• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ماكان لله فهو محفوظ الجزء الأول .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

ماكان لله فهو محفوظ الجزء الأول

ماكتبتُ هذه الكلمات إلاّ من باب المحبة والحرص على الأخوة الكرام الذين أحبهم في الله والذين قد ضحوا بما آتوا من أجل أن يكون العراق بلدا يسوده العدل وتظله الحكمة لينعم الجميع  فيه بالخير والسعادة. لقد كان ولايزال المشوار طويلا في تحقيق ذلك نظرا لتراكمات الأفكار السلبية التي ورثناها كتركة سيئة لازلنا نعاني منها، إلاّ أننا قد قطعنا شوطا لابأس به بإزالة بعض ذلك الموروث السيء. لقد كتبنا سابقا عن تفشي وإنتشار الفضيلة في المجتمع والتي تحد من الرذيلة وذكرنا قصصا واقعية لعلماء مصلحين وعرفاء ربانيين دوّارين بطبهم على الناس. الذي يقلق ونحن في هذه النقطة من الطريق هو أننا نريد أجورنا عاجلا غير آجل. بل ربما ننظر بين الفينة والأخرى إلى مَن تبوأ مقعدا محترما وأخذ يعتني بمظهره وهندامه ليتلائم وذلك المقعد المحترم فقد أصبح يشار إليه بالألقاب التي تسبق إسمه. ننظر إلى هذا المحترم ونقول سبحان الله لقد كنت معه في المكان الفلاني وكنت أقتسم معه رغيف الخبز اليابس وكنت أظن أنه سوف يذكرني عند ربه، لكنه لم يفعل. في اليوم التالي يسترعي إنتباهي محترم آخر وهكذا بقية الأيام لاسمح الله. يفتر عزمي وتضعف إرادتي وأميل شيئا فشيئا إلى حطام الدنيا ولم أكمل رسالتي بعد. لا يعني أن أولئك الذين كانوا معي قد ركنوا إلى حطام الدنيا فمنهم من لايُشك في إيمانه وصدقه وعدله. مثلنا مثل طلاب الجامعة فمنهم من يبحث عن عمل فور حصوله على شهادة التخرج ومنهم من يفضل مواصلة الدراسة لينال شهادة التخصص ومابعده. لو لم يكن ذلك لتعطلت الجامعات ومراكز البحث العلمي فليس من كادر يحاضر ولا من باحث يبحث فيما يستجد من علوم. أجل أميل إلى حطام الدنيا ولم أكمل رسالتي بعد. أبدأ بالتذمر وكأني لم أكن ذلك الهش البش أيام الصعاب أيام كنت أردد:"حب الدنيا رأس كل خطيئة". أيام كنت معرضا عن الدنيا بأسرها وقد أقبلتْ بكلها عليّ. أيام كنت أردد بعد كل نعمة:"الحمد لله على أية حال". ترى مالذي جرى حتى تغيرتُ من حيث لاأشعر وبدأتُ لا أقنع حتى بالكثير. أحقا أنا هو أنا!!

بالأمس كنت أعد برامجا إصلاحية من أجل سعادة الأنسان وقد جعلت نفسي كالشمعة حينما تحترق من اجل أن تضيء للآخرين. أمّا اليوم فلا يهمني إلاّ أنا. إنه يوم الحصول على الأجر.أجر تلك السنوات التي عشتها بعيدا مهجّرا مهاجرا ولكني تناسيتُ أن تلك السنوات كانت لله.هكذا تغيرتُ من حيث لاأشعر وبدأت يومي بالبحث عمن يوليني بعض إهتمامه ونسيت أن ماكان لله فهو محفوظ من الضياع في كتاب لا يَضِلُ ربي ولا ينسى. بدأت أبحث عن موطأ قدم ومقعد زائل يسعني فقد تعبت ومللت. بدأت بخلق بيئة تجذب إبليس الذي يتحين بيّ الفرص وكأنه يقول لي: لقد تأخرتَ علينا كثيرا فقد كنت قويا في الله لاتأخذك فيه لومة لائم. أمّا اليوم فأراك تنظر إلى ماكنت معرضا عنه بالأمس لأنك كنت تريد ثواب الله حينما كنتَ تردد:"ثوابُ اللهِ خير" وأنتَ تستذكر قصة قارون حينما كان يخرج على قومه في زينته.

في الحج

كنتُ مع بعض الحجاج الكرام فقلت لهم لقد منَّ الله علينا بأن وفقنا لأداء مناسك الحج فالله عظيم فأطلبوا منه شيئا عظيما فقال بعضهم أنا أطلب قصرا شاهقا فخما فقلت له وأين تحب أن يكون ذلك القصر فقال لي أريده في منطقة المنصور في بغداد فقلت له: هذا ليس عظيما لأنك سوف تتركه يوما وتذكرتُ قول الشاعر:

هب الدنيا تُساقُ إليكَ عفوا      ***    أليسَ مصير ذاكَ إلى إنتقالِ

وما دُنياكَ إلاّ مثل فيء         ***     أظلكَ ثمّ آذَنَ بالزوالِ

 

لانستبدلُ الأجرَ بالآجِر

بعد إلحاح من العيال والأصدقاء ذهبت قبل عامين إلى دائرة الهجرة والمهجرين في كربلاء المقدسة مسقط رأسي لتقديم طلب الحصول على قطعة أرض لمن ليس له بيت يسكن فيه. سألني أحد المراجعين: أين تسكن ياحجي.قلتُ له في الفندق تبسم وقال:أعني هل أنك حاليا تسكن خارج العراق قلتُ بلى ياسيدي فقال لي وكم سنة عشتَ هناك فقلت له حوالي ثلاثين عاما. نظر إليّ بشيء من التعجب وقال: ثلاثون عاما ولم تستطع توفير ثمن شراء بيت؟

فقلتُ له بأني لم أكن مهتما بأمر هذه الدنيا ففاجأني قائلا: والآن تريد أن تركض وراءها!!

كانت تلك العبارة كالسوط يقرع وجهي حتى أني قد وضعتُ يدي عليه لأحميه. إلتفتُ إليه: سوف لن أركض وراءها ياسيدي بارك الله فيك. تراجعتُ عن تقديم الطلب وخرجتُ من الدائرة حيث كانت زوجتي تنتظرني عند الباب فقلتُ لها: لن نستبدلَ الأجر بالآجر. سوف نطلب من الله تعالى أن يعوضنا بدل ذلك بمترٍ عنده في الجنّة.

 

 بعض الصالحين يعرضون أعمالهم للبيع

للأسف الشديد أقرأ أحيانا لبعض الصالحين وهم يعرضون أعمالهم للبيع في مزاد المقاعد الزائلة التي لم تدم طويلا لأحد. قبل فترة ليست بالبعيدة كتب بعض الصالحين مقالا مفصلا عن جهاده وسيرته ومحاربته للظلم والجور ولكنه كان يطالب بحقه. يطالب بحقه من فقير مثله لايملك لنفسه نفعا لا يصرف عنها ضرا.

إنتبهَ أحد الأولاد لذلك المقال وقد هالني ماسمعتُ منه:" آه ثم آه. واأسفاه على نفسي حيث لم أكن مخلوقا عندها لأحارب الظلم كما فعل هذا العبد الصالح ذو الجهاد الطويل ولكن هل يبيعني أجر تلك السنوات فإني أشتريها بكل ماأملك بل أعاهده باني سوف أهبه كل مرتبي بعد التخرج من الكلية. أيها المحارب للظلم والأستبداد حذار ثم حذار من أن تستبدل أجر تلك السنوات بمقعد زائل حتى وإن كان أحد المقاعد الثلاث. قف بين يدي ربك تعالى وقل:"اللهم تقبل منّا هذا القليل". والآن أيها السيد المحترم وبعد أن طالبت من العباد حقوقك،هل حصلت على جزء منها. هل راسلكم أولي الأمر منهم. تلك خسارة عظيمة قد لا تُعوّضُ أبدا. لو كِلْتَ الأمر لله وطلبتَ منه الأجر بعد أن يتقبله منك لأصبتَ من خير الله ورحمته ماشاء الله. إيّاك أيها المحترم الطيب أن تكون كمثل ذلك الرجل الذي باع أجر زيارته للحسين عليه السلام وقد رأى في تلك الليلة في المنام أن الجنّة كانت جزاء تلك الزيارة كما أن الذي إشترى منه الأجر رأى ذات المنام. أنا لا أدعو إلى التنازل عن الحقوق والعزلة. بل أدعوا إلى عدم الإنشغال بالمطالبة بتلك الحقوق الآن ونحن في بداية الطريق ومازال مشوارنا طويلا فصبرا أيها الأحبة. كلنا معرّضون للخطأ والإشتباه وقد حسبنا ذلك جيدا وقلنا منذ البداية: نحسب أننا مرحومون لو إستطعنا تغيير حالنا في خمسين عاما. كلنا قد ورثنا تركة سيئة. كلنا بحاجة إلى تغيير طريقة تفكيرنا.حتى نظراتنا بحاجة إلى تغيير وحتى طريقة التسبيح بالمسبحة بحاجة إلى تغيير. وقوفنا في الصلاة دون خشوع وبكاء بحاجة إلى تغيير. نحن بحاجة إليك أيها النبيل وأنت في هذا الموقع بالذات. نحتاجك كما أنت مبلغا وداعيا إلى الله وطبيبا دوّارا بطبه وراعٍ مسؤلٌ عن رعيته ومصلحا يعد جيلا صالحا ليحل محل من هو فاسد من هذا الجيل. سوف لن تُحل قضايانا إلاّ من خلال إعدادِ جيل وطني واعٍ  يخاف الله ويتقْهِ وها ما نسعى إليه غير عابئين بالسياسة ومفاصلها وتفصيلاتها. أن دوركم أيها المصلحون هو أهم وأخطر وأعظم من الإشتغال فقط وفقط بكتابة المقالات السياسية منتقدين زيدا ومادحين عمرا منهم. لقد تأخرنا والوقت يمر كالسحاب مسرعا. ثم ليكن من هو سياسي يتصدى للعمل السياسي وآخر مصلحا قد نذر نفسه لله.ألا يستحق العراق الذي عانى كثيرا أن نخدمه في سبيل الله. وسبيل الله ليست مجانية فماعند الله من الأجر والثواب الجزيل لايعلم مقداره إلاّ هو ثم أن الله يجزي بأحسن الأعمال ويمحو القبيح منها والسيء. أيّ تجارة أعظم من هذه أيها المحترم وأيّ مقعدٍ وجيه أفضل من مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

 

والبعض الآخر قد باعها فعلا

فاخذ يطلب تعويضا عن جهاده ومحاربته للظلم في هذا الظرف العصيب. لست مدافعا عن السياسيين فهم أعلم مني بالدفاع عن أنفسهم كما أني لست منظّرا سياسيا فقد إكتفيتُ بجرعة ثلاثين عاما منها وإستفدتُ كثيرا من أخطاء رجالها. كنتُ أقرأ أحيانا بعض المقالات التي تنتقد أداء السيد المحترم رئيس الوزراء فأقول للأولاد هؤلاء السادة المحترمون يطلبون أن يحكمهم مَلَكٌ ولكنهم ليسوا ملائكة. بعض أؤلئك المنتقدون إنقطع فجأة عن الكتّابة فصادف أن إلتقيتُ إبنه فسألته عن أخبار والده فقال لي:" قد أرسلوا عليه لأنهم يحتاجونه في العملية السياسية فقلتُ له: أحسنت ياشيخ الآن طاب السجود. لقد علمتُ حينها أن بعض النقد ليس للتقويم وإنما للإسترزاق.

على عكس هؤلاء السادة فإني أقرأ أحيانا لمن كانوا ينتقدون السيد رئيس الوزراء ولكنهم الآن قد توقفوا عن ذلك وبدأوا بإسداء النصح وإلفات النظر وتسجيل الملاحظات وهذا دليل عافية ووعي وشعور بالمسؤلية وفكر راق حيث لكل مقام مقال. إن تفسيرنا الخاطيء للديمقراطية جعل البعض منّا يعيش ماكان محروما منه في سنوات عجاف أكلن ماكانوا يحصدون. يظن هؤلاء أن الديمقراطية تعني السب والشتم والقذف والخدش والتجريح. البعض الآخر تراه لايفتر عن ملاحظات يوزعها على من يشاء فبعضها إلى رئيس الوزراء المحترم وبعضها إلى المراجع حفظهم الله فلا ينفك بتكرار قول:" على المراجع أن يصدروا فتوى بكذا وكذا". ألا يدل على أن هذا المحترم هو أعلم بالسياسة وهو أفقه بعلوم الدين وشريعة ربِّ العالمين. سوف تتغير هذه الأفكار بمرور الوقت وبهمة المصلحين الذين يسعون لأعمار تلك القلوب التي عاشت الحرمان والفقر والإقصاء والمعاناة. سوف لن يقصي أحدٌ احدأ فالكل محترمٌ في وطنه وأهله وقومه. كلنا عراق وهذا يكفي بأن يحتضن أحدنا الآخر ويعانقه ويقبله. إنها ليست سياسة وإنما هي أخلاق العراق التي هي من أخلاق الإسلام الحنيف وبهذا أُمِرْنا والسلام.


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2013/05/10 .

الأستاذ الفاضل السيد إسماعيل الموسوي دامت توفيقاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر مروركم الكريم وتعليقكم الواعي سائلا الله تعالى أن يوفقني لأكون خادم المؤمنين أمثالكم.
ماأحوجني أيها السيد الكريم إلى النصح والأرشاد وفي هذا المقال المتواضع أذكر نفسي أولا سيما وأنا قليل البضاعة كثير الإضاعة ولكن جنابكم والطيبين أمثالكم تحسنون الظن بالعبد الفقير إلى مولاه الغني العزيز. جزاكم الله خيرا وجعلنا وإيّاكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


تحياتنا ودعواتنا

الأقل
محمد جعفر

نشكر الموقع المتألق كتابات في الميزان وإدارته الموفقة ونتمنى للجميع قبول الأعمال ودوام التوفيق ونصرة الحق وأهله.

طابت أوقاتكم وسَعُدت بذكر الله تعالى.

نسألكم الدعاء


• (2) - كتب : اسماعيل الموسوي ، في 2013/05/09 .

احسنت استاذنا الفاضل على هذه الكلمات الرقيقة والحنونة لحب الوطن والمواطن والتوعية والارشاد لمن ينسى ان يعمل لاخرته وينشغل بحبه للدنيا الفانية .قال الله تعالى{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}.....ان جميع مقالاتك متميزة ومثيرة لفعل الخير وحب الله .ومساعدة الاخرين. والتسامح ...,وووو... وبارك الله فيك



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=28381
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28