• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : أم حسن .
                          • الكاتب : حمودي الكناني .

أم حسن

تتداخل أماكن عرض الخضار مع بعضها  في السوق الشعبي في منطقتنا حتى انك تضطر للسؤال  لمن هذه  الكومة  من السبانخ أو تلك من الكرفس والكراث أو لمن هذه البطاطا .  أنواع الخضار والفواكه يعرضها باعة من كل الأعمار من كلا الجنسين . لكن المكان الذي تحتله الحاجة أم حسن بائعة الخضار  مكان مميز ويلفت النظر لما يمتاز به من حسن الترتيب والنظافة . أم حسن تلك العجوز المرحة الأنيقة لم تهزها المحن ولم تحفر السنين الخمس والسبعون أيّ مجرى نهر في محياها  الضحوك . حينما تمر بالقرب منها وتحدق في ما تعرضه  يجبرك استقبالها الحسن بالتوقف عندها وشراء ما يلزمك من الخضار.  ولأنني احد زبائنها الدائمين  توجه لي سيلا من الأسئلة عندما انقطع  لفترة ما عن التسوق والمرور بها  وتناول أطراف الحديث عن مستجدات الساعة على الساحات جميعا . هذا هو اهتمامها الكبير وكأنها تحمل كل هموم الفقراء والمتعبين  من أبناء قومها , وأحينا يتعدى ذلك الاهتمام حدود الوطن  حينما تبدأ تتحدث عما يعانيه الناس من محن وكوارث كالأعاصير والحرائق  وأحداث القرصنة في خليج عدن ..  لديها صفيحة سمن نباتي فارغة  تضعها بجانبها  مخصصة لجلوس اعز الزبائن عليها .  تقدمها لي للجلوس عليها كلما مررت بها وإن لم اجلس ذاك الصباح تبدو عليها علامات عدم الرضا  والامتعاض . ولأنني أجد ضالتي في أحاديثها التي تعبر عن طيبة الناس  البسطاء  ونظرتهم لما يجري حولهم وإرضاءً لها اقتطع من وقتي مدة مخصصة لتبادل أطراف الحديث معها . تستهويها أحاديث الساعة  المتعلقة بالسياسة والأدب والفن . لأنها دائمة الاستماع إلى نشرات الأخبار  ومتابعة برامج الشعر الشعبي في بعض الفضائيات كالسومرية وغيرها ... وإذا جاء دارمي على لسانها تحتم عليك الرد السريع مجاراة لما قالت و إلاّ فأنت لا قدرة لك على مجاراتها  . أم حسن هذه هي معيل نفسها  , إذ لم يعد لها معيل  بعد أن فُقد حسن في إحدى معارك ألثمان سنين  وولدها الثاني محمد لم يُعرف خبره بعد الهزيمة المروعة في أحداث العام 1991.  أما أبو حسن هو الآخر أخذه رجال الأمن ولم تُعرف أخبارُه حتى الآن . لربما تُرك رفات تحت شجرة جفت أوراقُها في الصحراء . من يعلم .... ؟؟    لقد أقلمت نفسها جيدا  على فقد أحبتها وكلما تذكرت احدهم ترتسم ابتسامة حزينة على ثغرها الذي عشق السيجارة واستمرأت شفتاها لون الدخان . عيناها لا تذرفان الدمع أبداً  لأنهما تعودتا على وجع الأيام وقسوتها.

لقد أبدت أم حسن اهتماما كبيرا في مجالس المحافظات  وكأن العملية تهمها أكثر من بقية الناس  فكنت كلما مررت بها تسألني :

 ها يمه أبو علاء شنو سويت ؟ رحت على الناس وتنخاهم ؟ تره أنت خوش رجال تستاهل كل الخير  . إي والله أنت خوش ولد ومعروف واستاد وكدها واكدود . إي صدّك يوم إحنا بحاجة إلى مثلك وأمثالك  . شوف يمه   .. آني ذني مهات السوك كلهن بلغتهن وحده وحده وكلتلهن أحسن مرشح يمثلنا في مجلس المحافظة هو هذا الاستاد . هو إبن اوادم وعينه متروسه  وكريم النفس وكل الناس تمدح بيه .  بس يوم بيني وبينك أخاف تفوز وبعد ما تعرف أم حسن  وتكول عوع شنو امر بهيجي شكولات .

ولما نظرت إلي  الحاجة أم حسن بإمعان ورأتني مصغيا لكلامها مبتسما  , تساءَلت باعتذار :

ها يمه خو ما زعلت والله آني أعزك من كل كلبي . يوم  أنت ما طلعت منك المو زينه  . تراني امزح وياك . يوم الطبع البلبدن ما يغيره غير الجفن .  بس يوم إذا فزت  نريدك تبلط لنا هذا السوك . خو انت شايف شلون يصير طينه من تمطر الدنيا . مو بس هاي يوم تبذل جهدك وليدي  وتهتم بالناس الفقراء تره الوادم مالها غير الله وغير الخيرين يديرون بالهم على مصالحهم  . شوف ابني انظر الهذا الزرع شوفه شلون راوي  وممتاز  لو ماكو واحد يداريه وعينه من عنده ما صار هيجي . نريد تدير بالك مثل هذا الفلاح  اللي يدير باله على زرعه. اووووف يمه  والله أنقهر من أشوف الداير ما دايرنا متونسين وما مهتمين غير بس براحتهم  . جا يمه إحنا شمالنا وشعايزين . شو خير من الله . نفط وزرع وماي وحلال  و كل شي موجود في هذا البلد , إي والله يمه كل شي موجود  بس كون الله يهدي كلوب المسؤولين ويخلون الله بين عيونهم .

أدهشني كلام أُم حسن هذا ولكن الأكثر دهشة هو مطلبها أو لنقل أُمنيتها في حالة الفوز . لم تطلب شيئا لنفسها  ولم تطلب تعيين قريبا لها بوظيفةٍ أو عملٍ ما  وإنما تمثل مطلبها بتبليط السوق الشعبي  . مطلب كم هو بسيط  وكم هو نافع للجميع للباعة وللمتسوقين  والفائدة عامة .  ترى كم من المطالب في أذهان الناس مشابهة لمطلب الحاجة أُم حسن ؟ 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=25619
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16