• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مَوبوءَة النُهى... .
                          • الكاتب : د . سمر مطير البستنجي .

مَوبوءَة النُهى...

يا نُهايَ الموشوم بالنُكران الموبوء بالأحزان..ألازلتَ تَذكُره؟
ألا زلتَ تذكرُ التَّفاصيل...؟
أم أن ذكرى حُبّنا اليتيم قد أيقظَك...؟
عام من الصَّبابة قد انقضَى..كأنه عمر في الفِردوس أو أجمل..صباحاته لنا وحدنا كانت تستفيق..وشمسه لنا وحدنا كانت تُشرق..
كنتُ أرقبُ الصباح بعيون مسّها الكَرى ولم يَطال..كنتُ أرتجي الليل الأفول فأناديه:متى ستُفرج يا ليل عن صباحات الحبيب.
فيجيبني:"إنّ الصُّبح لناظرهِ قريب".
صباحات كانت تستفزّ أنوثتي بكيدها الجميل..وتَسكبُ في أوصالي بدعابة شقيّة نُسغ الشَّباب....ومع كل يوم ينقضي كنتُ ازداد به ولهاً ولشمسنا عشقا..حتى أدركني صباحٌ منهكٌ عجوز لمْ تَستفق فيه الشمس ولم تعُد قادرة على الشروق،صباح لم يكن ضمن حساباتي الواعية الواثقة ،صباح لربما نسيتُ أن أبتدأهُ ببسملة البداية وتسابيح الفلاح فأنكرني.. حتى شحّ بيننا الوصال،وتقطّعت بنا الأسباب،وأعرض عنّا الهوى وأشاح..فكان الثمن قطيعة ،هجر..ونكران.
تركني ورحل..! تركني وحيدة أُجدّل في انتظاره جدائل الصباح ..وأُصلّي كي تُطوى الأرض فنلتقي ، ولكن لا صباحات نفعتْ ولا صلاة شفعتْ..فتخلّى وتَمادى في الهجران..فاشهدوا أني موبوءة النُهى عليلة التَّوق ،وأني به اليوم من المكلومين.
اليوم ؛وفي ذكرى حبّنا اليتيم يُلهبني البُعد ألماً..ويقدّني الحنين قدّا...والذكرى تَتدفق في دمي غزيرة غزير، تتدفق بكثافة أكبر من ان تحتملها ذاتي المُرهقة..أو تستوعبها ذاكرتي المجوّفة..
 فكيف أنسى..!
وماذا بوسعيَ أن أنسى..؟
كيف أنسى ما قاله لي في ذات يقين:
قال أني أنثاهُ الأصدق ،بل الأنقى،بل الأشفّ بل الأرقى.. بل كلهم وأتقى...وانّ لي في ذاته خصاصة،وانه اجتباني اليه حُبّاً وكرامةً دون العالمين ..واني التقيّة النقيّة  قد تعاليتُ عمّا يُدنّسون..
وفجأة:تَخلخلتْ قيم اليقين،وتوجّع الإيمان من جرح الخَطيئة ..فتساقطّتُ على أعتابهِ حبّة يقينٍ تتلوها حبة نقاءٍ تتلوها أخرى،حتى انفرطت بيننا سلسلة العِماد..وتركني أُلملم تَبعثري ومضى.
وكيف أنسى ما قاله لي ذاتَ عشقٍ؟
قال أني أنثاه الأجمل ،بل الأحلى ،بل الأروع.. بل كلهم وأبهى..قد اجتمعت فيّ جواهر الملكوت...واني سُكّر هذا الكون ونبيذ الأنوثة وتمر النخيل وعنب دالية المواجد..
واني قد جلبتُ نعائم الغيم وتبتّلتُ للرزق فهَما..فأزهر الربيع بين كفيّ ونَما..
وفجأة: اعتراني وهنٌ واجتاحني ذبول ..وشاخَت في ناظريهِ أشيائي اليانعات،فتركني أُعاني الجفاف ومضى .
واذكر انه قال لي ذاتَ شعرٍ:
أني أبجديات شوقهِ،وسلطانة بوحهِ،وحديث ذاته ،ونَفخ الروح في مِداده وسطور دفترهِ الثَّمين.. بل كلهم وأكثر..
واني انسكابُ الرقّةِ في معانيه ،ونقرُ الحنين في لياليهِ،
وان الكلام لي ومعي قد قُدّ من غرورٍ وانثالَ من جُمانٍ وانشقّ من برجوازيّة محبّبة..وأنّي زيزفونة القصيد التي من نحاسيّتها قد تلألأت الشمس وأبرق الصَّباح..
وفجأة:تقزّمت زيزفونتي..وبُترت قصائدي..فلا تولّدتْ بين كفيّ شمسٌ ولا أشرقَ بين عينيّ الصباح..فتركني أتعثَّرُ بلغتي الفاترة وبدمعتين ومضى. 
ولستُ أنسى ما قاله لي ذات إعجابٍ:
قال أنّي مُنية روحه وجنيّة خياله وفتاة أحلامه...بل أنّي دعوة أمّهِ الصَّالحة،وحلم كل رجلٍ عاقل ؛ بل أحلى وأغلى...
وأنّي أحلامهُ المؤجلة التي طافَ حولها سبعاً من السنين يسعى...
وفجأة:شاخَ في عيون الجمال طيفي...وتبعثر في سَجع الرحيل مكاني،وما عدتُ طارقة الليل التي تقصّ عليه حكايات الوله وتُشعل بأهدابها القمر، فتركني أعاركُ الكَرى ووحدتي ورحل .
فيا أيها المجبول من ملائكيّة متفرّدة..!
فتاتكَ التي كانت لم تَحِد عنكَ الصّراط..ولن تُراود الروح عن وصلكَ أو تكُفّ، فلكل امرئ شيطانهُ..وما أنا سوى خلقٌ من طينٍ كان بوسعك أن تَسكُب عليه من ماء صبابتِكَ ما يكفي ،وتنفخُ فيه من أتونِ رغبتك ما يجعله يستقيمُ ويستوي بين يديكَ كما تُحِبُّ وتشتهي..ولكنكَ آثرت اللامحاولة وتواريت.
فنَم وادعاً في قرارةِ تكوينِها..واغمِد خِنجرك في صَميم أنوثتها فبعدكَ لا رجلا يُشاغلها أو حبيبا يَستهويها..فعَسى إن كَرِهَتْ منكَ قسوتكَ ومنها هزيمتها أن يجعل الله لها في ذلك خيرا كثيرا.
والآن يا صَبابتي:
والذكرى تتدفق كثيفة خانقة تُحاصر أنفاسي..
سأمضي مَنهورة بالشَّك مَدحورة بالظنّ مَلومة بالعبث..ولن أَسأل بأيّ حقٍّ قد دُحرتْ وبأيّ ذنبٍ قد قُتِلتْ...فلربّما أنّي أسرفتُ في الشَّوقِ في التَّوقِ في الحبّ فَنِلتُ منكَ ما نِلت.
فتأنّ في الوداع،ولا تُسرف في القتل،ولا تَجهر بالقطيعة ،ولا تتفنن في قتل الروح ؛الروح التي صَلّتكَ يوماً فرضاً في مِحراب قداستِها.. فلا تَحزن ولا تأسَ عليّ وامضِ لدنياكَ التي تَشتهي "ونقّ لفؤادكَ حيثُ شِئتَ من الهَوى".
ولكن:
قبل أن تمضِ برفقة ملائكيّة تُشبهكَ ..فلتُجزَ عنّي خيرا إن واريتَ جُثماني تحت خَرائِبِ فَرحكَ ..وقرأتَ على روحي آيات الغُفران,وقَصَصتَ عليها أحاديث النُّكران..فما أنا إلاّ موؤودة أسلَمَتْ روحها لأشباح الجَوى فمزّقتها إربا وقطّعت أكبادها فِدىً للهوى.
فعِش هانِئاً ولا تأسَ عليّ أو تَحزن..
فقلبي وإن لم يَحظَ  في الهَوى منك بمفازةٍ لله قد أودعَك،،
وشِعريَ الذي غنّاكَ لله قد أودعك
وليليَ الذي بكَ أنار لله قد أودعك
وصُبحيَ الذي لكَ أشرَق لله قد أودعك
ونُهايَ الموبوء بالأشجان لله قد أودعك
وعمري المغموس بالأحزان لله قد أودعك
وكلّي ،يا نصفي وألفي وكلّي لله قد أودعك
لله قد أودعك..
 

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : سمر مطير البستنجي ، في 2013/02/15 .

أهلا بكِ صديقتي سعاد:
تأكدي بأني قد اشتقت لإطلالتكِ النقيّة على نصوصي.. فأنتِ أصبحتِ لشعري قافية ولحرفي حوريّةً،،
شرف عظيم لي أخوّتكِ، فنحن نحيا بذات القلب والخاطر والشعور..

بوركتِ يا بياض...

• (2) - كتب : سعاد ، في 2013/02/14 .

وماذا عساي ان اعلق او اقول لمثلكِ امرأة ، ماذا عساي ان اقول في كلماتكِ التي تلامس شغاف القلب وتضيءُ جوانحه ، فلستِ مثلهنّ فأنتِ مميزة ، متألقة بفكركِ بحرفكِ ، كم أهفو اليكِ واشتاق ... اُخيّتُكِ سعاد



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=27502
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 02 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 27