• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دناسة الثقافة و رجاسة الإنتماء .
                          • الكاتب : يونس بنمورو .

دناسة الثقافة و رجاسة الإنتماء

شذرة البدء  " اخطر ما يمكن أن نصاب به، هو أن نسمع فقط صوتنا الداخلي، لأنه يحول بيننا و بين معرفة ما يجري حولنا "   محمد سعيد طيب.

جميل أن يصبح المرء جسدا مجتمعيا واحدا يقر خصامه لثقافته، و يعلن الانتماء للفكر الإنساني و ينتصر لشاعرية الكوني و طيف العالمي، بعيدا عن ضيق الإنكماش الجغرافي، وحدود الانتماء الأرثوذوكسي، بالتعصب الوسواسي لهذا الوعاء الاجتماعي آو لأخر طائفي، أو الانخراط في سجل ثقافي يعج بالمضمرات الكئيبة، المكبلة لشفافية الفرد في مخفر الترفع، و قفص الأنانية و الإستعلاء، مدجنين بإسم الوطنية، وهستيريا الذوبان المذهبي و التلوث القومي، و متسامحين بتدفق عاطفة العدوان، وانسيابية غرائز الجلد و التسليخ، بمجرد الإحساس بالتميز و الإنفراد أو الشموخ و الإرتفاع، بإباحة التكشير عن مخالب الكيد و العداء، و الدعوة لإظهار مساحيق التطرف و البغضاء، بغير إتزان و لا إتساق، تنحية للأخر و تغييبا لفطرة الحوار و التحاور، وتعطيلا لملكة العقل و التعقل، و قتلا لجبلة العرق البشري، بالإنكفاء على الذات و النوم على مخلفات التاريخ. فتقلص هنيهات السلام دليل على أجواء اللاتفاهم و اللاإنصات، نتيجة الشذوذ الثقافي و التمركز العرقي و التصلب الشوفيني، كحجة لهضم مبدأ الصراع، و تلميع ضراوة الإحتراب، وهيمنة نزوات التطاحن الثقافي، و بؤس التقاتل الإثني، فحبذا لو إنحزنا لإعلاء الخطاب الإنساني و سيادة الإنسان كمبدأ فعال لتقاسيم الكون، و كقيمة أسمى في فضاء الحضارة ورحاب التاريخ، بعيدا عن مفاهيم الانغلاق الظالمة المظلمة، وهروبا من فوهة الكليشيهات الحارقة، و بلادة الإقصاء الناخرة، و بعيدا عن التخندقات الثقافوية المجلدة للقلوب، و المفسدة للسيرة والسلوك. فمع الثقافة تتضح شراسة الحيف و ضراوة الإجحاف، و قساوة الميز و التميز، كيف لا وهي مركبة بطبيعتها، و فوق الأرض استنبتت حركية تشكلها، و أمنت إستمرارية تكونها ،  بجدل متراكم شديد التعقيد، إذ لم تسقط جاهزة فوق الرؤوس، بل ترسبت و تكونت بإفرازات الإنسان السلوكية، واحتكاكاته الجسدية بأمكنته الهوياتية، ليحس بالتضخم الذاتي و الامتلاء الوهمي، ليتعصب لتراهات ثقافته المتراخية، و لوعود مرتزقة اللاهوت الثقيلة، لتنسب لها مسؤولية كافة الشرور، بإعتبارها المعقل السجني لكل المصادمات و الحزازات، و الدافع الرومانسي لكل تمزق و انتحار، فما من مدنس غيرها لبراءة الإنسان ، وما من مسئول سواها عن الإحتراقات و التطاحنات، و كافة المصادمات و المعاكسات، لنشرها ديناميت الكره و جرعات البغضاء، فلا تبدو معقولة إلا الذي لا عقل له، فهي متخمة بالمغالطات و متعفنة بالتفاهات، و مدججة بالمسبقات الاستعلائية و المحاكمات التكبرية، كما أنها تحريض عمومي معاكس لطبيعة الإنسان، فمبدأها التعصب الجاهلي لوحدة الانتماء، القائم على قيم رثة و مبادئ بالية، نتمسك بها، لمجرد أنها نابعة من قعر قبيلتنا، و من قاع نظمنا العشائرية و الجماعية التي لا تنظر إلا في حدود أنفها، كما أنها مصدر للتميز والتفاضل، فهذا مَلَك و الأخر اخص من الشيطان، و هذا المجتمع يتجرثم تحت التخلف، و ينهار باتجاه دركات الركود و الجمود، أما الأخر اقر رفع علم النمو في كوكب التقدم و الازدهار، و كل هذا نتيجة انتفاخ الثقافة و تعجرفها، و إحلالها للسالب عوض الموجب، و تمييزها للصالح من المتعفن، و إنكارها للأخر و استباحتها دم الآخرين، و إبادتها لقيم الإنسانية و الإنسان، فهي المتمسكة بنرجسية الانتماء العمياء، المحقونة بجرعات من الأفكار المريضة، القابضة على عقل الفرد و المتحكمة في إقفاله و تسييجه، وحتى التأثير عليه، بغسل دماغه و حشوه بتيارات ثقافية متغطرسة، قائمة على الطاعة بدون قناعة، و على العبودية بدون حوار، وعلى حملات الكراهية و حروب الكلام، و دوس على القيم الإنسانية و مبادئ العقل و العقلانية، من اجل إمتصاص الفرد لقوالبها الجاهزة و خطاباتها العمومية، ليسهل دمجه فيها و إنتاجه جسدا طيعا لها و لكافة تعاويذها، ليصبح المرء دمية يحرك خيوطها المجتمع و يؤثر فيها بالقوة و الإكراه. ومن اجل بعث الحنين لعصور البراءة و النقاء، يجب تحاشي الرواسب الأخلاقية الهجينة، والمزايدات الديماغوجية الغوغائية، وكل التراكمات التاريخية الصدئة، بالإضافة إلى إجتراح ألياف القيم المتكلسة و السخيفة، بخلع عباءة الماضي و جلباب الثقافة، الأمر الناهي ، من أجل الانتصار لحياة صافية، تنعدم فيها الروائح الكريهة و النتنة، المنبعثة من أكوام أعتا الثقافات و أهونها، وذلك بالقفز بالحياة الإنسانية قفزات مذهلة نحو التقدم و التطور، ترويجا لديانة الإنسان، حيت يترأس العقل و التعقل صداقة النوع البشري، نصرة للأريحية العامة و رفاهية البشرية، المنزهة عن عاطفة التزمت و التشدد، و الخروج من جحر الذات الضيق المنزوي، الكامن تحت الأغلال التربوية و العقائدية المنهجية ، و المتقوقع تحت ركام الجهل و إسمال الماضي البائد العنيد. فكلما نضج الإنسان و تمرغ في الثقافة و حب الانتماء ، كلما زادت درجات شره في التفاقم و النماء، و بقدر تبحره في عمقها و تعصب لإيديولوجياتها كلما أصبح  ماكر و مخادعا، يفضح فطنته في التمييز و التقويم، و يعلي مجتمعه سيدا على الجميع، وحتى نتخلص من هذه الشرور و نتملص من قذارة هذا السلوك، و جب القفز عليها بالتجاهل و التقبير، و أن ننفصل عن الذات المتحجرة فينا المضطربة الضعيفة، و المهزومة المتراجعة ، و أن تحرر من سجنها و أن نخرج بقوة الإرادة من نطاق الجاذبية الاجتماعية، حيث الانغلاق و التحقير و سهولة الانقياد و هشاشة التفكير ، وذلك بالانبعاث في فضاء الحياة الفسيح، و في الأفق الواسع اللامتناهي حتى نستطيع أن نضطهد كل ما تعلمناه و كسبناه، و أن نميل إلى الخير العام، بتحقيق الانسجام و النظام، الذي سيؤثر في أريحياتنا فيجذبنا إلى لب الفضائل الإنسانية و نقاء قيمها و خصالها، وذلك بإنتشال عقولنا من تكالبات التشنج الفكري و التزمت الباثولوجي، و أن نزيل لباس الثقافة من فوق أجسادنا، لنمشي في الشارع حفاتا عراة، دون أن نحتمي بدرع الثقافة و كسوة الانتماء، و أن نعلن الحياد نصرة لإنسانية الإنسان، في مغامرة وجودية غايتها مركزية الإنسان، ليتولد الفرد من جديد مصرحا بموت الثقافات و أحكام الكسل و الاجترار، ليعود بريئا نقيا من أي أوامر لهذا الخطاب أو ذاك، أو نواهي لهذا العرف أو ذاك ، فكلما بدأت قلوبنا في التعلم و التلقين كلما ازداد حقدها ومكرها، و كلما دجن الكائن وسمي بالخطأ اجتماعيا، كلما زادت غيرته على خبث ثقافته وسذاجة عاداته وترتيلات تقاليده، ليغدوا لا هوادة شريرا محبا للغزو و النهب، و متيما بالعداء للآخرين، لهذا توجب علينا الاستيقاظ من وهم الدغمائية و الجحود، و أن نصغي السمع لشيء اسمه اليقظة و إحياء العقول، باعتبارات تجعل من الإنسان أعلى ما في الوجود، لنعود بشرا مسالمين لا تكبلنا قيود آو تعجزنا حدود، آو تسيجنا أحكام و قوانين ، أو تطوقنا عقول و ماض التاريخ، فتحت يافطة الثقافة تراق الدماء و تلتهب حرارة الحروب، و تطفوا العنصرية و التمييز، فالثقافة كذب و تظليل، و دعاية هدامة لطبيعية الانسان ، فالأصل فيها أسر للفرد و استعباد لإرادة حريته، فمعها قمع لعذوبية تصرفاته، وبها عرفت البشرية كيف تظلم نفسها و الآخرين معها، فبدونها ستكون الحياة أفضل بكثير و أنقى من لهيب العادات والقوانين، التي سطرت و فرملت سجية الجميع، وساهمت في الظلم و التهميش، و أنجبت الذبح و التسليخ ، فشرعنت منطق الحروب و التدمير، و إستساغت نكهة المكر و التنكيل، و تواطأت مع النزاعات و التقتيل، فأفيقوا من غفوة التدجين و صورة التعتيم، فالأصل عراء للإنسانية من مساحيق الثقافة و أقنعة المجتمع و المعايير، لان المرغوب فيه إقصاء للعبودية و التحكم و التحكيم، إنتصارا لشمولية الكون و كونية الإنسان . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23398
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18