• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : هلوسات شارع قصة قصيرة .
                          • الكاتب : اسراء البيرماني .

هلوسات شارع قصة قصيرة

كيوم بعث الموتى كان الشارع يزدحم بجثث مهرولة شقت بقامتها الهواء الضاج برائحة أدخنة عوادم السيارات نحو أعمالهم .. شوارع ماجت بالزحام بين وجوه اعترتها صفرة وشحوب ، وأخرى يعتريها الوجوم من خلف النظارات الشمسية او زجاج السيارات الفارهة المظلل .. صبية صغار داروا بطفولتهم على أرصفة متربة يبيعون الطفولة بأبخس الأثمان فيشترون الأرصفة بدل مقاعد الدراسة .. كنت أحث السير لألحق بباص العمل لتأخري بضع ثوانٍ الا أنّ السائق تجاوزني معلنا الهروب من شبحي حين كنت انتظره على الرصيف المقابل ... تجاوزني مخلفا وراءه أدخنة و غبار كست اناقتي بلفحات عاصفته النتنة .. كنت أكز على أسناني غضباً و أفرغ ثورتي على سلسلة الحقيبة التي دارت بين أصابعي كسلسلة تفريغ الشحنات في السيارات .. استشطت غضبا و قررت ان أغير مساري نحو حافلات العامة .. استلقيت الحافلة و أنا اشعر بالاستياء من أن أكمل يومي و لأنني كنت أعاني نزلة البرد و تحسس قصباتي الهوائية ، كانت نوبات السعال الحادة تعتريني بدون توقف فكنت اسعل حد الاختناق و أنا أحاول أن أتجاوز النوبات المتوالية بمحارم ورقية الا أن أدخنة سجائر احدهم كانت تزيد اختناقي .. يبدو انه يوم ضاغط و خانق.

اعترتني الكآبة فوجدت نفسي اهرب نحو نافذة قاومتني بتكلّسها و أنا احاول فتحها .. فلعلها تأتيني بشئ من الهواء لأتنفس .. فلم أجد غير لفحات من أدخنة و ذرات من رمال كست شوارع بلدي بإتقان !

مخلفات مشاريع بسيطة بمبالغ طائلة تناثرت هنا و هناك ،وجزرات وسطية اندثرت بالرمال ، فتلال الأنقاض أصبحت إحدى معالم مدينتي المغيبة بين أطلال مسلات حمورابي وجنائن نبوخذنصر .. مدينة تتلاقفها أفواه الموت و أيد اللصوص .. وجوه مصفرة وأجساد نحيلة ضجّت بالمجاعة ،وباتت على أرصفة التهجير .. قصص وقصص تروى ، وأحزان مدينتي لا تنتهي .. 

مدينة لا يصلها النور وسقوفها أنسجة عناكب (لصوص الفامباير ) تصطادنا فرائس جاهزة ، فدمائنا شهية أشبه بكؤوس نبيذ معتق انتشوا به وهم في غمرتهم ساهون ..

تستثير اشمئزازي لافتات طويلة عريضة نصبت على قارعة الطريق .. الأرصفة ، الجسور ، الجدران تنادي بالولاء والترغيب لشخصية ما ، فكأنني أدور في معرض أوسوق لأنتقي السلع ! 

اختناق المدينة يزداد ورغبتني بالغثيان تزداد، حتى أنني صرت أشعر بالدوار من تلاحق الصور واكتظاظ دعايات الترغيب ، فتدور عيناي في سوق هرج يلهج الباعة فيه بانتقاء أفضل السلع البشرية .. وجوه ووجوه اكتست بأقنعة المسكنة والتواضع فعلتها قترة ، وأخرى توشّحت بالسواد .. تتبارى جمل الترغيب بشخصيات واهية أتقنت احتراف السرقة و ابتلاع جرعات الدماء ووجوه جديدة على الخطى .. و أنا و سعالي ورغبتي بالغثيان أجوب شوارعي الميتة منذ أعوام ، فلا أرى الا بقع الدم والأنقاض و لافتات أنيقة كانت كلما بليت جُددّت بعد أعوام لتقف كالشبح مرة أخرى يجدد لي الولاء بامتصاص دمي و انتهاك حقوقي ، وأنا ... أستقيل .. أستقيل من بلد تنكّر لي وأصبح وطنا للأشباح !

وصلت لمكتبي بشق الأنفس .. كنت اشعر بدوار شديد و إرهاق وصحتي في تدهور لا شيء يبعث على الحياة الا عيوناً تشرب كلماتي فكتبت سطوري لأنني اعلم من يستقبلني بقلبه وعيونه ويستشعر كلماتي في وطن المنفى و إن كان وطني ..

سحبت قلمي و أوراقي فكتبت .. سلوتي الوحيدة سطوراُ باتت عشيقة قديمة تستقبلني متى أشاء .


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : اسراء البيرماني ، في 2014/06/23 .

امتناني اخي محمد رعد

• (2) - كتب : محمد رعد ، في 2014/04/17 .

كلام جميل



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=45160
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19