• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : التوثيق الشعري والدلالي في (سيرح) .
                          • الكاتب : علوان السلمان .

التوثيق الشعري والدلالي في (سيرح)

   الشعر.. الفن المنحسر عن المعنى الاحادي..المتميز بسقوطه الدلالي ..الدائم التنوع..الزئبقي الشكل..المقترن وهاجس التغيرات الحياتية..بشهادة ثورته الحداثوية المتمثلة في كسر البنية في الشكل لتجسيد الوعي داخل الصياغة المبتكرة للتعبير عن الحضور والتفاعل مع المحيط..فضلا عن تجاوزه للمرئي والمحسوس لتحقيق عالم رؤيوي..ذهني..
   والشاعر جبار الكواز في نصه الشعري(سيرح)يحقق اللحظة المنسية تحت تراكمات الزمن(لاخر يهودية توفيت في الحلة ودفنت في مقبرة اليهود في سبعينيات القرن المنصرم..)..اذ يكشف الشاعر عنها عبرالعنوان الايقونة الدالة على قصدية يدلل عليها سياق النص..والذي يساعد في سبر اغوار مغاليقه وتأويل دلالاته.. كونه شاهد عيان يعيش في قلب الحدث فيوظف التقنية السيمية لنقله مع  اعتماد بنية المفارقة الشعرية في الصياغة الممتدة على جسد نص يتشكل طوبوغرافيا من مقاطع متداخلة تحمل ارقاما دلالية(1......9)..وهي تسير بخط اعتمد عدة مستويات ياتي في مقدمتها المستوى الزمني كما في قوله..
  (ما زالت تحرس جدران الآلهة/ وتقلم اضافر الساعاتي بالتمني (الساعاتي يحفظ اسماء القتلى ويشاكس الصبايا بالتكتكات) ..)
والمستوى التأملي كما في قوله : ( وما كان على وجهها سوى صرخة من ضباب / وحين مشت على استحياء/ لتفتح اسئلة التيه: (اسئلة بابل اكلها الاسد والايكيتو راحل).. 
واخيرا المستوى الحسي كما في قوله ( ومنذ حسن آفل/ضيع القمر عشاقها/ والقى لجام جمرتهم في الزقاق/ لم يكن سر جمالها يا قوت / ولا ملامحها بيت عنكبوت / فهي التي قاست خطواتها الى (طوبى)  / واطلقت الروح في الملكوت.. 
اضافة الى ذلك احتضانها لمعطيات توثيقية(ارقام في تواريخ/ مكان/زمان...)وثمة فواصل مؤطرة داخل اقواس..لتجسيد التجربة الشعرية التي تعتمد التوثيق الشعري للمواءمة بين الشعري والتاريخي الذي هو بنية معرفية عقلية مؤطرة جماليا لتحقيق الامتاع والمنفعة باشغال الفكر وتحريكه..فالبنية الفنية لكل مقطع اعتمدت الصورة الكلية ذات البناء المتعدد الوحدات..فصارت القصيدة تقوم على التوظيف الدلالي المشبع بالرصيد النفسي لكل ما هو انساني..مع وحدة موضوعية شكلت نصا شعريا مكثفا بذاته..مكتنزا بمفرداته..متميزا بكثافته اللغوية التي تقوم على توليد الدهشة والدلالة المتحركة والايحاء عبر الرموز..
 عباءتها لم تكن باباً/فالموسوية /العانس/الحسناء/الشهلاء 
 النهداء/الغيداء/الغانجة/الفياضة/الزكية/
في الغبش المصلوب على نافذتها/وفي حسن أفل
           تتلصص كعود ثقاب نائم في الاسفار/
           حين اهدت عباءتها لعليا وعصام/ومراتها لعنترة وعبلة
          وخفها لفريد الاطرش وقنديلها لاحدب نوتردام 
          وهم الان دخان يمسك الرياح في السماء
فالشاعر يقوم برصد تسجيلي محاولا الامساك باللحظة مستعينا بالتكثيف الوصفي برصد متغيرات الوجود عبرالالفاظ (الموسوية /العانس/الحسناء/الشهلاء/النهداء/
 الغيداء/الغانجة/الفياضة/الزكية..)..فضلا عن انه يوظف ذاتيته بما يخدم رؤيته وغرضه الجمالي..فيرصد متغيرات المحيط باسلوب حكائي يرتبط بالتحديد المكاني..مع اقامة معادلات موضوعية مستلة من الامتداد الزمني..اذ المزج بين الزمكانية عبر الشخوص الرامزة(علياء وعصام/عنترة وعبلة/فريد الاطرش/احدب نوتردام..)..والكل يرقد في احضان الماضي الدفين الذي تنبشه ذاكرة الشاعرفتحقق وجودها من خلال توظيفه عنصر القصدية التي هي(عنصر توثيقي شعري يعكس وعي الشاعر بالعملية الشعرية وتوجيهها لها الوجهة التي تخدم غرضه الفني والجمالي..وترفع قيمة النص عن طريق استخدام التضمين او الاقتباس من اجل اقامة صلة ما بين النص والحدث باستحضار آيات والفاظ  قرانية ورموز تاريخية....لخلق الصورة الفنية التي هي قوام البنية العميقة للنص الشعري بوصفها فعالية لغوية تخرج اللغة من بعدها المتداول الى بعدها المجازي..لتحقيق رؤية فكرية وعاطفية في لحظة من الزمن..)..
   ت ت ت ك/ تك/ تك/ صورتها واطفالها النائمون في الابار/ زردوا الافعى/ فاشتعل الماء/ صبغة شعرها المداف بقبس (موسى)/ثيابها العاريات منها/ دثرت قنطرة سهرتها حين غادرتها الضفاف الى (سيناء )/(سيناء حبل مسد وحجارة سجيل وتيهور)هي لم تثلم اضلاعها بميقات جنود الرب/ شفتاها المتمتمتان/ برزخ هجراليقين في رحم الشك/ ارخت لحظاتها كخيمة غادرتها الايامى بلا اسئلة/ (جنود الرب حفاة/ خيولهم خشب/ سيوفهم طين)..
  فالشاعر في نصه يمارس طقوس الارتقاء في جمله الشعرية عبر لغة حافلة بالمجاز مع تداخل الاحداث من اجل العلاقات البنائية والتكثيف الشعري..اذ يبني الشاعر نصه وفق معمار هندسي ـ حداثوي له التزاماته الموضوعية مع تركيز على الخصائص الحسية لابراز الجمالية واعادة تشكيل الوجود والاشياء من خلال اشتغاله على بث شعرية المفردة واستنطاقها لكينونتها عبر علاقات الدال والمدلول لتفعيل الاثر الحسي والذهني بلغة ايحائية مفتوحة على قراءات متعددة وتأملات تفسيرية..
سيرح/ منذ زمن افل/ في بيتها الدارس(منذ رقيم افل )خاتلة خلف باب مخلوع (منذ نجار افل) تسأل احجار الدرب (منذ بناء افل) عن الداخل والخارج/ الميت والحي/ الصاعد والنازل/ والاسفار الميتة في الاوهام( وعن ادم الافل في الايات ) الايات منحولة/ والرواة فحول/.
حلة في 11/4/2011
     سيرح:اخر يهود الحله توفيت فيها  ودفنت في مقبرة اليهود في سبعينات
      القرن المنصرم..
  فالشاعر يتلمس الواقع بتضاداته الثنائية وصراعاته القائمة ما بين الحلم والواقع وتحقيق ذلك من خلال بناء فني يعبرعن تناقضاته بالحلم والرمز واللغة..فيطرح ثلاثة معطيات توثيقية منحصرة في:
ـ التحديد المكاني(حلة)و(مقبرة اليهود)..والذي يشكل حيزا فاعلا كونه يتواشج مع البعد النفسي والذاتي.. 
ـ والتحديد الزماني(سبعينيات القرن المنصرم)..
ـ والكتابة الرقمية11/4/2011..
وهذه المعطيات اسهمت في تعميق اللحظة الشعرية وبناء النص حلزونيا فاعلا..فضلا عن استخدام العنصر السردي و اسلوب التسجيل الوصفي والخبري والحكائي..مع استثمار التناص والموروث..اضافة الى ذلك توظيف تقانات سيمية وتشكيلية للتخلص من المباشرة واثراء النص واشغال الذاكرة ..باعتماد التكثيف الدلالي والايحائي عبر مفردات تميزت بتوهجها والق تناغمها والذات الانسانية..
   فالشاعريستعين بلغة تتصف بنوع من التكثيف واللحظات المتسارعة من اجل ايصال معنى نصه الشعري الذي يسرد عالما من المشاعر المتناقضة.. المشحون بالالم مع درامية دينامية تميزت بدفقتها الشعورية التي تقوم على فكرة حدثية وبناء شكلي يتسم بالاختزال الذي يحمل العمق الدلالي الكامن خلف دالة رمزية (العباءة) وتوظيف تفاعل الفعل للتعبيرعن الازمة الذاتية والموضوعية بوساطة الايقاع والصورة التشخيصية التي احتضنت نصا شعريا مكتف بذاته ومتميز بكثافته اللغوية المتصاعدة الدلالة والايماء ..
   (ولم تحن صلاة فجورها / الميتون على باب (حطة) يتزاحمون/ ويغمزون من بقى  لاهثا وراء القبور(باب حطة آية الطير)  فمن الواقف في السراط (السراط خيط نار وحد سيف وزفيرلهيب)                             
فالشاعر لم يقف على شيئية الصورة بل توجه الى ايحاءات النسق الايقاعي التي تضرب بعمق في الذاكرة.. فانبعثت حيوية اللغة عنده من تحريك المشهد في العمق لتبسيط المعنى..اضافة الى انه يلجأ للاقواس لتعميق الفعل الدرامي في نصه..                
    فالكوازعبر لغته هذه يؤسس لقول شعري يناهض الوجود بالمغامرة التي تتجاوز المألوف.. كون المفردة عنده مركز المعنى.. فالحضور المكثف للحركة الحياتية واحتضارات وجودها وهواجسها المتواترة يؤطر الحدث الشعري بتقنيات فنية تمتلك امتداداتها وتشعباتها داخل المتن الشعري..
        (سيرح) منذ زمن آفل/ في بيتها الدارس(منذ رقيم آفل)/
        خاتلة خلف باب مخلوع (منذ نجار آفل)/ 
       تسأل احجار الدرب( منذ  بناء آفل)/ عن الداخل والخارج/
        الميت الحي/ الصاعد النازل/ والاسفار الميتة في الوهام
      (عن آدم الآفل في الايات)/ الايات منحولة/ والرواة فحول/
              حلة في 11/4/2011 
سيرح؛آخر يهود الحلة توفيت فيها ودفنت في مقبرة اليهود في سبعينات القرن المنصرم)
فالنص يعتمد في بنائه الفني على اسلوب الحكاية وتحريك المتناقضات (الداخل الخارج)و(الميت الحي)و(الصاعد النازل).. افعال تعبرعن الحركة المستمرة.. عن الحياة والموت ..لذا فهو محاولة تنطوي على كل القيم الجمالية التي تقوض التقليدية انطلاقا من تصميم الشاعر على تقديم المخيلة بتجريدية ذات دلالة معرفية من خلال المفردة الشعرية التي تكشف عن مضمونها الجمالي ـ الصوري.. فعملية التكرار تخدم النظام الداخلي للنص وتشارك فيه..لانه من خلالها يعيد الشاعر صياغة صوره والكشف من جهة والكشف عن الدلالة الايحائية للنص من جهة اخرى..
   وبذلك قدم الشاعر نصا يمازج ما بين الازمنة ويكثفها بوعي ..فيؤسس لنص خارج التخندق النمطي..كونه يتوخى نصا(لا يستكين الى معنى..ولا يهدأ في دلالة..)..



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29547
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28