• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح160 سورة يوسف الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح160 سورة يوسف الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{101} 

تروي الاية الكريمة دعاءا ليوسف (ع) ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) , ملك مصر , ( وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) , تعبير الرؤيا , ( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) , مبدعهما , ( أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ ) , انت ناصري ومتولي امري فيهما , فتوصل الفاني في الدنيا بالدائم والباقي في الاخرة , ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) , الاسلام دين كل الرسل والانبياء (ع) , ( وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) , في الرتبة والكرامة .    

 

ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ{102} 

تخاطب الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) يا محمد , ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ) , اخوة يوسف (ع) , ( إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ ) , اذ عزموا على ما عزموا عليه , ( وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) , به (ع) .    

 

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{103}

يستمر الخطاب في الاية الكريمة له (ص واله) , مهما حاولت واجتهد في بيان ايات الله تعالى ودلائل قدرته جل وعلا , فأنك ستجد ان اكثرهم كافرين , لعنادهم واصرارهم على الكفر .  

 

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{104} 

يستمر الخطاب الرباني في الاية الكريمة , ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) , على التبليغ من جعل تأخذه منهم , ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) , ان هو الا موعظة من الله تعالى للناس اجمعين , فبه يهتدون ويتفكرون .     

 

وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ{105}

تشير الاية الكريمة الى دلائل قدرة الله تعالى في السموات والارض وتؤكد على كثرتها , جميعها تثبت وحدانيته جل وعلا وقدرته , لكنهم ( يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) , يشاهدونها لكنهم لا يتفكرون ولا يعتبرون بها .      

 

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ{106}

في الاية الكريمة اراء كثيرة منها : 

1- بعبادة الأصنام ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . يعنونها . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 

2- شركا في الطاعة والنظر الى الاسباب , فينسبون كل ظاهرة الى مسبباتها الطبيعية , حاجبين صارفين ممتنعين من نسبة ذلك الى الله تعالى وتدبيره . 

3- القمي والعياشي عن الباقر عليه السلام شرك طاعة وليس شرك عبادة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

4- العياشي عنه عليه السلام هو الرجل يقول لولا فلان لهلكت ولولا فلان لأصبت كذا وكذا ولولا فلان لضاع عيالي ألا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لولا أن منّ الله عليّ بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

 

أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ{107}

تسأل الاية الكريمة سؤال توبيخ واستهزاء ( أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ ) , عقاب يغشاهم ويشملهم جميعا , ( أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) , بشكل مباغت , مفاجأ , دونما سابق انذار , وهم لا يشعرون بها , ولا يتحسسونها او يتنبؤون بوقتها , وبذلك يكونون غير مستعدين لها .        

هناك اراء عصرية كثيرة تحاول التنبؤ بيوم القيامة , فمنها ما يقول كوكب ينحرف من مساره فيضرب الكرة الارضية , او نفاد مصادر الطاقة ... الخ , وكل ذلك مما يمكن التنبؤ به , اما الاية الكريمة تشير على نحو التأكيد ان يوم القيامة لا يمكن التنبؤ به مهما تقدم العلم وتطورت وسائله ! . 

 

قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{108}

توجه الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي ) , الدعوة الى توحيده جل وعلا , والاستعداد ليوم المعاد , ( أَدْعُو إِلَى اللّهِ ) , سبيله وصراطه المستقيم جل وعلا , ( عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) , على حجج قاطعة وبراهين ساطعة , ( وَسُبْحَانَ اللّهِ ) , تنزيهه جل وعلا عن الشركاء والابناء والبنات والزوجة والصاحبة ... الخ , ( وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) , بأي نوع من انواع الشرك , سواء كان شرك عبادة او شرك طاعة .         

اكدت الاية الكريمة ان دعوة النبي محمد (ص واله) ما كانت دعوة اعتباطية او ان لها اعتبارات اخرى , كطلب الرياسة او الزعامة او ما شابه , بل كانت دعوة عن بصيرة مستندة الى الحجج والبراهين التي لا تقبل الشك , او حتى الطعن ! . 

 

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{109} 

نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد : 

1- ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ) : للنص المبارك محورين : 

أ‌) ان كل الرسل والانبياء (ع) كانوا رجالا . 

ب‌) ردا لقولهم { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ }المؤمنون24 . 

2- ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) : حري بهم ان ينظروا ما آل اليه مصير الامم السابقة , ويتأملوا في اثارهم ( ما بقي منها ) واخبار من اندرست اثارهم , ولم يبق منهم الا الحكايا والقصص .   

3- ( وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ ) :  يقرر النص المبارك ان الدار الاخرة خير للذين اتقوا الله تعالى , فامتثلوا اوامره واجتنبوا نواهيه . 

4- ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) : الا يستعملون عقولهم , فيميزون بها الحق من الباطل .       

 

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{110} 

تبين الاية الكريمة ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ) , غاية ما دل عليه كلام الاية الكريمة السابقة ( َمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ) فتأخر نصرنا اياهم كما تأخر عن هذه الامة , حتى اذا استيأسوا من النصر ( وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ) , لها محورين :    

1- أي ظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوا به من العذاب والنصرة عليهم .  "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

2- وقريء كذبوا بالتخفيف في الجوامع أنه قراءة أئمة الهدى عليهم السلام ومعناه وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم من نصرة الله اياهم . "نفس المصدر" . 

( جَاءهُمْ نَصْرُنَا ) , بأرسال العذاب على الكفار , ( فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ) , فينجي الله تعالى المؤمنين , (  وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) , العذاب والعقاب اذا نزل على المجرمين لا يرد , ولا يمكنهم دفعه عن انفسهم بأي وسيلة كانت .       

 

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{111}

نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 

1- ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ) : لقد كان في قصص الانبياء والرسل (ع) مع اممهم عبرة وعظة لاصحاب العقول الكاملة المستنيرة . 

2- ( مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) : يشير النص المبارك الى القران الكريم انه ما كان حديثا يختلق , بل : 

أ‌) ( وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) : قبله من الكتب السماوية الالهية . 

ب‌) ( وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ) : فيه بيان كل شيء يحتاج اليه في الدين .  

ت‌) ( وَهُدًى ) : يهدي من الضلالة . 

ث‌) ( وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) : رحمة ينال بها خير الدارين , وخصّ ذكر المؤمنين كونهم الاكثر انتفاعا به من غيرهم .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=38149
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28