لبناء الحضارة الأنسانية.

دور نظريّة المعرفة في ترشيد ألأقتصاد و آلثروات الطبيعيّة:
تُولي نظريّة المعرفة أهمية خاصة للبعد الأقتصادي في حياة الشعوب و الأمم, لما للأقتصاد و المستوى المعيشي دورٌ رئيسي في تقويم شخصية المجتمع و أخلاقه, حيث أن الأقتصاد له تأثير كبير و مباشر في حياة الناس السياسية و الأجتماعية و آلأخلاقية, و لعل أنتصار المعسكر الغربي(ألرأسمالي) على الشرقي(ألشيوعي) كان بفعل قوّة الأقتصاد الغربي الذي كان يتحكم فيه مجموعة ألـ 1% و التي همّها الأكبر تركز خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي على آلتخطيط للقضاء على النظام الشيوعي لذلك بدأت تخطط من الداخل لشراء ذمم الأعلاميين و السياسيين و العلماء بغية الأعداد للأنقلاب, و قد تمّتْ المخططات بنجاح كبير من قبل الأدارة الأمريكية و جهود مخابراتها العالمية ألـ سي آي أي, و كان لكورباتشوف دوراً رئيسياً في تمرير ذلك المخطط, و الجدير بآلذكر أن الأمام الخميني(قدس) أرسل وفداً خاصاً نيابة عنه إلى القيادة الروسية قبل آلتغيير يدعوهم للأسلام لتحصينهم و تنبيهم من الوقوع في أحضان الغرب المتربص بهم, و قد حذّرهم الأمام من آلمخططات الغربية ألتي كانت تعد العدة في وقتها للأنقضاض عليهم لتغيير آلنظام و تفتيت معسكرهم و وحدة المقاطعات الروسية, لكن تلك آلدعوة الألهية ألتي أرادت صون كرامتهم و عزتهم لم تلق آذاناً صاغية, فتمّ القضاء على النظام ألأشتراكي في ليلة و ضحاها!

 
و لا بأس هنا ألأشارة إلى أن المنظومة الأشتراكية كانت تمتلك نظريّة معرفية وفلسفة للحياة على الرغم من أنها لم تكن متكاملة حيث أقصت من نظريتها كل ما يتعلق بآلميتافيزيقا و آلغيب و آمنت بآلمادة و الأنتاج المادي إلا أننا نرى سيطرة النظام الرأسمالي ألفاقد لأية نظرية معرفية عليهم, فلم يجد الغرب صعوبة للنفوذ في أوساطهم و من نفس المتبنيات المادية تلك و لكن عبر نظرية مادية أوسع ممّا آمنوا به.

إن مأخذنا آلأساسي على النظام الغربي(الرأسمالي)هو كيفية التعامل مع حقوق الأنسان!
فآلنظام الرأسمالي و  على الرغم من إيمانه بآلحقوق الطبيعية ألدنيا للمواطن و كما ورد في مثلث"ماسلو" و نظريات "آدم سمث" و فوكوياما إلا أننا نرى الأحداث و الوقائع تعكس غير ذلك, حيث يتعامل الحاكمون بعيداً عن المثل و القيم مع المحكومين من أجل الهيمنة عليهم و إستغلالهم بإتجاه منافعهم العظمي مقابل تأمين حاجياتهم و معيشتهم ضمن الحدود الدنيا, بحيث يكون قادراً للعيش فقط لأداء عملٍ معين ضمن آلنظام ألحديدي المرسوم له بكل تحديد لا أكثر و لا أقل.

إن طغيان النظام الرأسمالي بقيادة المنظمة الأقتصادية العالمية لا يتوقف عند هذا آلحد .. بل وصل إلى خارج حدودهم للسيطرة على الموارد الطبيعية ألأساسية كالنفط و الغاز و المعادن و حتى  المنتوجات الزراعية خصوصاً في الخليج و آلدول الأسيوية و الأفريقية .. لسلب كل قدرة إقتصادية من شأنها تحصين إستقلال الأمم و الشعوب و توحيدها بإتجاه الخير و بآلتالي جعلهم على الدوام رهن إشارة الطاغيين ألمستكبرين ليسهل عليهم ألتّحكم به و تسير شؤونه بما يضمن لهم ألأستمرار في التسلط على مقدراتهم.

بآلـتأمل في آلحقائق الآنفة الذكر فأنّ نظريّة المعرفة آلتي نحن بصددها تسعى لفتح آفاق الأنسان كي يتمكن من آلولوج في حلبة آلأقتصاد و المال بآلطرق الشرعية ليكون من المتمكنين .. لنشر الفضائل و الخير و المحبة و الأخلاق الفاضلة .. لا من أجل التمتع بشهوة الرئاسة و الحكم و المصالح الضيقة لأشخاص أو أحزاب سياسية لم يفهم آلمتصدين فيها أبجديات نظريّة المعرفة و أبعادها!

إن الذي نتوقعه بعد عشرين عاماً من الآن – لو إستمر الوضع على هذا الحال – هو جعل كرامة آلأنسان أرخص ما يكون في الواقع لعدم حاجة الشركات آلكبرى و المعامل و التي معظمها ستكون تابعة لسيطرة أعضاء آلمنظمة الأقتصادية العالمية(13) إلى فنيين و أيدي عاملة, حيث سيحلّ الأنسان ألآليّ(ألريبوت) بدلاً عن الأنسان العادي ألحقيقي, و بآلتالي فلا أهمية لأي صوت أو مدعى للحقوق فيما لو صدر من آلمليارات المظلومة من شعوب الأرض حينها لأنها لا تملك إرادتها و تكون مهددة بآلفناء آلجمعي من قبل أؤلئك المتسلطين الظالمين.

لو وصل ألوضع في آلمستقبل إلى تلك النقطة فحينها لا أحد يعرف طريقاً للحل – و لو كان يعرف – فلا حول و لا قوة له على التغيير لأنّه مسلوب الأرادة و الأمكانات, بل أنّ معظم الناس و بسبب جهلهم لأهمية نظرية المعرفة لا يبحثون عن سرّ و أسباب تلك المحنة ألتي ستكون محنة  المحن في حياة  ألبشريّة.

نظريّة ألمعرفة و مُستقبل ألبشريّة:
إنّ ما يشقى به العالم اليوم من خلافات فكرية و سياسية و أقتصادية و عسكرية و فقدان للمروءة و آلأخلاق و آلنيات ألحسنة و من تهاونٍ بكرامة الشعوب و رعب من قيام حربٍ نووية شاملة يكون ضحيتها العوام .. بعد ما قامت بشبه حرب نووية في العراق و أفغانستان و ربما بلدان إسلامية أخرى بإستخدامها للأشعاعات النووية, للهيمنة على آلحكومات الثورية ألتي تعمل من أجل حقوق الشعوب؛ كل ذلك هي نتيجة طبيعية للمبادئ الفكرية السائدة ألتي تبنتها آلأنظمة الحاكمة خصوصاً ألنظام الغربي بقيادة أمريكا و التي لا تؤمن بآلأنسان كلّه – تؤمن بآلأنسان من الدرجة الثانية و حتى العاشرة – حيث لا تتعامل بآلتساوى مع جميع المواطنين .. بل هناك قيمة مادية لكل إنسان في المجتمع يلعب الثراء ألدور الأساسي في تعيّنه!

و آليوم أمام البشرية طريقان:

ألأول: ألأستمرار – لو قُدّر لها البقاء !! – في مأساتها حائرةً متخبطةً, أمام مخططات ألمنظمة الاقتصادية ألتي تحاول ترتيب الأمور و عولمة ألعالم من خلال حكوماتٍ ذيليةٍ ذليلةٍ لا تعمل طبق نظرية معرفية تكون من أهم أهدافها محو الأستغلال و الطبقية و الظلم و آلأستعمار و خيانة الأمة.


ألثاني: أن تُعيد النظر في عقائدها و مقايسها و نظمها و تؤمن بآلله إيمان وعي و تبصر و تُعلن عبوديتها لله تعالى فقط و التمسك بشريعته في كلّ عملٍ و مجالٍ في الحياة ألفرديّة و العائليّة و آلمجتمعيّة, و كما قال عليّ(ع) في نهجه ألقويم:

[عليكم بتقوى الله و نظم أمركم], و تحقيق هذا الأمر لا يكون إلّا بوجود من يرتبط بآلولاية بإعتبارها آلعمود و المرتكز في نظرية المعرفة الأسلامية.


و من طبيعة الأنسان خصوصاً في هذا العصر ألمادي(14) أنّه لا يقبل بعقيدة كآلأسلام كمنهج و نظرية معرفية للحياة ما لم يدرك مقدار صحة و خطأ مبادئها و إتجاهاتها الفلسفية و العلمية, و لا يتمّ ذلك بسهولة كونه يحتاج إبتداءاً إلى دراسة أبعاد ألنظرية ألمعرفية و قضاياها و تأريخ مرجعيتها .. دراسة علميّة موضوعية نزيهة بعيدة عن المشاكسة و آلغرور و آلتحريف أو آلأحكام المسبقة نتيجة التراكمات الثقافية ألتي تقعد المرء عادةً عن مجابهة ألحقائق و بآلتالي إعلان الرأي ألصائب حيال آلوجود و ما فيها.

أنّ منطقتنا الاسلامية تعرضت منذ زمان إلى هجمات متتالية من قبل أوربا و الغرب من أجل التسلط عليها, و تتعرض اليوم إلى مخطط أخطر من قبلهم للسيطرة التامة على سبعة دول أسلامية نفطية لمنع إنتشار الصحوة الأسلامية فيها, تلك الصحوة تعني نهضة ضمير الأمة و تطلعها إلى حياة خالية من التسلط الأجنبي و سيطرة الحكومات العميلة, و لا يخفى على أهل القلوب بأن آلنظام آلسعودي و الحكومات المتحالفة معها كآلتركية و العربية قد أصبحت مطيّة الغرب لتمرير مخطط إحتلال تلك الدول, و تأتي في مقدمتها حكومة إيران التي تحمل راية المعارضة و الحرب  ضد تلك المخططات ألأستعمارية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)ألحكمة هي إختزال في العبارة و تكثيف في المعنى, و غالباً ما يحمل المعنى إثارةً منطقية أو عاطفية فيميل المرء إلى خزنها في الحافظة و تداولها أنّى باتتْ الحاجة لتتناقلها الأجيال دون آلحاجة إلى تدوين, و الحكمة هي أيضاً؛ ما تحتمله الكلمة من شرح و تفسير, أننا أعطينا كل حكمة كل ما تحتمله من المعاني, و أعتبر جميع ما ورد في "نهج البلاغة" مجموعة متكاملة و متوالية من الحكم و المواعظ, و آلحكمة لا يصنعها إلّا الحكيم.

الصدر, محمد باقر (1980م), فلسفتنا- دار التعارف للمطبوعات – ص162 ط10. (2)

ألعوا, عادل(1961م), ألكلام و الفلسفة – مطبعة جامعة دمشق - ط1. (3)

أبو ريدة, محمد عبد الهادي(1369هـ), مقدمة رسائل الكندي ألفلسفية - دار الفكر العربي – مصر, ط1. (4)

(5) لمعرفة المزيد عن العقل الظاهر و الباطن؛ راجع كتابنا؛ [ أسفارٌ في أسرار الوجود].

سورة الحج /46. (6)

(7) ألنور / 37.
(8) ألنور / 43.

(9) ألنور / 44.

(10)  ألأحزاب / 10.

(11) ألأحزاب / 45.

(12) ألحشر / 2.

(13) يُقدّر عدد أعضاء المنظمة الأقتصادية بحدود 350 شخصاً يتحكمون بمجمل الأقتصاد العالمي خصوصاً أسواق النقد و النفط وآلمعادن و المعامل و الشركات و المؤسسات الأعلامية الكبرى.

(14) ألسبب في إطلاقنا على هذا العصر بـ (المادّي) هو سعي الأنسان و تخصيص أكثر وقته لتأمين لقمة العيش ألذي بات همّه الأول و الأخير, و بذلك نراه لا يملك الوقت الكافي للأهتمام بآلآخرين و لا بآلجانب ألروحي و آلنفسي و آلسّايكلوجي ألذي هو الأساس و الأهم في حياة الأنسان, هذا ما يتطلع إليه أعضاء المنظمة الأقتصادية العالمية كي لا يطالب الناس بكل حقوقهم المغتصبة من قبلهم.   
تكملة الحلقات على الروابط التالية :

 ألأساسات ألأثني عشر لنظريّة ألمعرفة – ألأساس ألثّاني معرفة الأنسان 

ألأساسات الأثني عشر لنظرية المعرفة – ألأساس الثالث

ألأساسات ألأثنيّ عشر لنظريّة ألمعرفة – ألأساس ألرّابع 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23333
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28