يوما من الايام ، وحينما كنت اعمل في حديقة بيتي عصراً والمسحاة بيدي ، صادفني ثعبان يتجول بهدوء تام بين شجيرات كثيفة جوار السياج ، واذا بي أهب بكل خفة لأكمن له واقضي عليه بضربات عدة قطعت اوصاله ، ثم عمدت الى رأسه ففريته بالارض ، فمات من لحظته ، عندها صرخت على من في الدار ، أن هلموا انظروا ماذا فعلت !!
صوّرت الثعبان القتيل ورحت اتبجح بقتله على صفحتي في الفيس واضعاً الصورة غير آبهٍ ببشاعتها !!
لا اخفيكم ، إن هي إلا دقائق حتى شعرت بالندم ، لِمَ قتلتُ المسكين ؟ هل كان يضمر إيذائي أو أحدا من أهل بيتي ؟ هل كانت لديه أنياب تزق سماً زعافاً ؟
وحين راجعت معلوماتي وما أعرفه عن الثعابين ، تذكرت تقريراً سمعته من قناة الناشيونال جيوكرافيك يقول ان الغالبية العظمى من الثعابين غير ضار ، وان النادر منها جدا من أوتي قدرة اللدغ وزق السم وهي بأصناف معروفة عالمياً ، أما في العراق فقد اشتهرت منطقة سيد دخيل من توابع محافظة ذي قار بحيّتها السامة القاتلة ، وفي المنطقة الغربية بصحرائها نوع منها سام ايضا ، وما خلا ذلك فهي انواع مسالمة ، تعيش في المياه او في الاهور وقرب المستنقعات ، تبحث عن قوتها لا تمس أحداً بسوء . ولم يكن هذا المسكين المقتول إلا ضالا ضيع طريقه فساقه قدره المشؤوم الى بيتي .
لقد أخذتُ المسكين بجريرة غيره إذاً ، قتلته دون ذنب ارتكبه أو أذى اقترفه ، من قال انه ضار سام قاتل ؟ إن أقلية قليلة جداً من الثعابين تلدغ وتقتل وتسم ، فيعم شرها على كل أبناء جنسها ، وتصير الثعابين كلها متهمة وقاتلة ومهدورة الدم ، نقتلها حيثما وجدناها دون تروٍ ، ونقصدها في مخابئها وجحور أمنها لنقتلها وذريتها دون رحمة.
هذه هي طبيعتنا نحن البشر نعمم الشر والفعل المشين والاساءة على جماعة مهما كبرت إذا ارتكب نفر ضال منها ذنبا أو قارف جريمة . فتجدنا نختزن في دواخلنا غيظاً ضد هذه الجماعة وتلك ، او هذا العرق وذاك ، وهذه الطائفة وتلك ، كل ذلك ، خلافا لما أراده الله سبحانه منا ، حيث كرر في مواضع خمسة من كتابه العزيز (ولا تزر وازرة وزر اخرى) . وما كل هذا التأكيد وهو قليل في القرآن العزيز ، إلا لكي نقتلع من أنفسنا حالة التعميم والتوزير بغير حق من جذوره .
ألا ترون السني ينظر أخاه الشيعي بما يرى به ذلك الذي يسبُّ صحابةً يقدّسهم ، فيرى الشيعة كلهم سبّابين لعّانين مغالين ، ألا ترون الشيعي يرى أخاه السني بما يرى به ذلك الانتحاري قاتل الابرياء وآكل الاكباد ، ألا تروننا ننظر الى الكرد جميعا نظرنا الى دعاة الانفصال والتعالي .
ألا تكفينا خمس مرات لتنبيهنا وإعادة الرشد إلينا . فلا نأخذ الجماعات بجريرة فرد من أبنائها ضال ، ألا تكفي هذه الآيات الخمس لافهامنا أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن كل أمرء بما كسب رهين ، وأن ليس للانسان إلا ما سعى .........
اللهم اغفر لنا ما كان منا من ظن أو قول أو فعل
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه |