• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تذكرة: أيام الوصال بيننا قديمة .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

تذكرة: أيام الوصال بيننا قديمة

سُئِلَ أحد الصالحين عن كيفية وصوله ذلك المقام الرفيع من الإيمان فأجاب:" حينما كنتُ شابا في مقتبل العمر كنت أخشى الله وأتقهِ كثيرا. لم أترك ليلة واحدة أيام شبابي وإلاّ وقضيتها بالعبادة والمناجاة والصلاة والدعاء. كنت حين يجن عليّ الليل أغتسل غسل تلك الليلة وأسبغ الوضوء وأختار لنفسي مكانا لايراني فيه مَن لايراني. أفترش الأرض مستقبلا القبلة بقلب مقبل خاشع رهبة من ملاقاة ومناجاة الباريء الخالق. أجلس كما يجلس العبد الفقير المعدم المسكين عند باب الملك مطرقا رأسي إستحياءا وخجلا على مافرطت في جنب الله تعالى وهو الذي أطعمني وزرقني وآواني وأحسن إليّ وترحم عليّ بلطفه وكرمه. أبدأ بالإستغفار طالبا من الله تعالى أن يغفر لي ماعملت من سوءٍ في نهاري ثم أخرّ ساجدا على نعمة التوفيق للإستغفار ثم أرفع رأسي وأجلس منحني الظهر فأشكره تعالى على سابغ نعمائه وعظيم أفضاله ثم أخر ساجدا على نعمة التوفيق للشكر وبعدها أرفع رأسي متذكرا آلاء الله تعالى وجوده وكرمه إلى أن يقترب وقت الفجر. أصلي صلاة الصبح ثم أسأله تعالى أن يجعل صباحي صباح نور وهداية وتوفيق ورشاد، وبعد ذلك أنام سويعات ثم أذهب إلى عملي متوكلا على الله قائلا: بسم الله توكلت على الحي القيّوم، حسبي الله ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، اللهم أكفني مايهمني وما لاأهتم به من أمر دنياي وآخرتي.  أستمر حالي هكذا مفوضا أمري إلى الله تعالى مستأنسا بذكره العزيز خائفا هاربا منه إليه لاأجد مفرا مما كان مني ولامفزعا أتوجه إليه في أمري غير قبوله عذري. كنت أردد في تلك الأثناء:
 ليت الذي بيني وبينك عامرٌ   ***   وبيني وبين العالمين خرابُ
لم أسأل الله تعالى شيئا حينها إلاّ وقد تلطف بيّ وأعطاني مرادي في الحال. لقد قضيت جلّ أيام شبابي مناجيا ربي قائما وقاعدا،راكعا وساجدا. لم يدعني إبليس عليه لعائن الله وشأني بل جاءني بحزمة إغراءات مزوقا لي الدنيا محببا لي أهلها. لقد تمكن هذا اللعين من إصطيادي فمشيت وراءه في طريق الضلال والبعد عن الله تعالى، مقترفا تلك الذنوب العظام محتطبا على ظهري السيئات والآثام. مرّت الأيام وإبليس اللعين يحرفني عن الحق كلّما أردت الإقتراب منه. نسيت الله أو كدتُ إلاّ قليلا، فلا صلاة ولا صيام، ولامناجاة ولا دعاء، ولا تضرع ولاخوف ولارهبة ولارجاء. أصبح حالي حال من غرق بالذنوب والمعاصي فلا إستغفار ولاتوبة ولا سجدة شكر على التوفيق للإستغفار. في أحدى الليالي أهمني أمرٌ وأفزعني فلم أجد بُدا من أن أدعو الله تعالى لتيسيره لي وكشفه عني، ولكني كنتُ مترددا في ذلك لأني كنت أخشى أن يطردني من باب رحمته لشدة معصيتي، وكان ألبيس اللعين يوسوس لي قائلا: أن لافائدة من التوجه إلى الله الآن وبعد الذي حصل ولكني خالفته هذه المرّة وأصررتُ على أن أغتسل وأسبغ الوضوء وأفترش الأرض وأعود كما كنت سابق عهدي مع الله تعالى. فعلتُ ذلك ثم رفعتُ يدي إلى السماء وقلت: اللهم أنك تعلم ماأهمني وأنا أعلم أن لاكاشف له سواك ولامفرّج لهمي سواك ولاقاضي لحاجتي سواك فأعطني مرادي ولا تطردني من بابك خائبا ياكريم. لقد إستجاب الله لي كما كان يستجيب لي من قبل فكشف عني الكرب وأزال عني برحمته الهم وقضى بلطفه ذلك الأمر. تساءلتُ مع نفسي مستغربا متعجبا: لقد كان الله تعالى يستجيب لي حينما كنت شابا لأني كنت مطيعا مؤمنا تقيا ورعا أبات ليلتي مناجيا داعيا مستغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا. أمّا الآن فأنا عاص مذنب مقصر مدبر بقلبي عنه قد إستزلني الشيطان فأوقعني في حفرته وحرفني عن الصراط وأغواني فكيف إستجاب الله تعالى لي وأنا غارق في بحر المعاصي والبعد عنه تعالى. بينما أنا كذلك من التساءل والتعجب وإذا بيّ أسمع هاتفا يهتف:( أيام الوصال بيننا قديمة نسيتها وحفظناها). بكيت بكاءا شديدا من خجلي وإستحيائي من خالقي جل شأنه الذي لاينسى من دعاه ولا يخيب رجاء من رجاه وأنه تعالى يقبل التوبة عند عباده ويعفو عن كثير. عاهدتُ الله أن لا أعود لمثلها مادمتُ حيا فرجعتُ إلى مناجاتي ووقوفي بين يديه  نادما منكسرا مستقيلا مستغفرا، راجيا رحمته وتسديده موقنا أن الله يقبل القليل ويعفو عن الكثير بجوده وكرمه وإحسانه ومننه. اللهم إغفر لنا الذنوب التي تحجب الدعاء برحمتك ياأرحم الراحمين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36346
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19