• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تفسير القران – بحث للمنبر الحسيني – سقوط الدول والحكومات .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي .

تفسير القران – بحث للمنبر الحسيني – سقوط الدول والحكومات

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }الإسراء16  
 
          الآية الكريمة ترسم لنا صورة واضحة لكيفية سقوط الدول والحكومات .. يقول الإمام أمير المؤمنين {ع} " انك تتمكن أن تنقل جبلا من مكانه ، ولكنك لا تستطيع أن تمنع دولة مقبلة"  هذا يعني انه مهما حاولت الدولة القديمة بكل إمكاناتها  الأمنية والاقتصادية والبشرية أن توقف زحف الدولة القادمة ، لن تتمكن، فتذوب كذوبان الملح بالماء ... وحين تتمكن الدولة الجديدة  من الوضع ، وتحكم ببعض الممارسات التي لا يرتضيها الله ..ظلم وتجاوز وخنق حريات وغيرها من أنواع الفساد ، يأتي دورها فتذوب كما ذابت التي قبلها .. فما هي الممارسات التي تؤدي إلى سقوط الأمم والكيانات العظمى ... الدولة الرومانية الفارسية البابلية ، دول عظيمة لا يتمكن احد أن يحد حدودها .. أخيرا تنتهي ولا يبقى لها ذكر مطلقا ... الآن أين الحضارة البابلية ، أين الأمويون  أين قوة  بلاد دولة فارس والأحباش وغيرهم ...  الحكم الإلهي يقول دمرناها تدميرا ،ولم يبق سوى آثارهم للعبرة, أي لا يبقى لها أي قوة في الأرض ..الدولة العباسية ... الأموية .. الفاطمية .. العثمانية الهتلرية الاتحاد السوفيتي ... كلها دمرت ولم يبق سوى التاريخ الذي يجب أن نأخذ منه العبر حتى لا نقع في نفس الأخطاء فتدمر أممنا تدميرا ...
        هنا يأتي سؤال .. ماذا يريد الله من الدولة ..؟ كيف يحكم حاكمها حتى تبقى ولو بعد موته ..؟  الجواب يقول تعالى إن أساس الكون ليس الحزبية والطبقية والقومية والطائفة ...هذا كله ظلم ... فالحق عند الله هو التالي ؟؟ ( الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) هذا ما يريده الله في الحكم بين الناس .. وحينما ينحرف يأتي " قول الله " فتدمر الدولة تماما . والعدل يعني المساواة ... هناك لطيفة يستخدمها اللغويون هي كلمتي { العَدل  والعِدل} .. يقولون هي كفتي الوزن التي توضع على الحيوانات إذا اختلفتا سقط الحمل كله ... وإذا أطلقناها على الحكم بين الناس ..تعني وحدة النظرة للمصالح الشخصية والفئوية والقومية .. لا يمكن أن نعطي  امتيازات لجهة دون أخرى .. لان النتيجة تأتي من الله .. فتحق علينا كلمة الله فتدمر جميع الدولة .. 
يقول تعالى { بالعدل قامت السماوات والأرض} والعدل يقضي  المساواة بين الناس  ... والعدل يدرك بالعقل ، ويدرك بالحواس , العين والأذن ، وليس بالتصريحات .. وحين يتحول الحق والعدل إلى شعارات وتصريحات وكلام ، يتحول المتحدث إلى كاذب ومهرج ...  حينما كان معاوية  يحدث الناس ضد علي بن أبي طالب {ع} وجاء بهم من الشام إلى صفين ،، حين خسر المعركة  تشاور مع ابن العاص ، فاقترح عليه أن يرفعوا المصاحف على الرماح , أصبح شعار الطرف المحارب كلام الله ودستوره .. فقال علي{ع} كلمة خلدها التاريخ .. قال:" اعصبوا هذا الأمر براسي ، والله إنها كلمة حق يراد بها باطل" ..!! .. هكذا يتحول الحق إلى باطل  عندما تتداخل المصالح الذاتية والفئوية ، يمكن ان يحرف كلام القران ... وإذا أردنا أن نستقريْ  هذه النتائج التي حرفها معاوية ، ترى لحد اليوم يذبحون المسلمين  كذبح النعاج وهم يرفعون شعار الله اكبر ، او يطلقون الهاونات أو المفخخات على الناس الآمنين  أثناء الرمي يصيحون الله اكبر .. أي قيمة بقيت لهذه الكلمة ..؟؟ 
       هذه صورة من التحريف .. أما الذي يقسم بالقران  أن يصون الأمانة ويخدم الناس ، سواء كان حاكما أو موظفا ، ولم يف بالأمانة ، في حديث قدسي  :"  من أعطى بي عهدا  ولم يف ، فقد خرج من ذمتي " !! .. وكل المخالفات الواقعة للقسم الذي أداه طالب العلم حين يتخرج.. أو الحاكم أو الوزير ، ويقصر مع الذي أقسم لهم يعتبر ذلك فسوقا ..!! وقصة معاوية حين أعطى عهدا للإمام الحسن {ع}  يتعلق بحياة الناس ومعيشتهم وأرزاقهم ، حين وصل السلطة قال كلمته المعروفة :" كل شرط أعطيته للحسن بن علي فاني أضعه تحت قدمي " هذه صورة من صور الانحراف ... وربما معاوية اشرف من غيره من الحكام ، لأنه أعلن ذلك ، بينما غيره لا يعلن ويتصرف على عكس ما تعاهد عليه مع الناس واقسم بالله عليه .. 
         المشكلة الكبرى في انهيار الدولة ان الحاكم في الغالب ليس هو المتضرر ، وان كان هو المستفيد دون الناس ، ولكن حين الانهيار العام للدولة  يكون المتضرر الشعب في الغالب ، لان وسائل الحكم قوية جدا تجعل من الحاكم متمكنا لا يتاذي بالانهيار الاقتصادي أو العسكري .. ولنا تجربة في الحصار الاقتصادي على العراق حين عز على الناس الغذاء والدواء ، مات الأطفال بالجملة ومات غيرهم بأسباب الحكم الفاسد .. 
    لا تتصور أن المسالة هينة ، إذا انحرف الناس عن الحق والعدل ، تتأثر الطبيعة كلها ، تنتشر الأمراض ، تقل الإمطار أو تتحول إلى كارثة ، ويموت البشر بحوادث لا تخطر على بال احد ، يقول تعالى :{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ... ومعنى الفساد " خروج الشيْ عن الاعتدال قليلا كان أو كثيرا ، ويطلق ذلك على النفس ، والبدن ، والأشياء الخارجية ، كلها تسمى فساد .. والأشياء الخارجية تعني كل حركة الإنسان  مهما تكن صغيرة في قول أو عمل أو فكر وخرجت عن جادة الله فهي فساد :" وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض " في آية أخرى { والله لا يحب الفساد} يقول تعالى في سورة البقرة ، آية 205... { وإذا تولى  سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } 
        ما هو الحرث والنسل الذي يهلك بسبب الفساد في الآية المباركة ... الحرث هو ألقاء الحبوب في الأرض للتهيوء للزراعة ، وما ينتج منه يسمى محروث ، وهو الكسب .. لذلك يقال إن معنى اسم حارث تعني الكاسب ، وحين تطلق على الأرض يعني تهيئتها لاستقبال البذور ، والعصا التي تهيج النار تسمى محراث ، فكل حرث فيه عطاء وفائدة { نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ..هذه تميل إلى الهلكة ... الأرض والنساء وكل ما يأتي منه العطاء يتعرض للهلاك بسبب الظلم والفساد ...
                  . أما معنى النسل : هو كل شيْ ينفصل عن شيْ يسمى نسل ، حين يتم تمشيط الوبر ما يخرج في المشط يسمى نسل ، والنسل عند الإنسان هما البنات والولد لأنه نسل من الأبوين ... يقول الرسول {ص} " تزاوجوا وتناسلوا وتكاثروا وتوالدوا  حتى أباهي بكم الأمم " ...
      بعد هذه الجولة في معاني الكلمات الشريفة ، نعود إلى أجواء الآية ، ونستقريْ تاريخ الأمم التي دمرت كما ذكرها القران  الكريم ،... بداية ما هي أسباب الانحراف .. لماذا تنحرف الدولة ...؟؟؟
 
 
 
متى تسقط الدول؟ : قوله تعالى :"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" 
                  الآية المباركة حددت النقطة الأساسية في  سبب سقوط الدول... كبيرها وصغيرها بلا تمييز. قالت ا:  إن السبب هو الفسوق .{ الفسوق هو الخروج عن جادة الشرع}  وهنا يمكن أن يسال سائل ... لماذا لا تسقط الدول الكافرة أمريكا  وفرنسا وأمثالها ...؟ وهل هذه الآية تشمل المسلمين دون غيرهم .؟؟ الجواب ربما الكافر لا يفسد في الحكم  وكلامنا ليس في الشرع والدين ...هو كافر في الإسلام , بل حتى في دينه الذي ينتمي أليه لكنه يحكم بالعدل .." إن الله يأمر بالعدل والإحسان "  الله لا يلهمه إيمان فلان أو عبادته أو كفره ... المهم حين يحكم أن يحكم بالعدل.. فالقاعدة في الحكم هي العدل وهو يعني " المساواة ، والقران يذهب إلى نظرية رائعة في العدل  حين يقرر إن العدل يتساوى في الأشياء المادية ... كيف ..؟  حين يفطر الصائم تترتب عليه ضريبة مادية  معروفة ، هذه الضريبة تكون مماثلة ليوم واحد من شهر رمضان .. فيسمى عدل الإفطار .. تحول هنا العدل إلى شيء مادي.. وهو العوض .. والعدل يدرك بالحواس باللمس والنظر والسمع  ..{ بالعدل قامت السماوات والأرض } وهو ما يشعر العقل  بحسنه يسمى عدل ..  وإذا كان الملك عادلا له نتائج الاستمرار والبقاء .. وكلنا نتذكر النجاشي حاكم الحبشة كيف كان عادلا .. يقابله أبو العباس السفاح كان مسلما.. هل يمكن المقارنة بينهما ...؟ بالمناسبة لا يتوهم احد إني أقول بعدالة حكام أمريكا أو إسرائيل .. هذه الدول لنا مرور عليها إن شاء الله في هذا البحث...
         وحين أقول يتحول العدل إلى حالة ملموسة ، نحاول أن نمر بهذه الفكرة على حكام التاريخ ... الملوك والأنبياء والأولياء .. لا يوجد ملك مات إلا وترك قصرا وأموالا وكنوزا بقيت في المتاحف ، وأثارهم واضحة مادية كأهرامات مصر وأثار بابل وأبو الهول وأسد بابل .. عشرات التماثيل والقصور... وقصور المشايخ وأمراء  ومزارعهم ..  ولكنها دمرت تدميرا لا يوجد فرد واحد من البشر يتعبد لهم أو يذكرهم ويترحم عليهم .. بينما الأنبياء  ، كان اغلبهم حكام ولكنهم عاشوا عيشة التقشف والعدل والإحسان .. هذا فلاح وذاك راعي وهذا نجار  وخياط  وطبيب ولكنهم لم يبنوا قصرا ولا شيدوا تمثالا ... والناس يتعبدون بفكرهم وينادون باسماءهم جيلا بعد جيل ..كمثال  منهم علي بن أبي طالب{ع} أمير للمؤمنين يحكم على خمسين دولة ، وهو يرتدي بدله مرقعة يقول عنها " حتى استحييت من راقعها " والآن قارن بينه وبين غيره من الملوك أصحاب القصور والثياب الفاخرة اللذين يرتدون في كل مناسبة أكثر من بدلتين أو ثلاثة ، وخزانات مملوءة  من الملابس والأحذية..!!!
                  
                          فالفساد والفسق والظلم والخروج عن جادة الحق وتغليب الشهوات والمصالح الخاصة والضيقة، وهي من علامات تفسخ وانحلال الدول واهترائها، لا تنحصر بمكان واحد أو زمان واحد، بل قاعدة تنطبق على كل  دولة أو أمة في الأرض. ولكن كيف نتلمس واقع هذا الأمر على الأرض ومجريات الأحداث؟
                اليوم تجري في الساحة الشعبية ثورات عارمة تهدف إلى إسقاط أنظمة فشلت في إقامة مؤسسات "الدولة"، ويؤكد الصحافي المعروف محمد حسنين هيكل- أنه "لا يوجد في أي  قطر عربي  لحد الآن أي سياسة لحاكم في بناء دولة  .. أو حتى وضع فكرة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها" فكيف نتصور أن سيكون هناك حكم بالعدل والإحسان ...؟؟  لذلك لا يوجد لدينا أي خشيه على سقوط نظام الدول .. فالثورات الشبابية الشعبية  مجرد حركات انفعالية لتبديل شخص بآخر يحمل نفس الأمراض والتشوهات ..!! ... نعم توجد نظرية في بناء الدولة هي الجمهورية الإسلامية في إيران فقط..
               "سقوط الدولة" التي يرددها البعض بعد ثورات الربيع العربي! أو الربيع الإسلامي.. بمعنى أنه هل توجد دولة بالمقام الأول لكي نخشى من سقوطها؟ لان الدولة مرحلة متقدمة من مراحل الحكومة .. الدولة هي من أهم عوامل تعطيل وتراجع الشعوب والحضارات" أو تقدمها .. ونتذكر حقبة النصف الثاني من القرن العشرين كيف تراجع الفكر الشعبي بسبب سياسة عسكرة الشعب والاعتداء على الجوار ... ولا زلنا نلعق جراح تلك السياسة الحكومية ..
                 الفرق بين الحكومات المرحلية .. وبناء الدولة ، إن الحكومة تخاف على نفسها أن تسقط  وتأتي حكومة بدلا عنها .. بينما الدولة حتى لو سقطت الحكومة فإنها باقية بمؤسساتها  ... هنا المشكلة التي يعاني منها الشعب المسلم  ...مثلا في العراق حين سقطت الدولة العراقية كانت كل الدولة متمثلة بالحكومة .. بل برجل السلطة ، وحين سقطت الحكومة استبيح العراق ومؤسساته ولم يبقى أي عسكري يدافع حتى عن البنوك وأموال الناس العامة .. وكذلك المتاحف ومؤسسات البلد كلها سقطت بسقوط الحكومة ...!!! ورجل الدولة..
         من هنا ربطت بعض  الحكومات نفسها بقوة خارجية قوية .. الولايات المتحدة الأمريكية .. حتى تضمن البقاء لنفسها ، ترمي نفسها  بكامل ثقلها بأحضان الغرب ، حتى تدافع الأحلاف العسكرية  عن نظامها وليس عن الدولة ... اقرب لك المعنى .. الثورات الشعبية الآن حين تقوم في مصر أو  تونس أو اليمن ..تراقب أمريكا الموقف ..حين ترى الولايات المتحدة نفسها عاجزة عن مقاومة التيار الديني والشعبي ، تتخلى عن عملائها ، وبنفس الوقت تلتف على الثورة لسرقتها من الثوار ...!! ...ولكن لو كانت تلك الثورة مسلحة بعوامل بناء الدولة .. وإنها تصلح بناء دولة وليس حكومة , تبذل القوى الكبرى كل جهودها لمنع انتصارها ..مثل ثورة البحرين..
    
نماذج من سقوط دول إسلامية عظمى:.إن أردنا الاستشهاد بمثال نرى مسألة سقوط الدولة  العباسية نموذجا يستحق التأمل،ولكن بالأساس أن نعرف الخلفاء ربطوا الدولة بشخصياتهم، فهل الغزو المغولي هو السبب الوحيد لسقوط هذه الخلافة وزوالها من الوجود؟ أو إن الدولة كانت ساقطة رغم وجود الخليفة والأجهزة الحكومية ..؟
                  التحليل الموضوعي لسقوط الدولة العباسية يقول المحللون التالي.. أكد كثير من المؤرخين أن بوادر سقوطها ظهرت قبل ذلك بفترة طويلة، ولعل من المفارقة أن ملمحا لذلك ظهر بمناسبة تدعو للبهجة، ألا وهي انتصار المسلمين بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين وانهيار مملكة بيت المقدس الصليبية بعد معركة حطين عام 1187م، فكل المسلمين قد استبشروا خيرا بهذا الانتصار المبين، إلا إن الخليفة العباسي في بغداد "المستضيء بأمر الله" لم يقابل هذا الأمر إلا بالفتور ، ولما فرح الناس بخبر هذا الانتصار أمامه شعر بالنفور ، ومن الثابت تاريخيا أن العباسيين لم يدعموا جهود صلاح الدين بما لديهم من مال وجند اللهم بالدعاء فقط  وهو ما لا يسمن ولا يغني من جوع، وهنا بدأ الناس يدركون أن الدولة العباسية لم تعد لها قيمة معنوية، فضلا عن سقوط قيمتها المادية كقوة فعلية، بعد أن تخلت عن أهم أركانها التي تأسست عليها كقوة عظمى بالعصور الوسطى ألا وهو الجهاد في سبيل الله.كما هو معلن عنها في الإعلام الديني والخطب الحكومية .. ولم يكن هجوم المغول الوحشي والبربري سوى تحصيل حاصل لدولة سقطت بالفعل في أعين رعاياها ومواطنيها..... 
يضاف لها عدة عوامل هي أساس الفسق الحكومي ، وهو الفساد المشار أليه بالآية ..فحق القول عليهم.. 
1-     سرقة المال العام وبناء القصور وصرف المال في الملذات 
2-     تقريب غير الأكفاء والفاشلين  والمخنثين وأعداء الإسلام إلى قرارات السلطة ..
3-     تدخل الحواشي في أمور التعيين بالمناصب الحكومية الكبيرة ..حتى أمهات الخلفاء ونساءهم..
لذلك لم يدافع أي مواطن عن وطنه . وعن ترابه ، حين استصرخهم الخليفة أن يهبوا للدفاع عن بغداد ، لم يستجيبوا له لأنهم لم يروا إن الأرض تهمهم بعد أن تحولت إلى بقرة حلوب للحكام وزبانيته ...
 
 
 
 نماذج من دول أوربا العظمى .. سقوط الإمبراطورية الرومانية :...
           الإمبراطوريات الرومانية الغربية والشرقية سقطت بحلول عام 476م  ...يشير سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية إلى الصراع الداخلي بين العلماء والحكام بشأن ما حدث في الإمبراطورية الرومانية الغربية. حيث تناول مسألة "الانهيار" أحد المؤرخين البارزين .. يقول  :.. كان القلق الأكبر هو فساد المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية، .....ويقول مؤرخ انكليزي جيبون (Gibbon) في كتابه انهيار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها :... الذي لاقى انتشارًا واسعًا تحدث عن نفس الأسباب  وهو استحواذ الجهات المتنفذه على المكاسب ..
                 استمر هذا الانهيار على مدار أربعة قرون وبلغ ذروته في التدهور النهائي للإمبراطورية الرومانية في 4 من سبتمبر 476م لكن بعد فوات الأوان، عندما عُزل أوغسطس  آخر إمبراطور لـروما الغربية، عينه شيخ قبائل الجرمان ..واستقر بقية حياته في مدينة نائية صغيرة حتى اغتياله في عام 480م. ....جرت بعدها محاولات لإصلاح الدولة وأجهزتها , ولكن الفساد كان ينخر بروما كلها والحكومات التابعة لها ..
     الدولة العثمانية :.....ويمكننا القياس على ذلك بمسألة سقوط الدولة العثمانية التي انهارت داخليا من الفساد والإفساد، رغم محاولات السلطان عبد الحميد الثاني المتأخرة بالإصلاح، قبل أن ينقض عليها الحلفاء الغربيون  من كل حدب وصوب بالحرب العالمية الأولى. ...أن وجود الإمبراطورية العثمانية كان أمرا عظيما للأمة الإسلامية التي تحصنت حدودها وقوت شوكتها بعد قيام هذه الدولة ...إلا إن المتأمل عن قرب لأحوال هذه الدولة لا يملك إلا أن يشعر بالدهشة والاستغراب من عدة أمور جرت ...منها طبقة المتنفذين التي تسمى  الإنكشارية -وهم صفوة الجيش العثماني ورأس حربته القاتل- هؤلاء هم قوة الإمبراطورية  .. وبنفس الوقت هم سبب سقوطها  ، فسادهم كان سببا رئيسا بالانهيار السياسي والعسكري للدولة رغم أنها قامت على أكتافهم بالبداية. ...حتى وصل الأمر أن يطلق الناس عليهم اسم "السلاطين التنابلة" في إشارة إلى مرحلة ضعفهم وفسادهم ...وصار الانكشاري يسرق المال العام ويحميه قانون الدولة العظمى ، هكذا تحولت القوة إلى أداة تنخر بجسم الدولة .. " ففسقوا فيها " ..
          النقطة الثانية :... تعديل القوانين بحيث تصب لمصلحة الحاكم فقط دون الشعب ...
    هذه القضية مهمة جدا ، بحيث يصبح القانون أداة قمع وأداة سرقة وفساد ، لأنه يشجع على الاستمرار بالفساد إذا كان القانون يرعى الفساد والمفسدين ... اضرب لك أمثلة :..بعض المؤرخين يعتبرون أن السلاطين  هم أول من شرع قانونا يجيز قتل وذبح أخوتهم عند توليهم العرش السلطاني حتى لو كانوا رضعا أو أطفالا صغارا، وهو ما لا يرتضيه شرع ولا منطق.هذه نقطة سوداء في تاريخ العثمانيين ... اقتل أخي حتى لا يصل للحكم ..
   ـــــ> اذكر قصة في احترام الآراء حتى في حال الاختلاف..احترام رأي الآخر.... كان هشام بن الحكم  و عبد الله بن يزيد الإباضي ، شريكين في حانوت لبيع مواد تجارية ..وكان بينهما مودة وصحبة واحترام كامل للرأي الآخر حتى أصبحا موضع أعجاب وتقدير  عند أهل الكوفة و مضربًا للمثل .. لأنهما عالمان قانعان بأفكارهما ..
و أكثر ما كان يثير عجب الناس أنهما لم يختلفا فيما بينهما قط ، ولم تجعل الاختلافات الفكرية سبيلا عليهما ..رغم  اختلافهما التام في العقيدة . فقد كان هشام من متكلمي الشيعة الأمامية و علمائهم و من خواص الإمام الصادق عليه السلام ، و كان عبد الله بن يزيد من علماء الإباضية المشهورين و مع أنهما كانا قطبين مختلفين من حيث العقيدة إلا إنهما لم يزجا عقائدهما المذهبية في شؤون حياتهما التجارية والفكرية ..والأمور  الأخرى .
و الشئ العجيب في ذلك أن أصحاب هشام بن الحكم كانوا يختلفون إليه و هو في الحانوت يأخذون منه استيضاحات عقائدهم الدينية و المذهبية ويحدثهم عن الإمام الصادق {ع} وعبد الله يسمع ذلك و لا يبدي أي مخالفة بل العكس يستمع حتى يعي رأي الشيعة من علماءهم ..، و كذلك الإباضية كانوا يختلفون إلى صاحبهم عبد الله بن يزيد , يأخذون عقائدهم منه و هشام يسمع و لا يظهر أي مخالفة ولا يعترض على رأي يختلف مع عقيدته ... .
و ذات يوم قال عبد الله لهشام : أنت تعلم ما بيننا من المودة و دوام الشركة ، و قد أحببت أن تنكحني ابنتك أريدها زوجة لي ... فأجابه هشام قائلاً : إنها مؤمنة ! . فسكت عبد الله و لم يعوده في شئ ..واستمرا في محبتهما و شراكتهما حتى فرق الموت بينهما .بالمناسبة كلمة مؤمن في الرسائل العملية تعني ألاثني عشري..
                النقطة الأخرى في سقوط الدول والحكومات هو الفساد الأخلاقي والتربوي  عند الحكام وحاشيتهم ...
   مثلا يقول المؤرخون إن جميع الخلفاء وحاشيتهم كانوا من الفاسدين أخلاقيا من الداخل ويظهرون الإسلام من الخارج ..كان بعهدة السلاطين التنابلة المحظيات والجواري "الحريم" بالبلاط السلطاني ، في وقت كانت الدولة العثمانية أو العباسية تحارب أوربا وتلك تحارب المشركين بعنوان الإسلام ..بينما نساءهم معظمهن من الأوروبيات المسيحيات أو اليهوديات... حتى وصل الحال أن قتل السلطان سليمان القانوني أبناءه في مؤامرة مأساوية،  من خلال مكائد زوجته روكسلان الزوجة الأوربية  إلا مؤشرا على التدهور الأخلاقي والقلاقل الشديدة التي أدت لإضعاف الباب العالي بعد ذلك ...واستغلت القوى الأوروبية هذا الأمر أبشع استغلال من خلال أتباع الدبلوماسية الناعمة بالبداية أي بتهيئة ما يريده السلطان من الدول الأوربية من مال ونساء وجواري ..ثم عبر الإجهاز على الدولة وهو ما أدى إلى انكشاف الغطاء عن الدولة  فأصبح الوطن العربي فأصبح لقمة سائغة للقوى الاستعمارية الإمبريالية منذ بداية القرن التاسع عشر، وهو ما أوصلنا للوضع الحالي باحتلال فلسطين على يد القوى المهيمنة بالعالم وأداتها الكيان الصهيوني. وهذا المسار التدريجي نحو الضعف والاضمحلال والسقوط، عند دراسته بتمعن، نراه ينطبق كذلك على سقوط الإمبراطوريات الأخرى كالروسية القيصرية والنمساوية والفارسية -المجرية وغيرها .... 
 
متى ستسقط أمريكا؟!:...   هل من الممكن أن تسقط أمريكا..؟؟؟ 
                  البعض قد يتساءل عن كيفية سقوط , الولايات المتحدة الأمريكية. ولا أظن أن مسألة سقوطها..!!
         لا نريد أن نتكلم عن الغيبيات ، ولكن سقوط أمريكا  مهما اقترب أو ابتعد زمانه، لا يخرج عن هذه القاعدة العامة التي تنطبق على جميع الدول والقوى العظمى في العالم.ومن أهم أسباب فسق أمريكا  اليوم وشمولها بالآية المباركة ..هو غياب العدالة الاجتماعية سواء في الداخل أو الخارج .. يعني نظرتهم للشعوب قياسا بالشعب الأمريكي ..، لان الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بالتعالي على جميع أهل الأرض.. هم يرسمون سياسة العالم ، وعلى العالم أن يطيعهم ، وهذا نراه واضحا في تسخير المنظمات الدولية لصالح الدول الكبرى وأمريكا على رأسها ..
 النقطة الثانية :..تطويع القانون الدولي  لخدمة الأمريكان،   وعلية القوم وكبارهم والتوغل والامتداد العسكري  على العالم وعدم احترام ثقافات الناس  وأعراقهم، وهذا ولد كرها للأمريكان من الشعوب المظلومة ،  سيؤدي بالنهاية بهذه الولايات المتحدة إلى الوقوع بما وقعت به تلك الدول الساقطة وإلى الانهيار الحتمي، مع ترجيحي بأن تكون الأسباب المباشرة لسقوطها داخلية بالدرجة الأولى،لذلك يهتمون بالديمقراطية خوفا من انزلاق الدولة العظمى للتفتت والاضمحلال ....!!!
        لان المتعارف عليه أن الخطر والتهديد الخارجي سيوحد من الجبهة الداخلية.هنا لعبت أمريكا  أقذر دور في تاريخ البشرية ، وأسوء نظام في العالم لحد الآن ، حيث وحدوا جبهتهم الداخلية على حساب عدو مزعوم يقاتلونه خارج حدودهم بأعذار لا يقبلها عقل .. فأنت تشاهد هذه الدولة لا تكاد تمضي بضعة سنوات إلا وترى حربا مفتعلة تشنها الولايات المتحدة مثل غزوها وحربها على الفليبين عام 1902، ودخولها غير المبرر للحرب العالمية الأولى عام 1917، ثم تحرشاتها باليابان ما أدى إلى وقوع النزاع العالمي بينهما وانتهائه بالضربة الكارثية الذرية لهيروشيما وناجازاكي عام 1945، ثم تورطها بالحرب الكورية 1950، وغزوها الفاضح لفيتنام تحت شعار منع الشيوعية ا من 1956 وحتى 1975،حرب استمرت عشر سنوات استخدمت جميع أنواع الأسلحة ضد الفيتناميين ...
 ثم غزو لبنان عام 1982 وشبه جزيرة غرانادا عام 1983، وقصف ليبيا عام 1986، فغزو بنما عام 1989 والقبض على رئيسها ، الذي لا يزال سجينا حتى الآن. على أن أمريكا التي يعتبرها الكثيرون شرطي العالم خاضت حروبا قد يراها البعض محقة ولها ما يبررها، مثل وقوفها بوجه الخطر النازي والفاشي في أوروبا بالحرب العالمية الثانية، وكذلك خوضها لحرب الخليج عام 1991 وتحرير الكويت. ولكن أيا كان سبب خوضها لكل هذه الحروب وما تلاها وبغض النظر عن مدى أحقيتها من عدمه، فإن من الواضح للعيان أن هذه القوة العظمى لا تنفك عن شن الحروب، بسبب شعورها أن هذا العامل قد يكون هو السبب الوحيد لتوحد البلاد داخليا. فمن يطلع على أحوال الشعوب الأمريكية فسيلحظ عدم وجود رابط يجمعها أو عناصر ثقافية أو عرقية أو تاريخية أو دينية توحدها على الإطلاق
 
    سياسة الحكومات الدينية :...  أي حكومة  تستخدم الدين لقمع معارضيها لا يمكن أن تنجح ولا تستطيع أن تحظى بحب الشعب ... انظر إلى تاريخ الإسلام وكيف تعامل الرسول {ص} مع اليهود والنصارى ، ولكن الخيانة ديدنهم ، حتى إن بعضهم شارك مع حروب المسلمين ، وكان النبي{ص} يشتري منهم السلاح ، وأحيانا يشتري بالآجل ، وهذا دليل على وجود علاقة ودية بين الحاكم والمحكوم .. بينما الإمبراطوريات في التاريخ عكس ذلك اضطهدت جميع الأديان إلا دينها الرسمي .. مثلا ...قامت الإمبراطورية الرومانية في معظم عصورها على ديانات وثنية مبتكرة أو مختلطة مع ديانات وثنية سبقتها كديانات الإغريق، وعبد أهل روما الأصنام المجسدة للبشر ، فانتشرت الأصنام بالبلاد بعنوان الآلهة .. وهذه سخرية يعرفها الحاكم والشعب وكلها لعب على الذقون ..حتى أصبح بعض الحكام يمثلون آلهة تعبد من دون الله .. وقصة فرعون معروفة ... أما في روما  فدينهم هو دين الملك ..منها مثلا جوبيتر كبير الآلهة وزوجته  ثم تأتي بعدها  إلهة السماء والقمر واله المرأة، وإلهة الشعر والطب والحكمة وحامية النار المقدسة ولها معبد كبير تخدمه راهبات كثيرات، وإلهة الزراعة، وديانا أم الحيوانات المتوحشة والغابات، أما فينوس فهي إلهة الحب والجمال .. واله  ومارس هو إله الحرب، وآلهة أخرى كثيرة. وعملت الدولة الرومانية على اضطهاد أي دين يقوم على أراضيها، فحدثت نزاعات دموية بينهم وبين اليهود في فلسطين لان ثقل الدولة الرومانية في فلسطين ..
                  فثار اليهود انتقاما لدينهم الذي أرغمهم الرومان أن يتركوه ..فتعرضوا إلى ما يشبه الإبادة الجماعية والتهجير من الشام الكبرى. .. وجاءت الكارثة حين قام الرومان كذلك بعملية قد لا نزال نعاني من تبعاتها حتى اليوم وتتمثل بهدم وحرق المعبد  المعروف باسم "هيكل سليمان"، الذي أصبح علينا  "مسمار جحا" وادعى اليهود  من خلال احتلال القدس إنهم يريدون أن يقيموا هيكلهم المزعوم من جديد على أنقاض المسجد الأقصى... وهذا سيؤدي إلى حروب ونزاعات لا يعلمها إلا الله ... هذه الممارسات كلها " فسوق  وخروج عن أمر الله " 
 
  كيف انتشرت الديانة المسيحية ..؟؟ وهل يعقل إن النصرانية أكثر جذبا من اليهودية عند الأوربيين ..؟ قبل الجواب على ذلك أرسل الرسول محمد {ص} رسالة إلى ملك الروم المسمى هرقل العظيم "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم• سلام على من اتبع الهدى• أما بعد: فإني أدعوك بدعوة الإسلام : أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين• فإن توليت فعليك إثم الأريسيين•" ثم كتب قوله تعالى { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللَّهِ} 
           القصة بدأت بتاريخ جد حين اتضح للإمبراطور قسطنطين الأول أن النزاعات الداخلية بين علية القوم في روما قد ضربت أطنابها ولا يمكن حسمها مطلقا ...وأن الخلافات الطائفية والمذهبية قد استفحلت، لجأ إلى حل قد يبدو منقذا آنذاك، وهو محاولة تبني الديانة المسيحية دينا للدولة. باعتبار  إن الإلهة انتهى دورها ولم يعد الناس يؤمنون بهكذا خرافات ..ولكن هذا الأمر لم يكن بهذه السهولة ،  لأنه يضطر أولا إلى محو تاريخ الرومان المرتبط بالوثنية ارتباطا شديدا، ولا شك أنه واجه صعوبات كثيرة بهذا الشأن لان الناس تعودوا على الوثنية طوال ثلاثة قرون متتالية ، ثم انهم يعرفون مدى التنكيل بكل من يؤمن بدين عيسى ابن مريم عليهما السلام قتلا وصلبا وتعذيبا، ولم يسلم منهم حتى عيسى{ع}  لكن  الله تعالى أنقذ نبيه المسيح برفعه إلى السماء  ، فخيل لهم أنه قد صلب وما هم إلا واهمون. وليس من المقنع أن يأتي بهذا الدين ليجعله رسميا هكذا فجأة. إلا إنه كما بدا قد وجد حلا تمهيديا لذلك من خلال ما أطلق عليه "إطلاق حرية الأديان والاعتقاد الديني" في عهده،...
               المشكلة التي واجهته ، انه فوجئ أن أصحاب الديانة المسيحية ، التي أرادها منفذا للوضع السيئ، كانوا منقسمين على أنفسهم حول طبيعة ديانتهم وجوهر عقيدتها. وكل فرقة تدعي إنها الفرقة الناجية .. وهو ما اضطره بالنهاية إلى عقد المجمع المسكوني الأول في عام 325 م، حيث التقت الفرق المسيحية بغرض الخروج بعقيدة موحدة للمسيحية، ولكن تركز الخلاف على مسألة التثليث وطبيعة الرب، ما إذا كانت واحدة أم ثلاثية....والذي يذكره التاريخ أن كثيرا من المصادر تذكر أن أغلبية رجال الدين الذين دعوا للاجتماع كانوا  مؤيدين بعدم وجود أدلة تقضي بالتثليث، ولكن النتيجة النهائية لهذا المجمع الذي حكم على شكل الديانة المسيحية آلت لصالح المثلثين على قلتهم. ويقول المؤرخ الأمريكي كرين برنتون: "إن المسيحية الظافرة في مجلس نيقية في أعظم إمبراطوريات العالم كانت مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل... ولو أن المرء اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية لخرج من ذلك قطعا، لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن الأولى فحسب، بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتا" بحيث اقتصرت على الزواج وصلاة يوم الأحد ودفن الجنازة ..فقط هذا هو المسيحية الآن ..!!
 
 بعد هذه الجولة السريعة في تاريخ سقوط الدول الكبرى .. نرجع للقران ، كيف يرى أسباب الفساد والفسوق في الأرض..؟  الجواب على هذه التساؤلات هو ...  ليس للدولة قيمة على الإطلاق إن لم تعمل على احترام الفرد ورعاية حقوقه وكفالتها، فهذا هو أساس الإسلام وجوهره حيث إنه وضع خارطة طريق إلهية تنظم العلاقات الإنسانية وتبين الواجبات التي يتعين على المسلم  القيام بها تجاه ربه وتجاه الإنسان الآخر ومع المجتمع الذي وضع هذا الدين الختامي للبشرية أسسه الراسخة..... فإذا كانت الدول تدرك هذه القواعد وتقيمها حسب متطلبات العدل الشامل واحترام حرية الفرد وكرامته فإن حكمها يستمر ويكون قوي غير آيل للسقوط ...أما إذا جنحت الدولة نحو الظلم والاستبداد والفساد، فإنها ساقطة بزمن عاجل غير آجل، مهما بدا عليها من علامات الثبات والاستقرار والمنعة. ودائما ما يوجد من يزين بقاء الدول رغم تآكلها من الداخل، وغالبا ما يكون هؤلاء سببا رئيسا بتعجيل سقوط دولهم، وقد عبر كسرى أنو شروان الملك الفارسي عن ذلك خير تعبير ذات مرة حين قال "المُلك بالأعوان" وهذا توصيف واقعي وصحيح، لان  "الملك بالأعوان، والأعوان بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالرعية، والرعية بالعمارة، والعمارة بالعدل" ..!  وبالتالي، فإن سقوط الدول وتفتتها وانقسامها سنة من سنن الله في أرضه ... ولكنها مشروطة بالفساد والفسق ..
 
          نقطة مهمة أخرى ... هي الدولة الراشدية ... لا يختلف اثنان إن الحكومات التي قامت بعد وفاة الرسول {ص}  تعتبر عند البعض من أفضل الحكومات ، بدليل إن أعمال الخليفة وأقواله تعتبر حجة على البعض .. فما قاله الخليفة الراشدي في مدرسة الصحابة يعد دليلا كالقران ..!! ومعروف إن الشيعة الأمامية لا يأخذون بهذا الرأي ، ولهم أسبابهم وأدلتهم ، منها انه لا يوجد نص شرعي واحد في القران , ولا في حديث رسول الله {ص} ينص على الأخذ من الصحابة والخلفاء المذكورين ، بالمقابل في أيدينا نصوص كثيرة تبين إن الخلفاء خالفوا قول النبي {ص}  في مواطن كثيرة ... ولكن أهمها موضوع استلام السلطة من بعده ... وهذه النقطة يستهين بها بعض العلمانيين والفاسقين   ، حيث عرض احدهم رأيا يقول استهزئ علي الوردي وشخص أمريكي في قضية تفضيل الإمام علي{ع} وعمر بن الخطاب ، وحين سال الأمريكي  علي الوردي , الآن من الذي يحكم ، أجابه إنهم ماتوا قبل 1400 سنة ، هذه من أساليب المرتزقة في تشويه المواقف .. نحن كمسلمين نتبع أقوال النبي {ص} والقران ، وهذه الرؤية لا تتحدد في زمن النبي {ص} فقط دون غيره من الأزمنة .. ولذلك بعض المدعين الثقافة يقولون برأي الوردي وحسن العلوي بتساوي علي بن أبي طالب{ع} بغيره من الناس ، وهذه لو كانت تغيض غيرنا فلتكن ,   الآن المتلونون يؤيدون أي نظرية تجلب لهم المال والجاه والتقرب من أمريكا وإسرائيل وقطر والسعودية , ولكن على حساب الثوابت ...
         لو نظرت إلى جميع أصحاب الفكر كيف يتمسكون بعقيدتهم  ويتعصبون لها رغم انهيارها وتلاشيها من خارطة الإنسانية .. مثلا لا زال ملايين الألمان يحيون ذكرى موتاهم في الحرب العالمية الثانية , رغم إنهم هم المعتدون وشنوا حربا على الدول المجاورة ، ويمجدون هتلر والنازية ولا زالوا يعتبرون أنفسهم أفضل البشر بالخلقة التكوينية ... ولا زال اليهود يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار.. ولا زال الشيوعيون يتمسك بعضهم بالنظرية الماركسية اللينينية .. ولا زال الجميع يتمسك بلقبه وعشيرته وقوميته ... لماذا حين نصرح علنا بتمسكنا بديننا وحقنا في عقيدتنا يأتي ممن يلعب الذباب في فمه ينعتنا بالمتخلفين ...؟؟ ...!! 
     نعود لدولة الخلفاء ... سبب تلاشي دولة الخلفاء يعود لقضيتين ... الأولى الخلفاء أنفسهم ... والثانية الشعب المسلم هو الذي حكم على نفسه بفشل النظرية الإسلامية ... لان القاعدة الإلهية في النصر والاستمرار يكون من الشعب نفسه وليس من الخارج { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ... سباب الثورة على عثمان
 
كان من أهم الأسباب التي دفعت المسلمين في الولايات المختلفة إلى الاعتراض و التحرك ضد السياسة القائمة أيام خلافة عثمان،هو واقع الولاة و الأمراء الذين عينهم عثمان على الولايات و الأمصار.
فالمعروف تاريخيا أن مجموعة من أبناء عمومة الخليفة عثمان أو أبناء خالاته أو أقربائه من بني أمية  التفت حوله منذ توليه الخلافة،و حققت المكاسب والامتيازات و امتلكت الثروات و اكتنزت الكنوز،  ثم ارتكبت  المظالم والانحراف الأخلاقي  ما جعل المسلمين يضيقون ذرعا بهم و يثورون عليهم مطالبين الخليفة بعزل أولئك الولاة الظالمين،و إبعاد طبقة الأثرياء القرشية التي أحاطت به،و اتخذت منه ستارا لتحقيق مآربها الدنيوية،و لما لم يقم بعزلهم و إبعادهم بضغط من نفس تلك البطانة انتهت الأمور إلى حالة مأساوية قتلوا فيها الخليفة عثمان نفسه،فلننظر إلى قائمة بأسماء هؤلاء الولاة و نتعرف إلى سوابقهم التاريخية و سلوكياتهم و نلاحظ  وشائج القرابة الأموية والقرشية  التي تربط بينهم و تأثيرها على السياسة الراشدية آنذاك وكيف تصرفت بأموال المسلمين .....
كان الخليفة هو:عثمان بن عفان بن أبي العاص من بني أمية والولاة المتنفذون هم ..
1ـالحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس: هو عم الخليفة عثمان،و كان أشد الناس أذى لرسول الله في الإسلام،«اطلع على رسول الله ذات يوم و هو في بعض حجر نسائه،فعرفه (ص) و خرج إليه و قال:من عذيري من هذا الوزغ اللعين،ثم قال:و الله لا يساكنني و لا ولده. فغربهم جميعا أي نفاهم هو و ولده إلى الطائف،فلما توفي رسول الله {ص} ،كلم عثمان أبا بكر فيهم أي ليعيدهم إلى المدينة فأبى و قال:ما كنت لآوي طرداء رسول الله،ثم لما استخلف عمر،كلمه عثمان فيهم،فقال مثل قول أبي بكر،فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة»...
و قد كان الحكم فقيرا مملقا حتى انه عند ما دخل المدينة بعد سني النفي و الطرد،كان عليه ثوب خلق بال و هو يسوق تيسا و الناس ينظرون إليه و إلى سوء حاله و حال من معه،حتى دخل دار الخليفة عثمان ،ثم خرج بعد أن كساه جبة خز و طيلسان ... فلما حل المساء جاء عامل صدقات المسلمين على السوق إلى الخليفة عثمان و بيده الصدقات ليضعها في بيت المال،فقال له عثمان:أدفعها إلى الحكم هذا ،ثم ولاه أي الحكم على صدقات قبيلة قضاعة ،فبلغت ثلاثمائة ألف درهم فوهبها له ...وهذا الرجل له تاريخ مع عشيرة قضاعة نزل بسببها آية { إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ..
و كان الخليفة عثمان يحبه حبا شديدا ،حتى انه عند ما توفي أقام الخليفة على قبره فسطاطا   على عادة القوم آنذاك في إظهار الحزن الشديدـ.
 
2ـمروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية :  ابن عم الخليفة ،أرسله عثمان مع الغزو المتجه إلى أفريقيا،فلما عاد الجيش و معه الغنائم،أعطى عثمان ابن عمه مروان خمس تلك الغنائم  ،و قد استنكر المسلمون ذلك وجاءه  أسلم الساعدي وصار يعاتب عثمان:   ويذكره بسنة من مضى‏و يعني وذّكره بطرد رسول الله له وأبيه ..وجاءه آخرون يعاتبونه على أعطاء مروان خمس أفريقيا .. فقرر على أثرها منح فدك لمروان بن الحكم ...وهي صدقة النبي{ص}  لفاطمة الزهراء {ع}.. قال ابن حجر العسقلاني:«إن مروان كان من أسباب قتل عثمان» ..
أما أخوه الحارث بن الحكم بن أبي العاص و هو ابن عم الخليفة و أخو مروان،قال ابن أبي الحديد:«تصدق رسول الله (ص) بمهزور على المسلمين،فأقطعها عثمان للحارث ،ثم زوجه«ابنته عائشة،فأعطاه مائة ألف من بيت المال» 
3ـالوليد بن عقبة بن أبي معيط ..و هو أخو عثمان لامه،و كان أبوه عقبة«أشد الناس أذى لرسول الله (ص) و عداوة له و للمسلمين،عمد إلى مكتل فجعل فيه عذرة (غائط) و جعله على باب رسول الله،اسر ببدر فقتل صبرا» .أما هو فقد اشتهر انه (كان زانيا شريب خمر) وله نديم نصراني أعطاه دارا قريبة من المسجد،فكان يدخل المسجد إذا أراد الوصول إلى الوليد  ..ولاه عثمان على الكوفة بعد أن عزل عنها سعد بن أبي وقاص،و«كان يشرب مع ندمائه و مغنياته من أول الليل إلى الصباح،فخرج منفصلا في غلائله،فصلى بهم صلاة الصبح أربعا،و قال:أزيدكم؟!..
و قد شهد مجموعة من الشهود عليه لدى عثمان بشربه الخمر و كان اسم أحدهم جندب،فأخبروا عثمان خبره و كان عبد الرحمان بن عوف حاضرا فقال:«ما له؟أجن؟قالوا:لا،و لكنه سكر،قال فأوعدهم عثمان وهددهم،و قال لجندب:أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟قال:معاذ الله،و لكني أشهد أني رأيته سكران يقيئها من جوفه،و أني أخذت خاتمه من يده و هو سكران لا يعقل. فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم و بين عثمان،و أن عثمان زبرهم ـفنادت عائشة:«إن عثمان أبطل الحدود،و توعد الشهود» ... «و قد اضطر الخليفة عثمان،و تحت الضغط الجماهيري،و تحذيرات عائشة و نصيحة الإمام علي (ع) الذي استشاره عثمان في الموضع،فقال له الإمام علي ـ {ع} إن شهد عليه الشهود بمحضر منه أقم عليه الحد،فاحضر و شهد الشهود،فجلد بحضور الخليفة عثمان و الإمام و مجموعة من المسلمين»..
  4- عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري القرشي:و هو ابن خالة عثمان و أخوه من الرضاعة ، قربه رسول  الله (ص) فظهرت خيانته فطرده فارتد عن الإسلام و لحق بمكة و أخبرهم:إني كنت أصرف محمدا حيث أريد ،كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول أو (عليم حكيم) ،فأنزل الله فيه (و من أظلم ممن افترى على الله كذبا } ،فأهدر الرسول دمه،  وبعد فتح مكة استأمن له عثمان من النبي (ص) هذا الفاسق أعطاه عثمان أثناء خلافته«جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغرب هي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين» ..
5- عبد الله بن عامر بن كريز الأموي:ابن خالة عثمان ولاه البصرة و عمره خمس و عشرون سنة وعينه أميرا على فتوحات المشرق... هذا الرجل قتل من أهل البصرة أكثر مما قتل الحجاج في الكوفة ..
جاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح،فوضعها بين يدي عثمان و بكى،فقال عثمان:أتبكي أن وصلت رحمي؟!قال:لا،و لكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله (ص) ،و الله،لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا،فقال (عثمان) :ألق المفاتيح يا ابن أرقم،فإنا سنجد غيرك!!
و أتاه أبو موسى (الأشعري) بأموال من العراق جليلة،فقسمها كلها في بني أمية ..و يبدو أن حبه لأقربائه من آل أمية كان مشهورا حتى قبل أن يلي الخلافة،حتى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة و سمى أهل الشورى،و ذكر أوصافهم قال عن عثمان :«و الله،لئن كان الأمر إليه ليحملن بني أبي معيط ـأي بني أمية على رقاب الناس»  .أما معاوية بن أبي سفيان:فقد كان الشام بأسره في يده و كان يعيش متفرفا منعما هناك.
«أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده (5:347) من طريق عبد الله بن بريدة قال:دخلت أنا و أبي على معاوية،فأجلسنا على الفرش،ثم أتينا بالطعام فأكلنا،ثم أتينا بالشراب والخمر ،فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال أي والد بريده :ما شربته منذ حرمه رسول الله (ص) »  يبدو أن معاوية لم يكن يتحرج من شربها،بل كانت تحمل له على الإبل و تخترق الطرقات و الأسواق،حتى مرت مجموعة من الإبل المحملة بالقرب على الصحابي عبادة بن الصامت و كان آنذاك في الشام فسأل:ما هذه؟أزيت؟قيل:لا،بل خمر تباع لفلان ،فأخذ شفرة من السوق و مزق بها  القرب،و كان أبو هريرة إذ ذاك بالشام،فأرسل فلان أي معاوية إلى أبي هريرة يقول له:أما تمسك عنا أخاك عبادة؟أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم،و أما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا أو عيبنا،فأقبل أبو هريرة حتى دخل على عبادة فقال له:يا عبادة!ما لك و لمعاوية؟ذره و ما حمل،فإن الله يقول:تلك امة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم...!! , قال:«يا أبا هريرة!ألم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (ص) ،بايعناه على السمع و الطاعة  في العسر و اليسر،و على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ولا تأخذنا في الله لومة لائم»..
      وعلي يحمل الجراب على ظهره ويطوف سكك الكوفة وشوارعها يتفقد فقيرا ... يا قائد الفقراء نحو شواطيْ ...خضراء فيها ما استلذ وطابا ... إن كان غيرك في الشراب سميره ... اثنين أنت جعلتهم أحبابا ... قرص الشعير وملحة يا سيدي ... وبها غزوت مشاعرا ولبابا ....



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=33610
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18