16 كانون الثاني 2011
في مثل هذه الايام تقريباً من عام 1983 زار بغداد سيرك فرنسي، ونصب خيمته على ارض جزيرة الاعراس السياحية التي تقع تحت جسر الجادرية في جانب الكرخ والتي كانت تسمى قبل انشاء هذا الجسر بجزيرة " ام الخنازير"، وقتها كنت في بداية المرحلة المتوسطة وعندما سمعنا انا واخوتي بذلك السيرك منيَنا انفسنا ان يصطحبنا والدي خلال العطلة الربيعية للتفرج عليه وقد كاد يفعل لولا ان ان اخباراً اخرى عن ارتفاع منسوب المياه في نهر دجلة ادى الى غرق جزيرة الاعراس ووصلت المياه الى خيمة السيرك مما اضطر القائمين عليه الى تفكيك الخيمة والرحيل عن بغداد، فحدثتنا والدتي عند سماعها لهذا الخبر عن سيرك اجنبي آخر زار بغداد في مطلع الستينات ونصب خيمته في جانب الرصافة وصدف ايضاً ان فاض دجلة في ربيع ذلك العام فاغرق ارض السيرك واجبر اصحابه على الرحيل ايضاً !، وفي ربيع عام 1990 لم يخبرني احد بل رأيت بعيني كيف ارتفعت مياه دجلة فوق ارض جزيرة الاعراس ووصلت الى مسافات بعيدة داخلها ..
في هذه الايام تحديداَ ربما يكون قد مر على حادثة السيرك الفرنسي وفيضان دجلة ثمانٍ وعشرين سنة وما اثار ذكراها في نفسي منظر دجلة وحالة اليوم، حيث كنت وصديقتي قبل ايام نعبر احد جسور بغداد سيراً على الاقدام فبان نهر دجلة ضحلاً بشكل لا يصدق وظهرت وسطه "الجزرات" الطينية التي تحولت ملجأ لبعض طيور الماء بينما ضاق النهر ليكشف عن ضفاف ترابية واسعة وكان قاع النهر في بعض المناطق واضحاً من فوق الجسر، كل هذا ونحن مازلنا وسط موسم الامطار في العراق او تركيا حيث منبع نهر دجلة.
اقترحت صديقتي ان نلتقط بعض الصور لمنظر النهر الضحل فاخرجت كاميرتي التي احملها معي معظم الاوقات وقمت بالتقاط بعض الصور وبعد مرور دقائق قليلة رأينا احد افراد قوات حراسة الجسر يتجه نحونا وعندها اخذ يسألنا عن الكاميرا وهل قمنا بالتقاط صور فرددت عليه بالايجاب فاخبرنا ان التصوير ممنوع وعندما سألته عن سبب المنع قال لان الجسر قريب من اماكن حكومية فشرحت له اسباب التقاطي للصور واني كنت اركز على الجزر الطينية التي ظهرت وسط النهر ولا تعني لي الاماكن التي تقع على ضفته شيئاً فطلب منا ان نتجه الى نقطة الحراسة التي تقع في بداية الجسر وبالفعل ذهبنا وهناك التقينا الضابط المسؤول الذي عرف قبل وصولنا بالموضوع فاعدنا شرح الموضوع له وان كل ما يهمنا هو نهر دجلة الجميل الذي آلمنا منظره الحالي، واننا اساساً لم نكن نعلم بمنع التصوير على جسر عام هو ملك لكل العراقيين فبين لنا ان هذا الاجراء انما هو لاسباب امنية .
الضابط ورجال حراسة الجسر ادوا واجبهم بكل امانة وحرص وكانت معاملتهم لنا بمنتهى الادب والاحترام، وعندما سألني احدهم عن جدوى تصوير نهر دجلة وكتابة موضوع حول الانخفاض المرعب في منسوب مياهه حيث ان هذا الانخفاض مستمر منذ عدة سنوات وحتى الان دون اي تحرك من الحكومة والوزارات المعنية ، اخبرته بان التأشير والاعتراض على مواطن التقصير والخلل في عمل الحكومة هو واجبي كمواطنة وأعلامية وعليّ ان اوديه بأمانة كما قام وبقية افراد طاقم الحراسة بتأدية واجبهم بأمانة، اما عندما نؤدي واجبنا ونشير الى الخلل ولا نجد استجابة فهذا يعني ان هناك من لا يقوم بواجبه كما ينتظر منه ..!
انتهت حادثة تصوير نهر دجلة من فوق احد جسوره بسلام لكن احداً لم يرد على تساؤلنا المشروع الذي اثاره النهر والموقف مع حراس الجسر وهو: انتم يا من منعتم التصوير من فوق جسور بغداد نرى انكم انتبهتم الى الخطر الذي قد يحدق بكم وبقصوركم القريبة من ضفاف النهر لكن متى ستنظرون الى دجلة الذي اخذ يضمحل يوما بعد اخر والى خطر الجفاف الذي يحدق بحياة ملايين العراقيين ومتى سنسمع عن وفد كبير من كل الكتل يتجه الى تركيا لا لطلب مساندتها في الاستقواء على بعضكم بل للتفاوض حول مشكلة شحة المياه في دجلة والفرات ؟؟!!.. حراس الجسر ادوا واجبهم تجاه الوطن وتجاهكم فمتى ستؤدون انتم واجبكم نحو العراق وشعبه ؟؟!!
|