• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح166 سورة ابراهيم الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح166 سورة ابراهيم الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{11} 

يبدو في الاية الكريمة ان جميع الرسل والانبياء (ع) تعرضوا لمثل هذا الموقف , فكل قوم قالوا لرسولهم ( قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) فذكرتهم بصيغة الجمع ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ ) اي ان كل رسول قال لقومه ما يلي :     

1- ( إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) : نحن بشر كما قلتم , وما ينبغي للرسول او النبي الا ان يكون من جنس قومه . 

2- ( وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) : بالنبوة . 

3- ( وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) : وهو رد على قول القوم لهم ( فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) , حيث ان الرسل والانبياء (ع) لا يأتون بالمعجزات والحجج الباهرة من تلقاء انفسهم اتيانا وموافقة لهم على اقتراحاتهم , بل انهم عباد مكرمون , لا يفعلون ولا يؤدون الا ما امروا به من قبله جل وعلا .   

4- ( وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) : للنص المبارك خطين : 

أ‌) عام : وقصدوا به ( الرسل ) التعميم بما يوجب الثقة والتوكل على الله تعالى . 

ب‌) خاص : قصدوا به ( الرسل ) انفسهم وهو الايمان به جل وعلا والاعتماد عليه والثقة به في كل امورهم .              

 

وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ{12} 

يستمر خطاب الرسل (ع) في الاية الكريمة وكان في ثلاثة محاور : 

1- ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ) : لا مانع ولا عذر لنا من الاعتماد عليه جل وعلا . 

2- ( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا ) : سوف نصبر على اذاكم في سبيل اداء رسالتنا على اكمل وجه .  

3- ( وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) : تضمن النص المبارك خطين ايضا على نحو ختام الاية الكريمة السابقة ( عام لكل الناس وخاص لهم - الرسل - )      

 

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ{13} 

تستكمل الاية الكريمة الحوار بين الرسل وقومهم , فيرد الذين كفروا من القوم ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ ) مخيرين اياهم بين امرين :    

1- ( لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا ) : النفي والطرد .

2- ( أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) : او العودة لدين القوم , تنبغي الاشارة الى ان الرسل والانبياء (ع) لم يكونوا على دين قومهم قط , فيحمل معنى ( أَوْ لَتَعُودُنَّ ) وتعني الصيرورة  الى دين القوم .      

وتبين الاية الكريمة في ختامها ان الله تعالى مجده اوحى لرسله (ع) ( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) , الكافرين , بعد ان استنفدت معهم كل الوسائل والبراهين , فاستحقوا حلول العذاب العاجل ( الدنيوي ) عليهم .    

 

وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ{14}

تستمر الاية الكريمة في مخاطبة الرسل والانبياء (ع) وتضمنت وعدا ربانيا لهم ولمن تبعهم من المؤمنين ( وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ) , اي بعد اهلاكهم وفناءهم , لكن ذلك مشروط بشرطين : 

1- ( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي ) : المقام بين يديه جل وعلا , وقيل هو الموقف يوم الحساب . 

2- ( وَخَافَ وَعِيدِ ) : الوعيد بالعذاب المعد للكفار .    

 

وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ{15} 

تشير الاية الكريمة الى ان الرسل (ع) سألوا الله الفتح ( النصر ) على اعدائهم واستنصروه عليهم , (  وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ ) , خاب واحبط سعي كل متكبر , ( عَنِيدٍ ) , معرض عن الحق , يأبى ان يقول ( لا اله الا الله ) .   

 

مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ{16} 

تبين الاية الكريمة ان بين يدي هذا الجبار العنيد جهنم , هو مقبل عليه , ( وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ ) , يبين النص المبارك انهم سيسقون فيها (  مِن مَّاء صَدِيدٍ ) وهو ما يسيل من جوف اهل النار من الدم والقيح وغيره .  

 

يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ{17} 

تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة وتبين حال ( كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) في ذلك الموقف ونستقرأها في ثلاثة موارد :      

1- ( يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ) : يجبر قهرا او من شدة الجوع على ابتلاعه مرة بعد مرة فيتقزز ويشمئز منه لقذارته وحرارته ومرارته , ( وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ) لقبحه وكراهته .    

2- ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ) : يبين النص المبارك ان اسباب الموت تاتيه من كل مكان , لكنه لا يموت فيستريح . 

3- ( وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) : ليس ذلك فقط , بل هناك ( عَذَابٌ غَلِيظٌ ) عذابا اشد منه وانكى , متصل , وهو صنوف اخرى من العذاب لم يذكرها القرآن الكريم بل اكتفى بالاشارة اليها بالوصف .       

 

مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ{18} 

تضرب الاية الكريمة مثلا لاعمال الكافرين ( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ  ) , لا يتنفع بها , ( كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ) , كرماد عصفت فيه الريح , فتبدد في الافاق , ولم يبق منه اثر , كذلك حال اعمالهم لا يجدون ما ينتفعون به , ( لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ) , لا يجد الكفار يوم القيامة لاعمالهم اثرا من ثواب او اجر فينتفعون به , ( ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ) , في غاية البعد عن الحق والطريق القويم .           

 

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{19} 

تضمنت الاية الكريمة استفهام تقرير يدفع العقول والاذهان الى التفكر والتدبر ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ ) , بالحكمة ودقة الصنع , ولم يكن خلقه جل وعلا باطلا او عبثيا تعالى عن ذلك علوا كبيرا , ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) , قدرته جل وعلا ان يفنيكم ويأت بخلق اخر , بديلا عنكم .       

 

وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{20} 

تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة , وما ذلك الهلاك والاتيان بغيركم بممتنع او متعذر او عسيرا عليه جل وعلا , فهو القادر على كل شيء . 

 

وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ{21}

تنقل الاية الكريمة مقطعا من يوم القيامة , وقد ذكرته بصيغة الماضي لتحقق وقوعه لا محال , ( وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء ) , الاتباع وهم ضعاف الرأي , ( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ ) , وهو المتبوعين من رؤساءهم وسادتهم , ( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ) , في تكذيب الرسل (ع) والاعراض عنهم وكذلك الحاق الاذى بهم , (  فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا ) , هلا دفعتم عنا , ( مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ ) , حرف الجر ( من ) الاول للتبيين والثاني للتبعيض , اي هلا دفعتم عنا بعضا من العذاب جزاءا ووفاءا لنا لاتباعكم , ( قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ) , فيرد عليهم سادتهم ورؤساءهم ان لو هدانا الله تعالى للايمان لهديناكم , ( سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ) , الامر سيان , جزعنا من العذاب ام صبرنا عليه فمالنا من ملجأ او منجى او مهرب من العذاب .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39208
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29