• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مقامات زوار الحسين وخدامه .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

مقامات زوار الحسين وخدامه

لست بصدد إستعراض الأحاديث والأقوال والنصوص التي تحث على إقامة الشعائر الحسينية المقدسة ، كما أني سوف لن أتطرق إلى كيفية إقامة وإحياء هذه الشعائر وربما أتناول ذلك بشيء من التفصيل في قابل الأيام لنضع  الذين يحاولون النيل من المجالس الحسينية بالصورة الواضحة وكعادتنا نحترم جميع الآراء  شريطة أن يحترمنا من لايؤمن بنهجنا الحسيني. لسنا دعات فكر هزيل ولسنا مجموعة من المتخلفين حتى يحاول البعض بين الحين والآخرأن يطلق مجموعة إنتقادات للمجالس الحسينية مبرراً ذلك بتبريرات واهية  ساذجة ومضحكة أحيانا لوضوح قصد قائلها ، وبالتالي فهي لاتصمد أمام الدليل العلمي المبين. 
لانتهم كلّ من أشار إلى أخطائنا بأنه يقف ضدنا. الحسينيون ليسوا جهلة إلى هذا الحد ولايميزون بين الناقة والجمل. لاننكر بان هناك سلبيات كثيرة يؤسف لها تصل أحيانا إلى إثارة إنتقادات الذين يتربصون بالمجالس الحسينية الدوائر. هؤلاء يستكثرون على الحسين الملايين التي تقصده ويستكثرون إطعام هؤلاء الزوار آملين أن يحلوا المشكل الأقتصادي العالمي من توفيرهم ثمن ذلك الطعام. ومَن يدري فلربما سيقولون غدا بأن الأحتباس الحراري الناجم من إتساع رقعة الأوزون سببه تلك الملايين التي تتوجه إلى كربلاء. أيها السادة ما قولكم لو علمتم بأن الجن تقيم المجالس الحسنية في شهر محرم الحرام. تندب الحسين وتبكيه لأنه إمامها. أيها السادة ما قولكم لو علمتم بأن الملائكة تتشرف بخدمة الأمام الحسين عليه السلام لأنه أرفع مقاما منها. أيها السادة توجهوا بنيات صادقة إلى الحسين عليه السلام وسترون العز والجاه والكرامة والغنى والثروة  بتوجهكم إليه .أيها السادة ماقيمة الأموال التي تُنفق على مجالس العزاء الحسيني .أيها السادة إن حسابات الهدر في الأموال لاتُحسب هكذا وسنبين حسابها إن شاء الله تعالى بالأعشار. إنّ الذي لايؤمن بالبركة في المال كيف السبيل إلى إقناعه بأن الأنفاق على المجالس الحسينية يحل البركة على أموالنا.
كما أن ركضة الماراثون ليست أشرف من ركضة طويريج  حتى نرمي الذين يشتركون في الأخيرة بالبساطة والسذاجة. رأيت بأم عيني في أسبانيا الأوربية المتقدمة  تركض آلاف مؤلفة من البشر في الشوارع والأزقة الضيقة وراء الثيران  وترميها بآلاف الأطنان من الطماطم . رمي الثيران بالطماطم لم يكن أشرف من توزيعها على زائري الحسين عليه السلام. لن أتكلم عن هذا الآن بل هذه مقدمة لموضوع  سنتناوله بشيء من التفصيل والأنصاف بعيدين عن أي إنحياز إلاّ للحق. الذي أريد أن أتوقف عنده  قليلا هو سلبياتنا نحن الذين ندّعي بأننا من خدام الحسين عليه السلام والذين ينبغي أن نكون في خدمة الأمام الحسين عليه السلام من خلال خدمتنا  لمن يتشرفون بحضور تلك المجالس المعطرة برائحة ذكر الله تعالى والحبيب المصطفى وسائر أئمة الحق الميامين وبالخصوص صاحب الذكرى أبي عبد الله  الحسين عليه السلام ، تلك المجالس التي تربينا وترعرعنا فيها منذ الصغر فكان لها بالغ الأثر في ترسيخ المفاهيم والقيم الأسلامية في العقول والنفوس كما أنها تحرك الجوانب الأنسانية والعاطفية  المهة لدى المستمعين. لا يخفى على القاريء الكريم أن البعض قد أسلم ببركة المجالس الحسينية  وهذا الأمر ليس  محض إدعاء أو ضربا من الخيال فـوهب النصراني كان أساسا مع عائلته في خدمة الحسين عليه السلام  هل يستوي هو ومَن تفاخر عند أميره بأنه قد قتل السيد المحجب : " إملأ ركابي فضةً وذهبا # ## إني قتلتُ السيدَ المحجبا" من أجل ملك زائل وجاه وهميّ. أجزم بأن المجالس الحسينية لو أقيمت كما أراد لها أمامنا صادق العترة الطاهرة عليه
السلام لأستقطبت الملايين من مختلف الديانات والجنسيات من مختلف أقطار المعمورة. أتذكر كلمة لعميد المنبر الحسيني الدكتور الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة  يوم كنت طفلا صغيرا أحضر مجلسه في مسجد الهندي في النجف الأشرف برفقة والدي رحمه الله تعالى ورحم موتاكم  أجمعين ، أتذكر كلمة له قال فيها وحفظتها منذ الصغر : أنتم يامن تركتم مشاغلكم وأعمالكم وأزواجكم وأغلقتم الطرقات وزاحمتم مرور الناس ، هل تستمعون فعلا لما أقول أم أنكم في شغل شاغل عني وـ كثرة بدون فائدة ـ حاشاك سيدي القاريء الكريم ، إنما  أردت أن أبيّن الخلل في تصرفات القائمين بأمر مجالسنا الحسينية والذي لو تفاديناه لأصبحنا ممن إمتثل فعلا لقول إمامنا الصادق عليه السلام. مؤسف أن نرى بعض المجالس قد
تحولت إلى مضائف تحمل أسماء عشائر وشخصيات تمتد على طول الطريق إلى كربلاء. هل يعلم السادة أصحاب تلك الأسماء بأنهم قد يستوفون أجورهم من خلال كتابة أسمائهم هناك ،والله أعلم. إن الزائر يشعر بأنه في ضيافة العشيرة الفلانية والشخصية الفلانية وليس في ضيافة الأمام الحسين. أيها السادة تعالوا نكتب أسماءنا عند صاحبة العزاء فاطمة عليها السلام.أيها السادة هنيئا لكم خدمة زوار الحسين ولكن بشرطها وشروطها ، وإخلاص النيّة من شروطها. 
 
القائمون على المجالس الحسينية :
لفت إنتباهي تصرف بعض من حضر مجلس التعزية  في شهر محرم الحرام في النجف الأشرف قبل  حوالي ثلاثين عاما. كان أربعة أعرفهم عن قرب مع فارق السن بيني وبينهم ، يقومون بخدمة الذين يحضرون مجلس التعزية الذي كان يقيمه الوالد آنذاك. كانوا  يكثرون من عبارات: بخدمتك مولاي ، تفضل مولاي ، خدامك مولاي وغيرها من العبارات الجميلة المهذبة التي تليق بمن حضر مجلس عزاء الحسين عليه السلام. الأمر الذي لفت إنتباهي هو أن أحد الحاضرين لم يحصل على الطعام  ـ القيمة ـ مرتين فبصق بوجه ذلك الشاب الرائع الذي كان يتولى مهمة توزيع الطعام. أسرها ذلك الشاب في نفسه ولم يبدها له. بل قال له : عفوا مولاي ، صدقني لم أنتبه بأنك لم نحصل على المزيد من الطعام. أعدك بعدم تكرار ذلك غدا ، سامحني أغاتي، قالها وهو يمسح بيده المباركة وجه ذلك الذي بصق بوجهه.كنت في الثامنة من العمر وكنت مهتما بتربية نفسي وأعتبر ذلك  نوعا من المساعدة للوالد كي لاأرهقه كثيرا وأشغله عما هو أهم من ذلك. كانت عادة أولئك الأربعة أن يذهبوا إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام بعد إنتهاء المجلس مباشرة. سألت والدي ببراءة الطفولة : لِمَ يذهبُ هؤلاء للإمام مباشرة بعد إنتهاء المجلس ياوالدي ؟ أجابني : ليأخذوا أجرهم منه . إنهم خدّام إبنه الحسين عليه السلام ياولدي. إستأذنت من الوالد بأن أذهب معهم إلى الأمام عليه السلام تلك الليلة وفعلا فقد وافقوا أن يأخذوا ذلك الطفل الصغير معهم. دخلنا الحرم العلوي المطهر. هرع الذي بُصِقَ بوجهه إلى القبر الشريف وما أن اشبك أصابعه على شباك القبر حتى أجهش بالبكاء : سيدي ياأبا الحسن سامحني إن كنت قد أسأت إلى إحد من حاضري مجلس إبنك الحسين ولم أنتبه بأنه لم يحصل على مايريد أوما يحتاج من الطعام. لقد أحزنتُه كثيرا إلى درجة أنه بصق بوجهي ولكني يامولاي من حيث لا أشعر. سامحني يامولاي أرجوك. كان يتكلم مع الأمام وهو مرهق متعب ويطلب السماح من الأمام عليه السلام. آخر سمعته وقد ألصق شفتيه على الضريح الطاهر : مولاي أنا لم أطرد أحدا ولم أنهر أحدا ولم أعبس بوجه أحدٍ من حاضري مجلس إبنك الحسين. فهل ستطردني يامولاي يا أبا الحسن. ثالث إستقبل القبلة : إلهي بحق الحسين تقبل منا هذه الخدمة، إلهي أجرنا هو أن تتقبل منا وتسامحنا إن أخطأنا. ورابع : إلهي إعفر لكل من أساء اليوم لنا في المجلس وإعفر لنا إن كنا نحن السبب في ذلك  يامن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. توزعوا حول الضريح المقدس وكلّ يتحدث مع الأمام ويطلب منه أن يسامحه إن قصّرَ في خدمة زوار إبنه الحسين. كنت أدور حولهم وأستمع لهم بعناية. تيقنت حينها بأن لخدمة الحسين عليه السلام مقامات عالية ودرجات رفيعة. هؤلاء ليسوا كسائر الخدم . هؤلاء عرفة  قد عرفوا الحسين فذابوا فيه. هؤلاء روحانيون أطهار وتلك هي صفات خدام الحسين عليه السلام .تقدمت نحو الضريح الشريف وخاطبت الأمام ببراءة الطفولة : مولاي أعطهم أجرهم فقد بعثني والدي لأشهد لهم بأنهم لم يطردوا أحدا من حاضري مجلس التعزية عندنا. إنهم نعمَ الخدّام للحسين. كان هذا أيام زمان فما بالنا اليوم نتخاصم فيما بيننا على توزيع الطعام ناهيك عن السباب والشتم والدفع بالأيدي وربما الركل بالأرجل من أجل توزيع الطعام في المجالس ونحن نحمل تراثا فكرياً ضخما وننتمي إلى مدرسة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. على القائمين بأمر المجالس الحسينية أن يختاروا من يخدم الحاضرين بمواصفات أولئك الأربعة الذين ذكرتهم . لاينس بعض الأعزة أن خِدمة زوار الحسين عليه السلام هو شرف عظيم. الملائكة تتشرف بخدمة المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام. إن لخدام الحسين عليه السلام وزواره مقامات عالية ومراتب رفيعة فهنيئا لمن سجل إسمه في قائمة شرف خدمة الحسين.كم قرأنا في التاريخ  وسمعنا بأن علماء كبار رحمهم الله كانوا يتبركون بالغبار العالق على أصابع أقدام زوار الحسين بأبي هو وأمي ونفسي ومالي وولدي. أيها الخدّام الحسينيون إغتنموا فرصة خدمتكم لزورار الحسين وحاضري مجلسه ولا تضيعوا أتعابكم من خلال نهركم أو زجركم  أو عبوسكم بوجه الحاضرين. أنا العبد الفقير أقولها دائما بأني ومَن كنتُ وليه ، نحن خدام لخدام الحسين لأن خدمة  زوارالحسين عليه السلام تحتاج إلى التوفيقات والتسديدات الربانية. إليكم هذه القصة المختصرة :
 
إنه ضيفي أيها الشيخ :
يُروى أن رجلا عاميّا  قصد زيارة الحسين عليه السلام فلما إنتهى إلى القبر الشريف جلس على الأرض وأخذ يتحدث مع الأمام  بشكل عفوي : إي إشلونك بعد مولاي ، واالله أعذرني يابو علي إجيت متأخر هل المرّة عليك ياسيدي.. أثار كلام الرجل العاميّ مع الأمام إنتباه وفضول أحد العلماء الذي كان يستهجن حديث العاميّ مع الأمام بتلك الكيفية ولكنه وقف بعيدا ينظر ويسمع إلى أن أخرج ذلك الرجل كسرتين من الخبز ومعهما بعض الخضروات وأخذ  يقدّم للأمام ويقول : هاي وحدة إلك ووحدة إلي . والله ماعندي غيرهن يابو علي يامولاي. لم يحتمل ذلك العالم الجليل سماع المزيد من ذلك الكلام العفوي العاميّ مع الأمام عليه السلام. تقدم بشكل غاضب نحو ذلك الزائر ومسكه من تلاببيب ثوبه وصرخ بوجهه قائلا : واقعا إنك لاتخجل ولا تستحي ، ثم ماهذا الخبر والكرّاث الذي تقدمه للإمام. أخرج الآن من الحرم . توسل الزائر بذلك العالم أن يمهله قليلا كي يسلم على الأمام ويودعه ولكن العالم أصر على إخراجه من الحرم الحسيني المطهر. خرج الزائر العاميّ المسكين مختنقا بعبرته لأن العالم قد حرمه لحظات توديع الأمام والأستأذان منه للإنصراف. في منتصف تلك الليلة رأى الناس ذلك العالم كالمجنون يبحث عن ذلك الزائر العاميّ  في شوارع وأزقة كربلاء المقدسة ، يبحث عن ذلك الزائر الأميّ العاميّ كي يقبل أقدامه. إلتف
الناس حول العالِم : ما الخبر جناب الشيخ ؟ أجابهم بعد أن ذكر لهم قصة ذلك الزائر وما جرى له على يديه :
نمت الليلة وإذا بي أرى في المنام سيدي ومولاي وإمامي أبا عبد الله عليه السلام. إستبشرت كثيرا برؤيته فلطالما كنت منتظرا لتلك الرؤية المباركة ولكني كلّما أردت محادثة الأمام عليه السلام أعرض بوجهه عني وكأنه متألم مني : مولاي أبا عبد الله  لماذا تعرض بوجهك عني، هل صدر مني ما لايرضيك. يقول العالم : أجابني الأمام : لقد طردتَ زائري من بيتي. مَن سمح لك بذلك إنه ضيفي وكان يتكلم معي وأنا أستمع إليه، ويكمل الأمام : أيها الشيخ كن واثقا أني قد أخذتُ منه تلك الكسرة من الخبز وشكرته عليها. يقول العالم إنتبهت مذعورا فزعا  أبحث عن ذلك الزائر الحسيني كي أقبل أقدامه وأعرب له عن ندمي عمّا فعلته معه البارحة. قصة تحتاج إلى أن نتدارس تصرفاتنا نحن الذين نقوم بخدمة حاضري مجلس الحسين عليه السلام. قصة لاتحتاج إلى المزيد من التعليق والتعقيب.
 
العالم الجليل والخادم سليمان :
عالمٌ جليلٌ من علماء النجف الأشرف سمعته يقص على والدي بعد صلاة الفجر في الرواق المطهر لحضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، قصة سليمان ، مبينا مقامات خدام الحسين عليه السلام : " سليمان يخدم في المجالس التي نقيمها على روح أبي عبد الله الحسين. رجل طيّب كنت أقرأ في وجهه علامات الصالحين. أسكنته مدرستي التي أدّرس فيها الطلبة وخصصت له غرفة في الطابق العلوي. يتولى سليمان خدمة الطلبة  في المدرسة كما أنه يتولى توزيع الماء في المجالس الحسينية وكانت من عادة سليمان أن يقول عند توزيعه الماء عبارة : تذّكر عطش الحسين تُروى يوم الضما. يواصل الشيخ العالم الجليل : من عادتي أن ( أنده ) وتعني باللهجة العراقية أنادي ، سليمان كي يتهيأ هو ومِن بعده الطلبة لصلاة الفجر ولكني هذه الليلة كلّما ناديته بإسمه لم يجبني. أقلقني أمره وقلت لربما حصل له ما لايُرتجى. صعدت إلى غرفته وطرقت الباب ولكن دون جدوى. دفعت الباب ففتحته وإذا بنور كاد أن يُذهب ببصري وسليمان مستيقظ جالس وسط الغرفة. سلّمت عليه فقام كعادته حينما أسلّم عليه وقبل أن يردّ عليّ السلام قلت : سليمان مولاي ما أقبحني حينما أتترك تقوم من أجلي. سليمان جئت لأستفسر عن عدم إجابتك لي وأنا أناديك  وإذا بيّ أرى ذلك النور. سليمان أتوسل إليك أن تخبرني عن ذلك النور الذي إختفى. سليمان من الآن فصاعدا أنا خادمك. أنا أحضر لك الماء وحتى نعليك. كنتُ صغيرا حينها وشعرتُ بأن كلّي أصبحَ آذان صاغية لذلك العالم الجليل وهو يقص قصة سليمان على والدي في الرواق المطهر. يواصل الشيخ : توسلت لسليمان أن أكون بخدمته ليلة واحدة لكنه إمتنع وأبى. بينما انا كذلك وإذا بي أسمع هاتفا يهتف : هذا النور مقام سليمان أيها الشيخ. قررت من ساعتها أن أخدم في مجالس التعزية وأتولى توزيع الماء على روح سيد السعداء والشهداء وأجلس مجلس سليمان في المجالس ـ عند الباب ـ  عسى
أن اصل إلى مرتبة سليمان العالية.
 
حاضروا المجالس الحسينية :
إعتدنا ومنذ عهد طويل حضور المجالس الحسينية لأنها مدارس تربوية رائعة يحصد الجالس المستمع أنواع المعارف والعلوم كما أنه يطلعُ على بعض الحقائق التاريخية والسيَر المختلفة بالإضافة إلى الأجر والثواب. هناك مَن يحضر ليس من أجل الأجر والثواب. بل يرى أن الحضور واجب عليه من أجل مواساة رسول الله وفاطمة الزهراء وامير المؤمنين والحسن وزينب والجحة بن الحسن عليهم السلام. هؤلاء يمثلهم قول السيد رحمه الله :
 تبكيكَ عيني لا لأجلِ مثوبةٍ      &&&&           لكنما عيني لأجلكَ باكية            
     
لقد إعتدنا أيضا أن نتحدث عن أمور العمل ومشاكله بينما يتحث الخطيب عن أمور مهمة كأن يتطرق مثلا إلى شرح آية من آيات الذِكر المجيد أو يناقش مسألة إجتماعية مهمة من منظور  إسلاميّ شرعي. لقد تطرقنا إلى وصف حالنا  في مجالس الذكر والدعاء في كلام سابق هنا في النور. حالنا يكاد يكون ثابتا في جميع المناسبات ولا يتغير.أحسب ذلك حسنا إن لم نتقهقر. صحيح أن الأعادة تورث الملل ولكنها تفيد التوكيد أحيانا ولو أني لاأميل إلى التكرار مهما كانت الأسباب. مؤسف أن يفهمنا البعض بأننا ندعو إلى حسر الأنفاس في المجالس وأن طبائع الشباب  التحرك وحب الفكاهة وأن الأولاد مخلوقون لزمان غير زماننا وإننا نكون عاملا منفرا للشباب بدل إستقطابه وهلم جرا من تفسيرات غير دقيقة للنصوص. كلّ يفسر الظاهر حسب  مايريد.لماذا يفهمنا البعض بأننا ندعو إلى الأعتكاف في المساجد والبيوت. إن عدم الركون إلى الدنيا لايعني البتة إلى الأنعزال والتقوقع وعدم معاشرة الأخيار والصالحين وأهل العلم وأهل الفضل.إن عدم الركون إلى الدنيا يعني جميع الخصال الحسنة لأن " حب الدنيا رأس كلّ خطيئة " وليس عدم حبّ الدنيا هو رأس كلّ خطيئة. لا أدري واقعا كيف يحسبها البعض ـ بتعبيرنا العاميّ ـ .عدم الركون إلى الدنيا إذن يعني صلة الأرحام والسؤال عن الأخوان والدعاء لهم بظهر الغيب والعطف على الفقراء والسعي في قضاء حوائج الأخوان وبر الوالدين والأحسان إلى الأهل والعيال والرضا بما قسم الله وعدم التذمر في الفقر وعدم التفاخر في الغنى وقول الحق وعدم شهادة الزور والرزق الحلال وعدم أكل أموال العباد بالباطل والرفق بالحيوان والمعاملة الحسنى لبني البشر على أنهم إخوة وشركاء في الخلق. أيها السيد العزيز لايخفى على جنابكم أن الله تعالى قد أمر نبيه موسى على نبينا وآله وعليه السلام أن يحضر تشييع جنازة إنسان لم يكن قد آمن بموسى ، وحينما سأل موسى ربه عن سبب ذلك جاءه الجواب من السماء : أن ياموسى إن هذا الأنسان قد رحِمَ خَلقاً مِن خَلقي. لقد تبين فيما بعد أن ذلك الأنسان قد أنقذ كلباً ـ أجل الله القاريء الكريم ـ   من الهلاك بسقيه الماء. القصة شبه معروفة للجميع. كيف إذن الحال مع الأنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه وهوبناء الله ملعونٌ مَن هدمه كما جاء في الخبر. لايمكن أن نتحدث عن خدمة زوار الحسين دون التعرض إلى الأنسان الذي كرّمه الخالق عزوجل. إليكم هذه القصة التي توجز مانريد قوله :
 
إنّهُ عبدي ياإبراهيم :
معروفٌ أن الدفء هو فاكهة الشتاء. فالضيف في الشتاء يستأنس بالدفء ويجد فيه ضالته. حلّ أحدُهم ضيفا على نبي الله إبرهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام وكانت تلك الليلة من الليالي الباردة جداً. إستقبل نبي الله إبراهيم ضيقه إستقبالا لائقا وأوقد له النار لينعم بالدفء ولكن الضيف ما إن رأى النار حتى بدأ بالسجود لها وتقديسها وتعظيمها. تيقن النبي أن الرجل الضيف هو من عّبّدة النار. تألم النبي إبراهيمُ كثيرا من ذلك وقال لذلك الضيف : أنت في بيت نبي الله وتعبد غير الله وتسجد للنار من دون الله. أخرج من بيتي حالاً.إلتفتَ الرجلُ إلى نبي الله إبراهيم وقال له : ولكن هلاّ أطعمتني ياإبراهيم قليلا قبل أن تطردني من دارك.  أنا جائعٌ ياإبراهيم..أبى نبي الله إبراهيم عليه السلام ذلك وطرد الرجلَ من بيته. جنَّ الليلُ على إبراهيم وإذا بالعليّ الأعلى تبارك وتعالى يخاطب نبيه إبراهيم معاتبا : لِمَ طردتَ ذلك الضيف ياإبراهيم. أجاب إبراهيم عليه السلام :
 يارب إنه وكما تعلم قد سجد للنار دونك فأنا قد غضبتُ فيك لأنه كافر بك ياربّ العالمين. فجاءه الرد من العلي الأعلى سبحانه وتعالى : إنهُ عبدي باإبراهيم وإن كان كافراً بي. لقد أطعمتُهُ وكسوتُه وسقيته لثلاثين عاما ، وأنت لم تطعمه ليلة واحدة ولم تأويه سواد تلك الليلة. هذه هي رحمة السماء التي ندعو لها..  إنه ضيفي أيها الشيخ  إنه عبدي ياإبراهيم العالمُ الجليلٌ وسليمان قصص تروي لنا مقامات زوار الحسين وخدامه وحاضري مجلس عزائه. الذي لايؤمن بهذا هو حرٌ ونحترمه بل نحترم كلّ الأراء وليس بالضرورة أن نتبعها أو نؤمن بها.
 
مَن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه :
 ليكن ما يرجوه البعض من المجالس وهي أننا نلتقي هناك ، نتحاور ونتشاور في كلّ الأمور. ما الضير في ذلك. الضير هو أن نحضر المجالس من أجل ذلك فقط. أيها السيد الكريم لايفوتك الأنتفاع من المجالس الحسينية فهي بالأضافة إلى كونها عميمة البركة وفيها ذكر سيد الشهداء عليه السلام  فإن فيها الكثير الكثير من الدروس التربوية والأخلاقية. لقد بحثنا من خلال التجارب المتواضغة ودرسنا دراسة مستفيضة سلوك وتصرف الصغار الذين إعتادوا أن يكونوا برفقة ذويهم في المجالس وليس إلى المجالس فوجدنا هؤلاء الصبية والأحبة الصغارهم في الغالب أذكياء في الدراسة والتحصيل العلمي كما أنهم يمتازون بمنطق مهذب مؤدب  وأن نسبة التسيّب والضياع تنخفض إلى أدنى مستوياتها بين صفوف هؤلاء الأعزة.
حتى بالنسبة للذين لايؤمنون ببركة الأمام الحسين وكيف أنها تشمل الحاضرين مجلسه ولديّ ما شاء الله من الأدلة العلمية والعملية الدامغة على صحة ذلك ، ولكني أقول حتى لو إفترضنا عدم حصول ذلك جَدَلاً فإن الأستماع  الدائم لأحاديث  مكارم الأخلاق والسير الحسنة له تاثيراته النفسية والروحية . وعلى غرار المثل القائل : إذا كان ربُّ البيت للدف ناقرا ( ضاربا ). ننظم على نفس الوزن ولكن بمفهوم معاكس تماما:
إذا كان ربُّ البيت للهِ ذاكراً
فشيمةُ أهل البيت كلهُمُ  الذكرُ
إنه يدخل من باب من شبَّ على شيءٍ شاب عليه. فلم نتهاون ونترك قلذات أكبادنا يشبّون على غير الفضائل والمكارم والطهر والعفاف. إننا  نظمنا ذلك البيت لنبين أن الحكم على الأشياء في الجواز أو عدم الجواز هو واحد. فإذا كان البيت الذي يُضرب فيه الدف يُنتج لنا أسرة راقصة فإن البيت الذي يُذكر فيه الله تعالى يُنتج لنا أسرة ذاكرة لله سبحانه. أسأل الله  تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الجنة ورضاه وأن يدخلنا في كلّ خير أدخلّ فيه محمداً وآلَ محمدٍ وأن يُخرجنا من كلّ سوءٍ أخرجَ منه محمداً وآلَ محمدٍ وان يرزقنا في الدنيا زيارة الحسين عليه السلام في كربلاء زيارة عارفين بحقه وأن يرزقنا شفاعته في الآخرة مع شفاعة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم لاينفعُ مالٌ ولابنون إلاّ مَن أتى الله بقلبٍ سليم وقد أتيناه بالحسين عليه السلام. وأن يحرس أوطاننا وشعوبنا بعينه التي لا تنام وأن  يشغل الظالمين بالظالمين والمعتدين بالمعتدين وأن يجنبنا أذاهم وينصرنا عليهم أجمعين.
                            

كافة التعليقات (عدد : 4)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي من : السويد ، بعنوان : شكرا على زيارتكم في 2011/01/17 .

ولدنا العزيز السيد محمد باقر الكيشوان الموسوي رعاه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر مروركم الكريم ودعاءكم لنا بالتوفيق لشرف خدمة زوار الحسين عليه السلام. بلغني أنكم ذاهبون لزيارة الأربعين. لتنسونا من الدعاء عند رأسه الشريف بأبي هو وأمي.سلامنا على السيد الوالد العزيز والوالدة العلوية الكريمة والأولاد جميعا.

شكرا الى الأستاذ الفاضل محمد البغدادي والسادة الأفاضل في موقع ـ كتابات في الميزان ـ على جهودهم المباركة متمنين للجميع قبول الأعمال ونيل الطلبات وقضاء الحاجات وإستجابة الدعوات والتوفيق لفعل الخيرات.

تحياتنا ودعواتنا

محمد جعفر الكيشوان الموسوي



• (2) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي من : السويد ، بعنوان : شكرا على زيارتكم في 2011/01/17 .

الأستاذ الفاضل عزيز الفتلاوي دامت توفيقاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر مروركم الكريم وتعليقكم الجميل الواعي سائلا المولى عزوجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه والجنة.
دمت بألف خير.

تحياتنا ودعواتنا

محمد جعفر



• (3) - كتب : محمد باقر الكيشوان من : سوريا ، بعنوان : اللهم وفقنا لخدمة زوار ابا عبد الله (عليه السلام) في 2011/01/13 .

شكرا لك سيدنا الفاضل على هذه المقالة الرائعة و المؤثرة ووفقنا الله واياكم لخدمة سيد الشهداء (عليه السلام)

• (4) - كتب : عزيز الفتلاوي من : العراق ، بعنوان : اللهم اجعلنا من خدمة زوار الحسين عليه السلام في 2011/01/07 .

الاستاذ الفاضل جعفر الكيشوان
صدقني وانا اقرأ مقالكم لم امنع دموعي
هنئيا لكل من كان بخدمة زوار الحسين عليه السلام
وهنئيا لم كان خادما لخدام زوار الحسين عليه السلام




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2380
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29