• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من نِعَمِ الاستعجالات .
                          • الكاتب : معمر حبار .

من نِعَمِ الاستعجالات

حين يُكتبُ للمرء، أن يزور الاستعجالات باستمرار، لهذا السبب أو ذاك، فإنه يظلّ يحمد الله تعالى، أن فضّله بالنّعم التي يتمتّع بها، وحَرَم غيره ممن مكّنه من أن يقف على أحوالهم، وهو في طابور الاستعجالات. وإليك بعض الصور التي رآها رأي العين الأسبوع الماضي، وهو ينقل أمه الغالية إلى قاعة الاستعجالات:

 

نعمة العقل: أمٌّ أعياها الإنسان وزادها الزمان، تحمل ابنتها وقد بلغت مبلغ النّساء. إذا رأيتها لأول مرة في المقعد جالسة، أجزمت أنها إمرأة كاملة، وأنها هي التي حملت أمها للاستعجالات. لكن بمجرد أن يناديها القائم على الباب لتتقدم للطبيب، يقشعرّ البدن مما رأى وسمع. 

 

هذه المرأة فاقدة العقل، تقودها الأم كما يقاد الصبية، وتعاملها بهدوء تام ورقّة نادرة، خشية أن ينفلت لسانها، أو ترتكب مايُفسد. فتراها تبكي، وتُسمعُ من بالمستشفى بصياحها، لمجرد أن رأت رضيعا، يبكي في قاعة التحاليل.

 

إن حالة البنت، دفعت بالأم أن تترجى الأطباء، ومن يُرجى منهم خيرا، أن يساعدوها في تكوين الملف الطبي لابنتها، قصد وضعها في مستشفى المجانين بالبليدة، لأن وضعها الاجتماعي الهشّ وشيخوختها، لايسمحان لها بالاعتناء بفلذة كبدها. 

 

إن الأم لاتسعى لوضع ابنتها في مستشفى الأمراض العقلية، كُرها وبغضا في ابنتها، لكنها لاتستطيع الاعتناء بها، وليس في مقدورها الاعتناء بها بمفردها، لأنها لاتقدر على مواجهة ابنتها، حين تنتابها النوبة العنيفة المفاجئة، فلابد لها من قوي متين، وهذا مالاتملكه، ولاتقدر عليه.

 

من رُزق نعمة الأولاد، عليه أن يحمد الله بكرة وعشيا، لأن هناك أمًّا تسعى جاهدة لوضع ابنتها في مستشفى المجانين، لأنها لاتملك المال والصحة لحمل حبيبتها، واحتضان من ظلتّ لأجلها تنتظرها، لتحتفل بعرسها، وأبناءها.

 

نعمة الأخلاق: فجأة يتّصل 4 شبان بالطبيب ليحقن أخاهم، فيخرج الطبيب من قاعته، ويخبرهم بضرورة أن يقيّدوا أخاهم، ليستطيع حقنه ولو في الفناء، لأن الحالة المأساوية التي يمرّ بها، جرّاء تناوله للمخدرات، لاتسمح له أن يتعاطى الحقنة في ظروف عادية.

 

من فقد أخلاقه، حرم نفسه نعمة الحقنة. ومن تجاوز الحدّ في سوء الخلق، لم ينفعه طبيب، ولو أراد إلى ذلك سبيلا. 

 

نعمة الحرية: وبعد ساعتين من الانتظار، يدخل سجين رفقة حارسه، وهما مقيدين معا في قيد واحد، ضمن سيارتين تحمل كل واحدة منهما، مايضمن أمنه وعدم هروبه، لتكون له الأولوية في الدخول على الطبيب.

 

إن الحرية نعمة لاتقاس بعدد الحراس، ولا عدد السيارات، ولا الأولوية في الدخول. والقيد مانع لنعمة الحرية ونعمة الدواء، ولو حُمِلَ صاحبه على بساط الريح، وقُدِّم على السّلاطين والملوك، ونال من الرعاية الصحية، مالم ينله كبير القوم وأغناهم.

 

نعمة الصحة: وفي قاعة إجراء التحاليل، أب رُزق جمال الصورة وكمال الجسد، يحمل ابنه الذي لايستطيع أن يُجلسه في المقعد. وحين يُسأل عن سنّه، يجيب بأسى، أن عمره ثلاث سنوات ونصف. فالطفل هزيل لايستطيع الوقوف، فضلا عن المشي. ويحمل نظارة تدل على ضعف بصره الشديد، وحجم رأسه صغير جدا، لايتجاوز قبضة اليد .

 

إن الصحة نعمة، لاأحد يدّعيها لنفسه، فضلا عن أبناءه وأحفاده. ومن نعم الله أن يطلب العبد ربه أن يمتّعه بالصحة، ويمتّع أبناءه وأحفاده والمسلمين جميعا. وليعلم الصحيح، أن كمال الجسم، لايُورّث دائما.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=42254
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29