• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح187 سورة النحل الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح187 سورة النحل الشريفة


بسم الله الرحمن الرحيم

وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{118}
بينت الاية الكريمة امرين :
1-    ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ) : اشارة الى قوله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام 146 .
2-    ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى لم يظلمهم بالتحريم , ما فيه دلالة على ان التحريم كان عقوبة , لا لتشريع فيه مضرة . 

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{119}
تبين الاية الكريمة ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ ) , كالشرك والمعاصي , ( بِجَهَالَةٍ ) , جاهلين غير عارفين بها , ( ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ ) , ثم ان رجعوا عن ارتكاب المعاصي بالتوبة , واحسنوا العمل , ( إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا ) , بعد الجهالة والتوبة , ( لَغَفُورٌ ) , غفر لهم ذلك السوء , ( رَّحِيمٌ ) , بهم , سيثيبهم على التوبة والانابة اليه جل وعلا .  

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{120}
تبين الاية الكريمة حال ابراهيم (ع) :
1-    ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً ) : النص المبارك يصف ابراهيم (ع) بثلاثة صفات :
أ‌)    ( أُمَّةً ) : اختلف المفسرون في معناها فمنهم من قال :
أ-1- إماما قدوة جامعا لخصال الخير . "تفسير الجلالين للسيوطي " .
أ-2- عن الباقر عليه السلام وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكأنه امة واحدة  . "تفسير القمي" .
أ-3- عن الكاظم عليه السلام لقد كانت الدنيا وما فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه حيث يقول إن إبرهيم كان أمة الآية فعبر بذلك ما شاء الله ثم إن الله آنسه باسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة . "تفسير العياشي" .
ب‌)    ( قَانِتاً لِلّهِ ) : مطيعا .
ت‌)    ( حَنِيفاً ) : على عدة اراء منها :
ت-1- مائلا إلى الدين القيم . "تفسير الجلالين للسيوطي " .
ت-2- الحنيف المسلم . "تفسير القمي" .  
2-    ( وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) : النص المبارك يكذب قريشا , حيث ادعوا انهم على دين ابراهيم (ع) , فأذا كان الامر كذلك , فأن ابراهيم (ع) لم يكن مشركا .     

شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{121}
تضيف الاية الكريمة حالا ثالثة لابراهيم (ع) ( شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ ) , كان (ع) شاكرا لنعم الله تعالى , معترفا بها , ثم ان الله تعالى :
1-    ( اجْتَبَاهُ ) , اختاره .
2-    ( وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) : ارشده جل وعلا الى الطريق الواضح , الطريق القويم .   

وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ{122}
تضيف الاية الكريمة :
1-    ( وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً ) : يختلف المفسرون في بيان النص المبارك وبالتحديد معنى ( حَسَنَةً ) فقالوا فيها :
أ‌)    الاسلام .
ب‌)    هي الثناء الحسن في أهل الأديان . "تفسير الجلالين للسيوطي " .
ت‌)    بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ورزقه أولادا طيبة وعمرا طويلا في السعة والطاعة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني".  
2-    ( وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) : منزلة خاصة في الجنة .     

ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{123}
تبين الاية الكريمة ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) , يا محمد , ( أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) , دين ابراهيم"ع" ( الاسلام ) , ( وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) , تكرر النص المبارك هنا ليكون ردا شاملا لمزاعم قريش واليهود والنصارى من انهم على دينه (ع) .       

إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{124}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1-    ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) : امر موسى (ع) اليهود ان يتفرغوا يوما في الاسبوع للعبادة , فاختار (ع) يوم الجمعة , لكنهم رفضوه واختاروا يوم السبت . 
2-    ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) : الحكم لله تعالى يوم القيامة في ما اختلفوا فيه .      

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{125}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1-    ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) : يأمر النص المبارك النبي الكريم محمد (ص واله) ان يدعوا الى دين الله تعالى ( الاسلام ) :
أ‌)    ( بِالْحِكْمَةِ ) : بالمقالة المحكمة الصحيحة الموضحة للحق المزيحة للشبهة هذا للخواص . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني".  
ب‌)    ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) : الخطابات المقنعة والعبر النافعة التي لا يخفي عليهم إنك تناصحهم بها وتنفعهم فيها وهذا للعوام . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني".  
ت‌)    ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) : بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة وهذا للمعاندين والجاحدين , أي ناظرهم بالقرآن وباحسن ما عندك من الحجج وتقديره بالكلمة التي هي احسن والمعنى افتل المشركين واصرفهم عما هم عليه من الشرك بالرفق والسكينة ولين الجانب في النصيحة ليكونوا اقرب الى الاجابة فان الجدل هو فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل هو ان يجادلهم على قدر ما يحتملونه كما جاء في الحديث امرنا معاشر الانبياء ان نكلم الناس على قدر عقولهم مجمع البيان .  "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني".       
2-    ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ) : انه جل وعلا اعلم بمن ضل , فليس عليك ايها الرسول هدايته , فقد حق عليه القول والزمته الحجة البالغة .
3-    ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) : وهو جل وعلا اعلم بمن اهتدى الى الطريق القويم , فيثيبهم وينزلهم المنازل التي تليق بهم .      

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ{126}
تبين الاية الكريمة ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) , يذهب السيوطي في تفسير الجلالين الى انه الانتقام , ( وَلَئِن صَبَرْتُمْ ) , عن الانتقام , ( لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ) , بالنصر في الدنيا , وبالاجر والثواب الجزيل في الاخرة .     
بخصوص الاية الكريمة ننقل على سبيل الاطلاع ( القمي وذلك أن المشركين يوم احد مثلوا بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين استشهدوا فيهم حمزة فقال المسلمون أما والله لئن أدالنا الله عليهم لنمثلن بأخيارهم فذلك قول الله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به يعني بالاموات .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم احد من له علم بعمي حمزة فقال الحارث بن الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام أطلب يا علي عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال ما وقفت موقفا قط أغيظ عليّ من هذا المكان لئن أمكنني الله من قريش لأمثلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل فقال وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أصبر .
والعياشي عن الصادق عليه السلام لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان على ما أرى ثم قال لئن ظفرت لأمثلن وامثلن قال فانزل الله وإن عاقبتم الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبر أصبر ) .

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ{127}
توصي الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) بثلاث امور :
1-    ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ ) : بتوفيقه وتثبيته جل وعلا .
2-    ( وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) : النص المبارك يدور حول امرين :
أ‌)    لا تحزن ايها الرسول عن الكفار ان لم يؤمنوا , لحرصه (ص واله) على ايمانهم .
ب‌)    لا تحزن ايها الرسول على ما جرى لاصحابك وما فعل بهم الكفار , فأن الله تعالى نقلهم الى مكان يليق بهم ( دار الكرامة ) . 
3-    ( وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) : لا تضق صدرا بما يمكرون , فأنه جل وعلا ناصرك عليهم .    

إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ{128}
تؤكد الاية الكريمة معية الله تعالى ( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ ) , اتقوا الشرك والمعاصي , (  وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) , في اعمالهم او في الطاعة والصبر والنصرة .     
مما يروى في فضل قراءة سورة النحل الشريفة ما جاء في كتاب ثواب الاعمال وتفسير العياشي ( عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان اللهم ارزقنا بحق محمد وآله ) .


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=43237
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28